بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمه الله:
تفسير سورة لم يكن، وهي: مدنية.
روى الإمام أحمد:أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [سورة البينة:1]، قال: وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى، ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به[1].
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه السورة يقال لها: سورة البينة، ويقال لها: لم يكن، ويقال لها: سورة القيمة أيضاً، وفي مصحف أبي بن كعب سميت بسورة أهل الكتاب، وذكرت لها أسماء أخرى: كسورة البرية، وسورة الانفكاك، وأما نزولها فالحافظ ابن كثير هنا يقول: هي: مدنية، وهذا هو الذي ذكره البغوي، واقتصر عليه، وكذلك الطاهر بن عاشور، وهذا قول الجمهور، كما نقل ذلك القرطبي، مع أن ابن عطية صاحب كتاب: المحرر الوجيز عكس هذا، يعني: اعتبر أن القول بأنها مكية هو قول الجمهور.
هذه السورة تتحدث عن المشركين، وأهل الكتاب، وعن انتهائهم من الشرك، وما هم فيه من الكفر، وأن تفرقهم واختلافهم إنما كان بعد مجيء البينة الواضحة، وبعْثِ الرسول ﷺ، وهم مأمورون بعبادة الله وحده لا شريك له، وتوعَّدَ هؤلاء الذين بقوا على كفرهم، ووعد أهل الإيمان ومن دخل في الإسلام، واستجاب، واهتدى بهذا الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام، هذا الموضوع الذي تتحدث عنه السورة بصرف النظر عن محمل ذلك، يعني: في قوله -تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [سورة البينة:1]، ما المراد بهذا؟ يأتي الكلام عليه -إن شاء الله، لكن السورة في مجملها تتحدث عما ذكرت، يعني: هي تتحدث عن موضوع واحد، تتحدث عن هؤلاء، وما هم عليه، وعن استجابتهم للحق، وقبولهم من عدمه.
هذه الرواية التي ذكرها هنا من حديث أنس : أن النبي ﷺ قال لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [سورة البينة:1] قال: وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى، رواه البخاري ومسلم، هذا الحديث فيه منقبة عظيمة لأُبيٍّ بلا شك، لكن هل يستدل بمثل هذا على أن السورة مدنية باعتبار أن أبي بن كعب من الأنصار؟
بهذه الرواية على هذا اللفظ لا يكون ذلك صريحًا؛ لأنها قد تكون نزلت بمكة والله أمره أن يقرأ على أبيٍّ ، ولكن جاء في بعض رواياته في غير الصحيحين ما يدل على أن نزولها كان في ذلك الحين، لكن من حديث أبي حبة، وليس من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه، وحديث أبي حبة البدري يقول: "لما نزلت: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال جبريل : يا محمد، إن ربك يأمرك أن تُقرئ هذه السورة أبي بن كعب"[2]، فقال: "لما نزلت"، فهذا يدل على أن نزولها كان في المدينة، وكون ابن عطية يعزو للجمهور: أنها نازلة في مكة يبدو أنه وقع له وهم في هذا، أو سبق قلم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [سورة البينة:1-5].
قال -رحمه الله: أما أهل الكتاب فهم: اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم، وقال مجاهد: لم يكونوا منفكين، يعني: منتهين حتى يتبين لهم الحق، وهكذا قال قتادة.
حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ أي: هذا القرآن؛ ولهذا قال تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، ثم فسر البينة بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً، يعني: محمداً ﷺ وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة، كقوله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [سورة عبس:13-16].
قوله -تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ما المراد بذلك؟
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- نقل هنا عن مجاهد: "لم يكونوا منفكين، يعني: منتهين"، منتهين عن ماذا؟ منتهين عن كفرهم وضلالهم، فهم لا ينفكون عنه، ولا يبرحون حتى تأتيهم البينة، فالانفكاك يحتمل معانيَ متعددة، بحسب مدلوله في اللغة، ومن هنا تفرقت أقوال المفسرين، فالانفكاك يأتي بمعنى: الانفصال، فك عن كذا: انفصل عنه، وقريب من هذا من يفسره بمبارحة الشيء.
وبعضهم يفسره بمعنى: الانتهاء، وهذا أيضاً له نوع اتصال بما قبله -يعني: منتهين، والمعني: أنهم لا ينتهون عن كفرهم وشركهم وضلالهم، لكن ما معنى هذا الانتهاء؟ وما المراد به؟ هل المقصود بذلك: أنهم لم يكونوا ليبلغوا نهاية الأعمار فيموتوا حتى تأتيهم البينة، وهي هذا الرسول ﷺ على أحد القولين المشهورين في الآية؟ أو أن المقصود بذلك: لم يكونوا منفكين، يعني: لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم؟ وهذا لا يخلو من بعد.
