الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «الصدقة على المسكين صدقة..» إلى «الوالد أوسط أبواب الجنة..»
تاريخ النشر: ٠٢ / ربيع الآخر / ١٤٢٨
التحميل: 1662
مرات الإستماع: 6231

الصدقة على المسكين صدقة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب بر الوالدين وصلة الأرحام أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث سلمان بن عامر  عن النبي ﷺ قال: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء، فإنه طهور، وقال: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة[1]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ترجمة سلمان بن عامر

وسلمان بن عامر الضبي هو الوحيد من الصحابة الذي ينسب إلى هذه القبيلة، وكانت روايته عن النبي ﷺ للحديث ليست بالكثيرة، روى ثلاثة عشر حديثاً، وقد أخرج البخاري منها ثلاثة.

وهذا الحديث الوارد فيه ضعف لجهالة أحد رواته، وقد حسنه المصنف -رحمه الله- وهو الإمام النووي مصنف هذا الكتاب، وعلى كل حال مسائل التضعيف والتصحيح للأحاديث هي مسائل اجتهادية، والجزء الأول من الحديث: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور، يشهد له ما ورد من هديه العملي ﷺ، فقد كان ﷺ يفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد يحسو حسوات من ماء، فهذه السنة الثابتة الصحيحة العملية، وإن كان هذا الحديث بهذا اللفظ إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء، فإنه طهور لم يصح، فالحديث ضعيف بهذا الاعتبار، والجملة الثانية: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة، هو لم يصح هذا الحديث، لكن يوجد ما يشهد له، وقد مضى في بعض الأحاديث الثابتة الصحيحة ما يشهد لهذا المعنى، وهو أن الصدقة على القريب على ذي الرحم تكون صدقة وصلة، وهذا هو الشاهد الذي من أجله أورد المصنف -رحمه الله- هذا الحديث، وقد مضى الكلام على هذا المعنى فلا نطول به.

كانت تحتي امرأة

ثم أورد بعد ذلك حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-

قال: كانت تحتي امرأة، تحتي يعني: أنها زوجته، يقال: فلانة تحت فلان، زوجته، وذلك أن الرجال قوامون على النساء، فهو ظاهر عليها وهو سيدها ورئيسها.

يقول: كانت تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر -يعني أباه- يكرهها، والمظنون في عمر أنه كان يكرهها لسبب ديني، يعني: الكراهية إما أن تكون لأمر دنيوي، ويدخل في ذلك منافاة الطبيعة، الأرواح جنود مجندة[2] لا تلائمه، أو تكون الكراهية لسبب ديني، يعني: لاحظ عليها بعض التقصير فكرهها لذلك، فقال لي: طلقها، الآن الوالد يأمر الولد بالطلاق، هل يجب عليه أن يطيعه أو لا؟ يقول: فأبيت، فأتى عمر النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال النبي ﷺ: طلقها[3]. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

قال: طلقها، فهل يفهم من هذا أن الوالد إذا أمر ولده بتطليق امرأته أنه يجب عليه أن يطيع؟ هذا ليس على إطلاقه، ليس بهذا الإطلاق، عمر بمنزلةٍ من الورع، والخوف من الله ، والتحري، فهو أبعد ما يكون عن الهوى، فأمره بتطليقها، فأمره النبي ﷺ أن يطيعه، فعمر إذا سلك فجًّا سلك الشيطان فجًّا آخر، والنبي ﷺ أخبر أنه لو كان في هذه الأمة نبي لكان عمر.

ووافق ربه في ثلاث كما هو معلوم، نزلت الآيات على وفق ما قال عمر في ثلاثة مقامات في حديث واحد، ويزاد عليها أيضاً مما يؤخذ من بعض الأحاديث مقام رابع.

فالشاهد أن هذا عمر، فمَن مثل عمر؟!، ولهذا قال بعض أهل العلم لمن سأله: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي، قال: إن كان أبوك مثل عمر.

