بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللمستمعين ولجميع المسلمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الحشر:6، 7].
يقول تعالى مبينًا ما الفيء وما صفته وما حكمه، فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل بأولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله ﷺ فأفاءه الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله في هذه الآيات.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا شروع في بيان أحكام الفيء، وذكرتُ في بداية تفسير هذه السورة أن موضوعها يدور على غزوة بني النضير، وما تبعها، وما تعلق بها من القضايا والأحكام والمواقف.
وهذا الفيء متصل بهذه الغزوة؛ لأن أموال النضير صارت فيئًا للمسلمين، والفيء أصله من فاء الشيء إلى كذا كما تقول: الفيء هو الظل الذي يكون بعد منتصف النهار، بمعنى أن الظل الذي يكون في أول النهار هذا لا يقال له فيء؛ لأنه لم ينتقل، وإنما يقْلُص شيئًا فشيئًا ثم بعد الزوال ينتقل فيتمدد من الناحية الأخرى حتى يمتد وينبسط إلى غياب الشمس، فهذا انتقال للظل، وهذا الانتقال يقال له: فيء، فاء الظل انتقل، فالفيء هو انتقال المال من أيدي الكفار إلى أيدي المسلمين من غير قتال.
وهذه الآية هي مقدمة لما بعدها من بيان أحكام الفيء، وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
حاصل هذا أن الله يقول لهم: إن ما أفاء الله على رسوله ﷺ فذلك لم يكن لكم فيه يد، ولم تقطعوا فيه شُقة، ولم تلقوا فيه مشقة، فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، والإيجاف هو الإسراع، فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ يعني لم يودعوا فيه السير، أوجف الفرس إذا أسرع، هو سير سريع بإيقاع.
فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ الخيل كأنها تشير إلى الإغارة؛ لأنها تستعمل للإغارة، والركاب هي الإبل، وتشير إلى السفر الطويل.
وكما تعرفون في غزوة أحد كان النبي ﷺ يتخوف من أن يميل المشركون إلى المدينة بعد الغزوة، فأمر النبي ﷺ عليًّا أن ينظر وأرشده إلى أمر وهو أنهم إن جنّبوا الخيل وركبوا الإبل فهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل فهم يريدون المدينة، فالإبل تستعمل للسفر، والخيل للهجوم للإغارة.
فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ يعني لم يحصل لكم ذلك، لم يقع منكم سفر طويل ولا إغارة على العدو، يعني ما لقيتم مشقة ولا بذلتم جهدًا، فهذا شيء امتن الله به على نبيه ﷺ، هي مقدمة لنزعه من أيديهم، الأنفال بين الله وجه قسمتها في سورة الأنفال، وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [سورة الأنفال:41].
فهذه خمسة أقسام، هذه الخمسة في الأنفال يقسم بها أو باعتبارها الخمس من الغنيمة، يعني الغنيمة أربعة الأخماس منها للمقاتلين الذين اشتركوا في المعركة، للفارس سهمان، ولغيره سهم واحد، أربعة الأخماس للمقاتلين، الخمس من الغنيمة يقسم إلى خمسة أقسام لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل هذا في الغنيمة، خمس مقسوم إلى خمسة، أربعة أخماس للمقاتلين، ولا يوجد في الفيء للمقاتلين شيء؛ لأنه فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ما بذلتم فيه شيئًا، ليس لكم فيه يد، فهذه الآية مقدمة.
كيف يقسم الفيء إذاً؟ يقسم إلى خمسة أقسام، ما هذه الأقسام الخمسة؟ هي التي يقسم بها الخمس، يقسم بها الفيء بأجمعه، هذا الفرق بين الفيء والغنيمة على خلاف كثير معروف بين أهل العلم، لكن هذا فيما يبدو -والله أعلم- الأرجح من أقوالهم، وحاصله كأنه يقول: لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم فيها حربًا ولا مشقة، ليس لكم فيها يد، ثم بيّن قسمتها.
فقال تعالى: وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أي: من بني النضير فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ يعني الإبل وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: هو قدير لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء.
ثم قال تعالى: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم بني النضير، ولهذا قال تعالى: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى بعضهم يقول: المراد بذلك الجزية والخراج، كما يقوله معمر، وبعضهم يقول: بل هو الغنيمة التي يأخذونها من عدوهم من أهل الحرب والقتال، كما جاء عن يزيد بن رومان ومالك، وبعضهم فسره أيضًا بالغنيمة التي تنتزع بقوة من أيدي الكفار لمن ذُكر في الآية، يعني أن الغنيمة تقسم إلى هذه الأقسام الخمسة، يقولون: وهذا منسوخ بآية الأنفال.
وهذا فيه نظر؛ لأن هذه الآية نازلة بعد آية الأنفال، وقعة النضير كانت بعد غزوة بدر، وآية الأنفال نزلت في قصة بدر كما هو معروف، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، فليست منسوخة، والقول المشهور أنه ما نزل عنه الكفار من أموالهم يعني أن مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ هذه بيان للتي قبلها، وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ إذاً ماذا يُفعل به؟
يقسم بهذه الطريقة: لله وللرسول إلى آخره، فهذا كأنه الأقرب -والله أعلم- وإن ضعفه ابن جرير -رحمه الله، هذه بيان للتي قبلها، وهذا الذي مشى عليه ابن كثير لاحظ يقول: إلى آخرها والتي بعدها، وهذه مصارف أموال الفيء، فهذه الآية بيان للتي قبلها، وهكذا التي بعدها، كل ذلك، حينما يقول الله : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ كل هذا في بيان أحكام الفيء، من أحق الناس بالفيء؟ من الذين يعطون من هذا الفيء؟
هذا قول الشافعي أيضًا -رحمه الله، يقول: هذه الآية تفسر الآية التي قبلها والمتعلقة بها، يعني ما حصل من أموال الكفار بغير قتال يقسم على خمسة أسهم، وإن اختلفوا في طريقة التقسيم، بعضهم يقول: أربعة للنبي ﷺ، والخمس الباقي يقسم على خمسة أسهم وهي المذكورة في هذه الآية.
وفي هذا كلام كثير لأهل العلم في كتب التفسير، وفي كتب الفقه، لكن هذا لعله الأقرب -والله أعلم، مع أن جمهور المفسرين يقولون: إنها غير متعلقة بالتي قبلها، وبهذا قال الإمام مالك، وقبله أبو حنيفة، يقولون: الأولى في بني النضير، وهذه في عموم الأفياء بعده، يعني كأن بني النضير لها حكم خاص، جعلها الله لنبيه ﷺ.
النبي ﷺ في غزوة النضير جمع الأنصار وخيرهم كما سيأتي في قوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ خيرهم بين أن يبقى المهاجرون في أرضهم وأموالهم فيقسم النضير بين المهاجرين والأنصار، وبين أن يخرج المهاجرون من أموال الأنصار فتكون للمهاجرين خاصة دون الأنصار، ومعلوم أن النبي ﷺ حينما جاء المهاجرون إلى المدينة كان ﷺ يؤاخي بين الرجل من المهاجرين والرجل من الأنصار فقاسموهم الأموال.
ثم إن النبي ﷺ عرض على الأنصار أمرًا وهو أن المهاجرين ليسوا بأهل زرع فعرض عليهم أن يكون الأصل للأنصار -يعني الأرض- وأن يقاسمهم المهاجرون الثمرة على أن يكون العمل للأنصار في مقابل أن يبقى الأصل لهم، طبعًا الأنصار ما قالوا: الأصل والفرع كله لنا، وإنما قبلوا بهذا، فلما جاءت أرض النضير وخُيّر الأنصار جمعهم وحدهم وقال لهم: اختاروا، فرفضوا هذا العرض، وقالوا: لا نقبل بهذا، بل اقسمها يا رسول الله بينهم دوننا، ويبقون في أموالنا، ومعلوم أن أرض النضير أرض غنية فيها مزارع، وفيها دور وما إلى ذلك، قال الله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وليس هذا الإيثار من غنى وسعة وكثرة عرض، وإنما وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.
فهذه مصارف الفيء ووجوهه.
روى الإمام أحمد عن عمر قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله ﷺ خالصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته، وقال مرة: قوت سنته، وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله "[1]، هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم إلا ابن ماجه، وقد رويناه مطولًا.
وروى أبو داود -رحمه الله- عن مالك بن أوس قال: "أرسل إليّ عمر بن الخطاب حين تعالى النهار، فجئته فوجدته جالسًا على سرير مفضيًا إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يا مالك إنه قد دَفّ أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم، قلت: لو أمرتَ غيري بذلك فقال: خذه، فجاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص؟
يرفأ: هذا مولى، ليس هذا صفة، يعني هذا اسم رجل مولى.