هذه الآية: هل هي خبر عن قيلهم الذي قالوه قبل بعثة محمد ﷺ، وما كانوا عليه، وما كانوا يقولونه من أنهم لن يتركوا دينهم الذي هو الكفر حتى يأتيهم الرسول الموعود به، ونحن نعرف أن اليهود في المدينة كانوا يتوعدون الأوس والخزرج ببعث النبي ﷺ، وأنهم يقتلونهم معه قتل عاد، يتوعدونهم بهذا، وينتظرون بعثه، فهل هذا هو المراد بلم يكونوا منفكين حتى تأتيهم البينة؛ فقد كانوا يقولون وينتظرون بعثه من أجل أن يصيروا أنصارًا له، هل هذا إخبار عنهم؟
أو أن هذا خبر عن حالهم أنهم لن يزالوا على ما هم عليه حتى يبعث الله هذا الرسول، وحتى تأتيهم البينة، فيهتدوا بها؟ فيكون الخبر عمن اهتدى من المشركين، ومن أهل الكتاب، يعني: أنهم لن يزالوا على ضلالهم، وعلى كفرهم، وعلى شركهم حتى يأتي ما يخلصهم منه، وهو: بعث هذا النبي ﷺ، فلما بعثه كان ذلك سببًا لهداية من شاء الله منهم.
هذا معنى أيضاً يذكره بعض المفسرين.
لكن ابن جرير -رحمه الله- يحملها على معنى آخر، وهو: أن قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ أي: مفترقين في أمر محمد ﷺ حتى تأتيهم البينة، وهي: إرسال الله -تبارك وتعالى- إياه إليهم رسولاً، يعني: أن تفرقهم في أمر محمد ﷺ إنما كان بعد بعثه، يعني: لم يكونوا متفرقين فيه، فكلهم يقولون: إذا بعث فسنكون من أتباعه، إذًا لم يحصل لهم الافتراق والانفكاك عن الحق الذي جاء به حتى بُعث، فتركوا اتباعه حسدًا، أو غير ذلك من الأسباب، فقبل بعثه كانوا يتفقون على أنهم سيكونون من أتباعه، ومن أنصاره، وأنه رسول جاء بأوصاف محددة يعرفونها.
فهذا كلام ابن جرير، فلما بعث حصل منهم ما حصل، فعادوه، وكذبوه، ورموه بأقبح الأوصاف، وآمن آخرون، فحصل بذلك افتراق، وكانوا قبل بعثته غير مفترقين في أمره، وافترقوا بعد بعثته، فآمنت طائفة، وكفرت طائفة، كما حصل الافتراق في عيسى ﷺ: فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ [سورة الصف:14]، هذه الآية بعضهم كالواحدي يذكر أنها من المعضلات في التفسير، وأنها من أصعب المواضع في القرآن نظمًا وتفسيرًا، هكذا ذكر، وأشار إلى أن العلماء الكبار تخبطوا فيها.
وقد مضى في الكلام على سورة المائدة أن أصعب آية في القرآن من جهة النظم والمعنى والتفسير والإعراب هي قوله في الوصية في السفر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ [سورة المائدة:106]، هذا هو المشهور.
على كل حال الأقوال فيها كثيرة، تبلغ بضعة عشر قولاً، ذكر أكثرها الألوسي في روح المعاني، وكذلك أيضاً القرطبي ذكر كثيرًا منها، أما الواحدي فيرى أنها من قبيل الإخبار عن المشركين وأهل الكتاب أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم وضلالهم حتى أتاهم محمد ﷺ فبين لهم ضلالتهم، وما هم عليه من الانحراف، ودعاهم إلى الإيمان، ومن ثَمَّ تكون هذه فيمن آمن من الفريقين، يعني: أنهم لن يزالوا على ضلالة حتى يأتيهم ما يخلصهم منها.
فقوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ يعني: مفارقين لما هم عليه من الكفر والضلال حتى تأتيهم البنية فتخلصهم، فبعث الله رسوله ﷺ فبين لهم الحق، ودعاهم إليه، فهدى الله به العباد من الضلالة، وأنعم الله به نعمة بالغة على عباده، واهتدى بهذا النور من شاء الله هدايته.
على كل حال هذه البينة في قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ فسرت بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، فهو البينة، وكون النبي ﷺ يتلو صحفًا مطهرة وهو أميٌّ -عليه الصلاة والسلام- يعني: يتلو ما في مضامينها عن ظهر قلب، وهذا القرآن في اللوح المحفوظ، وهو فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ [سورة عبس:13- 15]، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، أعني: أن البينة هذه هي: محمد ﷺ، مع أن بعضهم فسر البينة بغير ذلك، فبعضهم يقول: هي: القرآن، ولكن الأول هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن، فقال: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً.
الطاهر بن عاشور -رحمه الله- أرجع هذه الأقوال الكثيرة في الآية إلى خمسة، فهو يرى: أنها ترجع إليها، وتدور عليها، وهذه هي الأقوال الخمسة، يقول: "الأول: تأويل الجملة بأسرها، بأن يؤول الخبر إلى معنى التوبيخ والتعجيب..."[3].
يعني: هي صيغة خبرية المراد منها: التوبيخ والتعجيب.
يقول: "وإلى هذا ذهب الفراء ونفطويه والزمخشري.
الثاني: تأويل معنى منفكين بمعنى: الخروج عن إمهال الله إياهم، ومصيرهم إلى مؤاخذتهم، وهو لابن عطية..."[4].
يعني: بتعذيبهم وإهلاكهم.
يقول: "الثالث: تأويل متعلق منفكين: بأنه عن الكفر، أو عن الاتفاق على الكفر، وهو للفخر وأبي حيان، أو منفكين عن الشهادة للنبي ﷺ بالصدق قبل بعثته...، أو منفكين عن الحياة، أي: هالكين.."[5].
يعني: لا تنقضي أعمارهم.
يقول: "الرابع: تأويل "حتى" أنها بمعنى: إن الاتصالية، والتقدير: وإن جاءتهم البينة..."[6].
