الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث "صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة.."
تاريخ النشر: ٠٩ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 2472
مرات الإستماع: 16908

صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنهما- قال: صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه. رواه مسلم
ترجمة حذيفة بن اليمان

حذيفة بن اليمان هذا أول حديث يمر بنا له في هذا الكتاب المبارك رياض الصالحين، ومن عادتنا أن نترجم لراوي الحديث حينما يمر أول مرة.

فحذيفة يقال له: حذيفة بن اليمان وإن كان من قبيلة عبس، ولكنه قيل له ذلك؛ لأنه حالف الأنصار، وهم من القبائل اليمانية في الأصل، فقيل: حذيفة بن اليمان، وقد أسلم مع أبيه، ثم بعد ذلك شهد أحداً مع أبيه مع رسول الله ﷺ.

وقد قُتل أبوه في أحد بسيوف المسلمين، لم يعرفوه فاجتمعوا عليه، وحذيفة يقول: أبي، وما احتجزوا عنه حتى مات ، فتنازل عن دمه للمسلمين، تصدق به على المسلمين.

وأما ما يتعلق بمناقبه فهي كثيرة جداً، شهد فتح الجزائر، وشهد فتح المدائن، وولاه عمر في أيامه، حتى إن عمر قال لأصحابه يوماً: تمنوا، فجعل كل واحد منهم يتمنى، فقال عمر : ولكني أتمنى رجالاً، كمعاذ، وأبي عبيدة، وحذيفة بن اليمان، أستعملهم في مصالح المسلمين، أو كما قال.

ومعلوم أن النبي ﷺ كان قد أسرّ له بأسماء المنافقين، وتوفي عام ست وثلاثين في المدينة، بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة.

وروايته عن النبي ﷺ تزيد على المائة بعض الشيء، وقد اتفق الشيخان البخاري ومسلم على تخريج اثني عشر حديثاً منها، وانفرد الإمام البخاري -رحمه الله- بثمانية، والإمام مسلم بسبعة.

يقول: "صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة"، أي: في الليل، ليس الفريضة.

يقول: "فافتتح البقرة"، يعني: أنه اقتدى بالنبي ﷺ وأْتَمّ به، وإن لم يكن ذلك على سبيل القصد.

فقلت: يركع عند المائة، يعني: إذا قرأ مائة آية ركع، قال: ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران.

وهذا ليس على الترتيب الذي في المصحف البقرة ثم آل عمران، ثم النساء، فالنبي ﷺ قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وهذا يدل على أنه لا يجب على الإنسان أن يقرأ السور مرتبة كما في المصحف، يعني: يمكن أن يقرأ الإنسان في الركعة الأولى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وفي الركعة الثانية قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، ولا إشكال في ذلك.

وأما ما روي عن ابن مسعود لما قيل له عن رجل يقرأ القرآن منكوساً، فقال: ذاك رجل نكس الله قلبه، فليس المقصود به نكس السور، يعني: يقرأ هذه السورة قبلُ، وإنما المقصود به أن يقلب آيات السورة، يعني: يقرأ من آخر آية حتى يصل إلى أول آية، فهذا يفسد النظم، يفسد المعاني.

يقول: "فقرأها، يقرأ مترسلاً" يعني: مرتلاً، يقرأ بهدوء لا يسرع، "إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ".

هذه القراءة المترسلة قرأ فيها ثلاث سور طوال في ركعة واحدة، بهذه الطريقة، إذا مر بآية وعيد مثلاً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196]، يقول: أعوذ من سخط الله وعذابه، وإذا قرأ مثلاً إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة:143]، يقول: نسأل الله لطفه ورحمته، وهكذا.

إذا قرأ آيات تتكلم عن نعيم الجنة، وما وعد الله أهلها يقول: نسأل الله من فضله، نسأل الله الجنة، إذا قرأ الآيات التي تذكر أوصاف المعذبين أو النار أو نحو هذا يقول: نعوذ بالله من النار، هذه هي السنة.

وإذا مر بآيات تنزه الله عن النقائص قال: سبحان الله، هذه هي السنة في صلاة الليل، وصلاة الليل أوسع من صلاة النهار، كما أن صلاة النافلة أوسع من صلاة الفرض.

فهذه هي السنة، أن لا يسكت الإنسان، وكذلك المستمع المأموم إذا مر الإمام في هذه الآيات فإنه يسأل، ويستعيذ، ويسبح الله .

يقول: ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه من الطول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه. رواه مسلم.

فهذه صلاة طويلة جداً، وركوع طويل، وسجود طويل، وقيام طويل، وإذا عرض الإنسان نفسه على مثل هذا، -مع أن النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- ونظر إلى تقصيره فإن الإنسان يستحي من ربه.

نحن إذا نظرنا الآن إلى صلاتنا في التراويح، العشاء والكلمة والتراويح كل ذلك بساعة، لا يتجاوز ساعة، وتقام الصلاة في السابعة والنصف تقريباً، وننتهي الثامنة والنصف.

صلاة العشاء، والسنة الراتبة، والتسبيح، والتراويح، والكلمة التي بينها ساعة واحدة، يقرأ الإمام نصف وجه أو نحو هذا في الركعة، ومع ذلك قد نجد أن البعض يستطيل هذا، ولربما ترك التراويحَ الكثيرُ من المسلمين استثقالاً لها، أو يصلي تسليمة أو تسليمتين، ثم بعد ذلك يترك.

صليت مع النبي ﷺ ليلة
 يقول -أيضاً- ابن مسعود  صليت مع النبي ﷺ ليلة، فلم يزل قائماً، حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي ﷺ"[1].

هذا ابن مسعود، الذي أخذ سبعين سورة من في رسول الله ﷺ، وكان صاحب عبادة، وقيام وقراءة وذكر.

ومع ذلك يقول: حتى هممت أن أجلس وأدعه، فيا ترى كم قرأ النبي ﷺ في تلك الركعة التي تعب معه فيها ابن مسعود؟

مع ما يتطلبه المقام من مراعاة مقام رسول الله ﷺ، ومع ذلك قال: حتى هممت أن أجلس وأذر النبي ﷺ.

فمثل هذه الأحاديث تحرك في نفس المؤمن شيئاً من الدافعية لمزيد من الخير، والعمل الصالح، وصلاة الليل ولا يستطيل إذا سبح الإمام في الركوع ثلاث تسبيحات، وفي السجود ثلاث تسبيحات، فهذا ركوع قريب من القيام.

فنسأل الله أن يشرح صدورنا لطاعته، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يحشرنا تحت لواء نبيه ﷺ.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب طول القيام في صلاة الليل (2/ 51)، رقم: (1135)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (1/ 537)، رقم: (773).

مواد ذات صلة