الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
(326) كيف كان النبي صلى الله عيه وسلم يسبح؟
تاريخ النشر: ٠٧ / جمادى الآخرة / ١٤٣٦
التحميل: 1489
مرات الإستماع: 1535

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: هذا باب "كيف كان النبي ﷺ يُسبّح؟"، وفيه حديثٌ واحدٌ،وهو ما جاء عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رأيتُ النبي ﷺ يعقد التَّسبيح بيمينه".

هذا الحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه[1]،والترمذي، وقال الترمذي: حسنٌ، غريبٌ[2].

وقد قال النووي: إسناده صحيحٌ، إلا أنَّ فيه عطاء بن السَّائب، وفيه اختلافٌ بسبب الاختلاط. وحسَّنه في كتاب "الأذكار"[3]، كذلك أيضًا حسَّنه الحافظ ابن حجر[4]، وصححه السيوطي[5]، والألباني[6]، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: ثابتٌ[7]-رحم الله الجميع-.

هذا الحديث مضى الكلامُ عليه، أو على مضمونه في الكلام على المقدّمات في عقد التَّسبيح باليمين، وأنَّ هذا هو المشروع، وليس ذلك بعقده بواسطةٍ أخرى: كالآلات؛ كالمسبحة، وكذلك ما ابتُكر من آلات ربما تُوضع في الأصبع، أو في غير الأصبع، أو مما يُوضع في مقود السيارة، أو نحو ذلك، فهذا خلاف هدي النبي ﷺ.

وقد ذكر الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- أنَّ الروايات في التَّسبيح بالنَّوى والحصى كثيرة عن الصَّحابة -رضي الله تعالى عنهم-،وبعض أمّهات المؤمنين، يقول: بل رآها -عليه الصلاة والسلام- وأقرّ عليها [8].

هذا مأخذ مَن يقول: بأنَّ التَّسبيح بهذه الوسائل لا شيء فيه، والذين منعوا من ذلك ذكرنا حُجّتهم مما جاء من هديه ﷺ: أنَّه كان يعقدها بيمينه، وكذلك أيضًا من قوله ﷺ وأمره: واعقدن بالأنامل؛ فإنهنَّ مُستنطقات[9]، فهذا أمرٌ منه -عليه الصلاة والسلام-.

"كان يعقد التَّسبيح" يعني: على أصابعه، وعرفنا هناك معنى العقد،ولو أنَّه قال هكذا فإنَّ ذلك لا إشكالَ فيه، لكن العقد في اللغة هكذا: أن يضمّ الأصبع، وما جرى عليه كثيرٌ من الناس اليوم من التَّسبيح بهذه الطريقة؛ بجعل مفاصل الأصابع أعدادًا للتَّسبيح، هذا يمكن أن يكون مُضمنًا في العقد، فإنه يثني هذه الأصابع بقدر ما يصل إليه من مفاصلها، هكذا، فيكون ذلك قد تحقق فيه معنى العقد.

والأمر في ذلك يسيرٌ؛ لأنَّ المقصود هو ضبط العدد من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى أنها تشهد له، فيكون هذا الذي يحسب بهذه الطَّريقة في مفاصلها باعتبار أنَّ كلَّ أصبع تحمل ثلاثة مفاصل، فيكون ذلك ثلاث تسبيحات، فهذا لا إشكالَ فيه، فإنها تشهد له، ويكون قد سبَّحبأصابعه، ويعقد ذلك بيمينه.

ولا يكون التَّسبيحُ باليد الأخرى:اليسار؛ لأنَّ ذلك كان يتّخذه النبي ﷺ لخلائه، ونحو ذلك، فلا يصحّ أن يكون ذلك للتَّسبيح.

فهو على كل حالٍ كان يعقدها ﷺعلى هذه الأصابع من أجل ضبطها، ومن أجل أن تشهد أيضًا له؛ لأنهنَّ -كما سبق- مُستنطقات، تُسأل، الإنسان يُسأل عن جوارحه، وتتكلم هذه الجوارح، تشهد بالأعمال التي صدرت عنه، من أعمالٍ طيبةٍ، أو كان ذلك من الأعمال السّيئة، فحينما تشهد هذه الأنامل والأصابع بأنه سبَّح عليها كذا وكذا من آلاف التَّسبيحات خلال العمر، فإنَّ هذا لا شكَّ أنه مما يُسرّ به المؤمن، ويجد ذلك أيضًا في صحيفة عمله، وبذلك تكون هذه الأصابع مُقدّمة على غيرها، حتى عند مَن يقول: بأنَّه يجوز له أن يُسبّح بالمسابح والحصى، ونحو ذلك عند مَن يقول: يجوز، فإنَّ هذه الأصابع مُقدّمة؛ لأنَّه فعل النبي ﷺ؛ ولأنهنَّ مُستنطقات، فاجتمع فيها هذا وهذا، مع أنَّه وُجِدَ من أهل العلم مَنقال:إنَّه إن لم يتمكّن من الضبط إلا بطريقٍ آخر، كالمسبحة، قالوا: فالمسبحة أفضل. هكذا قال بعضُ أهل العلم.

والذي يظهر -والله أعلم- أنَّ هذه الأصابع أفضل، وأنَّ هدي النبي ﷺ أكمل، وما يقع من الخطأ بسبب ذلك فإنه مُغتفر: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[البقرة:286]، قال الله -كما في الحديث القدسي-: قد فعلتُ[10]، ولنا أسوة برسول الله ﷺ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[النساء:26]، وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى هذه الطَّريقة في عدِّ هذا التَّسبيح.

هذا ما يتعلّق بهذا الحديث، وقد ذكرتُ هناك بعض التفاصيل في المقدّمات مما دعت إليه الحاجة.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله، وصحبه.

 

 

  1. أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب التَّسبيح بالحصى، برقم (1502).
  2. أخرجه الترمذي: كتاب أبواب الدّعوات، باب ما جاء في عقد التَّسبيح باليد، برقم (3486).
  3. انظر: "الأذكار" للنووي(ص73).
  4. انظر: "نتائج الأفكار" لابن حجر (1/85).
  5. انظر:"الفتح الكبير في ضمّ الزيادة إلى الجامع الصغير" للسيوطي (2/362).
  6. انظر: "صحيح الجامع" للألباني، برقم (4989).
  7. انظر: "مجموع فتاوى ابن باز"(11/186).
  8. انظر:"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للهروي (2/768).
  9. أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب التَّسبيح بالحصى، برقم (1501)، وحسَّنه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (2316).
  10. أخرجه الترمذي: أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب: ومن سورة البقرة، برقم (2992)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (5046).

مواد ذات صلة