الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
تتمة حديث «كن في الدنيا كأنك غريب..» ، «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه..»
تاريخ النشر: ٠٧ / صفر / ١٤٣٠
التحميل: 1584
مرات الإستماع: 2226

إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكنا في الليلة الماضية نتحدث عن:

حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.

وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك[1]، رواه البخاري.

قول ابن عمر رضى الله عنهما: إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، هو مصداق أو هو تطبيق أو تحقيق لما أوصاه به النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، فهذا يعني قصر الأمل، وأن الإنسان لا يطول أمله في هذه الحياة، فيتعاطى مع شهواتها وملذاتها وما فيها، كالذي يُخلّد أو يطول مكثه، وإنما هو شيء يسير، سنوات، ثم تمضي.

فكان يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، يعني: أن الإنسان يأخذ بالحزم، ويجد ويجتهد ويعمل؛ لأن الإنسان لا يدري، هل يكون له مهلة ويطول به العُمر حتى يُصبح، أو أن الأجل يحول دون ذلك؟.

وكما نشاهد من تتخطفهم الحتوف، هل كانوا يظنون أنهم سيموتون في ساعتهم، وأنه لن يكون لتلك الآمال ما يحول بينهم وبينها؟، كانوا يؤملون، ولو سألنا أصحاب المقابر، وقُدر لهم أن ينطقوا فإنك تجد آمالهم لم تنقطع قبل أن يموتوا، وأن أشغالهم لم تنقضِ.

فالحزم كل الحزم -أيها الأحبة- أن الإنسان يعمل بمقتضى هذا، إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، أنجز عملك، ولهذا كان بعض السلف وهذا ورد عن جماعة منهم كان لو قيل له: إن ملك الموت بالباب لما كان عنده مزيد من العمل.

فهو مُجد ومجتهد، فيشمر الإنسان في طاعة الله ؛ لأنه ابن ساعته، لا أقول: ابن يومه، بل ابن ساعته التي يعيش فيها، فهو وعاء من هذه الأوعية التي توضع فيها الأعمال، ثم بعد ذلك يُختم عليها.

إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، كذلك وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك، في الأوقات يتعامل الإنسان مع ساعته ولحظته التي هو فيها، وفي الأحوال إذا كان صحيحاً فإنه يبادر ويجد ويجتهد؛ لأنه قد يعوقه عن العمل عائق كالمرض، فلا يستطيع أن يعمل، لا يتمكن، ولو أراد فقد يمنعه من حوله، ويحولون بينه، أقرب الناس إليه يمنعونه من العمل يقولون: أنت تعبان، أنت مريض، أنت كبير، فيعمل ويجتهد الإنسان في حال الصحة والقوة.

وخذ من صحتك لمرضك، ابن مسعود رضى الله عنهما مرض وبكى، فسئل عن سبب هذا البكاء، هل هو جزع من المرض؟ قال: لا، أبكي لأن هذا المرض وقع لي في حال فترة، أي: فتور، والإنسان يُجرَى له ما كان يعمله في حال صحته إذا مرض، فإذا كان الإنسان مقصراً ضعيفاً فما الذي يُجرَى له؟.

تصور: إنسان يصوم يوماً ويفطر يوماً في حال صحته، ويقوم الليل، ويقرأ ورداً من القرآن، ويحافظ على الأذكار، ويصلي السنن والرواتب، ويصلي ما شاء الله من النوافل، إلى غير ذلك، فمرض، كل هذه الأشياء تُجرَي له، ولو طال مرضه، لو مرض سنة كاملة، سنتين، عشر سنين كل هذه الأعمال تجري له، وهو لا يعملها الآن.

أما إذا كان الإنسان في حال فتور، لا يأتي الصلاة إلا متأخراً، ولا يحافظ على السنن والرواتب، ولا يحافظ على الأذكار، لا يقرأ القرآن، فجاءه مرض حال بينه وبين العمل، فما الذي يُجرَي له؟ لا شيء.

ولذلك أنا أقول: لو أن أحداً زار هذه المصحات -عافى الله الجميع- التي للنقاهة مرضى شلل رُباعي، والذي لا يتحرك إلا رأسه، وهكذا، مشاهد يرق لها القلب القاسي، لو نظر في حال هؤلاء ماذا تتمنون؟ يقول: أتمنى أن أسجد لله ، فالآن نحن أصحاء ولله الحمد، فينبغي أن يبادر الإنسان بالأعمال الصالحة، فقد يُحال بينه وبين ذلك.

وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك، يتزود الإنسان، فإنه بعد الممات يُختم على عمله، ينقطع عمله.

ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه

وذكر الحديث الذي بعده:

حديث ابن عمر في الصحيحين وهو: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده[1].

هذا في قصر الأمل أيضاً، ما حق امرئ مسلم، يعني: ما شأن امرئ مسلم، ما يحق له، ما ينبغي له، له شيء يوصي فيه، بهذا القيد، الإنسان أحياناً ما عنده شيء يوصي فيه، هل يلزمه أن يكتب وصية؟ بعض الناس يكتب أوصي بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق.

هذا لا يحتاج إلى كتابة، لكن إن كان هناك أشياء فالوصية قد تكون مستحبة، وقد تكون واجبة، تكون واجبة إذا كانت هناك حقوق لله أو حقوق للمخلوقين يجب أن يكتبها؛ لأنه إذا مات ستضيع، فلان له كذا، وفلان عليه كذا، الحقوق التي للناس.

والحقوق التي لله يقول: عليّ الكفارة الفلانية، تدفع من مالي، عليّ النذر الفلاني، ونحو هذا، فهذا يجب الكتابة فيه، وإلا فالجمهور على أن أصل الوصية مستحبة، وليست بواجبة، يعني: إن لم يكن هناك حقوق للآخرين، حقوق للخالق، أو للخلق فلا يجب، وإنما يستحب كأن يوصي الإنسان أن يُتصدق عنه بجزء من المال، بما لا يتجاوز الثلث، ونحو ذلك، هذا مستحب، وليس بواجب.

قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، هذا اللفظ للبخاري.

وفي رواية لمسلم: يبيت ثلاث ليال، قال ابن عمر: ما مرت عليّ ليلةٌ منذ سمعت رسول الله ﷺ قال ذلك إلا وعندي وصيتي[2]، يعني: مكتوبة.

قال: يبيت ليلتين، وفي الرواية الأخرى: ثلاث، من باب التوسعة، وذِكْر الليلتين لأن الإنسان قد يحصل له انشغال، قد يحصل له كذا، وإلا فقد جاء في بعض الروايات ذكر الليلة، فيبادر الإنسان إلى كتابة وصيته لحفظ الحقوق، ومن أجل أن تبرأ ذمته، فكثير من الحقوق قد تضيع بموت أصحابها، والإنسان لا يدري تأتي سيارة، وتكون نهايته، أو تكون نهايته بجلطة، أو سكتة، أو نحو ذلك، وقد لا يموت قد يصاب بجلطة، ثم يفقد الوعي، ويجلس كأنه في عالم الأموات، ولا يستطيع أن يبين، ولا يأمر، ولا ينهى، ولا يقول: افعلوا كذا، وعليّ الحق الفلاني، وما إلى ذلك، فمثل هذه الأشياء كلها تدل على قصر الأمل، الإنسان الذي يكتب وصيته معناه أنه مستعد للموت.

فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعيننا وإياكم على الموت وسكراته، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي ﷺ: وصية الرجل مكتوبة عنده (4/ 2)، رقم: (2738)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (3/ 1249)، رقم: (1627).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (3/ 1250)، رقم: (1627).

مواد ذات صلة