الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان..»
تاريخ النشر: ٠١ / محرّم / ١٤٢٩
التحميل: 1355
مرات الإستماع: 2387

أرسلني بصلة الأرحام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلا زال الحديث، لا زال كلامنا -أيها الأحبة- في التعليق على حديث عمرو بن عَبَسة ، وكان آخر ما تحدثنا عنه هو: ما جاء من سؤاله لرسول الله ﷺ: عن صفة الوضوء، وهنا أريد أن أنبه إلى: أنه وقع سبق لسان في تحديد الوجه، فقلت: من السِّبال إلى السِّبال، وهذا خطأ نبه عليه أحد الإخوان، إنما الكلام في الوجه: هل هو إلى العِذار، أو إلى الأذن؟ هذا كلام أهل العلم في هذا، وأما السِّبال فهو: طرف الشارب، وما ذكرته خطأ، وعلى كل حال: الجمهور يقولون: من الأذن إلى الأذن، ومن أهل العلم من يقول: من العِذار إلى العِذار، وما خلف الأذن ليس منه، وهو قول الإمام مالك -رحمه الله.

على كل حال، هنا يقول: فحدّث عمرو بن عَبَسة بهذا الحديث أبا أمامة، صاحب رسول الله ﷺ، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول، يعني: تثبت مما تقول، توثَّق مما تقول، انظر ما تقول، في مقام واحد يُعطَى هذا الرجل؟، بمعنى: أنه إذا توضأ حصلت له هذه الأمور جميعًا في غسل الوجه، وفي المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين، كما سبق في الحديث، مما يحصل به من غسل الخطايا.

الشاهد: أنه أراد أن يتحرى، وأن يتثبت في ذلك، فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله -تعالى، ولا على رسول الله ﷺ، لو لم أسمعه من رسول الله ﷺ إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا -حتى عد سبع مرات، ما حدثت أبدًا به، ولكني سمعته أكثر من ذلك[1]رواه مسلم.

وليس مراده أنه لا يحدث بالحديث إلا إذا سمعه سبع مرات، أو نحو هذا، وإنما إذا سمعه وتوثق منه، فإنه يكفي بسماع واحد أن يحدث به، والنبي ﷺ قال: بلغوا عني ولو آية[2]، فالمقصود: أن الإنسان إذا سمع مرة واحدة، فإن ذلك يسوغ له روايته عن رسول الله ﷺ، إذا كان متوثقًا، لكن هنا أراد أن يبين أنه قد توثق من ذلك، وضبطه غاية الضبط، ولم يحدِّث به حتى حصل له هذا الضبط التام، حيث سمعه ما يقرب من سبع مرات، وهذا يدل على تحري الصحابة ، -السامع والراوي، ومعروف من أخبارهم: أن الواحد منهم كان إذا حدث عن رسول الله ﷺ منهم من يتغير لونه، ومنهم من لا يحدث إلا على طهارة، ومنهم من يغير جلسته، ومنهم من كان يقول بعد الحديث: أو نحو هذا، أو كما قال رسول الله ﷺ، كل ذلك تحريًا، وتحرزًا، ومنهم من كان مقلاً من الحديث، والسبب هو التحري، والتحرز، فيخافون من الوقوع في الخطأ في النقل عن رسول الله ﷺ.

ثم ذكر النووي -رحمه الله- بعض الجمل من هذا الحديث، وفسرها، وقد مضى ذلك، يقول: قوله: "جُرآء عليه قومه"، قال: هو: بجيم مضمومة، وبالمد، على وزن علماء، أي: جاسرون، مستطيلون، غير هائبين، هذه الراوية المشهورة، ورواه الحميدي وغيره، قال: "حِراء"، بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه: غضاب، ذوو غم وهم، وقد عِيل صبرهم به، حتى أثر في أجسامهم، من قولهم: حَرَى جسمه يحرَى، إذا نقص من ألم، أو غم، ونحوه، والصحيح: أنه بالجيم.

وقوله ﷺ: بين قرني شيطان، يعني: أن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، قال: أي: ناحيتي رأسه، والمراد: التمثيل، معناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته، ويتسلطون، يعني: عدوا هذا من قبيل المجاز، وهذا خلاف الأصل، فالأصل: حمل الألفاظ على ظواهرها، إلا لدليل، فبعضهم قال: إنه يتطاول، وليس له قرون، وإنما عُبر عن فرعي الرأس بالقرنين، وبعضهم قال: على ظاهره، أن له قرونًا، فهو يتطاول، فتطلع الشمس بين قرني الشيطان، فيكون أولئك -أعني: أهل الإشراك- حينما يسجدون، يسجدون له، والواجب حمل نصوص الوحي على ظواهرها، من غير تعرض لها بتحريف، أو تأويل، أو حمل على المجازات البعيدة، إلا لدليل يجب الرجوع إليه.

ثم قال: وقوله: يُقرِّب وضوءه، معناه: يحضر الماء الذي يتوضأ به.

وقوله: إلا خرت خطاياه، هو: بالخاء المعجمة، أي: سقطت، ورواه بعضهم: "جرت"، بالجيم، والصحيح: بالخاء، وهي رواية الجمهور.

وقوله: فينتثر، أي: يستخرج ما في أنفه من أذى، والنَّثرة: طرف الأنف.

والآن بقي معنا حديث واحد في باب الرجاء، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، رقم: (832).
  2. أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3461).

مواد ذات صلة