الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا..»
تاريخ النشر: ٢٦ / جمادى الآخرة / ١٤٢٧
التحميل: 2007
مرات الإستماع: 20409

انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي باب تحريم الظلم أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره[1]، رواه البخاري.

النصرة في كلام العرب أصلها بمعنى المعونة فإعانته هي نصره، فأما المظلوم فلا شك أن إعانته وتخليصه ممن ظلمه نصر له وأن ذلك مطلوب، وهذا لا يحتاج إلى شرح وبيان، وأما ما يتعلق بالظالم فهذا الذي سأل عنه هذا الصحابي رسول الله ﷺ، فبينه له، حيث ذكر النبي ﷺ أن كفه ومنعه من الظلم نصر له، ووجْه ذلك هو أن هذا الإنسان الذي يظلم غيره يكون بهذا متعديا فيكون ذلك سببًا لحصول الإثم له، ولوقوعه في الوعيد ولانحطاط مرتبته، وأيضًا ذهاب حسناته، لأن ذلك الإنسان المظلوم سيأخذ من حسناته، وقد تكون له العقوبة في الدنيا، وقد يكون هذا الظلم من أسباب رفع البركة في ماله أو ولده، أو يكون هذا الظلم سببًا لمصيبة تقع له، أو غير ذلك من الأمور المكروهة التي تقع للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، فكيف يُخلَّص هذا الإنسان من مثل هذه الأمور المكاره؟، يُخلَّص بحجزه عن أسبابه؛ لئلا يواقع أسبابها.

الآن الطفل الصغير إذا ذهب يحبو يريد أن يأخذ شيئًا يضره يأخذ جمرًا أو شيئًا حادًا أو يأكل شيئًا يضره، فإنه يُمنع من هذا حتى لو بكى، فإن هذا لمصلحته، لأن تعاطيه لهذا الشيء هو عين الضرر له، فإذا حيل بينه وبين ما يضره فإن هذا هو المصلحة، وهكذا هذا الإنسان الظالم يقدم على ما فيه ضرره وما فيه بواره لو أنه تعقل وتفكر فيحال بينه وبين مثل هذا، ثم بعد ذلك يعرف أن هذا كان عين الخير له، وأنه بذلك استراح من تبعات تلحقه بسبب هذا الظلم، فكم من إنسان خسر في درجاته بسبب الظلم، وكم من إنسان لم يبارك له في ماله وفي مسكنه بسبب الظلم،  ظلم هؤلاء العمال الأجراء، ظلم المقاول، ظلم أحدًا من الناس، فلم يبارك له الله فبقي يعاني ويكابد على عمله السيئ، فإذا جاء إنسان ومنعه منه يكون قد أحسن إليه، وقل مثل ذلك فيمن يأخذ أموال الناس، أو يقع في أعراضهم، أو نحو هذا، فإن مثل هذا إذا مُنع وُفرت حسناته فلم تذهب إلى الآخرين، وبقي أيضًا محفوظًا من أن تلقى عليه الأوزار والذنوب التي تكون للناس، وبقي أيضًا محفوظ العرض، لأن من كان ظالمًا فإنه يُستهدف عادة، يتكلم الناس في عرضه، وتبغضه القلوب، ويمجّه الناس، فكل ذلك يرتفع إذا منع من هذا الظلم.

فإذا أردنا أن نحسن إلى إنسان وأن ننصره حقًّا فيجب أن نمنعه من كل أمر يؤدي به إلى الضرر؛ لأن الإنسان الذي يقدم على الشر يكون جاهلًا كما قال الله : وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام:54] فكل من عصى الله فهو جاهل كما قال السلف، وليس المقصود بقول السلف هنا أنه لا يعلم أن هذا حرام، لا، كل من تعدى على حدود الله فقد جهل، فمن تاب قبل أن يغرغر، أو قبل طلوع الشمس من مغربها فإنه تقبل توبته، ولذلك أقول: الإنسان الذي يأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر وينصحنا ويرشدنا أن لا نقع في معصية الله -عز وجل، أن لا نقع في شيء من أعراض المسلمين أو أن نقتطع حقوقهم، هذا الإنسان يحبنا ومحسن إلينا، ومن الناس من يغضب أشد الغضب إذا وُجه إليه النصح، ويرى أن هذا من التعدي على حقوقه الشخصية، وأن هذا جرح له وتطاول عليه، وهذا الكلام غير صحيح، يعتقد أنها حرية شخصية، الحرية الشخصية ليست بظلم الناس ولا الوقيعة في أعراضهم والتفكّه بذلك في المجالس.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه، إذا خاف عليه القتل أو نحوه، (9/ 22)، برقم: (6952).

مواد ذات صلة