الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «ما من مسلم يغرس غرسًا..»
تاريخ النشر: ٠١ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 2246
مرات الإستماع: 17217

ما من مسلم يغرس غرساً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الأحاديث التي تدل على كثرة طرق الخير، وأن الإنسان يمكن أن يحصِّل الأجر والثواب عند الله -تبارك وتعالى- بأمور متنوعة كثيرة، والمحروم من حرمه الله هذه الأبواب والموفق من وفقه الله، ومن هذه الأحاديث:

حديث جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أُكل منه له صدقة[1].

الغرس يكون للأشجار، فإذا غرس الإنسان غرساً فكل ما أُكل من هذا الغرس كان له صدقة، وهذا يدل على أن ذلك يؤجر عليه كما ذكرت في مرة سابقة أن من الأعمال ما لا يحتاج إلى نية، فيؤجر عليه، سواء كان هذا الذي أكل من الآدميين، أو كان من البهائم، أو كان من الطيور، وسواء كان المأكول من الثمر أو الحب، أو كان المأكول من نفس الشجر.

وبهذا نعرف أن الإنسان ينبغي أن يصوب نظره إلى مثل هذه الأمور، ويعتبر بها، فيكون ذلك دافعاً له إلى أن يوسع كما وسع الله عليه، فلا داعي لربط أكمام النخيل والأشجار من ذوات الثمر لئلا يقع عليها الطير، أو وضع النُّصُب أو نحو ذلك في المواضع التي يكون فيها البذر أو الحب لئلا يقع عليه الطير، فكلٌّ يأكل مما هيأه الله له من الرزق.

والله -تبارك وتعالى- يأجر الإنسان على مثل هذه الأمور، وما سُرق منه له صدقة، هناك ما أُكل منه له صدقة، باعتبار أنه قد يأكل الطير أو الحيوان أو الإنسان غير متخذ خُبْنة، كما هو معروف، فإذا مر الإنسان بزرع، أو بشجر أو نحو ذلك، وهو محتاج إلى طعام، فأكل منه دون أن يتخذ معه شيئاً يحمله فإنه قد يرخص له في ذلك في بعض الحالات، وما سُرق منه له صدقة، قد يضع هذا الثمر أو هذا الحب في أكياس أو نحو ذلك فيأتي من يحمل هذا، وهذا يقال في الثمر وفي الزرع بجميع أنواعه، ويقال أيضاً في المتاع، فإذا كان ما يؤخذ على وجه السرقة من الثمر أو الزروع يؤجر عليه الإنسان ويكون صدقة، فكذلك إذا سرقت سيارته، أو سرق متاعه وأثاثه أو سرق هاتفه أو نحو ذلك فإنه يؤجر على هذا، المقصود أنه ما يضيع شيء، فيؤجر الإنسان ويكفر عن سيئاته بما يقع له من المصائب حتى لو كانت يسيرة، ويأخذ من حسنات ذلك السارق في يوم لا دينار فيه ولا درهم.

يقول: ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة، رواه مسلم، وفي رواية له: فلا يغرس المسلم غرساً..[2]، وهذا يدل على أنه ليس لكل الناس، وإنما ذلك لأهل الإسلام، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة، يعني: لو بقي هذا الشجر أو الثمر، مات هذا الإنسان وبقيت هذه الأشجار بعده عشرات السنين فإنه يؤجر على كل ما أُكل منها.

وفي رواية له: لا يغرس المسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، مثل الحشرات والديدان والجن قال: إلا كانت له صدقة. وروياه جميعاً من رواية أنس .

يقول:  هذا حديث فيه سلوة، وفيه تعزية للإنسان، وكثير من الناس يجزع ويصيبه ما يصيبه من الهم والغم أو نحو ذلك إذا فقد شيئاً من متاعه، أو من طعامه أو من زرعه أو نحو ذلك، وإذا تذكّر مثل هذا الحديث علم أنه معوض عن ذلك عند الله -تبارك وتعالى، وأنه سيلقى أجره وجزاءه لا يضيع منه شيء، فهذه الدنيا لا يذهب فيها شيء، ولكن ينبغي للمؤمن أن يحتسب عند الله -تبارك وتعالى، وأن يكون إقباله على ما ينفعه.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المزارعة، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، (3/ 103) رقم: (2320)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع (3/ 1188) رقم: (1552).
  2. أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع (3/ 1188)، رقم: (1552).

مواد ذات صلة