هذا المولى، هو الذي يقول له: جاء فلان جاء فلان، يعني يستأذنون فيستأذنه في إدخالهم.
النفر الذين هم عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، يعني كأنهم أشاروا على عمر بأن يقضي بينهم بحيث إنهم خشوا أو كأنهم كانوا يخشون أن عمر يمتنع من الدخول في هذا.
كلام عمر -رضي الله تعالى عنه- هذا وبحضرة هؤلاء الصحابة وأقروه على ذلك بأن النضير خص الله بها نبيه ﷺ، فبناءً على ذلك ذهب الجمهور إلى أن الآية الأولى هي خاصة في بني النضير، وأنها لا تقسم هذه القسمة بهذه الطريقة على خلاف في التفاصيل، وأن الله خص بها نبيه ﷺ، لكن كان -عليه الصلاة والسلام- لا يستأثر بذلك، فكان يأخذ نفقة سنة ثم بعد ذلك يجعل الباقي في الكراع والسلاح وما إلى ذلك، فتكون الآية الأولى عند الجمهور خاصة بالنبي ﷺ، والآية التي بعدها في عموم الأفياء، حكم الفيء عمومًا.
الآن كون النضير لها هذا الحكم، وأن الله خص بها نبيه ﷺ هذا لا إشكال فيه، لكن هذا لا يمنع أن تكون الآية الأولى مقدمة لما بعدها باعتبار أن المقاتلين على كل الحالات ليس لهم شيء، يعني في الآية الأولى لم يصرح فيها أن ذلك للنبي ﷺ خاصة، وإنما بين لهم أن هذا ليس لكم فيه جهد، ولم يكن منكم تعنٍّ وما إلى ذلك، وإن كان ظاهرها يشعر أن ذلك في بني النضير من أي وجه؟
من قوله: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ الركاب للسفر البعيد، فقد يكون الفيء الذي حصل في بعض الحالات كخيبر أوجفوا عليه بالركاب، يعني أنهم ساروا إليه مسافة ليست بالقصيرة، فخيبر ليست بذلك القرب من المدينة ففيها سفر.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن يقال: إن ذلك باعتبار الغالب من جهة، ومن جهة أخرى لكون المقام يقتضيه، يعني باعتبار أنه يريد أن يقول لهم: ليس لكم في هذا جهد، ما حصل بالقتال وأخذ بالقوة.
وهذا يحتمل، ولو دخلنا في التفاصيل لاحتاج هذا إلى وقت طويل، والله أعلم.
يعني ما كان بينكما اختلاف، الآن جاءا مختلفيْن.
فقلت: إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تليها بالذي كان رسول الله ﷺ يليها، فأخذتماها على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إليّ"[2]. أخرجاه من حديث الزهري به.
وقوله تعالى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ أي: جعلنا هذه المصارف من مال الفيء كي لا يبقى مَأكلةً يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والآراء ولا يصرفون منه شيئًا إلى الفقراء.
كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً الدولة ما يتداوله المتداولون، التداول هو التعاقب في التصرف بالشيء، وخصه الاستعمال بنوع من هذا التداول وهو تداول المال، فكل ما تتداوله الأيدي ينتقل من يد إلى يد يقال له: دُولة، لكن صار ذلك معناه في النهاية كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً كي لا يكون حِكرًا على الأغنياء يتداولونه بينهم ولا يصل إلى الفقراء.
فالفيء كما ترون في هذه القسمة لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهذا يصل إلى المحتاجين والفقراء والضعفاء في المجتمع، وهذا طريق لمعالجة الفقر وسد الحاجات، كما أن الشريعة في تقسيمها وتوزيعها للتركات هذه التركة تُكسَّر وتجزَّأ فتجد المال الذي عند واحد يتحول إلى مجموعة، فلا يقال: هذا المال يكون للولد الأكبر مثلًا، أو يكون للأب، أو يكون للزوجة، وإنما يقسم فيصل إلى مجموعة من الناس، وإذا مات الواحد منهم وصل المال إلى مجموعة من الناس، وإذا مات كل واحد وصل ماله إلى مجموعة من الناس، فتجد المال ينتشر، وبهذا يصل المال للمحتاجين ولأبعد مدى بين أفراد المجتمع، لا يتوقف عند طبقة وهم الأغنياء كما هو في النظام الرأسمالي طبقة تتضخم وتنتفش، والطبقة الأخرى لا تزال في انحسار وفقر وإلى فقر يتزايد مع الأيام، وأولئك لا يزيدونهم إلا فقرًا كما أنهم لا يزدادون إلا غنى كما هو مشاهد.
هذه الآية: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ جاءت في سياق قَسْم الفيء، والفيء مال، فتكون هذه الآية: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ يعني من المال، السياق في هذا، ويستدل العلماء بها من لدن أصحاب النبي ﷺ إلى يومنا هذا على وجوب طاعة الرسول ﷺ فيما أمر، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وهذا الاستدلال صحيح وإن كانت الآية في سياق قَسْم المال، فهي تشمل الإيتاء إعطاء المال، ويدخل في ذلك أيضًا ما آتاكم وما أمركم به فافعلوا وامتثلوا.
وفي الآية إشارة إلى هذا المعنى وهو قوله: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا فقابله بالنهي، ما قال: وما منعكم ما آتاكم، فالإيتاء يقابله المنع، فهنا قابله بالنهي، والنهي إنما يقابل الأمر في الأصل، فالآية في هذا السياق وهو الإعطاء المادي -الإيتاء المادي، ولكن يؤخذ من عمومها أنه يدخل فيها الأمر، فإنهم يجب عليهم أن يمتثلوا ذلك.
ويدل على هذا أثر ابن مسعود لما سألته المرأة كما ذكر الحافظ ابن كثير بعده: لعن الله الواشمات والمستوشمات[3]، فاحتج بهذا نفسه -وهو من علماء الصحابة- وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا فهذه الآية وإن كانت واردة في سياق الإيتاء والإعطاء المادي إلا أن عمومها يؤخذ منه أن ما أمر به فتجب طاعته -عليه الصلاة والسلام.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، قال: فبلغ امرأة من بني الأسد في البيت يقال لها: أم يعقوب فجاءت إليه فقالت: بلغني أنك قلت كيت وكيت، قال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وفي كتاب الله تعالى؟ فقالت: إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأتي وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا؟
قالت بلى، قال: فإن رسول الله ﷺ نهى عنه، قالت: إني لأظن أهلك يفعلونه، قال: اذهبي فانظري، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئًا، فجاءت فقالت: ما رأيت شيئًا، قال: لو كان كذا لم تجامعنا"[4] أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري.
وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه[5].
العنت الذي يلقاه المفتي ليس بجديد، قضية قديمة، لم تكتفِ بالسؤال وسماع الجواب، وإنما تقول: قرأت القرآن ولم أجده، وتقول أكثر من هذا: أظن أن أهلك يفعلونه، كيف تظن بابن مسعود أن ينهاها عن شيء ثم بعد ذلك يُقر أهله عليه، هذا ليس من الأدب، وليس من حسن الظن في شيء، والله المستعان.
وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ أي: اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره، فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه، وارتكب ما عنه زجره ونهاه.
لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ [سورة الحشر:8-10].
يقول تعالى مبينًا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا" أي خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضات الله ورضوانه.
هذه الآية متعلقة بما قبلها، يعني لما ذكر الله الأقسام التي يصير إليها الفيء: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فالمساكين: الفقراء، فإنه كما هو معروف إذا ذكر المسكين دخل فيه الفقير، وإذا ذكر مع الفقير افترقا في المعنى، فهنا قوله -تبارك وتعالى- في قسم هذا الفيء: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى كالنضير وخيبر وفدك وهي قريبة من خيبر وأشباه ذلك.
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وهذا سهم واحد على قول الجمهور، وعامة أهل العلم، يشبه الإجماع، والخلاف فيه أقرب إلى الشذوذ، فسهم الله وسهم الرسول ﷺ واحد، فكان النبي ﷺ يأخذ نفقته ونفقة أهله سنة ثم يجعل الباقي في الكراع والسلاح، فسهم الله -تبارك وتعالى- من قال بأنه مستقل قال: يصرف في الكعبة وما إلى ذلك، والأقرب أنهما سهم واحد فيصرف في المصالح العامة مثل: السلاح، الكراع، والكراع يعني المراكب الإبل والخيل، يمكن أن تقول الآن: الأشياء الحديثة من السلاح، بناء الجيوش، وكذلك أيضًا المصالح العامة مثل التعليم، الجامعات، المدارس، وما أشبه ذلك من مصالح المسلمين العامة، بناء الطرق، وما أشبه هذا.
