الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(220) دعاء من خاف ظلم السلطان " الله أكبر الله أعز من خلقه جميعا " والدعاء على العدو " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم "
تاريخ النشر: ١٩ / ذو الحجة / ١٤٣٥
التحميل: 1670
مرات الإستماع: 2008

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

مما أورده المؤلفُ تحت باب (دعاء مَن خاف ظُلم السُّلطان): ما جاء عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: إذا أتيتَ سلطانًا مهيبًا تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أعزّ من خلقه جميعًا، الله أعزّ مما أخاف وأحذر، وأعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السَّماوات السَّبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شرِّ عبدك فلان، وجنوده، وأتباعه، وأشياعه من الجنِّ والإنس، اللهم كن لي جارًا من شرِّهم، جلَّ ثناؤك، وعزَّ جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك. ثلاث مرات.

هذا الحديث أخرجه الطَّبراني[1]، والبخاري في "الأدب المفرد"[2]، قال المنذري: إسناده صحيحٌ، أو حسنٌ، أو ما قاربهما[3]. وقال الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: بأنَّه موقوفٌ، ورجاله رجال الصَّحيح[4]. وقال الهيثمي أيضًا: رجاله رجال الصَّحيح[5]. يعني: عند الطَّبراني، وصحح وقفَه أيضًا الشيخ ناصر الدين الألباني، يعني: أنَّه موقوفٌ من كلام ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-.

لكن يبقى النَّظر -كما سبق في الأثر الذي قبله عن ابن مسعودٍ -: هل مثل هذا له حكم الرفع باعتبار أنَّ هذه الأذكار توقيفية، أو أنَّ ذلك يمكن أن يكون للاجتهاد فيه مدخلٌ؟ هذا يحتمل.

وقد يقول قائلٌ: إنَّ هذا السياقَ ليس من الأسلوب النبوي المعروف، والله تعالى أعلم.

على كل حالٍ، ابن عباسٍ لم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

يقول: فقل: الله أكبر يعني: أكبر من كل شيءٍ، وأكبر من كل كبيرٍ، وإذا كان الله أكبر من كل كبيرٍ، فهنا لا موضعَ لأن يتعاظم الخوفُ من مخلوقٍ، والله -تبارك وتعالى- أكبر منه.

الله أعزّ من خلقه جميعًا والعزّة تكون لمجموع أوصافٍ من القوّة والمنعة، وما إلى ذلك مما يكون معه الموصوف عزيزًا، فهذا عامٌّ، ثم خصّ بعده فقال: الله أعزّ مما أخاف وأحذر، فإذا كان يخاف أحدًا لعزَّته، فالله -تبارك وتعالى- أعزّ.

و(أفعل) التَّفضيل هنا ينبغي ألا يكون على بابه؛ لأنَّه لا وجهَ لمقابلة عزَّة الله بعزَّة أحدٍ من الخلق؛ لأنَّه لا مقاربةَ بينهما، فمهما كان عظم هذا المخلوق، وعظمت قوته، ومهما كانت عزَّته، فالله أعزّ وأعظم وأجلّ، وهو أعزّ مما أخاف وأحذر، وأقوى وأعظم عزّة من هذا المخلوق الذي يخافه الناس.

وأعوذ بالله الذي لا إله إلا هو عرفنا معنى الاستعاذة؛ بمعنى: اللجوء إلى الله، والاعتصام به، وتوسّل هنا بكلمة التوحيد: لا إله إلا هو، وقلنا: هذه التي يحصل بها النَّجاة والخلاص من الكروب في الدنيا والآخرة.

