السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[6] من قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} الآية:139 إلى آخر السورة
تاريخ النشر: ٢٥ / جمادى الآخرة / ١٤٣٣
التحميل: 7564
مرات الإستماع: 32369

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.

فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

يقول الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۝ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ۝ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ۝ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۝ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ۝ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ۝ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ۝ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [سورة الصافات:139-148].

قد تقدمت قصة يونس في سورة الأنبياء، وفي الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متَّى[1].

وقوله: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ قال ابن عباس: هو المُوقَر، أي: المملوء بالأمتعة.

فَسَاهَمَ أي: قارع فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي: المغلوبين.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أصل الإيباق يقال: للهرب من السيد، يقال: عبدٌ أبَقَ يعني قد فر من سيده، وذلك أن يونس ﷺ لما كان خروجه بغير إذن ربه -تبارك وتعالى- قيل له ذلك، قيل له: أبق إِذْ أَبَقَ فوُصف بهذا.

وبعضهم يقول: إن معنى إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ذهب إليه، إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ هذا قاله بعض أصحاب المعاني كالمبرد وهو من أئمة اللغة، وكأنه أراد أن يخفف العبارة، يعني كلمة أبق والخروج عن طاعة السيد والفرار منه، فالذي عليه عامة المفسرين أنهم يقولون: المراد أنه خرج بغير إذن ربه -تبارك وتعالى- إذ لم يأذن له بالخروج لما أوشك العذاب أن ينزل بهؤلاء ووعدهم يوماً معيناً ثم بعد ذلك خرج وتركهم مغاضباً لهم قبل أن يأذن الله له، هذا الذي يقوله عامة المفسرين.

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، والفلك: مضى الكلام على هذا بأنها السفن وتقال للواحدة وللجمع، قال: فَسَاهَمَ أي: قارع، هذه الفلك أوشكت على الغرق فأجروا قرعة فكان ذلك يخرج في سهمه، يعني أنه يُلقَى في البحر، ساهم، فأصل المساهمة هي المغالبة وهي الاقتراع من إجالة السهام، فالقرعة يقال لها مساهمة، قال: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ قال: أي المغلوبين، وأصل الدحض هو الزلق عن مكان الظفر، هكذا يفسره أهل العلم، فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ دحض: زلق تزل به الأقدام، ودحض: مزلة تزل بها الأقدام فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ.

وذلك أن السفينة تَلَعَّبَت بها الأمواج من كل جانب، وأشرفوا على الغرق، فساهموا على من تقع عليه القرعة يلقى في البحر، لتخف بهم السفينة، فوقعت القرعة على نبي الله يونس -عليه الصلاة والسلام- ثلاث مرات.

معروف أن القرعة تكون في الحقوق المتساوية، فمَن الأوْلى أن يلقى في البحر؟ هذا يحتاج إلى قرعة.

وهم يضنون به أن يلقى من بينهم، فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه وهم يأبون عليه ذلك.

يعني يتمسكون به، شحّ به أو ضن بما في يده يعني أمسكه ولم يفرط فيه.

فهم لا يريدون أن يلقى، يرون فضله.

وأمر الله تعالى حوتاً من البحر الأخضر أن يشق البحار، وأن يلتقم، يونس ، فلا يَهْشِمُ له لحما، ولا يكسر له عظماً.

حوت من البحر الأخضر هذا لم يثبت عن النبي ﷺ في شيء كأنه متلقى في بني إسرائيل، ومثل ذلك لا يصدق، إنما كما قال النبي ﷺ: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[2]، والمقصود بالبحر الأخضر يعني الأزرق، فالعرب تسمي الأزرق: أخضر، ولا زال هذا إلى اليوم، وتجد في كلام العامة الآن يقولون: صاحب القبة الخضراء بعض الناس يظن أنهم يقصدون النبي ﷺ، ولكن هذا إذا كان في بيئة لا تعرف هذه الأشياء لا تعرف الشرك والدعاء ونحو ذلك، يعني تجد هذا في قلب "نجد" عندنا يقولون: "أفوض أمري إلى القبة الخضراء"، يقصدون بذلك السماء، لكن لو قيل هذا في بيئة خرافية يقصدون به النبي ﷺ اللون الأخضر الذي هو لون القبة التي على قبر النبي ﷺ.

فالشاهد أن العرب تقول للأزرق أخضر، أزرق يقولون: أخضر!، وفي ألوان الناس الأخضر، ليس السواد الشديد، السواد الخفيف، السمرة يقولون: أخضر، أخضر سمرة مثل أهل السودان يقولون: أخضر، وإذا كان مثل الأفارقة يقولون: أزرق، هذا في اصطلاح خاص.

فجاء ذلك الحوت وألقى يونس ، نفسه فالتقمه الحوت وذهب به فطاف به البحار كلها، ولما استقر يونس في بطن الحوت، حسب أنه قد مات ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه فإذا هو حي، فقام يصلي في بطن الحوت، وكان من جملة دعائه: "يا رب، اتخذتُ لك مسجداً في موضع لم يبلغه أحد من الناس"، واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت، فقيل: ثلاثة أيام، قاله قتادة، وقيل جُمعة قاله جعفر الصادق، وقيل: أربعين يوما، قاله أبو مالك.

وقال مُجَاهد، عن الشعبي: التقمه ضحى، وقذفه عشية.

والله أعلم بمقدار ذلك.

كما قال الله : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [سورة النساء:82] مثل هذه الروايات إنما تُلقِّين عن بني إسرائيل، وكتبهم قد حرفت فتجد فيها مثل هذا الذي لا يمكن أن تجمع بينه ثلاثة أيام وبين أربعين يوماً، أو في يوم واحد هذا كله لا يعول عليه، وهذا الذي حصل يعد من المعجزات؛ لأنه إذا ابتلعه الحوت فكيف له بالنفس؟ كيف يتنفس؟ كيف يبقى؟ يختنق ويموت أليس كذلك؟ فهذه معجزة هذا أمر خارق للعادة، وإلا فالإنسان إذا ابتلعه الحوت ولو لم يهشم له لحماً ولم يكسر له عظماً فإنه يموت في بطنه، إذا دخل الإنسان الحوت هل سيجد غرفة فارغة في داخل بطن الحوت؟ ستلتصق عليه أحشاؤه لا يوجد موضع للنفس.

وقوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قيل: لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء، قاله الضحاك بن قيس، وأبو العالية، ووهب بن مُنَبِّه، وقتادة، وغير واحد، واختاره ابن جرير.

لاحظْ هذا معنى جيد وفيه لطيفة، وذلك أن من عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة، فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يعني في الزمن الماضي فنفعه ذلك في وقت الشدة فنجاه الله من هذا الكرب، ولكن هذا المعنى وإن كان بهذه المنزلة إلا أن الآية تحتمل معنى آخر، قد يكون هو الراجح فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يعني في بطن الحوت؛ لأنه كما أخبر الله -تبارك وتعالى- عنه أنه كان يقول: لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء:87]، فكان يردد هذا، فهذا الذي يفسر قوله -تبارك وتعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يعني حينما كان في بطن الحوت.

فإذا كان على هذا المعنى فإنه يدل على أن التسبيح يكون سبباً للخلاص من الكروب والشدائد والمحن، فهذا أيضاً معنى عظيم لا يقل عن الأول، فإذا كان المعنى الأول صحيحاً دلّ عليه: تعرفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، لكن لا يكون هو تفسير الآية، وإن كانت تحتمله، والمعنى الثاني أن التسبيح حال الفتنة والمحنة والشدة، والكرب يكون سبباً للفرج والخلاص، فمن ابتلي بشدة فعليه التسبيح، والله المستعان.

وقد ورد في الحديث الذي سنورده ما يدل على ذلك -إن صح الخبر، وفي حديث عن ابن عباس: تَعَرفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة[3].

وقيل: المراد: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ هو قوله: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [سورة الأنبياء:87، 88].

القاعدة أن يأتي بالحكم الخاص ثم يعقبه بالحكم العام ليعم ذلك غيره، فهذا لا يختص بيونس -عليه الصلاة والسلام، قوله -تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ، ولكن هذا كما يذكر في هذه المجالس وفي غيرها مراراً أن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ فالوصف الإيمان، والحكم هو الإنجاء، فتكون النجاة بقدر الإيمان، يحصل لأهل الإيمان من النجاة والخلاص بقدر إيمانهم.

وهكذا في قوله -تبارك وتعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [سورة الطلاق:3] يعني كافيه، فهذا يقال فيه كما سبق: الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، على قدر التوكل تكون كفاية الله للعبد، ولا يقول قائل: إن الناس قد يتوكلون ويحصل لهم المكروه! يقال: لا، هذا يتوقف على تحقق الشرط وانتفاء المانع، فإن ذنوب العباد تكون سبباً لما يقع لهم من المصائب والآلام كما قال الله -تبارك وتعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [سورة آل عمران:165]، مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ [سورة النساء:79] قال: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ [سورة آل عمران:166، 167] قد يكون ذلك ابتلاءً يحصل به رفع الدرجات ويكون خيراً لهم ورفعة مثلما يذكر؛ لأنه يشكل على بعض الناس، يسألون عن هذا ويظنون أن وعد الله -تبارك وتعالى- يتخلف، وهذا من سوء الظن بالله .

قاله سعيد بن جبير وغيره.

روى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك -ولا أعلم إلا أنّ أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله ﷺ "أن يونس النبي ﷺ حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات، وهو في بطن الحوت، فقال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحف بالعرش، قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيده غريبة، فقال -جل وعلا: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: يا رب، ومن هو؟ قال الله: عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفع له عمل متقبل، ودعوة مستجابة؟ قالوا: يا رب، أوََلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجِّيه في البلاء؟ قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه بالعرَاء"[4].

يعني هذا الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال: وقد ورد في الحديث الذي سنورده ما يدل على ذلك إن صح الخبر، ويقصد أن هذا يقيد القول الذي اختاره ابن جرير وقال به الضحاك، وأبو العالية ووهب بن منبه وقتادة وغير هؤلاء من أن ذلك كان في الزمن الماضي فنفعه في وقت الشدة، ولك أيضاً لو نظرت إلى هذا الأثر على فرض صحته فإنك ستجد فيه أنه حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت فقال: لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء:87] القرآن يدل على هذا أيضاً أنه قال ذلك في بطن الحوت، فلولا أنه كان من المسبحين، فهذا التسبيح حينما كان في بطن الحوت. 

لكن لو قال قائل: إن هذا التسبيح أطلقه الله -تبارك وتعالى- فيدخل فيه دخولاً أولياً ما ذكره الله -تبارك وتعالى- من قِيله لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ يعني في بطن الحوت، وإن ذلك يصدق على ما كان في الزمن الماضي من صلاته وتسبيحه وذكره لربه وعبادته إياه فنفعه ذلك، ولا شك أن العبادة في الزمن الماضي تكون سبباً للتخليص من الكروب، كما يدل عليه: تعرفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، فهذا أيضاً معنى دل عليه الدليل، فإذا أردنا أن نجري عليه ما يذكره أهل العلم من أن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة وأن هذا أولى من الترجيح.

لو قال قائل: إن ذلك جميعاً داخل في معنى الآية: إنه كان من المسبحين حينما كان في بطن الحوت وله أيضاً معهود وتاريخ في هذا، كان يعرف ربه -تبارك وتعالى- قبل ذلك يكون هذا له وجه حسن كما ترون، والله تعالى أعلم.

ولهذا قال تعالى: فَنَبَذْنَاهُ أي: ألقيناه بِالْعَرَاءِ قال ابن عباس، وغيره: وهي الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء.