ثم بعد ذلك قال: وَلِذِي الْقُرْبَى والذي عليه الجمهور أن المقصود قرابة النبي ﷺ، والمقصود بهم من لا تحل لهم الصدقة، وهم الذين دخلوا معه في الشعب وليسوا كل القرابة، فالذين يدخلون في هذا هم أهل أربعة بيوت آل عباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، هذه أربعة هم المقصودون بالقربى، وهؤلاء لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام.
وهنا قال الله -تبارك وتعالى: وَالْيَتَامَى وهو من فقد أباه قبل البلوغ، يقال له: يتيم فإذا بلغ لم يكن يتيمًا، والمقصود باليتامى أن يكون فقيرًا بطبيعة الحال، يعني لو كان اليتيم غنيًا فإنه لا يُعطَى، وإنما يُعطَى لغيره، وَالْمَسَاكِينِ وهنا كما سبق يدخل فيها الفقراء.
وَابْنِ السَّبِيلِ يعني المسافر الذي انقطع في سفره، نفدت نفقته، أو سرقت، أو غير ذلك فلم يبق في يده ما يوصله إلى مبتغاه فيعطى ما يصلح لمثله ولو كان غنيًا في بلده، يعني أن الناس يتفاوتون في هذا فقد يكون ابن السبيل هذا ممن لا يركب إلا الدرجة الأولى في الطائرة وإلا فلا يسافر، ولا يسكن إلا في فنادق من نوع خاص فيعطى ما يصلح لمثله، وآخر يسافر في النقل العام -النقل الجماعي، ويسكن في أدنى الأماكن فيعطى ما يصلح لمثله، فيتفاوتون ولا يكون ذلك على سبيل القرض، يقول: إذا رجعت إلى بلدك أنت غني تعيد هذا المال، لا، فإنما يعطى له، فالشريعة جاءت تحفظ كرامة المسلم وترعى حرمته، فلا يبقى في محل غربته في حال لربما يلحقه فيها ذل أو معرّة، فيعطى من الفيء ما يكفيه حتى يصل إلى بلده، ونُسب إلى السبيل -السبيل: الطريق تذكر وتؤنث- نسب إليها لملازمته لها كما قيل في الطائر المعروف: ابن الماء؛ لملازمته الماء.
كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ، وهذه الآية: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ لاحظ هناك ذكر المساكين ويدخل فيها الفقراء عمومًا، وهذه الآية قلنا: إنها متعلقة بما قبلها، يعني أن أحق الناس هم أولئك الفقراء الذين تركوا كل شيء خلفهم، جاءوا يريدون ما عند الله -تبارك وتعالى- فتركوا الأموال والأهل والعشيرة والوطن لله وفي الله، لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ هم أحق الناس بهذا.
وهذه الأقسام المذكورة الخمسة ليس المراد أنه يقسم الفيء بينها بالتساوي، يعني لا يقال: لابدّ من خمس وخمس وخمس وخمس وخمس، وإنما بحسب الحاجات وتفاوتها، فقد يكثر الفقراء في وقت، قد لا يوجد عندنا ابن سبيل، وقد يكثر غيرهم من وجوه المصارف كاليتامى مثلًا فيكون ذلك بحسب الحاجات، ويمكن أن يغلب أحد المصارف إذا عظمت الحاجة واشتد الداعي.
لكن هنا يبين الله أن أحق من أُعطي له هذا الفيء هم أولئك الفقراء من المهاجرين، ولاحظ التزكية من وجوه متعددة بشهادة الله لهم -رضي الله عنهم وأرضاهم، لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ معروف أنهم هم الذين خرجوا كانوا يخرجون يتسللون خفية؛ لأن المشركين كانوا يمنعونهم من الخروج ويضطهدونهم، وكان الواحد منهم يخرج سرًا ليلًا فأضاف الإخراج إلى الكفار "أُخرجوا" هنا بالبناء للمجهول، والله قال في سورة الممتحنة: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [سورة الممتحنة:1] فأضاف الإخراج صراحة إلى الكفار؛ وذلك أنهم تسببوا فيه، باعتبار أنهم ألجئوهم إلى الخروج بذلك الاضطهاد والتضييق عليهم فصاروا بمنزلة من باشر إخراجهم، هذا الجمع بين الآيات.
وكذلك ما هو معلوم من كون المهاجرين خرجوا بأنفسهم لكن أولئك هم الذين ألجئوهم، ولاحظ التزكية يَبْتَغُونَ يعني يطلبون فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، يعني أن هجرتهم كانت لله وفي الله، شهادة بالإخلاص من الله ، ومعروف حديث النيات: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها[6]، فقد يكون الإنسان في الظاهر مهاجرًا ولكنه في حقيقة الأمر وباطنه ليس بمهاجر لله ورسوله، فهذه شهادة من الله يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ما هاجروا لدنيا.
وانظر إلى الشهادة الثانية والتزكية الثانية وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هذه أوصاف عظيمة.
والصفة الثالثة: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أشار إليهم بإشارة البعيد "أولئك"؛ لعلو منزلتهم ورفيع قدرهم، ثم جاء بضمير الفصل بين طرفي الكلام، وقلنا: هذا يفيد تقوية النسبة، أولئك ما بهم؟ ما قال: أولئك صادقون، قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ودخلت "ال" على الخبر أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، ما قال: صادقون، وإنما "هم الصادقون" كأنه لا صادق إلا هم، أو أنهم هم الذين حصّلوا الوصف الكامل من الصدق، يعني هذا يشبه الحصر تقول: فلان هو الكريم، فلان هو العالم، فلان هو البار، يعني كأنه لا بار إلا هو، أو كأنه هو الذي حصّل الوصف الكامل من البر، أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ يقول: هؤلاء هم الصادقون حقًّا.
هذه ثلاثة أوصاف في تزكية المهاجرين -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأخزى الله من آذاهم ولعنهم وانتقصهم.
وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين.
ثم قال تعالى مادحًا الأنصار ومبينًا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ أي: سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين، وآمنوا قبل كثير منهم.
لاحظ الآن وَالَّذِينَ تبوءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ هنا يرد سؤال: تبوءوا يعني سكنوا استوطنوا الدار وهي المدينة، تبوءوا الدَّارَ الدار تُسكن كما هو معروف لكن الإيمان هل يسكن؟ هل الإيمان مكان يسكنون فيه؟ فكيف قال: تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ؟ الدار يسكنونها ولكن الإيمان لا يسكنونه فكيف عطف الإيمان على الدار؟
العلماء أجابوا على هذا بأجوبة متعددة فبعضهم يقول: هذا منصوب بفعل غير تبوءوا، يعني أن قوله: وَالْإِيمَانَ ليس العامل فيه تبوءوا، لكن هناك فعل مقدر يتعلق به، أي تبوءوا الدار واعتقدوا الإيمان، كقوله تعالى: فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ [سورة يونس:71] ليس معناه فأجمِعوا شركاءكم، لا، وإنما فأجمِعوا أمركم وادعوا شركاءكم، فيكون بهذا الاعتبار.
وبعضهم يقول: إنه على حذف مضاف، أي تبوءوا الدار ومواضع الإيمان، والذي قبله أحسن وأوضح.
وبعضهم يقول: إن المقدر هو فعل يدل عليه تبوءوا، الآن "والذين تبوءوا الدار" سكنوا الدار، يعني كأنهم لزموها، إذاً تبوءوا الدار لزموا الدار، ولزموا الإيمان.
وبعضهم يقول: إن الواو أصلًا للمعية، وإن الإيمان مفعول معه، ولا تقدير، يعني الأقوال السابقة بناء على أن قوله: وَالْإِيمَانَ متعلق بمقدر محذوف، وأوضَحُ ما هنالك من التقديرات هو وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ واعتقدوا الإيمان أو لزموا الإيمان.
وبعضهم يقول: الواو واو المعية، وإن الإيمان مفعول معه، والتبوء ما معناه؟ التمكن والاستقرار، أصله من اتخاذ المَبَاءة وهي البقعة التي يبوء إليها صاحبها، يعني يرجع إليها بعد انتشاره في حاجاته وأعماله فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ [سورة الأنفال:16]، فليتبوأ مقعده من النار[7]، أصله من اتخاذ المباءة وهي البقعة -المكان- التي يبوء إليها بعد تصرفه وانتقاله وذهابه ومجيئه وما أشبه ذلك.
