الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
بعض ما ورد عن السلف في باب قضاء حوائج المسلمين (1-3)
تاريخ النشر: ١٢ / رجب / ١٤٢٧
التحميل: 1754
مرات الإستماع: 2292

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب قضاء حوائج المسلمين، نورد بعض الآثار المنقولة عن السلف مما يصلح في هذا الباب، يقول أبو داود الطيالسي -رحمه الله: كنا عند شعبة بن الحجاج، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، قال: مات حماري وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي، قال شعبة: بكم أخذته، قال: بثلاثة دنانير، قال شعبة: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها، ثم دفعها إليه، ومن ذلك أيضاً ما جاء عن النظر بن شميل -رحمه الله- أنه قال في شعبة : ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة، الإمام الجليل المعروف، صاحب الحديث، ودخل أبو أسامة على ابن المبارك، فوجد عبد الله بن المبارك في وجه هذا الداخل أثر الضر، فلما خرج بعث إليه أربعة ألاف درهم، فكتب إلى ابن المبارك قائلا:

وفتى خلا من ماله ومن المروءة غير خالي
أعطاك قبل سؤاله وكفاك مكروه السـؤال

فهو بمجرد أن رأى الحاجة في وجهه، لم يحوجه إلى أن يسأل وأن يطلب، وإنما بعث ذلك المال مواساة إليه قبل أن يطلبه، وأرسل مرة، أعني: بن المبارك إلى العالم أبي بكر بن عياش بأربعة ألاف درهم وقال: سد بهذا فتنة القوم عنك، أي: من أجل ألا يحتاج إلى الكبراء فيذل نفسه عندهم، ويقول الزبير بن بكار: كان للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بن هاشم، وليس المقصود به الثوب الواحد، وإنما المقصود أن العاري منهم يعطيه الثياب، وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار أي: إذا استجار به أحد، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، ولما توفي الزبير ابن العوام لقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير، فقال: كم ترك أخي من الدين؟ فقال: ألف ألف، أي: مليون، قال: علي النصف، يقول حكيم بن حزام: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها، وكثير منا إذا جاءه المحتاج رأى أنها مصيبة -والله المستعان.

وهذا ابن عمر كاتب غلاماً له بأربعين ألفاً، فخرج إلى الكوفة، وكان يعمل على حمر له، كاتبه، أي: هذا مملوك لابن عمر، فابن عمر قال له: سدد أقساطاً ما مجموعه هذا القدر، وهو أربعون ألفاً أعتقك بها، واتفق معه على مدة معينة، ويذهب هذا العبد ويعمل، وفي كل مرة يعطيه قسطاً ثم قسطاً آخر حتى يكتمل هذا المبلغ، فخرج هذا الغلام المملوك إلى الكوفة، وكان يعمل على حمر له  يؤجرها، حتى أدى خمسة عشر ألفاً، فجاءه إنسان فقال له: أمجنون أنت، أنت هاهنا تعذب نفسك، وابن عمر يشتري الرقيق يميناً وشمالاً ثم يعتقهم، ارجع إليه فقل: عجزت، فجاء إليه بصحيفة كتب له خطاباً، فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها،أي: الصحيفة التي فيها المكاتبة وعقد الاتفاق، وشرعاً إذا لم يستطع العبد أن يأتي بالمبلغ، فيكون المال الذي دفع من حق السيد، ويرجع ذاك إلى الرق، هذا حكم المكاتب، يقول له: عجزت فجاء إليه بصحيفة فقال: يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، فقال: لا، ولكن امحها أنت إن شئت، فمحاها، ففاضت عينا عبد الله وقال: اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسن إلى ابني، أبناؤه أيضاً أرقاء، قال: هما حران، قال: أصلحك الله أحسن إلى أمي ولدي، قال: هما حرتان، يعني: زوجات هذا الرقيق.

ووفد أعشى همدان على النعمان بن بشير، وكان أمير حمص، فصعد المنبر فقال: يا أهل حمص، وكانوا في الديوان عشرون ألفاً، هذا ابن عمكم، من أهل العراق، والشريف جاء يسترفدكم، أي: يطلب العون فما ترون؟ قالوا: أصلح الله الأمير احتكم له، فأبى عليه، فقالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا بدينارين دينارين، أي: أنهم قالوا له: احكم فأبى، فحكموا على أنفسهم كل واحد بهذا القدر، قال: فجلعها له من بيت المال، أربعين ألف دينار.

ويقول ابن عيينه: كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء، قال له: اكتب علي سجلاً بمسألتك إلى الميسرة، وسأدفع لك هذا المبلغ أي: كأنه دين عليه، وذكر عبد الأعلى بن حماد، أن سعيد بن العاص استسقى من بيت فسقوه، واتفق أن صاحب المنزل أراد بيعه لدين عليه، فأدى إليه أربعة ألاف دينار، وقيل: أنه أطعم الناس في قحط، حتى نفذ ما في بيت المال، وأدان فعزله معاوية.

وهذا ابن سيرين يقول: بأن رجلاً جلب سكرا إلى المدينة، فكسد فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر القهرمان أن يشتريه وأن ينهبه الناس، وعبد الله بن جعفر من أجود الناس وأكرمهم، وأخباره في هذا عجيبة، لو قرأتم في تاريخ دمشق، لوجدتم أشياء تفوق الوصف من كرمه وجوده وبذله وإحسانه للناس، فالحاصل أنه جاء وأخذه منه، ودفعه إلى الناس، كل يأخذ ما شاء، وصلى الله على نبينا محمد.

مواد ذات صلة