الممسِك السَّماوات السَّبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا [فاطر:41]، فهذه السَّماوات التي نُشاهدها ونراها قد رفعها اللهُ -تبارك وتعالى- بغير عمدٍ، مَن الذي يُمسكها؟ ومَن الذي يُبقيها هكذا مع تطاول الدُّهور والأزمان؟

لا شكَّ أنَّ ذلك لا يقدر عليه إلا الله -تبارك وتعالى-، لو وكَّل ذلك إلى أحدٍ من المخلوقين مهما عظم شأنُه، وكثر جنوده، وقوّته؛ فإنَّ هذا المخلوقَ سيموت، وسيموت أعوانه وجنوده، فمَن الذي يُمسك هذه السَّماوات؟ لو اجتمع الخلقُ من أولهم إلى آخرهم على أن يصعدوا إلى السَّماء فقط لمجرد الصُّعود لما استطاعوا، ولما قاربوا ذلك، فكيف بالسَّماوات السَّبع تبقى ثابتةً بهذا البناء المحكم؟ فذلك لا يقدر عليه إلا الله -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.

يقول: أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السَّماوات السَّبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شرِّ عبدك فلان، وجنوده، وأتباعه، وأشياعه أشياعه يعني: الأتباع والأنصار والأعوان؛ لكونهم يتشيَّعون له، فيُقال: شيعة الرجل هم أنصاره وأعوانه من الجنِّ والإنس، يعني: من جنوده وأتباعه وأشياعه من الجنِّ والإنس.

اللهم كن لي جارًا من شرِّهم عرفنا معنى الجار، وهو الذي يمنع مَن استجار به، ويحفظه، ويقيه ما يتخوّفه.

جلَّ ثناؤك يعني: عظم ثناؤك، وعظم ثناؤك كما قلنا من قبل: جلَّ ثناؤك يعني: يحتمل أن يكون من قبيل الإضافة إلى الفاعل، أو الإضافة إلى المفعول: جلَّ ثناؤك، فتكون الكافُ فاعلاً، والثَّناء مُضافٌ إلى الكاف، فهو فاعل، يعني: ثناء الله -تبارك وتعالى- على نفسه، أو على أحدٍ من خلقه، هو شيء عظيم.

أو يكون مُضافًا إلى المفعول، فتكون الكافُ في محل نصب مفعول به، فيكون جلَّ ثناؤك ثناء مُضاف إلى المفعول (الكاف)، فيكون بمعنى: أنَّ الثناء على الله -تبارك وتعالى- جلَّ وعظُم، فلا يُحصي أحدٌ ثناءً عليه، وإنما هو كما أثنى على نفسه -تبارك وتعالى-.

وتبارك اسمك، ولا إله غيرك عرفنا: أنَّ التَّبارُّك والبركة بمعنى: كثرة الخير، عظمت بركته، تبارك اسمك يعني: كثرت بركة اسمك، أي: وُجِدَ كلّ خيرٍ بذكره: تبارك اسمك، وقد مضى الكلامُ على هذا في دُعاء الاستفتاح، وختم ذلك بالتوحيد بقوله: ولا إله غيرك، يقول ذلك ثلاث مرات.

ثم بعد ذلك ذكر بابًا بعده، وهو: (الدُّعاء على العدو)، وذكر فيه حديثًا واحدًا، أو ذكرًا واحدًا، وهو ما جاء عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: دعا رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على الأحزاب فقال: اللهم مُنزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وزلزلهم. هذا مُخرَّج في "الصحيحين"[6].

فقوله: "دعا رسولُ الله ﷺ على الأحزاب" هذا فيه مشروعية الدُّعاء على الكفَّار.

وقوله: اللهم مُنزل الكتاب يحتمل أن يُراد بالكتاب جنس الكتاب، يعني: الكتب، فتكون (أل) للجنس؛ أنزل الكتب على الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام.

ويحتمل أن يكون المرادُ بالكتاب: الكتاب الذي أنزل على النبي ﷺ، وهو القرآن، فتكون (أل) عهدية: مُنزل الكتاب المعهود المنزل على محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلَّم-: اللهم مُنزل الكتاب، والله -تبارك وتعالى- يقول حامدًا لنفسه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا [الكهف:1].