ويرد هنا سؤال وهو من الذي آمن أولًا المهاجرون أو الأنصار؟ المهاجرون آمنوا أولًا فكيف قال الله : وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ أي من قبل المهاجرين؟ فكيف كانوا بهذه المثابة مع أن المهاجرين آمنوا قبل الأنصار؟ فما الجواب؟
الجواب: أنه باعتبار مجموع الأمرين، وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ، باعتبار مجموع الأمرين يعني سكنى المدينة بجانب الإيمان، من الذي كان قبلُ باعتبار مجموع الأمرين؟ الأنصار ، جاءوا وبايعوا النبي ﷺ بيعة العقبة الأولى ثم الثانية ثم انتشر الإيمان في بيوت الأنصار قبل مهاجر النبي ﷺ، وقبل مجيء المهاجرين إليهم، كان بعث إليهم النبي ﷺ مصعب بن عمير يعملهم القرآن، ثم بعد ذلك بدأ المهاجرون يتوافدون، فالذين سبقوا بهذا الاعتبار -سكنى المدينة مع الإيمان- هم الأنصار فباعتبار مجموع الأمرين يكون الجواب عن هذا السؤال، وهو قوله: مِن قَبْلِهِمْ لاحظ أنه ذكر الأمرين تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ قبل المهاجرين، قبل ما يأتي المهاجرون إلى المدينة ويستوطنونها.
والمراد بالدار البلاد، وأصلها موضع القبيلة من الأرض، منازل القبيلة، وصارت بعد ذلك تطلق على البلدة أو القرية أو المدينة يقال: الدار كما تجدون في أشعار العرب، وفي كلام العرب لا يوجد بلدة ولا مدينة غالبًا، وإنما: يا دار ميّة، يا دار عبلة، وأحيانًا هذه الدار قد لا تكون مدينة أو قرية، وإنما تكون أحيانًا بيوتًا من الشَّعر في البرية مثلًا، فـ "أمرُّ على الديار" وما أشبه ذلك من كلام الشعراء في الآثار التي يشاهدونها تذكرهم بالمحبوب، فهؤلاء لربما ارتحلوا من هذا المكان فيمر الشاعر ويتذكر محبوبته وما إلى ذلك مع أن أولئك قد ظعنوا.
هذه الآية: وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ هل هذه جملة جديدة يبين الله فيها فضل الأنصار ويمدحهم، أو أنها معطوفة أيضًا على ما قبلها؟ قلنا: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ هذه متعلقة بما قبها، أنهم أحق من يُعطَى الفيء، فهل هذه الآية أيضًا في الأنصار معطوفة على ما قبلها يعني أن الفيء حق الفقراء من المهاجرين، والأنصار؟ فمن قال: إنها معطوفة عليها قال: هم كذلك لهم حق في الفيء، وهذا مروي عن عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وبعضهم يقول: ليست بمعطوفة عليها، وإنما هذه فقط يبين الله فيها فضل الأنصار ويثني عليهم لمّا ذكر المهاجرين، وهذا الذي رجحه القرطبي -رحمه الله، والأقرب -والله أعلم- أنها معطوفة عليها؛ ولهذا كان عمر يوصل هذه الأموال إلى جميع المسلمين من الأنصار والمهاجرين بل ولمن جاء بعدهم كما سيأتي في قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ أنهم يستحقون الفيء إذا كانوا بالصفة التي ذكرها الله تعالى.
فهذا الفيء يصل إلى الجميع، ولهذا عمر -رضي الله تعالى عنه- كان في آخر حياته يذكر أنه إن مُد له في العمر أن هذا المال سيصل إلى راعي الغنم وهو على جبل في صنعاء أو في اليمن من غير أن يمشي إليه، من غير أن يطلب هذا المال، يعني لا يحتاج أن يقدم طلبًا حتى يصل إليه، إنما يصله ماله ومحفوظة كرامته، لم تكن هناك وسائل ولا تحويلات ولا تسهيلات، ولا طرق الاتصال الموجودة اليوم ومع ذلك يصل إليه ولو كان في جبل يرعى غنمه في أرض اليمن، فكل واحد من هؤلاء له حق في بيت المال فيُقسم بينهم، هل يقسم بينهم بالتساوي؟
الجواب: لا، وإنما بحسب بلاء الرجل وسابقته إلى الإسلام، بلاء الرجل في نفع الإسلام، لكن يُعطَى الناس ما يسد حاجتهم، ما يتركون للفقر، أو تترك المرأة بحيث إنها تذهب تبحث عن عمل فتكون أجيرة، وتترك وتضيع بيتها وأولادها بحكم الحاجة، لا، تُكفَى وهي في بيتها، هذا دين الإسلام الذي يرعى للإنسان المسلم كرامته وحرمته، ويرعى حاجات الناس ولا يضيع هؤلاء من أفراد المجتمع، ويتركهم يضطرون إلى البحث عن لقمة العيش رجالًا ونساءً ولو كان ذلك على حساب رعاية الأولاد والأسرة، ويكثر الطلاق والمشكلات الزوجية، وتتحمل المرأة ما لا تطيق، فالإسلام لا يفتح الآفاق للمرأة من أجل أن يوجد لها فرصًا للعمل خارج المنزل، بل يأمرها بالبقاء في بيتها وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [سورة الأحزاب:33] فهذا يكون فيه محافظة على طهارة المجتمع، المرأة تبقى في بيتها، وتُعطَى ما يكفيها من بيت المال، فلا تحتاج إلى أن تخرج وتشتغل كأجيرة عند الغير، بل كانوا العرب يعيرون من كان بهذه المثابة كما يقول جرير يهجو رهط الأخطل النصراني من بني تغلب يقول:
والتغلبيون بئسَ الفحلُ فحلُهُمُ | فَحلًا وأمُّهُمُ زَلّاء مِنْطِيقُ |
يعني أنهم من الفقر تضطر المرأة أن تخرج فتعمل أجيرة، فهذا الخروج وكثرة الخروج والعمل يؤثر على تركيب المرأة وعلى بنيتها، فتكون هزيلة، والهزال صفة غير محمودة عند العرب بالنسبة للمرأة، هزيلة فيذهب رونقها وجمالها، وماذا تفعل حتى تتجمل وتعوض هذا الهزال الذي أصابها وتبدو جميلة؟ "وأمهم زلاء" يعني ليس لها أوراك، ومن أعظم الصفات عند العرب في الجمال أن تكون المرأة ذات لحم، فماذا تفعل هذه؟ زلاء منطيق أي تربط النطاق –الحزام- في الوسط وتضع الخرق على مؤخرتها؛ لتبدو عجيزتها ضخمة بالخرق.
وهذا معنى المثل الذي يقوله العامة عندنا اليوم: فلان يكبّر كذا بالخِرق، يعني يتشبع بما لم يعطَ، إذا رأوا شخصًا يتشبع بما لم يعطَ يُظهر الغنى وليس بغني، يركب سيارات فارهة وهو يشتريها بالأقساط أو يستأجر سيارات فخمة ويأتي لمناسبات، ويُظهر أنه غني أو نحو ذلك من ألوان العلل والأدواء التي توجد لدى بعض الناس، يقولون: فلان يكبِّر كذا بالخِرق، يصرحون بالعبارة، هذا معناه، هذا أصله أن المرأة إذا أصابها هزال تربط النطاق وتضخِّم، واليوم تباع عباءات -كما سمعت- فيها شيء من الإسفنج في ذلك الموضع فتبدو كأنها ما شاء الله وليست كذلك، "وأمهم زلاء منطيق" لما كانت تضطر أن تخرج أجيرة تشتغل يصيبها الهزال فتضطر إلى التجمل بهذه الطريقة.
فالشريعة جاءت لمعالجة هذه القضايا حين أمرتها بالبقاء في البيت وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ما ضيعتها، وإنما أعطتها ما يكفيها، فيُعطَى الناس بحسب سابقتهم وبلائهم ونفعهم وغَنائهم عن المسلمين، فليس الذي له غنى ونفع كالذي ليس له شيء من ذلك، هذا تكريم المرأة، وصيانة المرأة، والمحافظة على حقوق المرأة، ورعاية المرأة، والدفاع عن المرأة، وتبني قضايا المرأة كلها بهذه الطريقة الشرعية، لا أن يزج بها في الأعمال في كل مكان تشتغل مخالطة للرجال، وتذهب وتخرج في أول النهار ولا ترجع إلا منهكة متعبة لا تفيق لولد ولا لزوج ولا لغير ذلك، فالمرأة ضعيفة لا تحتمل هذا.