يعني: هم يقيمون على كفرهم وإن رأوا ما يدل على خلافه.
يقول: "الخامس: تأويل "رسول" بأنه رسول من الملائكة يتلو عليهم صحفًا من عند الله، فهو في معنى قوله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ [سورة النساء :153]"[7].
يعني: فيكون هذا كأنه من قبيل التهكم بهم؛ لشدة تنطعهم وإعراضهم، لكن هذه الأقوال -كما يبدو- عدد منها لا يخلو من بعد، وكأن الأقرب من هذه الأقوال -والله أعلم: أن هذا: إما إخبار عنهم قبل بعثه ﷺ حيث كانوا متفقين على صفته، وأنه رسول، فلما بعث افترقوا في أمره، كما يقول ابن جرير، أو أن ذلك بمعنى: أنهم لن يزالوا على ما هم عليه حتى يأتيهم ما يخلصهم، وذلك ببعثته ﷺ، فهدى الله به من الضلالة، وأبان عن الحق، وفصل في كثير مما اختلف فيه أهل الكتاب قبل بعثته ﷺ، فجاء هذا الكتاب مهيمنًا على سائر الكتب، والله تعالى أعلم.
على كل حال ابن كثير هنا يقول: "قال مجاهد: لم يكونوا منفكين أي: منتهين حتى يتبين لهم الحق"، يعني معناه: أنهم لا يفارقون كفرهم، ولا يتركونه حتى يأتي ما يقيم الحجة، وذلك ببعثه ﷺ، يقول: "وهكذا قال قتادة" وبه قال آخرون كابن زيد.
ويقول ابن كثير -رحمه الله تعالى: "قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ أي: هذا القرآن؛ ولهذا قال: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، ثم فسر البينة بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً".
انظر: قول ابن كثير هنا غير قول ابن جرير، وعلى كلٍّ فقول ابن جرير وقول ابن كثير هما أقرب الأقوال في تفسير الآية، فهذه الأقوال الكثيرة أقربها قولان: ما ذكره ابن كثير، وما ذكره ابن جرير، وما ذكره ابن كثير كأنه أقرب من قول ابن جرير، والله أعلم، أي: أنهم لن يبرحوا ولن يزالوا على هذا الكفر والضلال حتى يأتي ما يخلصهم منه، ويوضح لهم الحق، ويحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، والعلم عند الله.
قال: "ثم فسر البينة بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً"، ثم قال: كقوله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [سورة عبس:13- 16]، يعني: هذا باعتبار: أن النبي ﷺ ما كان يتلو كتابًا، أي: لم ينزل عليه كما نزل على الأنبياء قبله كتاب يُقْرَأ، أي: صحف، ولم يكن يقرأ -عليه الصلاة والسلام، إذًا فالمعنى: يتلو مضامين الصحف المطهرة بما أوحاه الله إليه، فهذه الصحف المطهرة هي التي وصفها الله بقوله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ وكونها مطهرة يعني: من كل دنس، فلا تصل إليها الشياطين، ولا يتطرق إليها الباطل بوجه من الوجوه.
الكتب القيمة يفسرها ابن جرير -رحمه الله- بقوله: "كتب من عند الله قيمة عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله "، فهذه هي الكتب القيمة.
القيم ما معناه؟ القيم يعني: المستقيم، قال الله تعالى: دِينًا قِيَمًا [سورة الأنعام:161] يعني: مستقيمًا، وليس المقصود به: ما يطلقه الناس اليوم على ما يسمى: بالقِيَم: قيمة الصدق، وقيمة الأمانة، وقيمة الوفاء، فهذا الإطلاق لا يكاد يعرف، أو على الأقل: لا يكاد يوجد في كتب القواميس والمعاجم اللغوية، والمعاني التي يذكرها أهل اللغة في أصل هذه المادة لا تتصل بهذا الذي يذكرونه، اللهم إلا صاحب المعجم الوسيط، وهو معاصر، ويذكر المعاني التي قد لا تذكر في كتب المتقدمين، وإنما يذكرها المعاصرون، لكن لابدّ أن يكون لهذا أصل في لغة العرب.
فصاحب المعجم الوسيط هو الوحيد -فيمن وقفت عليه- الذي ذكر القِيَم بالمعنى الذي يريده المتحدثون عن القِيَم في هذا العصر؛ ولذلك هذا الإطلاق بمعنى: الشيء الذي له قيمة، أو نحو ذلك من الأخلاق، أو كليات الشريعة، أو نحو هذا، هذا الإطلاق إنما شاع في هذا العصر، كقولك: المحافظة على القيم والمبادئ، ونحو ذلك، فهذا لا يكاد يوجد في كلام المتقدمين، وفي استعمالات أهل العلم، وفي كتب اللغة، ولا مشاحّة في الاصطلاح إذا فهم المعنى.
لكن الشيء الذي ننكره في هذا الباب -أي: الإبراز للدعوة إلى القيم- هو: أن يكون التركيز على هذه الأشياء، والإبراز للدعوة بهذا الثوب، وبهذا القالب، وهو: القيم، فهذا -فيما يظهر- خلاف دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- دعوا بقولهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف:59].