الوالد أوسط أبواب الجنة

أيضاً الحديث الآخر الذي أورده:

حديث أبي الدرداء : أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها، فهنا ما أعطاه جوابًا محددًا، أعطاه جواباً عاماً، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضِعْ ذلك الباب أو احفظه[1]. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

الوالد أوسط أبواب الجنة قيل: يعني: هو الوسط، الجنة لها أبواب ثمانية فالوسط هو الوالد، وقيل: أوسط أبواب الجنة كلمة "الأوسط" تعني: الأجود والأفضل، فهذا طاعة الوالدين، وبعضهم قال: معنى أوسط أبواب الجنة أي: أن طاعته تؤدي إلى الجنة، فأبو الدرداء ما أجاب الرجل وقال له: طلقها، قال: أنا سمعت هذا الحديث، النبي ﷺ يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضِعْ ذلك الباب أو احفظه، فقد يفهم من هذا تغليب طاعة الوالد في هذا الجانب.

ومن أهل العلم من قال: إنه يفصَّل فيما يتصل بطاعة الوالد، فإذا أمره بشيء يجب عليه شرعاً وجب عليه طاعته، وإذا أمره بشيء يستحب فإنه يستحب، وإذا أمره بشيء مباح كأن يتزوج فلانة أو فلانة فإنه يستحب له أن يطيعه، ولا يجب في غير ما أوجب الله عليه، هكذا قال بعض أهل العلم، وفيه نظر، فالأقرب -والله أعلم- أنه تجب طاعة الوالد بالمعروف فيما لا يكون فيه ضرر على الولد ولا يحصل به إجحاف، قال له أبوه: لا تسهر الليلة، لا تخرج الليلة من البيت، اجلس عندنا، يجب عليه أن يجلس، وإلا يكون عاقًّا، لكن هناك أشياء قد يكون فيها إجحاف يقول له: طلق امرأتك، وهذا فقط لأنها ما دخلت مزاجه؛ لأنه ما يحبها، هكذا، ليس لسبب ديني، فالذي يظهر أنه لا يجب عليه أن يطيعه، والإمام أحمد -رحمه الله- جاءه رجل وقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي -أو قال: إن أمي تأمرني أن أطلق امرأتي، فقال: إن لم يبقَ عليك من بره إلا هذا فأطعه.

بمعنى إذا كنت وصلت القمة في البر في كل شيء وما بقي عليك إلا تطليق امرأتك حتى تكون محققاً لطاعته في كل ما أمرك به فأطعه في هذه، لكن الواقع أن الواحد يقصر في أشياء كثيرة جدًّا ما يلحقه بها ضرر ولا يلحق غيره الضرر، ويجيء عند قضية امرأته ويطلقها!، لا، تجده يسهر كل ليلة مع أصحابه ما يجيء إلا الساعة الواحدة أو الثانية عشرة والنصف، وأبوه يقول له: لا تخرج، لا تسهر، وهو كأنه لم يسمع، كل يوم، وبعد ذلك يجيء يقول: أبي يقول: طلق امرأتك، ما بقي عليك إلا هذه الآن، والأشياء الثانية؟!، فمن كان مكملاً للبر فيمكن أن يستجيب في مثل هذه القضية، لكن إذا كان مهلهلا، مقصرًا في أشياء كثيرة جداً دون هذه، ويقول: أنا أريد أن أبر والدي في هذه القضية!، ثم إن "الدفع أسهل من الرفع"، هذه قاعدة فقهية معروفة، الدفع أسهل، يعني: كون المرأة من البداية خطبت، ثم قال والدك: إنها ما تصلح لنا، خلاص اتركها، لا تأخذ واحدة لا تلائم أهلك، ثم بعد ذلك تبقى هذه المرأة ملفوظة، تبقى منبوذة، لا داعي لهذا، من البداية تزوج امرأة تلائمهم، يستريحون لها، يطمئنون إليها، لكن إنسان تزوج فهنا ليس بالسهولة أن يطلق، وبنات الناس يتضررون، فهنا نقول: تلطف بوالدك، وطيب خاطره، إلا إذا كان ذكر لك سبباً شرعياً في تطليقها، هذه المرأة مقصرة في الحجاب، هذه المرأة مقصرة في دينها، في صلاتها، في عبادتها، ونُصحت ولم تستجب فعندئذ يقال: هذه ما تصلح لنا، طلقها وأرحنا منها، نحن ما عندنا هذا اللبس، ولا عندنا هذا العبث بالحجاب، ولا عندنا هذا التعري، وهذه تؤثر على بناتنا، وتؤثر على أهلنا، فلا نريدها، فلا بأس، لسبب ديني.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين (4/ 311)، برقم: (1900) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 583)، برقم: (914).

مواد ذات صلة