وللأسف الغرب يستفزون المسلمين حينما يجعلون نسب البطالة وما إلى ذلك ويحسبون في هذا النساء، ويقولون: نسبة البطالة كذا، وفي الواقع المرأة تقوم بهذه الوظيفة من تربية الجيل والأولاد إلى آخره فليست في بطالة، فتنشر هذه الثقافة للأسف، وتجد المرأة الغنية تسابق الفقيرة في البحث عن الوظائف ولو بأجر زهيد وهم أغنياء وتشتغل براتب زهيد قد يكون بـ (1200) ريال، وفي مكان بعيد ناءٍ، وتذهب، ولربما ذهب أبوها وأمها انتقلوا وهم أغنياء من أجل أنها تتوظف، فإذا جلست وهي معها شنطة ماركة، وتحدث الناس أنتِ تشتغلين أو عاطلة؟ تقول: لا أنا موظفة، فهي تفتخر، تشعر أن هذا يعطيها قيمة في المجتمع، وأنها تمثل شيئًا في المجتمع له أهمية، وتذهب وتنتقل مع أبيها وأمها، أو تذهب مع نظيرات لها ومثيلات لربما مئات الكيلو مترات من قبل طلوع الفجر كل يوم ولا ترجع إلا في العشاء أو المغرب، أماكن نائية بعيدة وهي غنية، لا نقول: الفقر الذي حملها على هذا، وإنما هي في غاية الغنى، ولكن هي تريد أن يكون لها عمل ووظيفة تقوم بها.
ونسيت وظيفتها الحقيقية كما يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله: يصورون للمرأة أنها إذا كانت في البيت فهي حبيسة كالدجاجة، يقول: فيضطرون إلى المجيء بخادم وما إلى ذلك فيكون ذلك حبيسًا كالدجاجة، ولهذا في بعض التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة يذكرون أن المرأة العاملة تكلف أو تكبد الناتج المحلي والاقتصاد ما لا يقل عن 40% يكون تبعة على هذا الاقتصاد وعلى كاهله، هذه المرأة التي تخرج تحتاج إلى مواصلات، وتحتاج إلى سيارة، وتحتاج إلى سائق، وتحتاج إلى خادمة، وربما مربية للأولاد، أين يذهبون؟ يُدفع لهم في حضانة أو تأتي بمربية، فيقوم مجموعة من الناس يشتغلون على حساب خروج حضرتها كما يقال، يعني تحتاج سائقًا، وتحتاج خادمة في البيت، وتحتاج مربية، وتحتاج طباخة، فكم شغلنا من هؤلاء الناس لتخرج هي؟! لكن لو بقيت كفينا من هذا كله، وصار أوفر.
قال عمر: "وأُوصِي الخليفةَ بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم كرامتهم وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلُ أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم"[8] رواه البخاري هاهنا أيضًا.
قوله تعالى: يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ أي: من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم، روى الإمام أحمد عن أنس قال: "قال المهاجرون يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلًا في كثير فقد كفونا المُؤْنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم"[9]، لم أره في الكتب من هذا الوجه.
كفونا المُؤْنة بمعنى أنه كما سبق أن المهاجرين لا يعملون في الأرض بالزرع، وشاركونا في المهنأ يعني الثمرة، لاحظ هذه الأوصاف للأنصار وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ الوصف الأول، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ هذه شهادة من الله -تبارك وتعالى- لهم، يعني ما استثقلوا هؤلاء وَالَّذِينَ جَاءُوا جاءوا في غاية الفقر في الغالب، يعني ربما يأتي الرجل ما عليه إلا إزار فقط، ما عليه رداء، فقر مُدقِع.
ما قالوا: هؤلاء جاءوا إلينا وكاثرونا كما كان يقول عبد الله بن أبيّ رئيس المنافقين، كان نصحهم منذ البداية ألا يستقبلوهم من أجل ألا تكون المدينة محلًا لتجمع المهاجرين من مكة ومن غيرها؛ لأن المهاجرين كانوا يأتون من نواحٍ مختلفة ليس من مكة فقط فكان يقول: لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا [سورة المنافقون:7] يعني حتى يطلبوا دارًا وبلدًا آخر غير هذا البلد، فما استثقلوهم وقالوا: هؤلاء صاروا عبئًا علينا، وصاروا في بعض الأوقات أكثر من الأنصار وزاحمونا في بلادنا وأكلوا خيراتنا، وإنما يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يحبونهم ما ينظرون إليهم بنظرة دونية أنهم طبقة ثانية، ويسمونهم بأسماء قد لا تكون مناسبة، لا، انظروا إلى الأسماء الشريفة الأسماء الشرعية: مهاجرون وأنصار، هؤلاء يحبونهم، وهذه شهادة من الله ، يعني ليست مجاملات أو مشاعر زائفة، يحبون من هاجر إليهم ما ينظرون إليهم باعتبار أنهم يمثلون عبئًا ثقيلًا عليهم.
البحرين: هذا الساحل، الإحساء، وكله يقال له: البحرين، وفد عبد القيس جاءوا إلى النبي ﷺ من البحرين، كل هذا الساحل يقال له: البحرين.
قالوا: لا، إلا أن تُقطِع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال: إمّا لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أثرة"[10] تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: "قالت الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقال: أتكفونا المُؤْنة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا"[11]، تفرد به دون مسلم.
هذا أين يوجد؟ هم يقولون: اقسم الأصل، والنبي ﷺ يقترح عليهم أن تكون الثمرة بينهم والأصل يكون للأنصار، كان بالإمكان أن يقولوا: الجميع أصلًا لنا، لاحظ يقاسمونهم الثمرة ولا يعملون بسقي ولا زرع ولا حرث ولا شيء، لما تأتي الثمرة تكون بينهم هذا إن وُجد، هؤلاء الذين كانوا يتقاتلون على أتفه الأشياء، وتمتد الحروب إلى أربعين سنة وأكثر على توافه كما هو معروف في الحروب التي كانت بين العرب أوس وخزرج، كانت بينهم حروب طويلة، وغير الأوس والخزرج، لربما على سباق بين فرسين أو ناقتين تمتد حرب إلى أربعين سنة، ونهب وسلب، ثم جاء الإسلام وأعادهم صياغة جديدة كاملة.
هذه الحال يمكن أن ترجع من جديد، لكن متى ترجع؟ إذا صار القرآن يمثل واقعًا يحياه المسلمون، ولم يعد مجرد كتاب يقرأ في المناسبات، أو في رمضان طلبًا للأجر، وينظر إليه باعتبار أنه كتاب يقرأ للبركة، إنما هو كتاب يعيد صياغة الحياة من جديد، والنفوس والعقول والتفكير والتصورات من جديد، فتتحول إلى شيء آخر، لكن ركام الغفلة بجانب الجهل والبعد عن القرآن، والاشتغال بالماديات، والتهافت على الدنيا، وغلبة الشح على النفوس، وقلة التربية والتهذيب، كل هذا يجتمع فتتحول النفوس إلى نفوس ضئيلة صغيرة حقيرة لا تنظر إلا بعين البهيمة، تناطح وتعارك وتصارع على الحوض الذي يوضع فيه العلف، هي لا تنظر إلا إلى نفسها فقط، فهي مستعدة أن تنطح وأن تدفع بكل مستطاع من أجل أن تصل إلى مبتغاها.
هكذا تتحول النفوس، يشعر الإنسان أن رزقه لا يأتي إلا بالصراع والمدافعة للآخرين، كأنهم سيستحوذون على رزقه، فلا تجود النفوس ولا يحصل سخاء ولا بذل، وإنما يكون الشح حاضرًا غالبًا حاكمًا على هذه النفوس مستوليًا عليها -نسأل الله العافية، ومن ثَمّ تقطع الأرحام وتضيع الحقوق ويحصل المطل وتحصل أنواع المعاملات المحرمة، كل هذا في سبيل تحصيل هذا الحطام، ولا يكتفي الإنسان بما أعطاه الله بل يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، فيكثر الحسد والبغضاء في المجتمع والتهافت على الدنيا كما هو مشاهد لدى الكثيرين.
لكن متى تعود النفوس إلى حالها؟ إذا كانت تتربى على القرآن، وقد تمر أحوال في المجتمعات وشدائد يحصل بها شيء من نسيان الذات، ويحصل بها الإيثار وتسمو النفوس وتزكو، ويشعر الإنسان بالآخرين، وبآلامهم كما هو مشاهد، لو نظرت وسمعت وقرأت واطلعت على أحوال جرت لإخواننا في ليبيا مثلًا في أيام الحرب تجد الناس كانوا حينما ينتقل أهل مدينة إلى أخرى، يفرون من القتل والاغتصاب والتدمير ليس عندهم شيء فيستقبلهم أهل البلد الآخر ويسكنون معهم في بيوتهم ويقاسمونهم أقواتهم فيشعرون بهذه المشاعر وهم يصرحون بها.