وَهُوَ سَقِيمٌ أي: ضعيف البدن.

قال هنا: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ، وفي سورة القلم: لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء [سورة القلم:49]، وهو ماذا؟ وَهُوَ مَذْمُومٌ، قال: لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ يعني أنه قد فعل ما يستحق عليه الذم، قال في القلم: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ وليس هناك تعارض، فهنا أثبت أنه مريض، وهذا يشعر أنه بقي في بطن الحوت مدة، والثانية لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ لولا حرف امتناع لوجود، فلولا وجود هذه النعمة التي تداركه الله بها لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ إذاً لم يحصل ذلك لوجود النعمة، لم يحصل له النبذ بهذا الوصف، لم يحصل له النبذ بالعراء مقترناً بهذا الوصف، وَهُوَ مَذْمُومٌ لوجود النعمة التي تداركه الله بها، فهذا لم يحصل؛ لأن الله أنعم عليه، لكن المثبت أنه نبذ بالعراء وهو سقيم يعني أثبت وصفاً ونفى آخر.

وهنا وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۝ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ۝ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ، هناك لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ، وهنا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ يقول: ألامَ الرجلُ إذا أتى بما يلام عليه، اللوم، تقول: ما الذي حملك على هذا؟ لماذا فعلت هذا؟ واللوم غير الذم، يعني وَهُوَ مَذْمُومٌ إذا أتى بما يلام عليه وإن لم يحصل له لوم، يعني وإن لم يلمه أحد، مليم، يعني قد جاء بما يلام عليه وإن لم يلمه على ذلك أحد في الواقع، فهذا بالنسبة للوم، فأثبته هنا حال التقام الحوت له وَهُوَ مُلِيمٌ جاء بما يستحق عليه اللوم، وإن لم يلمه أحد على هذا لكن حينما نبذ بالعراء كان سقيماً لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ من الله -تبارك وتعالى- عليه لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ.

وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال ابن مسعود، وابن عباس ، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وهلال بن يَسَاف وعبد الله بن طاوس، والسدي، وقتادة، والضحاك، وعطاء الخرساني وغير واحد قالوا كلهم: اليقطين هو القرع.

وذكر بعضهم في القرع فوائد، منها: سرعة نباته، وتظليلُ ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة أغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئا ومطبوخا بلبه وقشره أيضا.

قال الله تعالى: وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ الذي عليه عامة المفسرين أن اليقطين هو القرع المعروف، وذكر فوائد لهذه الشجرة، سرعة النبات وسعة مساحة الورق، فهو بحاجة إلى ظل، وشجرة سريعة الامتداد، بحاجة إلى ثمرٍ لا يتعب في صنعه وطهيه، ويكون مفيداً لمثل حالته هذه، فهذا الورق يستتر به من الشمس، ويستتر به أيضاً حيث لا لباس، وهو بحاجة إلى هذا الثمر لإصلاح بدنه، فهذا هو المشهور أنه القرع، وبعضهم يقول: كل شجرة ليس لها ساق يقال لها: يقطين، وهذا اختاره ابن جرير -رحمه الله- وقال به جماعة من السلف، ومن بعدهم كالحسن ومقاتل وغير هؤلاء.

وبعضهم يعبر عن هذا يقول: كل شجرٍ يموت من عامه فهو يقطين، فيدخل في هذا أشجار تموت في عامها، كالحبحب، يموت في عامه، شجر ليس له ساق أيضاً الحبحب والبطيخ كثير من أشجار الخضروات ونحو ذلك تكون بهذه المثابة، فبعض أهل العلم كابن جرير يقول: مالا ساق له فإنه يقطين ولا يختص هذا بالقرع، فالقرع نوع منه، يعني القرع يقال له: يقطين، ولكن المعنى أوسع من هذا، هكذا اختار كبير المفسرين أبو جعفر -رحمه الله.

وقد ثبت أن رسول الله ﷺ كان يُحِبّ الدُّبَّاء، ويتتبعه من نواحي الصَّحْفة.

وقوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ كأن الذين أرسل إليهم أولاً أمر بالعود إليهم بعد خروجه من الحوت، فصدقوه كلهم وآمنوا به.

وقوله: أَوْ يَزِيدُونَ وقال مكحول: كانوا مائة ألف وعشرة آلاف، رواه ابن أبي حاتم.

هؤلاء مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ كأن الذين أرسل إليهم أولاً أمر بالعود إليهم بعد خروجه، يعني أنهم نفس القوم الذين خرج عنهم، وبعض أهل العلم يقول غير ذلك، بعضهم يقول: أرسل إلى آخرين غير هؤلاء، يقولون: إن يونس -عليه الصلاة والسلام- وعدهم وقتاً للعذاب ثم خرج، هكذا يقولون، وهذا كله مبناه على روايات إسرائيلية.

يقولون: خرج منهم وهو ينتظر نزول العذاب في الوقت المحدد فلما كانوا يرقبونه ويقولون: إن خرج فإن العذاب نازل بكم وقد صدقكم، فلما رأوه خرج خرجوا وفرقوا بين النساء والصبيان والرجال والنساء، واجتمعوا يتضرعون إلى الله ويدعونه ويبتهلون ويبكون فذلك قوله -تبارك وتعالى- كما يقولون: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ [سورة يونس:98]، فكانت هذه حالة تعتبر استثناء في الأمم أن عذاب الله إذا نزل فإنه لا مرد له، فهؤلاء رفع الله عنهم العذاب بعدما رأوا أمارات العذاب، يقولون: فلما لم ينزل بهم العذاب خشي أن يكون هؤلاء قد كذّبوه، أنه لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم بنزوله وأنه قال: إنه لا يرجع إليهم، فيكون مكذَّباً عندهم.

فالحاصل أن بعضهم يقول: إن الله أرسله إلى وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ كأنه إرسال جديد غير الأول، قال: أَوْ يَزِيدُونَ قال مكحول: كانوا مائة ألف وعشرة آلاف، لكن هذا كله لا دليل عليه.

