الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر!»
تاريخ النشر: ١٦ / جمادى الأولى / ١٤٣٠
التحميل: 1589
مرات الإستماع: 10991

الكبر بَطَر الحق وغمْط الناس

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "تحريم الكبر والإعجاب" أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمْط الناس[1]، رواه مسلم.

قوله ﷺ: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وهذا يعبر به على أقل ما يمكن أن يتصور، وذلك على عادة العرب وطريقتهم في الخطاب حيث إنهم يعبرون عن الشيء اليسير جدًّا بالذرّة، والذرة معروفة وهي صغار النمل، ، العلماء -رحمهم الله- بعضهم يقول: هذا جزاؤه إن جازاه، ولكن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وبعضهم يقول: إن كان تكبره على قبول الحق والإيمان بمعنى أنه رد دعوة الرسول ﷺ ونحو ذلك فإنه لا يدخل الجنة، وليس هناك حاجة لمثل هذه المحامل والتأويلات، وإنما يقال: لا يدخل الجنة من كان في قبله مثقال ذرة من كبر، بمعنى أنه يمحص في النار ثم بعد ذلك حينما يُطهر وينزه يدخل الجنة، فيكون مصيره ومآله إلى الجنة، هذا معروف، هذا هو الذي يكون به الجمع بين الأدلة التي تدل على مغفرة الله لما دون الشرك، وأن من لا يشرك بالله شيئاً فإنه لا يخلد في النار بحال من الأحوال، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعل حسنة؟، هذا يسأل، بعضهم يقول: هو معاذ بن جبل ، وبعضهم يقول غير ذلك، ولا حاجة لتسميته؛ لأن المقصود هو المعنى -بيان المراد، فالتبس عليه الكبر بمعنى آخر وهو التجمل والتزين أمام الناس والظهور بصورة حسنة، بثوب حسن بنعل حسنة ونحو ذلك أو بمركب حسن هل هذا هو الكبر؟ هل من فعل ذلك فهو يطلب الترفع على الناس وأنه يكون قد تميز عنهم أو نحو ذلك، فأجابه النبي ﷺ: إن الله جميل يحب الجمال، فهذا من أسمائه -تبارك وتعالى، وهذا الوصف يتضمن صفة وهي صفة الجمال، وذلك على ظاهره، فالله -تبارك وتعالى- جميل في ذاته، وهو جميل في صفاته وأفعاله، له الجمال والكمال المطلق من كل وجه، هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ ولهذا كان من أسمائه الجميل.

وهذه من الصفات التي تكون كمالاً في المخلوق، سواء كان ذلك من قبيل الجمال الظاهر، أو الجمال الباطن، والجمال الظاهر بنوعيه الجمال الجبلي الذي خلق الله عليه الإنسان، فإن الله فاوت بين الناس في الخلق فمن أُعطي حظًّا من الجمال فلا شك أنه أكمل ممن لم يعط من حيث الصفة الظاهرة، وهذا في بني آدم و في غيرهم، لكن ذلك لا يحصل به التمايز عند الله -تبارك وتعالى- في الميزان، إنما يحصل التفاوت والتمايز في التقوى، وإنما يرتقي الإنسان ويرتفع بجمال الباطن، وليس بجمال الظاهر، أهل الدنيا في كثير من الأحوال إنما يقيسون بجمال الظاهر الدار التي يسكنها، المركب الذي يركبه، اللباس الذي يلبسه، الهيئة التي هو عليها، قد يكون أُعطي جمالاً أو خلقة حسنة أو نحو ذلك أو امرأة أعطيت جمالاً ونحو ذلك فترتفع في نظرهم، وهذا غير صحيح، والناس كما قال ابن القيم -رحمه الله:

والناسُ أكثرُهم فأهلُ ظواهر تبدو لهم ليسوا بأهل معانِ[2]

وإنما العبرة بما يحمله الإنسان من جمال الباطن، والأخلاق الفاضلة، والكرم، والعلم، والعمل وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ.