فنحن حينما نقدم الدعوة على أنها دعوة إلى القيم، كالأخلاق والصدق والأمانة سيقبلها البوذي، وسيقبلها شارون، وسيقبلها كل كافر على وجه الأرض، والمشركون كانوا يعترفون أن النبي ﷺ كان يدعو إلى مكارم الأخلاق، ونحو ذلك، فهذه يقبلونها، لكن كانت المشكلة عندهم: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [سورة ص:5].
ولذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- يذكر أنه لو دعاهم إلى تحريم الزنا، أو العفاف، وطالبهم بهذه الأمور، ونحو ذلك لوافقوه، فهذه أمور يوافق عليها الجميع، فحينما تأتي وتتحدث أمام العالم جميعًا من أوله إلى آخره، وتقول له: إنه لابدّ أن نحافظ على الأمانة، والوفاء، والصدق، وما إلى ذلك، فإن الكل سيوافق، ولن تجد معارضًا لهذه الدعوة، لكن حينما تدعوهم إلى الإيمان والتوحيد فهنا سيأتي الخلاف والعداوة والشقاق؛ ولذلك كانت بعثته ﷺ فرقًا بين الناس، والقرآن سماه الله بالفرقان؛ لهذا الاعتبار، فاستنكفوا من هذا، وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [سورة ص:5]، هذا من وجه.
ومن وجه آخر نقول: هذه الأمور التي تذكر هي حق، ولكنها من شعب الإيمان، فإذا دُعي إليها منفصلة والإيمان واهن في النفوس، فمهما تزين بها الناس فإن ذلك سرعان ما يتلاشى إذا لاح الطمع، فتظهر الحقائق وتنكشف على ما هي به، لكن حينما يربى في نفوس الناس الإيمان، وُيدعون إلى ذلك، فتكون الدعوة إلى الإيمان، والتربية على الإيمان، كما كان الصحابة يتربون على هذا؛ ولهذا لما تعلموا القرآن انتفعوا به، واستجابوا، وأثر فيهم، لكن حينما تدعوهم إلى مثل هذه الأمور الجميلة والحسنة إلى آخره قد يتخلقون بها، ولكن لا يكون ذلك انبعاثًا من إيمان وعبودية لله ، فهذا قد لا يطول من جهة، وقد لا يكون له ذلك الأثر، وتضعف الاستجابة فيه، لكن إذا زَكَا الإيمان في النفوس فإن ذلك يثمر كل قول جميل، وكل فعل جميل، فيتغير الإنسان يحفظ لسانه، ويصلح حاله، ويصدق، ويفي، وتتغير أفعاله.
ولهذا أخبر النبي ﷺ عن الأمانة، وأنها نزلت بجذر قلوب الرجال، ثم ذكر ما تصير إليه، وتحوُّل الناس، وما يبقى من أثرها[8]؛ فهذا مثل الناس الذين يعيشون في بلد مثل اليابان، هذه الدولة التي أشغلونا بها، يتكلمون عليها دائمًا، ويضربون بها المثل، فيتكلمون عن حالهم، وعما هم عليه من الانضباط والعمل والأمانة والدقة والمواعيد وحفظ الأوقات، وكيف أن الصغير يربى على كذا، وعامل النظافة كذا، ومن هذا الكلام الكثير الذي يصل إلينا في رسائل، ووسائط، فنحن نقول: هؤلاء ما عرفوا أكبر الأشياء، وأهم الأشياء، الذي هو: معرفة المعبود ، هؤلاء يعبدون الأوثان، هؤلاء من الوثنيين، هم أحط الناس؛ لأنهم ما عرفوا ربهم.
فيكفي هذا في بيان حقيقة ما هم عليه، وحقيقة حالهم، مع أنهم في هذه القضايا كما ذكر، فإن الدعاة هناك يجدون صعوبة في توجيه الدعوة إليهم، وفي قبولهم لها، يقولون: لأن العادة إنما تقدم الدعوة بذكر محاسن الإسلام، وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، وما إلى ذلك، يقولون: إذا وجهنا إلى هؤلاء ذلك قالوا: نحن هذه الأشياء موجودة عندنا، لكن المشكلة تأتينا منكم، يعنون الوافدين إليهم من الجاليات مثل البنغال والإندونيسيين، وغيرهم ممن يأتي من القارة الهندية وغيرها كبلاد جنوب شرق آسيا، فيقولون: هؤلاء هم الذين يقع منهم ما يقع من الكذب وإخلاف المواعيد والسرقة، فاستجابتهم ضعيفة جدًّا، وانتشار الإسلام عندهم في غاية الضعف، وحتى الذين يدرسون هناك اللغة العربية في فرع الجامعة ليس كل هؤلاء من المسلمين، كثير منهم من غير المسلمين، إنما يدرسون من أجل معرفة اللغة -والله المستعان.
يقول الله -تبارك وتعالى: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً أي: هذا القرآن.
يقول: فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، قوله: كُتُبٌ أي: مكتوب، يعني: ما في مضامينها؛ ولهذا فسر بالآيات، وفسر بالأحكام باعتبار أصل المادة: الكَتْبُ، فهي: الأحكام التي في مضامينها، والآيات.
وقوله: قَيِّمَةٌ يعني: مستقيمة، قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا [سورة الكهف:1-2] يعني: مستقيمًا، فهذا يدل على الاستواء والاستقامة -والله أعلم.