قال ابن جرير: وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك: معناه إلى المائة الألف، أو كانوا يزيدون عندكم، يقول: كذلك كانوا عندكم.

ولذا سلك ابن جرير هاهنا ما سلكه عند قوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [سورة البقرة:74]، وقوله: إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [سورة النساء:77]، وقوله: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [سورة النجم:9] أن المراد ليس أنقص من ذلك، بل أزيد.

 الكلام الذي يحوم حوله الحافظ ابن كثير -رحمه الله- ونقل به كلام ابن جرير هو في "أو" هذه أنها إذا حملت على أصل معناها فإنها تكون للشك، لمثل هذا السياق، وهذا لا يخلو من إشكال؛ ولهذا فإن من أهل العلم من فسرها في هذا الموضع بالواو، و"أو" تأتي بمعنى الواو، وتأتي لعدة معانٍ منها: التخيير، ومنها: الإضراب يعني أنها تكون بمعنى بل، فمن قال: إنها بمعنى الواو وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ يعني ويزيدون على ذلك، وهذا لا إشكال فيه إذا فسرت بالواو، وكلام ابن جرير الذي نقله هنا لا إشكال فيه.

المعنى الثاني: أنها بمعنى "بل" التي هي للإضراب هذا الذي قاله الفراء، وهو مسبوق إلى هذا، سبقه إليه مقاتل والكلبي، بل يزيدون، وعلى هذا التفسير لا إشكال، يأتي المعنى الثالث الذي أشار إليه ابن جرير وقال به بعض أهل البصرة هو من يقصد بهذا؟

أهل البصرة أمثال الزجاج والأخفش والمبرد: أنها على أصلها بمعنى أَوْ يَزِيدُونَ يعني الشك، فإذا جعلت بهذا المعنى أَوْ يَزِيدُونَ الإشكال أن هذا من كلام الله ، والله -تبارك وتعالى- يعلم عددهم أحصاهم بدقة، هنا أورد نظائرَ هذا الحافظُ ابن كثير -رحمه الله- كقوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6] هم ما يعتقدون أنه نزل عليه الذكر إنما هو بحسب زعمك.

وهكذا على أحد القولين في قوله -تبارك وتعالى: أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ [سورة هود:78]، اعتقادك وزعمك على أحد القولين في الآية، لكن فيما يتعلق بـ "أو" ما ورد في (أو) في الآية إذا قلنا: إنها بمعنى الشك فهو نوع وهو بحسب نظر المخاطب بحسب تصوره، قال الله -تبارك وتعالى- لموسى وهارون -عليهما الصلاة والسلام: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [سورة طه:44]، والله يعلم أنه لن يتذكر ولا يخشى، وهذا في "لعل" إذا فسرت بمعنى الترجي فهذا نوع منه، أنه يرد الخطاب مراعًى فيه حال المخاطب لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى.

وهكذا في كل المواضع التي وردت فيها "لعل" التي تفسر بالترجي وذلك في عامة القرآن، عند من فسرها بذلك يعني مالم يفسرها بالتعليل أنها تفيد التعليل، فكيف يقع الترجي في كتاب الله إن كان ذلك صادراً منه -تبارك وتعالى، يعني الخطاب؟

قال: بحسب نظر المخاطب، روعي فيه حال المخاطب، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [سورة طه:113]، فالله يعلم هل يتقون أو لا يتقون هل يحدث لهم الذكر أو لا يحدث لهم ذلك، وهنا: لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى فلا إشكال في هذا بهذا الاعتبار أنه بحسب نظركم، بحسب نظر الناظر إليه، من نظر إليهم يقول: مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فيكون خرج هذا المخرج مراعًى فيه حال السامع أو حال المخاطب، من نظر إليهم يقول: مِائَةِ أَلْفٍ إذا رآهم الرائي مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [سورة النساء:77]، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [سورة النجم:9].

فقوله: أَوْ أَدْنَى يعني بل أدنى، أو تفسر بمعنى الواو، لكن إذا كانت بالمعنى الذي ذكره ابن جرير فيكون ذلك بحسب نظركم، فإذا نظر الناظر يقول: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وإلا فالله يعلم لا يخفى عليه شيء، فإذا فهمتَ هذه القاعدة وهذا الأصل انحلت عنك جميع الإشكالات التي تكون من هذا القبيل، والصور الداخلة تحته، كل صورة تحتها أمثلة.

وقوله: فَآمَنُوا أي: فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس جميعهم، فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ أي: إلى وقت آجالهم، كقوله: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [سورة يونس:98].

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ۝ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ۝ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ۝ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۝ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ۝ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ۝ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۝ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ۝ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [سورة الصافات:149-160].

يقول تعالى منكرًا على هؤلاء المشركين في جعلهم لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون، أي: من الذكور، أي: يَودّون لأنفسهم الجيد، أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ كقوله: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [سورة النجم:21، 22].

وقوله: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أي: كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم؟ كقوله: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [سورة الزخرف:19] أي: يسألون عن ذلك يوم القيامة.

وقوله: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ أي: من كذبهم لَيَقُولُونَ ۝ وَلَدَ اللَّهُ أي: صدر منه الولد وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فذكر الله عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب، فأولا جعلوهم بنات الله، فجعلوا لله ولدًا -تعالى وتقدس، وجعلوا ذلك الولد أنثى، ثم عبدوهم من دون الله -تعالى وتقدس، وكل منها كافٍ في التخليد في نار جهنم.

ثم قال منكرًا عليهم: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ أي: أيّ شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين؟ كقوله: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا [سورة الإسراء:40]؛ ولهذا قال: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي: ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون؟.

أَفَلا تَذَكَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ أي: حجة على ما تقولونه.

فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي: هاتوا برهانا على ذلك يكون مستندًا إلى كتاب مُنزل من السماء عن الله: أنه اتخذ ما تقولونه، فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل، بل لا يجوّزه العقل بالكلية.

وقوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا قال مجاهد: قال المشركون: الملائكةُ بناتُ الله، فسأل أبو بكر : فمن أمهاتهن؟ قالوا: بنات سَرَوات الجن.

قوله في قوله تعالى: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ يعني قالوا: الملائكة بنات الله، والملائكة كيف وصفوا أو سموا بهذا الْجِنَّةِ؟ بعضهم قال: يجتنون يعني يستترون لا يُرون فكل ما يجتن كالجنة؛ لأنها تغطي ما بداخلها، والجنين؛ لأنه مستور في البطن، والجن؛ لأنهم لا يُرون، فالملائكة؛ لأنها لا تُرى قيل لها ذلك، وبعضهم كمجاهد يقول: إن الْجِنَّةِ هم بطن من الملائكة، صنف من الملائكة، يقال له: الْجِنَّةِ.

وبعضهم يقول: هم خزان على الجنان، وكل هذا لا دليل عليه، يعني هذا التخصيص أنه بطن من الملائكة وخزان على الجنان، وبعضهم كقتادة يقول: إنهم زعموا أن الله -تبارك وتعالى- صاهر سروات الجن فكان الملائكة، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فقتادة والكلبي يقولان: إن الذين قالوا هذا اليهود، والمعروف أن الذين قالوا ذلك هم المشركون.

وبعضهم يقول: الذين قالوه كنانة وخزاعة من العرب، وهذا قال به جماعة كمجاهد والسدي ومقاتل، وبعضهم ذهب إلى معنى أبعد من هذا كله كقول الحسن: إن المقصود بالنسب أنهم عبدوا مع الله -تبارك وتعالى- الشياطين والجن فجعلوهم شركاء لله فهذا هو النسب وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا جعلوهم آلهة وشركاء معه، وهذا بعيد، والله تعالي أعلم.

على كل حال المشهور وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا قالوا: الملائكة، هذا الذي عليه أكثر المفسرين وبعضهم كما سمعتم يقول: الْجِنَّةُ يعني الجن وأن الله صاهرهم، تعالى الله عن قول الكافرين علواً كبيراً.

وكذا قال قتادة، وابن زيد، ولهذا قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ أي: الذين نسبوا إليهم ذلك: إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ أي: إن الذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم في ذلك وافترائهم، وقولهم الباطل بلا علم.

الضمير في قوله: إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يحتمل أنه يرجع على الذين قالو ذلك وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ والإحضار بعضهم يقول للحساب، وكما سبق أن من أهل العلم من يقول: إن الإحضار في كتاب الله -تبارك وتعالى- أو على الأقل في هذه السورة هو بمعنى العذاب، لَمُحْضَرُونَ يعني في العذاب، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يعني في العذاب، يعني هؤلاء الذين افتروا هذه الفرية وقالوها.

وبعضهم يقول: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يعني للحساب، أن الجن علموا عن أنفسهم أنهم سيحضرون للحساب فكيف يكون بينهم وبين الله -تبارك وتعالى- نسب؟! وابن جرير اختار الأول وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ فيكون هذا إجراء على قاعدة أخرى وهي توحيد مرجع الضمائر، وأنه أولى من تفريقها، توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، والله المستعان.

وقوله: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أي: تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد، وعما يصفه به الظالمون الملحدون علوا كبيرا.

وقوله: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع، وهو من مثبت، إلا أن يكون الضمير في قوله: عَمَّا يَصِفُونَ عائداً إلى الناس جميعهم، ثم استثنى منهم المخلصين، وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي ومرسل.

فيكون استثناء متصلاً على هذا الاعتبار، لكن المشهور أنه استثناء منقطع وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ۝ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ يعني هؤلاء الذين نسبوا له البنات وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا، لكن إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ليسوا كذلك، فإذا كان ذلك لا يعود إلى هؤلاء سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ يعني عما يصفه الواصفون عموماً من عموم الناس ليس هؤلاء فقط الذين نسبوا إليه الصاحبة والولد، فيكون إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يكون استثناء من عموم الناس.

وقوله -تبارك وتعالى: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فيه قراءتان بالفتح على اللام وبالكسر كما سبق في بعض نظائره إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ وإِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فيدخل في ذلك الرسل وأهل الإيمان وأتباع الرسل.

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ۝ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۝ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ۝ وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ۝ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ۝ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ۝ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ۝ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ۝ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [سورة الصافات:161-170].

يقول تعالى مخاطبا للمشركين فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ۝ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۝ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ أي: ما ينقاد لمقالكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذُرئ للنار، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [سورة الأعراف:179]، فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة، كما قال تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [سورة الذاريات:8، 9] أي: إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ "ما" هذه تحتمل أن تكون موصولة، أي والذي تَعبُدون، وتحتمل أن تكون مصدرية، فإنكم وعبادتكم، مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۝ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ يعني أن مثل هذه المعبودات أو هذه العبادة، وأنتم معها لستم بفاتنين إلا من سبق له في علم الله ، وفي قضائه الذي قضى، وقدَرِه الذي قدَّره أنه من أهل الشقاء، قضى عليه ذلك في الأزل أنه من أهل الشقاء، وإلا فإن هذه الأصنام والأوثان وحال هؤلاء الذين يعبدونها حيث ألغيت العقول التي أكرم الله الإنسان وميزه بها فانحطت هذا الانحطاط وسفلت هذا السفول، هؤلاء لا يفتنون أحداً إلا من هو صال الجحيم، وقل مثل هذا اليوم في ألوان الضلالات التي يضل بها من يضل، فهذا معنى كبير.

