الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «أن تطعمها إذا طعمت..» ، «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا..»
تاريخ النشر: ٠١ / محرّم / ١٤٢٨
التحميل: 2020
مرات الإستماع: 13887

ما حق زوجة أحدنا عليه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما ورد في باب الوصية بالنساء:
حديث معاوية بن حيدة ، ومعاوية بن حيدة قُشيري، كانت وفاته في خرسان، وذلك أنه ذهب إليها غازياً، فمات هناك ، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت-أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت[1].

 

وفي بعض الروايات: أن رجلاً سأل النبي ﷺ، ويمكن أن يقصد بهذا نفسَه، ولكنه ما أراد أن يبين عن ذلك، رجل سأل النبي ﷺ وهو السائل، وسؤاله هذا يدل على اهتمام الصحابة بمعرفة الحقوق الواجبة عليهم، فالإنسان ليس همه أن يأخذ حقه فحسب، ولا يبالي بحقوق الآخرين، بل يجب على الإنسان أن يعرف ما له وما عليه؛ من أجل أن يؤدي الحقوق إلى أصحابها، ولا يحصل منه تقصير في حق أحد، قال: أن تطعمها إذا طعمت يعني: إن كان يجد، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت، إلا لمقصد، إلا لعذر، كما هجر النبي ﷺ أزواجه في مَشْربة، وهي حجرة عُليّة.

فالشاهد أن هذا الحديث تضمن بعض حقوق المرأة التي تكون على زوجها، يطعمها بالمعروف ويكسوها بالمعروف بحسب وسعه، وما أعطاه الله -تبارك وتعالى، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، وإذا أدبها قال: ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح، هذا يدل على أنّ له أن يضرب كما قال الله ، يعني مفهوم المخالفة في هذا الحديث جاء مصرَّحاً بمنطوق قوله -تبارك وتعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، ولكن هذا الحديث بيّن أمراً آخر وهو أن هذا الضرب لا يكون على الوجه، ولا يجوز ذلك؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه من جهة، والنبي ﷺ قال: فإن الله خلق آدم على صورته[2]، والضمير على الأرجح من أقوال أهل العلم يرجع في على صورته إلى الله -تبارك وتعالى، وليس معنى ذلك أن وجه الإنسان يشبه وجه الرب -تبارك وتعالى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، ولكن ذلك يحمل على أن الله له بصر وله سمع يليقان بجلاله وعظمته، فالشاهد: أن هذا الذي عليه عامة أهل السنة وعليه الجمهور إلا من شذ، وقال بغير هذا كابن خزيمة -رحمه الله، فإنه قال: على صورة المضروب، فإن الله خلق آدم على صورته يعني: على صورة هذا الإنسان الذي يضرَب على الوجه.

فالشاهد: أنه قال: لا تضرب الوجه، لا يجوز ضرب الوجه، أكرم ما في الإنسان وجهه، ووجه الإنسان هو الذي يكون مرآة يظهر به مشاعر الإنسان، وما يحصل من قبوله أو رفضه أو غير ذلك، ولذلك الإنسان إذا جاء إلى غيره من الناس ينظر إلى وجهه؛ ليعرف هل هو غاضب، هل راضٍ عنه، هل هو يحبه، هل هو يجفوه؟ فالوجه أكرم ما في الإنسان، وفيه الحواس الخمس، فلا يجوز أن يُضرب الإنسان على وجهه، فهذا أمر محرم، لا الولد يضرب على وجهه، ولا الزوجة تضرب على وجهها، ولا الخادم ولا الأمة، ولا الطالب، ولا غير ذلك، لا يجوز الضرب على الوجه حتى الدابة لا تضرب على وجهها، والنبي ﷺ رأى دابة موسومة على الوجه فقال: لعن الله من فعل هذا[3]، حتى وسم الدواب على وجوهها، هذا وهي بهيمة ودابة، فكيف بالإنسان المكرم؟!، وهكذا كان العرب يكرهون بعض الضرب مثل الضرب على القفا، فإن هذه الضربة يضرب بها العبد عندهم، وكانوا ما يحبون هذا ويكرهونه، وهكذا بعض ما جاء عنهم في كراهية بعض صور الضرب.