ومن فسر كُتُبٌ بالأحكام فمأخوذ من قوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [سورة المجادلة:21]، يعني: حكم، فالكَتْبُ يأتي بمعنى هذا، وإنما قالوا ذلك؛ لكون النبي ﷺ لا يقرأ، لكن لا ضرورة إليه، وإن كان هذا صحيحًا في اللغة، ثم إنهم راعوا أيضاً أمرًا آخر، وهو: ما يتعلق بالتكرار، يعني في قوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، فكلمة: "صحف" هي بمعنى: "كتب"، قالوا: فهذا يكون تكرارًا إذا فسرت الكتب بالمعنى المتبادر وهو: الصحف، لكن إذا فسر بمضامين الكتب من الآيات -يعني: الكتب بمعنى: المكتوب فيها- فلا إشكال في ذلك، والله أعلم.
لهذا ابن جرير -كما سبق- يربط هذه الآية بالتي قبلها، فيفسر التي قبلها بما سبق: أنهم كانوا مجتمعين في أمر النبي ﷺ، فلما بعث افترقوا، فكان هذا الافتراق إنما هو بعد العلم، واتضاح الحق، وهذا كثير، وهو واقع أيضاً في هذه الأمة، والله -تبارك وتعالى- أخبر عن افتراق أهل الكتاب، وعن اختلافهم، وأن ذلك إنما كان من بعد ما جاءهم العلم، فيقع هذا الافتراق والاختلاف بسبب البغي والظلم والحسد وغير ذلك من الآفات.
وهذا أكثر الاختلاف الواقع في طوائف هذه الأمة، ولا أعني به الخلاف الذي يقع بين الفقهاء مما يختلف فيه الرأي والاجتهاد ونحو هذا، فهذا لا إشكال فيه، فالصحابة وقع بينهم الاختلاف والاجتهاد، بل وقع بينهم القتال أيضاً، لكن لم يتحولوا إلى طوائف متفرقة متناحرة متدابرة، يضلل بعضهم بعضًا، لم يحصل هذا بين أصحاب النبي ﷺ مع اختلاف اجتهاداتهم، ووقع القتال بينهم، ولكن الذي حصل من هذا إنما كان لمن بعدهم، وإنما كان ذلك بسبب الظلم والبغي غالبًا، مع دخول الأهواء، فإن هذه الأهواء هي التي تفرق، وتكون سببًا لكثير من الشرور، وتتحول الأمة إلى طوائف يضلل بعضها بعضًا، كما هو واقع ويتجدد إلى يومنا هذا، ولربما كان الأمر لا يستدعي هذا.
وأهل العلم يذكرون أن من خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم لم يفترقوا عبر التاريخ، وأنهم يصدرون عن قول واحد على اختلاف الأمصار وتباعدها، وعبر القرون المتطاولة، من غير توافق بينهم باجتماع أو نحو ذلك في مكان معين حتى يصدروا بيانًا واحدًا بعبارة متحدة، ولكن لما كانوا يبنون أمر الدين على ما يُتلقى من مشكاة الوحي نتج عنه هذا التوافق.
فإذا وقع هذا الاختلاف الذي يدعو إلى التدابر والتقاطع والتناحر ممن يدعون أنهم جميعًا يرجعون إلى مشكاة الوحي فهذا يدل على أنه قد دخل الهوى والبغي والظلم، فوقع بينهم هذا التفرق، وتصير الطائفة الواحدة طوائف متعادية متنافرة للأسف.
وربما يقع من قبل البعض بسبب الجهل، فيظن أن هذه الأمور توجب التفرق، فهذا قد يوجد، ولكن الغالب في هذا إنما هو الهوى والبغي والظلم، وإلا لو رجع هؤلاء إلى أنفسهم، ونظروا فيما يختلفون فيه فقط لاتفقوا واجتمعوا، فهم يتفقون على اعتقاد أهل السنة والجماعة، وأن الوحي الكتاب والسنة هو المصدر الرئيس، ثم ما يكمل ذلك وهو الإجماع، فكل هذه الأشياء يتفقون عليها، والكتب التي يَدْرُسونها ويُدَرِّسونها واحدة، إذًا فما هذا التنازع والتفرق والتدابر؟
إنما هو البغي والظلم والهوى، فهذا المثلث هو: السبب الحقيقي، وإلا فأهل السنة لا توجد بينهم اختلافات إلا في أمور اجتهادية، لكن حينما تتحول هذه الأمور الاجتهادية إلى سبب للتضليل والرمي بالعظائم فهذا معناه: أنه دخل الهوى، والدليل على هذا: أن هذا الأمر نفسه قد يصدر من آخر ولا يُرمى بهذه العظائم، ويصدر من هذا فيرمى بالزندقة، فالهوى والبغي والظلم هو الذي يحكم به، وإلا فنفس هذا الكلام ونفس هذا الرأي قد يصدر من ذلك الآخر فلا يقال عنه شيء، بل قد يقال عنه: إنه إمام أهل السنة والجماعة، ويصدر من هذا ويقال عنه: زنديق، وهل للهوى معنى غير هذا؟
لذلك يجعلون أمورًا واشتراطات وأشياء أخرى من لا يحققها فإن كل ما يعمله في هذا السبيل إنما هو باطل، وفي المقابل قد يعمل نفس العمل آخرون وتضاف إليهم أبلغ الأوصاف، وأحسن الصفات، ذلك العمل نفسه الذي لم تتحقق فيه تلك الاشتراطات التي ذكرت، ولا وجود لشيء منها في كلام أهل العلم، لماذا هذا؟!
