الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «على كل مسلم صدقة»
تاريخ النشر: ١٠ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 1937
مرات الإستماع: 9035

على كل مسلم صدقة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا هو الحديث الأخير في باب بيان كثرة طرق الخير، وهو بمعنى الحديث الأول حديث جندب بن جنادة   ، والمقصود هنا:

حديث أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال: على كل مسلم صدقة قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: أرأيت إن لم يستطع، قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها صدقة[1].

وسبق الكلام على مثل هذا المعنى وبينا أن مثل هذا التركيب وأن هذه الصيغة "على كل مسلم" تدل على الوجوب، على كل مسلم صدقة، وبيّنه حديث آخر أيضاً: على كل سُلامَى من الناس صدقة[2]، بمعنى: أن الصدقة هنا على كل مسلم صدقة، هذه الصدقة جنس يصدق على القليل والكثير، ويبينه الحديث الآخر وهو أنه يجب على كل مسلم أن يتصدق عن كل عظم أو مفصل في جسده، وجاء ذلك مبيناً في الأحاديث الأخرى التي سبقت، وهو أن عدة ذلك في جسد الإنسان يبلغ ستين وثلاثمائة مفصل.

فقوله ﷺ هنا: على كل مسلم صدقة، يعني: على كل مسلم ثلاثمائة وستين صدقة، يكون ذلك تفسيراً للصدقة التي ذكرت هنا على سبيل الإطلاق، "صدقة"، فالصيغة وإن لم تكن صيغة عموم إلا أن الصدقة جنس يصدق على الواحد والكثير.

قال: أرأيتَ إن لم يجد ما يتصدق به؟، فالمتبادر أن الصدقة إذا أطلقت أن ذلك يكون بالمال، أرأيت إن لم يجد؟، قال: يعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق، يعمل بيديه، بمعنى: أن الإنسان يكتسب، وكما سبق في الكلام في أوائل هذا الباب، وكذلك في بعض المناسبات في الكلام على المنافقين الذين يلمزون المطوعين في الصدقات، والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم، فيأتي الرجل ويعمل ولو عملاً يسيراً يستخرج الماء من بئر، أو نحو ذلك ويكتسب ويتصدق بقليل، بصاع من تمر فيسخر منه المنافقون، ويقولون: إن الله غني عن هذا، وعن صدقته، وهذا فيه أيضاً فضل الاكتساب، أن الإنسان لا يكون عالة على الآخرين، ويتكئ على غيره في مطالبه وحوائجه، فيكون الذي يتولى نفقته هو إنسان آخر، بل على الإنسان أن يكتسب ويعمل، والنبي ﷺ يقول: لا تحل الصدقة لغنيٍّ، ولا لذي مِرّة سوي، الغنيّ معروف، وذو المِرّة، يعني: الإنسان القوي، والسوي هو الذي لا عاهة فيه، ليس فيه علة تعيقه من العمل، ليس بأقطع اليدين، وليس بأشل، ليس فيه عاهة، ليس أعمى، فهؤلاء الذين يأتون ويتكثرون، ويسألون الناس وهم شباب، لربما الواحد منهم لا يجاوز الثلاثين، ويتعذر بالفقر والحاجة، فمثل هذا ينبغي له أن يبحث عن عمل يعف به نفسه ولو كان يسيراً، والله قد يبارك بالقليل، لكنْ ذلك خير له من أن يتكفف الناس، وأن يذل نفسه.

قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيتَ إن لم يستطع؟، ما استطاع لسبب أو لآخر، لشغله بمن تحت يده، من ذي علة، أو لكون هذا الإنسان مريضًا، أو نحو هذا أو لا يحسن الصنعة، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، "يعين ذا الحاجة الملهوف" يعني: أنه إن لم يستطع أن يكتسب فيعين غيره من أصحاب الحاجات الذين قد اشتدت حاجاتهم، حتى إن ذلك صار يلح عليهم، ولا يدرون كيف يتصرفون، فهم كأنهم في شدة وضيق لا يعرفون المخرج منه، ذا الحاجة الملهوف كالذي يكون له حاجة ولا يستطيع الوصول إلى صاحب نفوذ أو سلطان أو نحو ذلك، من أجل أن يخلص مشكلته أو معاملته أو نحو هذا، فيأتي هذا الإنسان ويتصرف دونه، وكذلك أيضاً قد تكون المرأة ضعيفة، أو نحو ذلك، ليس عندها عائل أو يكون عندها عائل لا يبالي، وهذه المرأة تكون بحاجة إلى القيام ببعض شئونها ولا تستطيع الذهاب إلى أماكن الرجال ومزاحمتهم ومراجعة البلديات، والمحاكم، وشركة الكهرباء، ونحو ذلك، وقد تضطر هي إلى البناء، بناء بيت يكنها، وما معها من أيتام، ثم لا تعرف كيف تتصرف فيتلاعب بها الناس، هذا يبتزها، وهذا يستغل ذلك في أخذ مالها، وذاك يستغله لشيء آخر، ويتلاعبون بها، ولا يأتون بالعمل على وجهه، ويتقطع عملهم، وما إلى ذلك، فيأتي إنسان ويقدم خدمة لمثل هذه المرأة الضعيفة المسكينة.

قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: يأمر بالمعروف أو الخير، ما يعجز أن يقول: يا فلان، صلِّ، يا جماعة، اتقوا الله، أو نحو هذا، قال: أرأيت إن لم يفعل؟، قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة، وهذا سبق الكلام عليه في بعض الأحاديث كما في حديث جندب وهو الحديث الأول، وهناك بيّن أنها صدقة منه على نفسه؛ لأن الإنسان إذا أطلق لسانه وأطلق يده وبصره، وما إلى ذلك، وبدأ يظلم الناس، ويأخذ ما فيه أيديهم وما إلى ذلك إنما هو في الواقع يضر نفسه، ويحمل أوزاراً، فإذا كف الإنسان عن الشر فهذه صدقة منه على نفسه.

فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أوليائه المتقين، وأن يغفر لنا أجمعين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب: كل معروف صدقة (8/ 11)، رقم: (6022)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2/ 699)، رقم: (1008).
  2. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها (1/ 498)، رقم: (720).

مواد ذات صلة