وقد سمعت في بعض المقابلات التي أجريت لعدد من هؤلاء الناس العوام، كانوا يقولون: سبحان الله! الآن تذكرنا الأنصار، يعني أجريتْ مقابلات للذين انتقلوا وهاجروا، يقولون: تذكرنا وعشنا الأيام التي عاشها الأنصار مع المهاجرين -رضي الله تعالى عنهم- وذقنا هذا المعنى حقيقة في مثل هذه الأوقات والأحوال، والآن إخواننا في سوريا كذلك أيضًا لمن هداه الله وفتح على قلبه وشرح صدره يحصل هذا الإيثار وتحصل هذه المعاني، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا.
هذه الآن صفة أخرى وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا "لا يجدون في صدورهم" يعني الأنصار، "حاجة" يعني حسدًا مما أُعطي لإخوانهم من المهاجرين دونهم، ما يحسدونهم ويقولون: لماذا يُعطَى هؤلاء ونحن نحرم منه؟! فهذا معنى الحاجة أي الحسد.
يعني مما أعطي للمهاجرين دون الأنصار، ما يحسدونهم.
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ الإيثار هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الأخروية، يعني ما يفعل ذلك رياء وسمعة ونحو ذلك، تقديم الغير على النفس في الحظوظ الدنيوية هذا هو الإيثار، ولذلك لا يقال: إن الإيثار يحمد في الحظوظ الدينية والأخروية، فلا يؤثر غيره في أمور فيها طاعة وإلا حجَّ عندنا عدد محدود، يقول: أنا أؤثرك مكاني أن تذهب للحج وأنا أجلس، يقال: هذا ليس زهداً فيما عند الله.
كذلك مثلًا الصف الأول يمكن أن يَسْتَهم الناس تكون قرعة، إذا تشاحّ اثنان على موضع واحد في الصف الأول فإنه يقرع بينهم فهذا من الحظوظ الأخروية، لا يقدم، وإن تكلم العلماء في بعض الاستثناءات والصور هل يقدم العالم؟ هل يقدم الوالد؟ هل يقدم الإمام العادل؟ هل يؤثره على نفسه في الصف الأول أو لا؟ لكن الأصل أنه لا إيثار في الحظوظ الأخروية، وفي الأمور الشرعية.
لكن في الأمور الدنيوية لاحظ "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" يعني إذا كان الإيثار تقديم الغير على النفس في الحظوظ الدنيوية مع الغنى والسعة هذا لا يقال له: إيثار، هنا طعام كثير وعندنا مائة مقعد، مائة كرسي وموائد ويجلس عليها عشرة أو عشرون أو ثلاثون من الناس، وهذا يقول: لا، أنت اجلس هنا، وهذا يقول: أنت اجلس هنا، هذا إيثار؟ هذه مجاملات ليس بإيثار.
لكن لو كان الناس في حاجة وجوع ولا يوجد إلا طعام قليل ويقول: لا، أنت تأخذ، أنت تأكل، هذا يأخذ طعامه ويذهب به إلى من هم أحوج منه، إلى من هم أفقر منه، وهو في غاية العطش وليس عنده إلا ماء قليل، فيعطيه أخاه، هذا هو الإيثار، أو هو بحاجة إلى اللباس فيعطيه ويقدمه على نفسه، هذا هو الإيثار، لا يوجد إلا كرسي واحد وهو منهك متعب، لا يوجد إلا هذا المكان فيقول له: أنت اجلس عليه وأنا أظل واقفًا، مرضى في مستشفى هذا متعب وهذا متعب وكذا، ومكان مزدحم ورأى إنسانًا أكبر فيقول: لا، أنت اجلس هنا وأنا أظل واقفًا، فهذا إيثار، رأى إنسانًا يعاني من البرد وعليه معطف فأعطاه إياه وجلس يتحمل هو البرد، فهذا يكون من قبيل الإيثار.
أما إذا كان الناس في بحبوحة من العيش والخيرات كثيرة ومتساوية فعند ذلك لا يكون هذا من قبيل الإيثار، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ قال: يعني حاجة، فالخصاصة هي الحاجة التي تختل بها الحال بصرف النظر عما أخذت منه واشتقت منه هذه المادة، يعني بعضهم يقول: أصلها من الاختصاص وهو الانفراد بالأمر، يعني كأنه انفرد بحاجته، يعني كأنه صار في حال ليس فيها غيره، يقول بعض الناس: نحن في حالة ما فيها أحد، يعني ما في أحد من الناس مثلنا، في مثل الحال التي نحن فيها، في مثل المعاناة التي نعانيها، "ولو كان بهم خصاصة" كأنهم قد فاضوا في هذه الحاجة، واختصوا بها من بين سائر الناس.
وبعضهم يقول: "ولو كان بهم خصاصة" أي: خَلّة، فرق بين الخَلّة والخُلّة، الخُلة: درجة عالية في المحبة، والخَلة: هي الفقر والحاجة، كأنه كما يقول بعض أهل العلم: مأخوذ من خَصاص الدار، البيوت في السابق مبنية من اللبِن والطين، والسقف من جريد، فيبقى فيه بعض المسام تسلل منها أشعة الشمس، فهذا يقال له: خَصاص الدار، خَلة بين الجريد تدخل منها الأشعة، هذه الخَلة يقال لها: خصاص الدار، أي فجوات ومسام تدخل منها أشعة الشمس، وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ خَلة.
هنا خَلة أي فقر، وأيضًا الخَلة هي تلك المسام الضيقة التي تدخل منها أشعة الشمس، فلو كانوا في هذا الحال من الخَلة والضيق والشدة فكل خرق في المناخل أو الأبواب أو حتى السحاب فهي فجوات يقال لها: خَصاص، والواحد خصاصة، والنبي ﷺ يقول: أفضل الصدقة جهد المقل، يعني وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ فهذا أعظم فرق بين واحد يملك مليارات وتصدق بمائة ألف وبين واحد كل ما عنده ثلاثة ريالات وتصدق بها، ثلاثة ريالات يشتري بها خبزًا وتصدق بها هذه أعظم من المائة الألف التي تصدق بها هذا الذي يملك مائة مليار، مائة ألف لا شيء، لا تؤثر، هذه مثل حجر رميته في بحر، طائر أخذ بمنقاره من البحر ماذا يؤثر؟!.
هناك "ويطعمون الطعام على حبه" فهذا قد يكون يحبه، لكن عنده بدائل، عنده غير هذا الطعام، يعني معناه أنه ما يعطي الفضلة من الطعام، أو الأشياء التي بدأ الخراب والتلف يخالطها، تقول: هذه الفاكهة ذبلت الآن أعطوها أحدًا، التمر هذا تغير، اسود، ظهر الرطب، الآن لسنا بحاجة إليه تصدقوا به، لكن هذا لا تعطونه، هذا جيد هذا أحضرناه اليوم، لا يختلط عليكم مع هذا، انتبهوا تتصدقون بهذا تخطئون، هذا كما قال النبي ﷺ لما رأى العذق في المسجد من الشيص علقه الرجل: إن صاحب هذا يأكله شيصًا يوم القيامة[13].
فهذا الذي لا يتصدق إلا بالثوب البالي، ويكون في غاية الحرص يقلب ما يشك فيه، هل فيه مدى وصلاحية أو لا؟ فيه نفس أو ما فيه نفس؟ هذا الثوب أتصدق به؟ لا، يمكن أن نحتاجه، هذا لا بأس به جيد، أعطيه هذه، وهكذا الأطعمة.
ليس معنى ذلك أن الإنسان يتلف هذه الأشياء ويرميها في النفايات ثم يحرم منها من يحتاجون إليها وينتفعون بها، لا، يعطيها يتصدق بها لكن لا تكون صدقاتنا محصورة بهذا النوع من الصدقات، هذا خطأ، إنما لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران:92]، فينفق مما يحب، وفي الوقت نفسه لا يضيع شيئًا من هذه الأموال والأعيان التي يمكن أن ينتفع بها غيره إذا فاضت عن حاجته من طعام ولباس وما إلى ذلك، ينتفع بها الفقراء، لكن لا تكون الصدقة هي فقط من هذا كما يفعل بعض الناس يعطي ما لا يريد وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ [سورة البقرة:267].
يعني لو أعطاك إياه أحد ما تأخذ هذا إلا على وجه من الإغماض، يعني تأخذه مجاملة ثم بعد ذلك تتخلص منه، وإلا فأنت تترفع عنه لا تريد هذا ولا تقبل أن يُدفع إليك، لو أحد جاء إليكم وقال: هذه هدية، هذه والله فاكهة تفضلوا، هذه أهديناها إليكم فتحتَ الفاكهة وجدتها ذابلة يخالطها العفن ستقول: ما هذا؟ كيف يمكن للإنسان أن يقدم مثل هذا؟ وأنت لماذا تتصدق بهذا؟.