وهناك ذكرنا أن أصل الحَنَف كما يقولون هو: الميل؛ لذلك يقال: فلان أحنف الساقين، وروي: أن أم الأحنف بن قيس كانت ترقصه وهو صغير، وتقول:
واللهِ لولا حَنَفٌ في رجلهِ | ما كان في فتيانكم مِن مثلهِ |
فهذا الحَنَف، ومعناه هنا: أنه مائل عن سائر الأديان إلى دين الإسلام، ومائل عن الشرك إلى التوحيد.
يعني: دِينُ الْقَيِّمَةِ صار بهذا الاعتبار: صفة لموصوف محذوف، أي: دين الأمة القائمة المعتدلة مثلاً، أو دين الملة القائمة، وهو هنا ذكر هذا وهذا، وعرفنا أن القيمة يعني: المستقيمة، وتأتي بمعنى: القائمة، والقائمة يعني: بالعدل والحق والشهادة على الخلق، فيكون صفة لموصوف محذوف، ولكن هذا الموصوف المحذوف هل هو الملة مثلاً، الملة القائمة العادلة كما يقوله الخليل بن أحمد؟
انظر إلى قوله تعالى: دِينُ الْقَيِّمَةِ ترى أنه هنا أضاف الدين إلى القيمة، أي: أضافه إلى صفته، يعني: هذا من قبيل الإضافة إلى الصفة، أي: الدين المستقيم، فهو أضافه إلى صفته لاختلاف اللفظين، فهل هذا من إضافة الشيء إلى نفسه مثلاً لاختلاف الألفاظ؟
هو في الواقع من إضافة الشيء إلى نفسه، لكن لما اختلف اللفظ جاءت هذه الإضافة؛ للإيضاح، والهاء في قوله: الْقَيِّمَةِ هنا دخلت هذه الهاء للمبالغة والمدح، وبنحو هذا قول ابن جرير -رحمه الله، أعني: أن ذلك من قبيل الإضافة إلى الصفة لمّا اختلفت الألفاظ، فقوله: دِينُ الْقَيِّمَةِ يعني: الدين المستقيم، أي: دين الاستقامة، وما عداه فهو الضلال والانحراف.
هذه السورة لربما يستصعب حفظها بعض الناس، كما يستصعبون مثلاً سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [سورة الكافرون:1]، لكن مما يعين على الحفظ والضبط وعدم الالتباس الربط في المعاني، واتضاح ذلك، يعني: مثلاً سورة الكافرون ليس فيها تكرار، فهو يخاطبهم: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [سورة الكافرون:2]، أي: الآن، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:3]، أي: الآن أيضاً، فلستم على ديني تقيمون، ولست بمقيم على دينكم، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ [سورة الكافرون:4]، أي: في المستقبل، فلن أتحول إلى دينكم، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:5]، أي: لن تتحولوا إلى ديني في المستقبل، فهذه الجمل تنقسم إلى قسمين: الجملتان الأوليان في الحال، والأخريان في الاستقبال، فإذا فهم هذا سهل عليك الأمر، ولم يحصل التباس، كما يقول بعض الناس؛ لأنه يعجز عن حفظها.
هنا في سورة لم يكن، أخبر الله -تبارك وتعالى- عنهم في البداية: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، ثم وضح هذه البنية، وفسرها بالرسول ﷺ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً، وذكر صفة هذه الصحف: فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، ثم ذكر حالهم بعد بعثه: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ.
ثم ذكر حقيقة ما دُعوا إليه، أي: ما يدعوهم إليه هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنهم لم يُدعوا إلى شيء يوجب النفرة، قال: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ، ثم توعدهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ فذكر أهل الكفر وأهل الإيمان، يعني: توعد من آمن ومن كفر، وقد قلنا في تفسيرها: إن ذلك إخبار من الله عن حالهم، وما كانوا عليه من الاتفاق في أمر محمد ﷺ، فلما بعث افترقوا فيه، أو أنهم لن يزالوا على ما هم فيه حتى يأتي ما يخلصهم، فبعث الله هذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام، فاستجاب له من استجاب، وآمنوا، واهتدوا، وبقي بعضهم على الكفر، فذكر جزاء الكافرين، وجزاء المؤمنين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [سورة البينة:6-8].
قال -رحمه الله: يخبر تعالى عن مآل الفجار من أهل كفرة الكتاب والمشركين، المخالفين لكتب الله المنزلة، وأنبياء الله المرسلة: أنهم يوم القيامة فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أي: ماكثين لا يحولون عنها ولا يزولون، أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أي: شر الخليقة التي برأها الله وذرأها.
ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بأبدانهم، بأنهم خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة؛ لقوله: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
قوله -تبارك وتعالى- عن الكفار بطوائفهم: أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، قال هنا: "شر الخليقة التي برأها الله وذرأها"، يعني: أوجدها، أي: شر مَن خلق الله، أي: من أوجد، وبرأ، وذرأ، فقال: أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، وأما أهل الإيمان فقال عنهم: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، فهذا يقابل هذا، يعني: شر مَن خلق الله هم هؤلاء الكفار.