لا تضرب الوجه ولا تقبِّح، معنى لا تقبح أي: لا تقبح الوجه، ما يقال للبعيد: قبح الله وجهه: هذا لا يجوز؛ لأن هذا الوجه كما ذكرنا بهذه المثابة، قال: ولا تهجر إلا في البيت والمقصود بالبيت هو المكان الذي يقيم فيه الرجل مع امرأته، يعني: صلاة المرأة في بيتها والمقصود: ما نسميه بالغرفة اليوم، فلا يهجر إلا في البيت، بمعنى أنه يدير ظهره إليها، لا أنه يهجرها فيذهب خارج المنزل، بل لا ينام في المجلس مثلاً، أو في غرفة أخرى بعيداً عنها، وإنما يدير ظهره إليها فلا يعاشرها ولا يجامعها، فقط، هذا الهجر، ولا يهجرها في الكلام، قال: ولا تهجر إلا في البيت.

أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا

والحديث الآخر الذي بعده، وهو:

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم[1].

الدين والإيمان، الإيمان بضع وستون شعبة[2]، كما أخبر النبي ﷺ، فالإيمان ليس هو مجرد التصديق والإقرار والانقياد القلبي، لا، الإيمان أشياء تصدر من لسان الإنسان، من النطق بالشهادتين، ومن الكلام الطيب مع الناس، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك أيضاً ما يصدر من الإنسان من الأفعال والتصرفات التي تكون بجوارحه، فالصلاة إيمان وهكذا أيضاً الحج إيمان، والصدقة إيمان، والصيام إيمان، وما إلى ذلك، كل الأعمال الصالحة من الإيمان.

فهنا قال: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، يمكن أن يكون السبب في هذا -والله تعالى أعلم- أن الإنسان عادة يحرص أن يأتي بأركان الإسلام وشرائع الدين الظاهرة، يعني: تجد الإنسان يصلي ويصوم ويحج ويزكي ولكنه سيئ الخلق، لا يكمل أخلاقه، فتبقى هذه الأمور لا يبالي بها كثير من الناس، فيكون منه تصرفات سيئة في حق الآخرين، يعاملهم بمعاملة سيئة، يعامل أهله، يعامل زوجته، يعامل أولاده بمعاملة قاسية فظة، فمثل هذا يكون نقصاً في إيمان الإنسان، فإذا كمّل هذه الأمور التي هي شرائع الإسلام بتحسين الأخلاق فإن هذا يكون كمالاً في إيمانه، أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم، هذا على ظاهره وخياركم خياركم لنسائهم.