ومثل هذا قوله -تبارك وتعالى- عن وحي الشياطين -شياطين الإنس والجن: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۝ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ، ولهذا قال الله لنبيه ﷺ: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [سورة فاطر:8] هؤلاء الذين انحرفوا وضلوا والذين ارتدوا على أدبارهم كل هؤلاء لا يستحقون أن تتأسف عليهم، وأن تحزن عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات، والله عليم حكيم، وإلا فشأن هذه الأشياء التي هي باطل وضلالة أنها لا تفتن من كان من أهل اليقين والإيمان الراسخ والبصائر في الدين، إنما تفتن الذين عندهم ضعف وشك، أو وهن ومرض في قلوبهم.

ثم قال تعالى مُنزهاً للملائكة مما نَسَبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ أي: له موضع مخصوص في السماوات ومقامات العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه.

وقال الضحاك في تفسيره: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌقال: كان مسروق يَرْوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم[5]، فذلك قوله: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ.

يعني المعنى الأول: مَقَامٌ مَعْلُومٌ يعني أن جبريل قاله للنبي ﷺ حينما توقف ليلة المعراج، عنده حد لم يتجاوزه.

والمعني الثاني: له مقام معلوم في العبادة يقومه، فما من موضع إلا فيه ملك قائم أو ساجد، فلهم مواضع يتعبدون الله -تبارك وتعالى- بها في السماء.

عن ابن مسعود قال: إن في السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه، ثم قرأ عبد الله: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وكذا قال سعيد بن جبير.

وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ أي: نقف صفوفًا في الطاعة، كما تقدم عند قوله: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا.

يعني هنا يقول: قال الضحاك في تفسيره وَمَا مِنَّا قال: كان مسروق يروي عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجدٌ أو قائم[6]، فذلك قوله تعالى: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ إن كان قوله، وذلك قوله تعالى: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ يعني موضعاً يتعبد الله فيه.

وقال أبو نَضْرَة: كان عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، استووا قياما، يريد الله بكم هَدي الملائكة، ثم يقول: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، تأخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبر ، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

هذا لو ثبت عن عمر فهو يدل على أن ما يقوله الإمام قبل تكبيرة الإحرام وبعد الإقامة ليس بتوقيف، يعني أنه لا يكون مقيداً بما ورد عن النبي ﷺ من الألفاظ والعبارات، وأبو نَضرة من التابعين ما أدرك عمر -رضي الله تعالى عنه.

وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها طهورا[7]، الحديث.

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أي: نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص، فنحن عبيد له، فقراء إليه، خاضعون لديه.

وبعضهم فسر قوله: وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ بالمصلين، فالصلاة يقال لها: تسبيح، ويقال: تسبيحة الضحى، وهكذا فسرت مواضع من كتاب الله بالصلاة حيث ذكر التسبيح في بعض المواضع، وبعضهم فسره بهما أي مسبحون من التنزيه -التسبيح المعروف- وأيضاً الصلاة.

وقوله: وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ۝ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ۝ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي: قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله، وما كان من أمر القرون الأولى، ويأتيهم بكتاب الله، كما قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا [سورة فاطر:42]، وقال: أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ۝ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ [سورة الأنعام:156، 157]؛ ولهذا قال هاهنا: فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، وعيد أكيد وتهديد شديد على كفرهم بربهم وتكذيبهم رسوله ﷺ.

التقدير: فجاءهم محمد فكفروا به، يعني الله -تبارك وتعالى- هنا يقول: وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ۝ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ۝ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يعني فجاءهم محمد ﷺ فَكَفَرُوا بِهِ ولاحظْ هنا بعدما قال: وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ۝ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ يكون الضمير رجع إلى غير مذكور لكنه يفهم من السياق، وهذا كثير في كتاب الله تعالى، وهو معروف في كلام العرب، ومنه في القرآن من أوضح الأمثلة: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [سورة القدر:1] أنزلناه فالهاء الضمير يرجع إلى غير مذكور لكنه يفهم من السياق يعني أنزلنا القرآن.

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ۝ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ۝ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ۝ فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ۝ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ [سورة الصافات:171-179].

يقول تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ أي: تقدم في الكتاب الأول أن العاقبة للرسل وأتباعهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة المجادلة:21]، وقال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ [سورة غافر:51]؛ ولهذا قال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ أي: في الدنيا والآخرة، كما تقدم بيان نصرتهم على قومهم ممن كذبهم وخالفهم، وكيف أهلك الله الكافرين، ونجّى عباده المؤمنين.

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ أي: تكون لهم العاقبة.

الغلبة هنا وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا يعني كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي كتب ذلك في الأزل، كتبه في اللوح المحفوظ، فكلمته -تبارك وتعالى- هي ما قضاه وقدره في الأزل قال: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ النصر والغلبة هنا بعض أهل العلم يحمله على الغلبة بالحجة والبرهان، وهذا الذي ذهب إليه جمعٌ من المفسرين كابن جرير -رحمه الله- وجماعة، وكأن الذي حملهم على هذا -والله تبارك وتعالى أعلم- أن من الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من لم يؤمن به أحد، وكما قال النبي ﷺ: يأتي النبي يوم القيامة معه الرجل ويأتي النبي ومعه الرجلان، ويأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي وليس معه أحد[8]، فهذا الذي ليس معه أحد هل يقال: إنه انتصر وغلب؟

هذا بالإضافة إلى أن بعض الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قُتل، والذي قتل يكون مغلوباً بدليل قوله الله -تبارك وتعالى: فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ [سورة النساء:74]، فجعل المقتول مقابلا للغالب، يُقتَل أو يغلِب، قالوا في المقتول مغلوب فكيف قال الله -تبارك وتعالى: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [سورة البقرة:249]، والآيات التي فيها الغلبة كقوله: الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ [سورة الروم:1، 2] إلى غير هذا.

ومحمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- مثلاً في عدد من المواضع يجمع الآيات التي فيها ذكر الغلبة ثم يقرر بأن الغالب في ذلك هو بمعنى الغلبة في ميدان المعركة، ولهذا يقول: إن الآية محمولة على المعنيين الغلبة بالحجة والبرهان، والغلبة بالسيف والسنان، إذا تقرر هذا فيرِد السؤال على هذا القول إذا كان الغلبة بالسيف والسنان فبعض الأنبياء قتل والمسلمون هزموا يوم أحد فما الجواب؟

الجواب أن دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- واحدة، والله قال: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران:55]، مع أن أتباع المسيح كانوا مستضعفين من قِبل اليهود ثم بعد ذلك نحو ثلاثمائة سنة لما دخل قسطنطين في النصرانية بوثنيته وأفسدها، وأقرت عقيدة التثليث في الواقعة المشهورة المجمع الذي عقد لهذا في نيقيا، وصار أهل التوحيد مستضعفين في ممالك الروم فلم يكن لهم ظهور وغلبة في المعنى المعروف، كانوا مستضعفين.

والله يقول: فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ [سورة الصف:14]، يعني الَّذِينَ آَمَنُوا بعيسى ﷺ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ فهذا الظهور يقصد به بعضهم يقول: فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ أصبح النصارى ظاهرين على اليهود، وهذا ما عرف إلا بعدما دخل قسطنطين، لكن قسطنطين أدخل الوثنية وأدخل النصرانية في وثنيته.

فبعض أهل العلم كابن القيم -رحمه الله- يقول: لما كان النصارى عندهم شائبة من اتباع المسيح وإن كان عندهم ضلال وانحراف وشرك إلا أنهم كانوا أقرب إلى المسيح من اليهود الذين قالوا: ابن زانية، فكان لهم هذا الظهور باعتبار قربهم من المسيح، أقرب من اليهود.

وبعض أهل العلم يقول -ولعله أقرب -والله أعلم: إن هذا الظهور لم يكن إلا ببعث النبي ﷺ فحصل لليهود ما حصل من إجلاء وقتل وأسر، فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [سورة الصف:14] فالمقصود أن العبرة بالعاقبة، ليست العبرة بنقص البدايات، وإنما بكمال النهايات، فدعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- واحدة فتكون العاقبة لهم.

وكما جاء في حديث هرقل لما سأل أبا سفيان عن الحرب بينهم وبين النبي ﷺ فقال: "يُدال علينا مرة ونُدال عليه مرة"، قال: هكذا الرسل، ثم ذكر لهم بالنهاية العاقبة والغلبة، فكون النبي ﷺ مثلاً والصحابة هزموا يوم أحد ومعهم النبي ﷺ فهذا لا يشكل على هذا الموضع، وإنما العبرة بالنهاية.

وأنت حينما تقرأ ما وقع في يوم أحد والتفاصيل في كتب السيرة التي تذكر التفاصيل ومن قُتل من الصحابة، وما قيل في ذلك المقام ونحو ذلك كأنك تشاهد تلك الواقعة، ويقع الحزن في قلب الإنسان وينسى نفسه وكأنه يعيش معهم في نفس الحدث، لكن حينما ينظر إلى هذه الواقعة ويخرج من هذا النظر في محيطها ينظر إلى ما بعد ذلك من دخول هؤلاء وبعض هؤلاء في الإسلام، فأبو سفيان مَن قاتل المرتدين، وابنه صار أمير المؤمنين، والحارث بن هشام أسلم وحسن إسلامه.

وقل مثل ذلك في عكرمة وخالد بن الوليد، صاروا من خيار أهل العلم صاروا يقاتلون ويذبون عن هذا الدين ويجاهدون في سبيل الله -تبارك وتعالى- فليست العبرة بهذا الذي وقع في يوم أحد إنما العبرة في كمال النهايات، فهذه محطة ومرحلة لكن العبرة كما يقول الناس -سواء من الأطباء أو من غيرهم في أي مجال من المجالات- في الانحدار والارتفاع، تجد في قول النبي ﷺ مثلاً: لا يأتي على الناس زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم[9]، يعني خط الانحدار في الرسم البياني لكنه متعرج ففي بعض المواضع تجد فيه ارتفاعاً في المؤشر، ثم بعد ذلك الانحدار، وهذا الارتفاع في المؤشر لا يؤثر على مسار هذا، والله المستعان، الانحدار لا يؤثر فيه.

وقل مثل ذلك في الأحوال والأشياء الكثيرة الداخلة في هذا المعنى، والإنسان الذي يرتقي وإيمانه –المؤمن- وموفق في الارتقاء قد يحصل له في الرسم البياني في بعض المواضع فتور ولكن يبقى المؤشر في ارتفاع فهذا هو الصحيح، لا يخلو الإنسان من فتور لا يخلو من خطأ لا يخلو من تقصير، لكن يكون إلى ارتفاع، لكن المشكلة من يكون في انحدار وإن حصل له من نتوءات وارتفاع قليل في بعض المواضع لكنها في النهاية غير مؤثرة، فهو إلى الحضيض، هذا في معاني الأمور وفي غيرها.

وقوله -جل وعلا: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ أي: اصبر على أذاهم لك، وانتظر إلى وقت مؤجل، فإنا سنجعل لك العاقبة والنصرة والظفر.

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ قال بعضهم في الحين: انتظر إلي وقت مؤجل، وبعضهم يقول: إلى مدة الكف عن القتال، وبعضهم يقول: حتى نأمرك بالقتال، فهذه من آيات الصفح والإعراض إلى آخره التي كانت في مرحلة الضعف، حتى نأمرك بالقتال، وبعضهم يقول: هذه الآية منسوخة بآية السيف، كل آية فيها إعراض وصفح وكف ونحو ذلك هي منسوخة، والواقع أنها لم تنسخ، نقول: نسخت مائة وأربع وعشرون آية.