فقوله: أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ يعني: شر الخليقة، يعني: هم أسوأ حالاً من البهائم على تفاوتها واختلاف أحوالها، يعني: حتى تلك البهائم التي هي من قبيل السباع أو الهوام والحيات ونحو هذا الكفار شر منها؛ لأن ذلك جميعًا يدخل في البرية، فكل ما كان من هذه المخلوقات فإن هؤلاء الكفار أسوأ حالاً، كما قال الله -تبارك وتعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [سورة الأنفال:55]، وقال: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [سورة الأنفال:22]، فهذه حال الكفار، وهذه صفة الكفار، فإذا عرف مثل هذا فإن هذا يكون أعظم الأسباب أو من أعظم الأسباب التي تدعو إلى مباينتهم، وألا يتشبه الإنسان بهم في مظهر، أو يتشبه بهم في خلق، أو نحو ذلك، بل يتميز عنهم، ويباينهم، فهؤلاء شر من كل ذي شر، فهم الأشرار حقًّا.
والعجب أن الأمة الكاملة، والأمة التي جعلها الله وسطًا، وجعلها شهداء على الناس، والأمة التي اصطفاها فقال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [سورة فاطر:32]، العجب أنهم يتشبهون بالمغضوب عليهم، أو بالضالين، وأكثر ما هنالك من التشبه إنما هو بالضالين من النصارى، واليوم بدأنا نرى أشياء أعجب من هذا، وهي: التشبه بالوثنيين من الأمم الشرقية، وهذا من عجائب الدهر، فقد بدأ الآن ينتشر بين الفتيات ألبسة وأزياء كورية، هل ما بقي إلا أهل الأوثان يُتشبه بهم؟! وهل هؤلاء عندهم ذوق، أو عندهم أزياء، أو عندهم شيء يستحق أن يُتشبه بهم فيه؟ ولكنه الفراغ الذي -للأسف- أصبح في كثير من النفوس، فهؤلاء شر الخليقة، فإذا كانوا شر الخليقة، وأهل الإيمان خير الخليقة، فإذًا يكون بغضهم والعداوة والبراءة منهم هي: المتعينة، فهم أشر المخلوقات، وأسوأ المخلوقات، والإنسان يكره ذوي الشر، ويبغضهم، ويبتعد عنهم.
وكلمة: شَرُّ هنا بمعنى أفعل التفضيل -كما سبق في مناسبات متعددة، فشر يعني: أشَرّ، كما يقول ابن مالك:
وغالبًا أغناهم خيرٌ وشر | عن قولهم أخيرُ منه وأشَرُّ. |
يعني: هم أشر البرية، وأكثرها شرًّا.
وأما أهل الإيمان فوصفهم الله بوصف يقابل وصف الكافرين هذا، فقال: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وإنما كان ذلك بسبب الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فتكون الخيرية بقدر ما يتحقق من هذه الأوصاف: الإيمان والعمل الصالح، فيتفاوتون بهذا الاعتبار، وفي الجملة: أهل الإيمان هم خير البرية؛ ولهذا فإن الذي يوجد في طوائف الأمة، أو فيمن ينتسب إلى هذه الشريعة، أو هذا الدين، من أتباع محمد ﷺ، ومن أمة الإجابة، إن الذي يوجد عندهم من الشر والنقص والمخالفات وما إلى ذلك يوجد عند أولئك الكفار من أهل الكتاب وغيرهم أضعاف أضعاف ذلك، وهذا المعنى ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- وغيره.
فنقول للذين ينظرون إلى ما يوجد من نقص وتقصير وأخطاء وانحرافات في هذه الأمة نقول لهم: يوجد عند غيرهم أضعاف ذلك، كما يقال في أهل السنة: إن الذي يوجد فيهم من تقصير، وما يوجد فيهم من نقص، وما يوجد فيهم من مخالفات يوجد عند غيرهم من الطوائف أضعاف ذلك.
وعند قوله -تبارك وتعالى: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ذكر ابن كثير -رحمه الله- قول من قال: إن ذلك يؤخذ منه أن المؤمنين من البشر أفضل من الملائكة، هذا الموضع وهناك مواضع أخرى من كتاب الله فَهِم منها بعض أهل العلم هذا، وهذه المسألة لا يترتب عليها عمل.
ولهذا فإن الاشتغال بها هو: اشتغال بالفضول من العلم، يعني: ليست من صلب العلم، وليست من ملح العلم، بل هي من فضول العلم، أي: المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، يعني: أيهما أفضل؟ فهذا لا يترتب عليه عمل، والمؤمن إنما يُقبل ويشتغل بما يترتب عليه عمل، وبما ينفع، وبما يكون له أثر، أما هذه القضايا التي تئول إلى جدل فحسب فلا خير في الاشتغال فيها، مع أن قوله هنا: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ إذا قيل: إن البرية هنا مأخوذة من البراء الذي هو: التراب، فهنا لا يدخل الملائكة، وإنما يكون ذلك فيمن خلق من تراب، مع أن هذا فيه بعد.
والأقرب: أنه مأخوذ من غيره، كما يقال مثلاً: إن البرية مأخوذة من برأ الخليقة أي: أوجدها، وقد تسهّل الهمزة فتكون: براه أي: خلقه؛ لهذا يقولون: بريت القلم، يعني: قَدَّرْتُه، فالهمزة هي الأصل، لكن قد تخفف، وهذا الذي مشى عليه ابن كثير -رحمه الله، يعني: خير الخليقة، وهو قول ابن جرير، فالله هو البارئ يعني: الخالق، الموجد من العدم.