والنبي ﷺ قال في حديث آخر: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا[3]، وكذلك أيضاً: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي[4] -عليه الصلاة والسلام، فالعادة الغالبة أن الإنسان يتصنع عند الآخرين، ويحسّن الأخلاق عندهم، وإذا دخل في البيت ألقى الكلفة، وظهرت أخلاقه على حقيقتها، فبدأ يرفع صوته وبدأ يتعامل بفظاظة وغلظة، ولربما دق الهاتف فمباشرة ينقلب رأساً على عقب مائة وثمانين درجة، فيبدأ يعطي معسول القول وطيب الكلام، وأخلاق جميلة وحسنة، لماذا هذا التناقض؟، فالإنسان الذي يكون صالحاً في بيته حيث لا يراه الناس وتكون أخلاقه طيبة كاملة فاضلة في بيته مع أنه قد ألقى الكلفة فهو لا يتكلف لأحد في بيته، يظهر على حقيقته تماماً، السفر الآن، قيل له: سفر؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، تسافر مع إنسان يومًا أو ليلة أو ليلتين وتتكشف لك أمور كثيرة جدًّا ما كنت تتصورها عنه، فكيف بالمعاشرة الدائمة بين الرجل والمرأة؟، فهذا تظهر به طبيعته تماماً من غير أي تكلف، يمكن أن يتكلف أسبوعًا في أول الزواج، لكنه بعد ذلك يظهر على معدنه، فإذا كان هذا الإنسان دمثًا، طيبًا، خلوقًا، كريمًا مفضالًا على أهله، فهذا خيركم خيركم لأهله، فمثل هذا لا تسأل عن حاله مع الآخرين، إذا كان مع أهله بهذه المثابة، فالعادة أن الإنسان يحاول أن يتكلف مع الآخرين الذين لا يراهم إلا قليلاً، يحاول إذا لقيهم أن يتصنع لهم بالبشر والترحاب والكلام الطيب، فإن ذلك لا يستثقل في النفوس عادة، وإنما الذي يكون فيه الكلف هو المعاشرة الدائمة الطويلة التي تظهر فيها أخلاق الإنسان.

حيث يبدو في حال الانزعاج في حال مغالبة النوم، في حال المرض، في حال تغير المزاج، أما إذا خرج للآخرين فهو يوزع ابتسامات في الغالب، فإذا كان الإنسان طيب الخلق مع أهله فالأصل أنه مع الآخرين من باب أولى لما يفعله أكثر الناس مما ذكرت، فهنا قال: خياركم خياركم لنسائهم، لاحظ هنا الخيرية، قال: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم، فهذه قضية يتساهل فيها أكثر الناس إلا من رحم الله ، والعلماء -رحمهم الله- تكلموا عن مسألة الأخلاق هل هي قضية غريزية أو قضية مكتسبة، فمن أهل العلم من يقول: غريزية، تجد الناس يتوارثون الأخلاق الفاضلة، وتجد في بعض البيوت الخشونة يتوارثونها أباً عن جد، ومن أهل العلم من يقول: هي مكتسبة، والأقرب -والله تعالى أعلم- أن منها ما هو غريزي، مثل الحياء الآن غريزي، لو جئت بطفل عمره سنة ونصف أو سنتان -أو طفلة- لربما يبدو أحياناً من بعض المواقف منكسراً، يظهر عليه الحياء، فهذه أمور غريزية، وأيضاً تكتسب بالممارسة، والتكلف، كما قال النبي ﷺ: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم[5]، فيمكن للإنسان أن يكتسب الحلم، أن يكتسب الأخلاق، الدماثة واللطافة مع الناس وما أشبه هذا بالممارسة وترويض النفس، والتعود، والموفق من وفقه الله ، والمشكلة أن الكثيرين أصلاً لا يتفطنون لهذا المعنى، لا يفكرون فيه ولا يرون أنه من الأمور التي يُحتاج إليها، ولربما نُبه الواحد منهم إلى أن أخلاقه مثلاً جافة وأنها سيئة وفيه رعونة، فكابر وقال: أبداً، هذا الكلام غير صحيح، وأثنى على نفسه بما يظن أنه أهله، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/ 458)، برقم: (1162)، وصححه الألباني، في السلسلة الصحيحة (1/ 573)، برقم: (284).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان، (1/ 11)، برقم: (9).
  3. أخرجه أحمد في مسنده، (16/ 201)، برقم: (10296)، وصححه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 620)، برقم: (3267).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في فضل أزواج النبي ﷺ (5/ 709)، رقم: (3895)، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء (1/ 636)، برقم: (1977)، وصححه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 626)، برقم: (3314).
  5. أخرجه البيهقي، في شعب الإيمان (13/ 237)، برقم: (10254)، وصححه الألباني، في السلسلة الصحيحة، (1/ 670)، برقم: (342).

مواد ذات صلة