وقوله: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [سورة البقرة:177] فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع حاجتهم وخصاصتهم إلى ما أنفقوه، ومن هذا المقام تصدق الصديق بجميع ماله، فقال له رسول الله ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟، فقال : أبقيت لهم الله ورسوله[14].
وهذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرين ولم يشربه أحد منهم -رضي الله عنهم وأرضاهم.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي ﷺ: ألا رجل يضيف هذا الليلة -رحمه الله؟، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله ﷺ لا تدخريه شيئًا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلتْ، ثم غدا الرجل على رسول الله ﷺ فقال: لقد عجب الله أو ضحك- من فلان وفلانة، وأنزل الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ[15] وكذا رواه البخاري في موضع آخر ومسلم من طرق عن فضيل بن غزوان به نحوه، وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة -رضي الله تعالى عنه.
وقوله تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي: من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح، روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم[16] انفرد بإخراجه مسلم.
قوله -تبارك وتعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، يعني هذا التذييل بعد قوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ يدل على أن هؤلاء لسلامتهم من الشح، وتخلصهم منه حصل منهم هذا الإيثار، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ هؤلاء بإيثارهم سلموا من الشح، والشح بعضهم يقول: هو مرادف للبخل، وبعضهم يقول: أشد من البخل، وهو عند البعض بخل خاص، أي بخل مع حرص، قد يكون الإنسان بخيلًا، ولكن قد يزداد هذا البخل عنده فيكون عنده حرص زائد، لا تذهب شاردة ولا واردة إلا بشق الأنفس، النفس تذهب معها -نسأل الله العافية.
وبعضهم يقول: إن الفرق بينهما أن البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، وأما الشح فهو أن يتشوف إلى ما في أيدي الناس، وبعضهم يقول: إن أحدهما يتصل بالصفة النفسانية يعني الصفة الداخلية، والثاني يتصل بالممارسة والأثر والنتيجة، وبعضهم يفرق بينهما باعتبار أن أحدهما أن يبخل على الناس، والثاني أن يبخل على نفسه.
وبعضهم يقول غير ذلك في منع الحقوق، ما يتعلق بالله، وما يتعلق بحقوق المخلوقين، فالذي يمنع الحقوق الواجبة هذا أشد، والذي لا يَخرج من يده شيء ولا يتصدق ولا ينفق، ولا، ولا، فهذا إذا كان يعطي الحقوق الواجبة فهو أخف من الأول، يعني بعض الناس يملك أموالًا طائلة يعترف ويقول: لا أستطيع أن أخرج الزكاة! بعضهم يقول: ما استطعت! والمال إذا كثر طبعًا تكثر الزكاة، لكن هي كم النسبة في الأموال في النقود مثلًا؟ اثنان ونصف بالمائة، هذا شيء يسير، فلو كان هذا الإنسان يملك عشرة آلاف ريال ففيه مائتان وخمسون ريالًا، هذا شيء يسير.
ولذلك الذين يسألون دائمًا عن الزكاة هم الناس الذين زكواتهم قليلة، عندي بعض الذهب، عندي كذا، وهذا يقول: عندي خمسة وعشرون ألفًا، وهذا يقول: عندي خمسة آلاف، هؤلاء الذين دائمًا يسألون، وأنا لساعتي هذه ما سألني أصحاب المليارات قط في حياتي عن الزكاة، أبدًا، ولا سمعته، الذين دائمًا يسألون وأشغلونا إشغالًا يقولون: عندي خمسة آلاف، عندي أربعة آلاف، عندي سبعون ألفًا كيف أخرج الزكاة؟ كيف أحسبها؟
النساء: عندي شيء من الذهب، عندي كذا، عندي خواتم كيف أخرج زكاتها؟ فإذا كان ما عندي مال أخرج من الذهب نفسه أو لا؟ وهل يجوز أن أحسبها وتكون دينًا عليّ إذا جاءني مال أخرجها أو لا؟ هؤلاء الذين يسألون، لكن إذا كانت الأموال كثيرة ثروة ضخمة الزكاة أحيانًا تكون بملايين، قد تكون الزكاة تصل إلى مائة مليون، إلى مائتي مليون وأكثر، يعني يمكن لتاجر واحد ألا يُبقى فقيرًا في البلد لو أخرج زكاته، وهو لمّا يرى أنه يحتاج أن يخرج هذه المبالغ من الملايين يُخرج خمسين مليونًا، يُخرج مائة مليون هذا مبلغ كبير يصدع له رأسه -نسأل الله العافية، فهو إذا دفع العشرة الريالات للبائع يده تلصق بالعشرة.
فتجد أن الإنسان في الغالب كلما زاد في الثراء ازداد الإنسان شحًا وبخلًا فلا يخرج الزكاة، وأكثر التجار لا يخرجون الزكاة، ولذلك كما ترون المطر لا ينزل، وإذا نزل فهو مطر وليس بغيث، الأرض كأنها لم تمطر ترونها جرداء ما فيها نبات؛ بسبب منع الزكاة يُمنعون القطر من السماء، فهؤلاء يجنون على الأمة، يجنون على المجتمع، يجنون على البهائم، يجنون على الدواب، يجنون على كل الكائنات الحية وغير الحية، فيستسقي الناس ويأتيهم الغبار، هذا يدل على الشح وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
وفي الحديث الآخر: إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا[17]، الشح يحمل صاحبه على كل القبائح، قطيعة الأرحام، مستعد أن ينزل ويهبط إلى أسفل سافلين في أخلاقه، في تعامله، في ظلمه، في مطله.
تجد بعض الناس يسأل عن أخذ الزكاة، ونساء وشباب يسألون عن أخذ الزكاة وأبوهم من الأغنياء يملك الملايين، يسألون عن أخذ الزكاة، هذه أنا أسمعها، وتأتي أسئلة وترد هل يجوز لنا أخذ الزكاة؟ لأنه لا ينفق، ممسك لا يَخرج من يده شيء، يقولون: توجد أموال ثروة هائلة لكن لا يصل إلينا شيء منها، هل يجوز أخذ الزكاة؟ الولد ما عنده سيارة، الولد يريد أن يتزوج ويطلب زكاة يقول: هل يجوز لي أخذ الزكاة؟
ونساء يقلن: ما عندنا نفقة، ما عندنا شيء نأكله، بعض النساء تقول: لا توجد في البيت ثلاجة، وهذا غالبًا ما يكون مع الزوجة الثانية، لا توجد ثلاجة، لا يوجد فرن، تقول: آخذ من جارتي في الشقة، آخذ ماء لا يوجد طعام، لا يوجد شيء، طيب كيف تأكلين؟ قالت: إذا جاء في آخر النهار أحضر معه شيئًا آكله، كأنها بهيمة، حتى البهيمة تعطى في أول النهار وفي آخر النهار وربما في وسطه، هذا فقط إذا جاء يضاجعها أحضر معه شيئًا لتأكل، لا يوجد في الشقة شيء غير سرير مستعمل اشتراه من الحراج، غرفة نوم مستعملة فقط -نسأل الله العافية.
هذا الشح، لا نفقة ولا كسوة ولا شيء، ربما ذهبت المرأة بعد إلحاح إلى السوق، ثم يقول لها: يكفيك أن تنظري وأن تتفرجي لا داعي للشراء، كل هذه الأمثلة التي أذكرها هي واقعية، لا أذكر أمثلة افتراضية في الدروس وفي المحاضرات وفي غيرها، هي أمور واقعية لكني لا أذكر التفاصيل؛ لئلا أذكر أموراً تخص الناس، يوجد من يفعل هذا، وأعرف من النماذج ما لا يكاد يصدق، والله المستعان.
هذا تفسير للشح بأكل أموال الناس ظلمًا، لكن هذا ليس بأمر متفق عليه؛ لأن الشح أوسع من هذا.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ [سورة الحشر:10].
هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [سورة التوبة:100]، فالتابعون لهم بإحسان هم التابعون لآثارهم حسب أوصافهم الجميلة الداعون في السر والعلانية؛ ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أي: قائلين: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ.
هذه الآية الثالثة وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ كما ذكر الحافظ ابن كثير أن الراجح أنها ترجع أيضًا إلى ما قبلها ممن يعطون الفيء، وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا، مع أن بعض أهل العلم فسر ذلك بالمهاجرين وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ من المهاجرين جاءوا بعد الأنصار، يعني أن الله مدح الأنصار قال: وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ثم قال: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يعني بعد الأنصار وهم المهاجرون فهم يستغفرون للأنصار، هذا قال به بعض أهل العلم، لكنه ضعيف.
