الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
تتمة حديث «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله..»
تاريخ النشر: ١٢ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 2033
مرات الإستماع: 5830

أعمال يسيرة وأجور كبيرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكما ذكرنا أيها الأحبة أن أعمال البر وأعمال الخير كثيرة جداً، وكما ذكرت في الأمس حديث رسول الله ﷺ أن الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وأن النار مثل ذلك.

فهناك أعمال يسيرة يعملها الإنسان وتجزئ عن عمل كثير، فمن ذلك سنة الضحى كما في حديث أبي ذر عن النبي ﷺ، أنه قال: يصبح على كل سُلامَى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى[1].

يعني: كل مفصل فيه صدقة، أو كل عظم فيه صدقة، بمعنى: أن هذه الأجزاء، أو الأبعاض، أو العظام في الإنسان، أو المفاصل الثلاثمائة والستين يحتاج أن يتصدق الإنسان عنها كل يوم ثلاثمائة وستين صدقة، فيتصدق بالمال، أو التسبيح، أو التكبير، أو نحو ذلك، كل ذلك معدود في الصدقات، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.

وفي حديث بريدة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة. قالوا: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعةُ في المسجد تدفنها، أو الشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك[2].

فمن الناس من يتصور أن الصدقة لابد أن تكون بالمال، قالوا: من يستطيع أن يتصدق كل يوم ثلاثمائة وستين صدقة؟ قال لهم: لا، أيّ عمل خير تعمله يعد من الصدقات.

وفي حديث أبي الدرداء قال: أوصاني حبيبي ﷺ بثلاث لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر[3]، هذا لمن خشي أن لا يقوم من آخر الليل.

وأعجب من هذا أيها الأحبة حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية، فغنموا، وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم، وكثرة غنيمتهم، وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله ﷺ: ألا أدلكم على أقرب منه مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة؟، من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة[4].

عمل يسير، وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، قال: قال رسول الله ﷺ: تامة، تامة، تامة[5].

فإذا جلس الإنسان بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وصلى ركعتين فإنه يكتب له أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة، لاسيما في الشتاء فالوقت قصير، ولو حسب الإنسان ريثما يصل إلى بيته ونحو ذلك وجد الإسفارَ والشمسَ ما بقي لها إلا القليل وتطلع.

وكذلك في حديث أبي هريرة قال: بعث رسول الله ﷺ بعثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله، ما رأينا بعث قوم أسرع كرة، ولا أعظم غنيمة من هذا البعث، فقال ﷺ: ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث؟، رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد، فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحى فقد أسرع الكرة، وأعظم الغنيمة[6].

وهذه كلها أحاديث ثابتة صحيحة، وفي حديث عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقول: يا ابن آدم، اكفني أول النهار بأربع ركعات أكفك بهن آخر يومك[7]، وفي حديث أبي الدرداء عن النبي ﷺ عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: يا ابن آدم، لا تُعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره[8].

وفي حديث أبي مرة الطائفي عن النبي ﷺ قال: قال الله : ابن آدم صلِّ لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره[9].

وحديث أبي أمامة عن النبي ﷺ: من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنْصِبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين[10].

والأحاديث في هذه المعاني كثيرة، والأعمال الطيبة السهلة التي لا تحتاج إلى جهد كثيرة جداً يرتفع بها الإنسان عند الله وتعظم أجوره، فينبغي للإنسان أن يحرص على هذا.

أوردت هذه النماذج بناء على ما مضى بالأمس من قوله ﷺ: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله.

ووجوه البر كثيرة، ويستطيع الإنسان أن يتقرب إلى الله سواء كان فقيراً أو غنياً، ضعيفاً أو قوياً، من يعجز عن مثل هذه الأشياء السهلة؟!.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها (1/ 498)، رقم: (720).
  2. أخرجه أبو داود، أبواب النوم، باب في إماطة الأذى عن الطريق (4/ 361)، رقم: (5242)، وأحمد (38/ 104)، رقم: (22998).
  3. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها (1/ 499)، رقم: (722).
  4. أخرجه أحمد (11/ 213)، رقم: (6638).
  5. أخرجه الترمذي، أبواب السفر، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس (2/ 481)، رقم: (586).
  6. أخرجه ابن حبان (6/ 276)، رقم: (2535).
  7. أخرجه أحمد (28/ 612)، رقم: (17390).
  8. أخرجه الترمذي، أبواب الوتر، باب ما جاء في صلاة الضحى (2/ 340)، رقم: (475)، وهو عند أبي داود، كتاب الصلاة، باب صلاة الضحى (2/ 28)، رقم: (1289)، وأحمد (37/ 137)، رقم: (22469)، من حديث نعيم بن هَمّار الغطفاني.
  9. أخرجه أحمد (37/ 142)، رقم: (22473).
  10. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة (1/ 153)، رقم: (558)، وأحمد (36/ 640)، رقم: (22304).

مواد ذات صلة