سريع الحساب هنا يحتمل أيضًا معنيين: يحتمل أنَّه سريع الحساب بمعنى: مجيء وقت الحساب، يأتي سريعًا، ويحتمل أنَّ ذلك بمعنى: أنَّه سريع الحساب، يُحاسِب الخلائق جميعًا في موقفٍ واحدٍ، كما يُحاسِب نفسًا واحدةً، فلا يحتاج إلى مدةٍ طويلةٍ لكثرة الخلائق، ولكثرة أعمالهم، حيث أحصى عليهم الأعمال الصِّغار والكِبار: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، فالمخلوق إذا كان يُحاسِب أحدًا من المخلوقين على الصَّغير والكبير يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ، فكيف لو كان يُحاسِب الكثيرين؟

فالله يُحاسِب جميع المخلوقين من أوَّلهم إلى آخرهم كما يُحاسِب نفسًا واحدةً، والله  يقول عن نفسه: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202]، وقال: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ [الأنعام:165].

وابن جرير -رحمه الله- يقول: وصف -جلّ ثناؤه- نفسَه بسرعة الحساب؛ لأنَّه -جلَّ ذكره- يُحصي ما يُحصي من أعمال عباده بغير عقد أصابع، ولا فكر، ولا رويّة، فعل العجزة الضَّعفة من الخلق[7]. يعني: الخلق حينما يأتي ليُحصي يحتاج إلى عدٍّ وآلةٍ حاسبةٍ، ويحتاج إلى رويّةٍ ونظرٍ وتمهلٍ حتى يُعطيك النتيجة، يقول: ولكنَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، ولا يعزب عنه مثقال ذرَّةٍ فيهما، ثم هو مُجازٍ عباده على كلِّ ذلك؛ فلذلك -جلَّ ذكره- امتدح نفسَه بسرعة الحساب[8].

بمعنى: أنَّ ابن جرير -رحمه الله- يرى أنَّ ذلك بمعنى: أنَّه يُحاسِب جميع الخلائق من غير حاجةٍ إلى ما يحتاج إليه الخلق من عدٍّ وإحصاءٍ، وإنما كما يُحاسِب نفسًا واحدةً، يُحاسبهم في وقتٍ سريعٍ.

ويقول أيضًا في قوله -تبارك وتعالى-: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]: إنَّ الله ذو سرعةٍ في محاسبة عباده يومئذٍ -يعني: يوم القيامة- على أعمالهم التي عملوها في الدُّنيا[9].

فهذا الذي ذهب إليه ابنُ جرير: سَرِيعُ الْحِسَابِ يُحاسبهم كما يُحاسِب نفسًا واحدةً، ليس بمعنى: أنَّ حسابَه سريعُ المجيء، يعني: القيامة، وجزاء الناس على أعمالهم.

وهذا (السَّريع) عدَّه بعضُ أهل العلم من أسماء الله -تبارك وتعالى-؛ لقوله: سَرِيعُ الْحِسَابِ، كما ذهب إلى ذلك جماعةٌ: كابن منده[10] -رحمه الله-، والحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان"[11]، والبيهقي أيضًا في "الشعب"، والقرطبي[12]، والحافظ ابن القيم، وبعض المعاصرين، والأقرب أنَّ ذلك من قبيل الصِّفة -والله تعالى أعلم.

فقوله: اللهم مُنزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وزلزلهم، ولاحظوا هنا أنَّه ذكر إنزال الكتاب، وسُرعة الحساب، قال بعضُ أهل العلم: ذكر هذين الوصفين باعتبار أنَّهما يتضمنان الفصل بين الحقِّ والباطل، ويقتضيان دفع أهل الباطل، وهدم بُنيانهم، فينبغي التَّوسل بهما لذلك، فالكتاب يحصل به الفصلُ بين الحقِّ والباطل.

وكذلك من أسمائه: الفُرقان، الذي يُفرق بين الحقِّ والباطل، وكذلك سريع الحساب؛ يُحاسِب الخلائقَ: المحقّ والمبطِل، فيُجازي كلاً بعمله.