والواقع أنها ليست منسوخة إنما لأحوال القوة والظهور، ففي حال الظهور أحكام وأحوال القوة والظهور، ولأحوال الضعف أحكام أخرى، وبعضهم يقول: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ يعني إلى حين الموت كما يقول قتادة، وبعضهم يقول: إلى بدر وما يقع بهم من الهزيمة والقتل والأسر، وبعضهم يقول: فتح مكة، وأحسن من هذا ما قاله ابن جرير -رحمه الله: تولّ عنهم حتى حين يعني إلى وقت مجيء عذابنا ونزوله بهم.

وقوله: وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أي: أنظرهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب والنكال على مخالفتك وتكذيبك؛ ولهذا قال على وجه التهديد والوعيد: فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، ثم قال : أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أي: هم إنما يستعجلون العذاب لتكذيبهم وكفرهم، فإن الله يغضب عليهم بذلك، ويعجل لهم العقوبة، ومع هذا أيضا كانوا من كفرهم وعنادهم يستعجلون العذاب والعقوبة.

قال الله تعالى: فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَأي: فإذا نزل العذاب بمحلّتهم، فبئس ذلك اليوم يومهم بإهلاكهم ودمارهم.

ذكر الصباح فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ بعضهم يقول: لأن العذاب ينزل بهم في الصباح، أن دابر هؤلاء مقطوع في الصباح وَقَضَيْنَا إليْهِ ذَلكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ [سورة الحجر:66]، وهكذا في أصحاب الجنة أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ [سورة القلم:17]، وهكذا قول النبي ﷺ: إنا إذا نزلنا بساحة قوم فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ[10]، في قصة خيبر، لما دخل خيبر -عليه الصلاة والسلام.

قال السدي: فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ يعني: بدارهم، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ أي: فبئس ما يصبحون، أي: بئس الصباح صباحهم؛ ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث عن أنس ، قال: صَبَّح رسول الله ﷺ خيبر، فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا وهم يقولون: محمد والله، محمد والخميس، فقال النبي ﷺ: الله أكبر، خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين[11]، ورواه البخاري.

الخميس يعني الجيش.

يعني هم خرجوا على عاداتهم، خرج الفلاحون بمساحيهم، ومعاولهم فرأوا النبي ﷺ والجيش فرجعوا وهم يقولون: محمد والخميس.

وقوله: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك، والله أعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180-182].

في قوله -تبارك وتعالى- ثانية: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، يقول: تأكيد لما تقدم أنه ذكره قبل ذلك، قال: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ۝ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ۝ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ۝ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ هذا عذاب في الدنيا وََتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ۝ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، بعضهم يقول: هذا عذاب الآخرة، وعليه فلا يكون توكيداً، وبعضهم يذهب إلى هذا باعتبار أن التأسيس مقدم على التوكيد، ومن قال: إنه كالأول يقول: هذا من باب التوكيد.

ينزه تعالى نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقوله الظالمون المكذبون المعتدون -تعالى وتنزه وتقدس عن قولهم علوا كبيرا-ولهذا قال: عَمَّا يَصِفُونَ أي: عن قول هؤلاء المعتدين المفترين.

رب العزة أي صاحب العزة، والعزة ليست مخلوقة، وإنما هي صفة من صفاته،

وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ أي: سلام الله عليهم في الدنيا والآخرة؛ لسلامة ما قالوه في ربهم، وصحته وحَقِّيته.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال، ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقال سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا سلمتم عليَّ فسلموا على المرسلين، فأنا رسول من المرسلين[12]، هكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

قتادة عن النبي ﷺ هذا مرسل.

قال أبو محمد البغوي في تفسيره عن علي قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

هذا روي مرفوعاً وموقوفاً ولكنه لم يصح، وكفارة المجلس تعرفون ما صح فيها.

وقد وردت أحاديث في كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وقد أفردت لها جزءًا على حدة، فلتكتب هاهنا إن شاء الله تعالى.

آخر تفسير سورة الصافات.

قوله -تبارك وتعالى: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَالسلام هنا يحتمل أن يكون بمعنى التحية، الله يسلم عليهم، وهذا قال به جماعة من المفسرين، ويحتمل أن يكون ذلك بمعنى السلامة لهم من الآفات والمكاره ومما يكون أيضاً من فزع يوم القيامة، سلامة لهم من المخاوف والمكاره، وقد ذكر الله ما وقع للكافرين والمكذبين وما توعدهم به فيكون هنا قد أمّن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وسلمهم من المخاوف والمكاره في الدنيا والآخرة، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله- وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ولو نظرتم في كلام الحافظ ابن القيم -رحمه الله- فيما يتعلق بالسلام عليكم –التحية- هل هي خبر أو دعاء حينما نلقي عليهم هذا الاسم اسم الله ، ومضمون كلامه في النهاية يرجع إلى أن ذلك يراد به هذا وهذا، فهو إخبار وهو في الوقت نفسه يتضمن دعاءً لهم بالسلامة.

  1. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين}، برقم (3234)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في ذكر يونس  وقول النبي ﷺ لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، برقم (2376).
  2. رواه أبو داود، كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل، برقم (3662)، وأحمد في المسند، برقم (10130)، وقال محققوه: "صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- فهو حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3131).
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (2803)، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع، (2961).
  4. رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (21/ 109).
  5. رواه الطبراني في المعجم الكبير، عن جابر بن عبد الله، برقم (1751)، والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص، برقم (3706)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1059)، ولم أجده من حديث عائشة -رضي الله عنها.
  6. رواه الطبراني في المعجم الكبير، عن جابر بن عبد الله، برقم (1751)، والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص، برقم (3706)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1059)، ولم أجده من حديث عائشة -رضي الله عنها.
  7. رواه مسلم، في بداية كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (522).
  8. رواه البخاري، كتاب الطب، باب من لم يَرقِ، برقم (5420).
  9. رواه البخاري، كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، برقم (6657).
  10. رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (3962)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر، برقم (1365).
  11. هو الحديث المتقدم.
  12. رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 134)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3234)، برقم (18323).

مواد ذات صلة