قوله: جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ يعني: جنات إقامة، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أي: تجري من تحت قصورها وأشجارها، فذكر هنا جنات العدن يعني: الإقامة، وذكر الخلود، وهذا من أعظم أسباب النعيم، ثم ذكر أيضاً الرضا الذي يكتبه الله لهم فلا يسخط عليهم أبداً، وهذا أيضاً من أعظم النعيم، فقال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فإن هذا النعيم الذي يكون لهم لا يستتم إلا بالبقاء الأبدي السرمدي، والرضا من مالكه، وهو: الله -تبارك وتعالى، فإن الإنسان مهما كان الذي فيه من لذة وحبور ونعيم إذا علم أنه سيفارق ذلك فإن هذا مما ينغص عليه لذته وراحته، فلا يهنأ، سواء كان سيفارقه إلى غيره في هذه الدنيا، أو كان سيفارقه إلى الموت؛ ولهذا كانت لذات الدنيا منغصة، يذهب الناس فيها إلى أمكان يطربون فيها، ويأنسون، ويتنعمون، ولكن في نفوسهم ما لا يستطيعون دفعه من هذا الشعور: أنهم سيفارقون هذا، فيتنغص ذلك عليهم، أما الفراق الأكبر وهو: الانتقال من هذه الدنيا فمهما كان الإنسان فيه من النعيم، والمكان الوثير، والراحة، والقصور، وما إلى ذلك، إذا علم أنه سيفارقها، ويوضع في هذا اللحد والقبر -وهو أغبر الجوانب- فإنه نعيمه يتنغص؛ ولهذا قيل:
لا أرى الموتَ يَسبقُ الموتَ شيءٌ | نغّص الموتُ ذا الغِنى والفقيرا |
فإذا ذكروا الموت تنغصت حياتهم؛ ولهذا بعض الناس لا يحب ذكره؛ لأنه تتكدر عليه راحته، ويذهب أنسه، فهنا ذكر رضاه -تبارك وتعالى- عنهم، وذكر الخلود، وذكر رضاهم فقال: وَرَضُوا عَنْهُ يعني: بما أعطاهم، فإنه أعطاهم ما يرضيهم، ثم يقول لهم: هل رضيتم؟ كما جاء في الحديث[10].
ثم قال تعالى: جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: يوم القيامة، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أي: بلا انفصال، ولا انقضاء، ولا فراغ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم، وَرَضُوا عَنْهُفيما منحهم من الفضل العميم.
وقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ أي: هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه، وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه.
وروى الإمام أحمد: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ألا أخبركم بخير البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما كانت هَيْعة استوى عليه، ألا أخبركم بالذي يليه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ألا أخبركم بشر البرية؟ قالوا: بلى، قال: الذي يُسأل بالله ولا يعطي به[11].
آخر تفسير سورة لم يكن، ولله الحمد والمنة.
يعني: هذا النعيم المقيم في جنات عدن، أي: جنات الإقامة، والرضا، والخلود، كل ذلك لمن هي؟ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، يعني: لأهل الخشية، والخشية عرفنا أنها: خوف خاص، وهو: خوف بعلم من المخوف منه، فدل ذلك على عظم شأن الخشية، وأنها بمنزلة في الإيمان، وأنها من أعظم شعبه.
فهذه الخشية هي التي تبعث على فعل الخيرات، وتحول دونه وتحجزه عن الشر، ومقارفة المنكرات، وهي التي تجعل الإنسان يراقب ربه، ويمتنع عما تميل إليه نفسه من مواقعة الآثام ولو كان الدافع إلى ذلك قويًّا جاذبًا، وهذا الأمر الحاجة إليه في مثل هذه الأوقات أكثر وأشد؛ لكثرة المغريات والصوارف والملهيات، فحينما يبقى الإنسان لا يطلع عليه إلا الله قد يبتلى بأنواع من المقارفات، من أمور تتصل بالنظر الحرام، أو غير ذلك مما صار أقرب ما يكون إلى الناس وهم في بيوتهم، فلا يحتاجون إلى تعنٍّ، ولا إلى غيره.
فهذه الخشية إذا وجدت في قلب الإنسان قام بما أمره الله به، وحفظ حدوده حيثما حل وانتقل، فإنه لا يبارح التقوى، والملازمة على طاعة الله، وحفظ الإيمان ظاهرًا وباطنًا، فإذا غاب عن الناس أو سافر أو انتقل إلى بلد لا يعرفه فيه أحد فإن حاله لا يتغير، فهو في بيته، وأمام الناس، وأمام من يعرفه، وأمام من لا يعرفه على حالة واحدة -والله أعلم.
- أخرجه أحمد، رقم: (12320)، والبخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبي بن كعب ، رقم: (3809)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي بن كعب، وجماعة من الأنصار -رضي الله تعالى عنهم، رقم: (799)، والترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبيٍّ، وأبي عبيدة بن الجراح ، رقم: (3792)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في الكبرى، كتاب التفسير، سورة البينة، رقم: (11627).
- أخرجه أحمد، رقم: (16001)، وقال محققو المسند: حديث صحيح لغيره.
- التحرير والتنوير (30/ 470).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- المصدر السابق (30/ 471).
- المصدر السابق.
- أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، رقم: (6497)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، وعرض الفتن على القلوب، رقم: (143).
- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم: (4597)، والترمذي، أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم: (2641)، وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم: (3993)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 245)، رقم: (509).
- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع أهل الجنة، رقم: (7518)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا، رقم: (2829).
- أخرجه أحمد، رقم: (9142)، وقال محققو المسند: حديث صحيح.