إذن الإنسان حينما يتجمل بأن يبدو بصورة حسنة فإن ذلك أمر ليس بمذموم شرعاً، بل هو محمود، وبيّن ﷺ الكبر فقال:الكبر بطر الحق وغمط الناس، ومعنى بطر الحق أي دفعه ورده أنفة بخلاف من رد الحق؛ لأنه لا يعلم أنه الحق أو رده لشبهة أو نحو ذلك؛ لأنه لم يتبين له صحة هذا القول أو صحة الدليل، وقد يكون فيه الحق، ولكن لم  يترجح ذلك لديه أو لم يعلم فرده لهذا المعنى فهذا ليس مما نحن فيه، ليس من الكبر، إنما من رده تعاظماً وأنفة وترفعاً فهذا هو الكبر.  

رد الحق أي سواء كان هذا الحق مما يتعلق بأمر الله، وأمر رسوله ﷺ، أو كان مما يتصل بالحقوق الواجبة عليه، أو حقوق الناس، أو غير ذلك حتى لو كان في الأمور المادية البحتة، يعني هذا إنسان مثلاً أخطأ معلم رياضيات أخطأ في مسألة في الرياضيات فجاء تلميذ من التلاميذ وقال له: الصواب كذا، والصحيح كذا، ما الذي يحصل له؟، إن كان متواضعاً فإنه يشكر هذا التلميذ على أن نبهه على هذا الخطأ، ولكن الكثير يأنف غاية الأنفة، ولربما يتحول إلى خصم أو عدو أو نحو ذلك، وكثير من التلاميذ حتى في الجامعات للأسف قد يجد بعض الملحوظات على أستاذه، ويتحير كيف يستطيع إيصال هذا إليه، وقد يكون هذا الأستاذ من المتخصصين في العلوم الشرعية فيتحير فتارة يضع له ورقة على سيارته، أو ورقة تحت مكتبه، أو نحو ذلك، وإذا قيل له: اذهب إليه وكلمه وتحاور معه أو نحو ذلك فإنه يأبى أشد الإباء؛ لأنه يتصور أن هذا الإنسان قد يتخذ منه موقفاً يعاديه يبغضه أو نحو ذلك، قد لا يكون كذلك هذا الإنسان الذي ظن به لكن هذا القدر أو هذا المعنى للأسف موجود لدى بعض النفوس إلا من هداه الله وأصلح حاله.

فأقول: هذا لا يختص بالأمور الشرعية وردِّ الشرع، قد يكون هذا الإنسان مهندساً، فيأتي إنسان ويقول له: هذه خطأ، أو يقول له زميله: هذه خطأ، هذا الذي فعلته خطأ، أو هذا التقرير الذي أعددته عن هذا المشروع أو هذه الدراسة فيها أخطاء، فقد يغضب ويأنف، فهذا كله من الكبر، هذا من الكبر، الذي لا يقبل الحق أيًّا كان هذا الحق، ففي نفسه شيء من التعالي والتعاظم، فهذا بطر الحق.

وأما غمط الناس فالمراد به هو احتقارهم وازدراؤهم، يعني لا يرى الناس شيئاً إذا تحدث يتحدث عن هؤلاء الناس على أنهم هلكى، وأنهم جهلة، وأنهم سُذج، وأنهم لا يفهمون، لكن هو وحده الذي يفهم، ووحده الذي يدرك أبعاد الأمور، ولديه من سعة الأفق وما شاء الله مع سبر الأمور مالا يكون لغيره، وهذا من الكبر، وقد يريه الله من جهله ما يفضحه به على رءوس الأشهاد، أو يكون ذلك على يد أصغر الناس بالنسبة إليه، وأقل الناس علماً، فيعلمه، فالتاريخ حافل بشواهد من هذا القبيل، بعض الناس من بعض علماء أهل الضلال والبدع الذين يرون أنه لا يقف أحدٌ أمامهم في المناظرة علمهم الله مالا يعلمون ورد عليهم، وأفحمهم بحمّال يحمل في السوق أو نحو ذلك حتى حيرهم وأبهتهم، والله المستعان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.  

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91).
  2. نونية ابن القيم (ص:15).

مواد ذات صلة