فهنا ناسب أن يقدّم بذلك، وأن يتوسّل بهذه الأوصاف؛ ليقول بعده: اهزم الأحزاب يعني: اكسرهم، وشتت شملهم، واجعل الدَّائرةَ عليهم، وأكَّد ذلك بإعادته ثانيًا: اللهم اهزمهم، وزلزلهم، فزلزلهم معناه: أزعجهم وحرِّكهم. كما يقول النَّووي -رحمه الله-[13].

والزلزال والزلزلة عند أهل اللغة بمعنى: الشَّدائد التي تُحرِّك الناس، يعني: أرسل عليهم المزعجات التي تُحرِّكهم، وتجعلهم في حالٍ من الاضطراب، فلا يقرّ لهم قرارٌ؛ ولهذا قال الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: المراد الدُّعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقرَّ لهم قرارٌ[14].

لكن من أهل العلم؛ كالدَّاودي قال: "أراد أن تطيش عقولهم، وترعد أقدامهم عند اللِّقاء؛ فلا يثبتوا"[15]. وهذا الذي يبدو -والله تعالى أعلم-؛ لأنَّه إذا حصلت لهم هذه الزلزلة والاضطراب، فإنَّ أقدامهم لا تثبت على المعركة، ولا يستطيعون المواجهة؛ ولهذا قال جبريلُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- للنبي ﷺ بعد الأحزاب؛ لما أمره أن يتوجّه إلى قُريظة، أخبره أنَّه مُتوجّه إليهم، ومُزلزل بهم، وهذا الذي حصل، فلمَّا نزل النبيُّ ﷺ بساحتهم تهافتوا، ولم يصمدوا، ولم يثبتوا للقائه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، والنبي ﷺ يقول: نُصرتُ بالرُّعب مسيرة شهرٍ[16]، يعني: العدو الذي يبعد عنه مسيرة شهرٍ لا يقرّ له قرارٌ، فيكون في حالٍ من الخوف والاضطراب.

وجمعٌ من أهل العلم يقولون: بأنَّ مثل هذه الخصائص تكون لأتباعه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بحسب اتِّباعهم له.

وهنا ذكر أهلُ العلم فوائد، لكن منها أشياء قد تكون مُتكلَّفةً، ومما قد يحسُن هنا من غير تكلُّفٍ: أنَّه أشار بـهازم الأحزاب إلى التَّوسل بالنِّعمة السَّابقة، وهذا مهمٌّ في الدعاء، فحينما يذكر الإنسانُ أنَّه لم يكن بدعاء ربِّه شقيًّا، فذلك إعلانٌ منه أنَّه كان بدعاء الله -تبارك وتعالى- مُحصِّلاً لمطلوبه، يقول: لم أشقَ بدُعائك قطّ، فقد عوَّدتني الإجابة. فهذا من التَّوسل والتَّأدب بين يدي الدُّعاء، وهذا خلاف مَن يُسيئ الظنَّ بالله -تبارك وتعالى-، ويقول: طالما دعونا ولم يستجب لنا! فلا يُقال هذا، وإنما المؤمن تكون حاله أنَّه لم يكن قطّ بدُعاء ربِّه -تبارك وتعالى- شقيًّا.

فهنا ذكر هزيمة الأحزاب، كأنَّه يقول: سوابق النِّعَم وسوالف الإجابة التي سبقت نتوسّل بها إلى نعمةٍ لاحقةٍ مطلوبةٍ، وهي أن تهزم هؤلاء الأحزاب، كما هزمتَ أسلافَهم، وهكذا تجريد التَّوكل على الله -تبارك وتعالى.