وبعضهم يقول: هم من أسلم بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان، كما يقول قتادة ومجاهد، وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ المقصود بعد المهاجرين والأنصار ممن أسلم، ويدخل فيه من أسلم عام الفتح وبعد ذلك، وكذلك من أسلم بعدهم عبر القرون من التابعين وأتباع التابعين، وكذلك من يولد على الإسلام من الأجيال المتعاقبة، فنحن داخلون في هذا، وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ بعد المهاجرين والأنصار، وهنا يدعون لهم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ فدعاء اللاحق للسابق والخلف للسلف يدل على أنهم على طريقتهم، وعلى منهاجهم يسيرون، وأنهم متبعون لهم، وهو تعليم من الله -تبارك وتعالى- لأهل الإيمان الذين جاءوا بعد هؤلاء أن يدعوا لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، وأن يستغفروا لهم.
وما أحسن ما استنبط الإمام مالك -رحمه الله- من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب؛ لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ.
وروى ابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت: "أُمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم، ثم قرأتْ هذه الآية: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ الآية"[19].
الإمام مالك -رحمه الله- كان يقول: من كان يبغض أحدًا من أصحاب محمد ﷺ، أو كان في قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا، ومن ثَمّ فإن الرافضي لا يستحق الفيء؛ لأن هؤلاء لا يستغفرون لهم، وليست صدورهم سليمة لأصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار، إذاً هم ليسوا من الفئة الأولى أي المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من هذه الفئة الثالثة وهم الذين جاءوا من بعدهم، وليس هناك فئة رابعة تستحق الفيء، أو تكون ممن أثنى الله عليهم.
وكما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- هنا، وجاء عن بعض السلف كابن أبي ليلى: كان الناس على ثلاث منازل المهاجرون الأولون، والذين اتبعوهم بإحسان، والذين جاءوا من بعدهم، وأحسن ما يكون أن نكون بهذه المنزلة، جاء هذا عن مصعب بن سعد، وبعضهم يقول كما ذكر القرطبي -رحمه الله: كن شمسًا فإن لم تستطع فكن قمرًا، فإن لم تستطع فكن كوكبًا مضيئًا، فإن لم تستطع فكن كوكبًا صغيرًا، ومن جهة النور لا تنقطع، معنى هذا الكلام كن مهاجرًا، فإن قلت: لا أجد، فكن أنصاريًا، فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله.
وجاء عن علي بن الحسين زين العابدين -رحمه الله- أنه جاءه رجل فقال: يا ابن بنت رسول الله ﷺ ما تقول في عثمان؟ كأنه يريده أن يتكلم فيه، فقال له: يا أخي، أنت من قوم قال الله فيهم: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ؟ قال: لا، قال: فأنت من قوم قال الله فيهم: وَالَّذِينَ تبوءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ؟ قال: لا، قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام، وهي قوله: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا... الآية.
وجاء عنه أن نفرًا من أهل العراق جاءوا إليه فسبوا أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- ثم عثمان -رضي الله عن الجميع- فأكثروا فقال لهم: أمن المهاجرين الأولين أنتم؟ قالوا: لا، قال: فمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم؟ قالوا: لا، فقال: قد تبرأتم من هذين الفريقين، أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: وَالَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ قوموا فعل الله بكم وفعل.
وهذه الآية تدل على وجوب محبة أصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار؛ لأنه جعل لمن بعدهم حظًّا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، كما يقول القرطبي -رحمه الله.
وهنا وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا الغل هو ما يجده المرء في نفسه من التحامل على غيره، وهذا الغل هو عذاب في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا كان من نعيم أهل الجنة وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [سورة الأعراف:43]؛ لأنه لا يمكن أن يستشعر الإنسان الراحة، ويهنأ بالعيش والملاذ إذا كان قلبه يمتلئ من الغل، فالغل يتعاظم في قلب الإنسان فيضيق له الصدر حتى إنه يظلم له القلب ويسود، فيظهر أثر ذلك على الوجه، يعني إذا تعاظم الغل في قلب الإنسان اسود الوجه، السواد المذموم، وليس الذي هو لون من الألوان، يعني ترى صاحب الغل يظهر هذا في وجهه -نسأل الله العافية.
وهنا هذا الختم بهذه الآية: وَلَا تَجْعَلْ المسألة تحتاج إلى دعاء حتى يتخلص الإنسان من الغل، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ، الرأفة رحمة رقيقة، أرق الرحمة، فهذا التخلص من الغل يكون لمن رأف الله به ورحمه، ولا يُسلَم الإنسان -نسأل الله العافية- إلى نفسه فيكون أسيرًا لهذه المشاعر البائسة، ومن ثمّ فإنه يبقى في عذاب وعناء وشقاء يطحنه طحنًا، ولا يستطيع أن ينام، يتقلب على فراشه من شدة ما يجد -نسأل الله العافية، فهذا وصف مذموم.
بعض الناس -نسأل الله العافية- هو مثل الجمل يحمل في قلبه الغل ولا ينسى الإساءة، ويتربص بهؤلاء الدوائر، لا ينسى لهم الإساءة مهما اعتذروا ومهما تلطفوا، ومنهم من يحمل الغل ولكنه يبقى زمانًا وهو يحمله حتى يتخلص منه بألوان المجاهدات، يعني يحتاج إلى مجاهدة كثيرة، يحتاج إلى وقت حتى يخف ويتلاشى ذلك من نفسه، ومنهم من يحمل الغل ولكنه يقبل الاعتذار ويؤثر فيه الإحسان ويذهب ذلك من نفسه ولا يطول، ومنهم من يكون سليم الصدر، قد أعطاه الله وحباه، فهو نظيف القلب لا يتحامل على أحد من المسلمين، مخموم القلب لا يحمل غلًّا ولا غشًّا على أحد من المسلمين، فهذه نعمة عظيمة جدًا قد ينعم الله بها على بعض العباد، وقد يدخل الجنة بسبب هذا، وتعرفون حديث عبد الله بن عمرو، وقد جوّد إسناده جمع من أهل العلم كالحافظ ابن كثير، والهيثمي، وآخرين.
مثل هذا يكون من أعظم النعم التي يعطاها العبد، ويكون سبباً لنيل المعالي، والرفعة في الدنيا والآخرة، والله المستعان.
- رواه النسائي، كتاب قسم الفيء، برقم (4140)، وأحمد في المسند، برقم (337)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- رواه البخاري، كتاب الفرائض، باب قول النبي ﷺ: لا نورث، ما تركنا صدقة، برقم (6728)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم (1757).
- رواه البخاري، كتاب اللباس، باب المتفلجات للحسن، برقم (5931)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، برقم (2125).
- رواه أحمد في المسند، برقم (4129)، وقال محققوه: "إسناده الأول صحيح على شرط الشيخين".
- رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم (7288)، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337).
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، برقم (54)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، برقم (1907).
- رواه البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي ﷺ، برقم (107)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ، برقم (2).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ، برقم (4888).
- رواه أحمد في المسند، برقم (13075)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي ﷺ للأنصار: اصبروا حتى تلقوني على الحوض، برقم (3794).
- رواه البخاري، كتاب المزارعة، باب إذا قال: اكفني مئونة النخل وغيره، وتشركني في الثمر، برقم (2325).
- رواه أحمد في المسند، برقم (21546)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف جداً لجهالة عبيد بن الخشخاش، ولضعف أبي عمر الدمشقي، وقال الدارقطني: المسعودي عن أبي عمر الدمشقي متروك، المسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة"، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (1018).
- رواه الطبراني في الكبير، برقم (99)، ولفظه: أن النبي ﷺ دخل المسجد وبيده عصا فرأى أفناء معلقة فطعن في قنو منها فإذا فيه حشف فقال: من صاحب هذا؟ لو تصدق بأطيب منه، إن صاحب هذا ليأكل الحشف يوم القيامة.
- رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب الرخصة في ذلك، برقم (1678)، والترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في مناقب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- كليهما، برقم (3675)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال الألباني: "إسناده حسن، وهو على شرط مسلم" في صحيح أبي داود، برقم (1473).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ الآية، برقم (4889).
- رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2578).
- رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الشح، برقم (1698)، وأحمد في المسند، برقم (6792)، وقال محققوه: "حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1489).
- رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3347)، برقم (18855).
- رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3347)، برقم (18856)، والحاكم في المستدرك، برقم (3719)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".