الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(4) حديث أَبي ثُريَّةَ سَبْرَةَ بنِ مَعْبدٍ الجهَنِيِّ رضي اللَّه عنه عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ وبعض ما جاء عن السلف في الباب
تاريخ النشر: ٠٦ / صفر / ١٤٢٨
التحميل: 593
مرات الإستماع: 2158

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا هو الحديث الأخير في باب: وجوب أمر الأهل والأولاد المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم عن ارتكاب منهي عنه، وهو حديث أبي ثرية سبرة بن معبد الجهني قال: قال رسول الله ﷺ: علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر سنين[1] وفي لفظ عند أبي داود: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين[2] وقد مضى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال: رسول الله ﷺ: مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع سنين[3] فالحاصل أن الحديث بهذا اللفظ الأخير: علموا الصبي الصلاة لسبع سنين يكون الفرق بينه، وبين الذي قبله هناك أمرهم بالصلاة، وهنا تعليمهم الصلاة لسبع سنين، فإنه قبل أن يؤمر بذلك يحتاج أن يعلم، كما أنه يحتاج أن يعلم ما يحتاج إليه من الأمور التي يدركها؛ أن يعلم من ربه، ومن نبيه، وما دينه، وهكذا في هذه المهمات، والأصول التي يحسن، أو يجب تعلمه إياها، بحسب إدراكه.

ولا شك أن الصبي الصغير إذا تعلم هذه الأشياء منذ الصغر، تعلم كيف يصلي، وكيف يصوم، وكيف، ثم بعد ذلك درب عليه، وأمر حتى بلغ العاشرة، فيضرب إذا تلكأ عنها، وامتنع من الصلاة، فإن ذلك يكون أرسخ في تربيته، ومعرفته، وعلمه، وفهمه، وعمله، وكما قيل: العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وأما ما ورد من حال السلف في هذا الباب ما جاء عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أنه قال: "اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا فلم أقدر على تأديبه فأدبه أنت لي"[4].

وعلي بن الفضيل كان من أزهد الناس، وأعبد الناس، وأرق الناس، وأخشع الناس حتى إنه كما هو معلوم مات لما سمع آية من القرآن، وهذا عبد الوارث بن سعيد يقول: "أتتني علية بابنها، يعني: ابن علية، فقالت: هذا ابني يكون معك، ويأخذ بأخلاقك قال: وكان من أجمل غلمان البصرة، يعني: ذهبت به إلى هذا الرجل الصالح العالم ليتخلق بأخلاقه"[5].

ويقول إبراهيم بن وكيع: "كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء لتصلي"[6] يصلي التطوع، ويصلي قيام الليل، فيتأثرون بصلاته، فيقتدون به، وهكذا الأولاد يتأثرون بأبيهم بمن يرونه، ويحاكونه في ذلك كله، أما إذا كان الأب لا يصلي، ولا يعرف المسجد، فكيف يعرف هؤلاء الأولاد ذلك؟

يقول بهز: وبلغني أن أم عمر بن هارون كانت تعينه على الكتاب[7] ويقول عبد الله بن أحمد: "سمع يحيى بن أكثم من ابن المبارك صغيرًا فصنع أبوه طعاما، ودعا الناس، وقال اشهدوا أن ابني سمع من عبد الله[8]" يعني: من عبد الله بن المبارك سمع منه الحديث الرواية فهو فرح في هذا، ويريد أن يشجعه على ذلك فأقام حفلة بهذه المناسبة.

وهذا ابن الجلال يقول قلت لأبوي: "أحب أن تهباني لله، قالا: قد فعلنا، يقول: فغبت عنهم مدة، ثم جئت فدققت الباب، فقال أبي: من ذا؟ قلت: ولدك، قال: كان لي ولد، وهبناه لله[9] يعني: يذكره بمثل.

وهنا يقول حنبل بن عبد الله: لما ولدت مضى أبي إلى الشيخ عبد القادر الجيلي، وقال لي: قد ولد لي ابن ما أسميه؟! هذا عبد القادر الجيلي من الصالحين ما أسميه قال سمه حنبل، وإذا كبر أسمعه مسند الإمام أحمد بن حنبل، قال: فسماني كما أمره، فلما كبرت أسمعني المسند، وكان هذا من بركة مشورة الشيخ[10].

ويقول الموفق بن قدامة -رحمه الله-: "ربانا أخي، وعلمنا، وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد يحرص عليهم، ويقوم بمصالحهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا زوجنا، وبنى لنا دورنا خارج الدير، يعني: المحل الذي كانوا يسكنون فيه، وكان قلما تخلفوا عن غزاة"[11].

ويقول أبو العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، وقد ولدت له بنت، فلما كبرت أقرأها بالسبع يعني القراءات السبع، وقرأت عليه صحيح البخاري، وغير ذلك، وكتبت الكثير، وتعلمت عليه كثيرًا من العلم، ولم ينظر إليها قط، وسئل بعضهم هل كان هذا اتفاقا، أم كان عن قصد، فقيل: إنه كان ينشغل بالإقراء إلى المغرب، ثم يدخل بيته، وهي في مهدها، وتمادى الحال إلى أن كبرت، فصارت عادة، وزوجها، ودخلت بيتها، والأمر على ذلك[12].

طبعا هذا شغل عنها على كل حال، وهذا أمر لا يحسن لكن اهتم بأنها تتعلم القراءات السبع، وتتعلم صحيح البخاري هذا، وأسأل الله أن يوفقنا، وإياكم لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة، برقم (407)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4021).
  2. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم (494)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5862).
  3. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم (495)، وصححه الألباني في مشكاة، برقم (572).
  4. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/445).
  5. انظر: تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (7/196).
  6. انظر: تاريخ دمشق، لابن عساكر (63/78).
  7. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي (21/523).
  8. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (12/6).
  9. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (7/101).
  10. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (21/ 432).
  11. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (22/7).
  12. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (20/347).

مواد ذات صلة