وكذلك أيضًا فيه تنبيهٌ على عِظم هذه النِّعم الثلاث: إنزال الكتاب، وسرعة الحساب، وهزيمة الأحزاب، وبإنزال الكتاب حصلت النِّعَم الدنيوية والأُخرويَّة، وبإجراء السَّحاب تحصل النِّعَم الدنيوية التي نعرفها جميعًا، فذلك يرتبط بالأرزاق، وهزيمة الأحزاب يحصل بها حفظ هذه النِّعم الدنيوية والأُخروية، فيبقى للناس دينُهم، وتبقى لهم معايشهم ودُنياهم، كأنَّه يقول: اللهم كما أنعمتَ بعظيم النِّعمتين: الأُخروية والدُّنيوية، وحفظتهما، فأبقهما يا ربّ.

وهذا الحديث -كما ترون- قد احتوى في أسلوبه وأفضاله على شيءٍ من السَّجع، حيث توافق أواخر الكلم فيه: اللهم مُنزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وزلزلهم، فهذا سجعٌ، وهذا يدلّ على جواز السَّجع في الدعاء، بشرط ألا يكون ذلك مُتكلَّفًا، فالسَّجع في الدُّعاء مكروهٌ إذا كان على سبيل التَّكلف، لكن ما صدر من غير قصدٍ، كما هو الشَّأن في بعض الأحاديث، ومنها هذا الحديث، فإنَّه يأتي لغاية الانسجام، وتقبله الأسماع، ولا يُستثقل بحالٍ من الأحوال.

ومن ذلك قوله ﷺ: صدق اللهُ وعدَه، ونصر عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده[17]، وقوله: اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع[18]، وأشباه ذلك، فالمكروه من السَّجع هو المتكلَّف، كأن يتقصَّد الإنسانُ ذلك؛ لأنَّه لا يُلائم الضَّراعة، فالإنسان الضَّارع الذَّليل لربِّه -تبارك وتعالى- لا يستحضر مثل هذا، ولا يقصده، وهذه الألفاظ التي جاءت مُتوازية هي غير مُتكلَّفة.

وقد ذكر الإمامُ الأزهري اللغوي المعروف -صاحب "تهذيب اللغة"-: "نهى عن السَّجع في الكلام والدُّعاء؛ لمشاكلة كلام الكهنة وسجعهم فيما يتكهَّنون، فأمَّا فواصل الكلام المنظوم الذي لا يُشاكل المسجع فهو مُباحٌ في الخطب والرَّسائل"[19]، كما قال النبي ﷺ في قصّة المرأة من هذيل التي ضربت الأخرى فأسقطت[20].

فهذا ما يتعلّق بهذا الذكر.

وأسأل الله ب أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. "المعجم الكبير" للطبراني، برقم (10599).
  2. "الأدب المفرد"، برقم (708)، وصححه الألباني.
  3. "الترغيب والترهيب" (3/203).
  4. "نتائج الأفكار" لابن حجر (4/108).
  5. "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/137) (17136).
  6. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الدُّعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، برقم (2933)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، وباب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، برقم (1742).
  7. "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (4/207).
  8. "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (4/207).
  9. "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (4/207).
  10. "التوحيد" لابن منده (ص485).
  11. "المنهاج في شعب الإيمان" (1/208).
  12. "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/483).
  13. "شرح النووي على مسلم" (12/47).
  14. "فتح الباري" لابن حجر (6/106).
  15. "فتح الباري" لابن حجر (6/106).
  16. أخرجه البخاري: كتاب التيمم، برقم (335)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، برقم (521).
  17. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب الدُّعاء إذا أراد سفرًا أو رجع، برقم (6385)، ومسلم: كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحجِّ وغيره، برقم (1344).
  18. أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّعوذ من شرِّ ما عمل ومن شرِّ ما لم يعمل، برقم (2722).
  19. "تهذيب اللغة" (1/219).
  20. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب الكهانة، برقم (5758)، ومسلم: كتاب القسامة، باب دية الجنين ووجوب الدِّية في قتل الخطأ، برقم (1681).

مواد ذات صلة