بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
قال المصنف -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:
إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة نوح:1-4].
يقول تعالى مخبرًا عن نوح أنه أرسله إلى قومه آمرًا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم، ولهذا قال تعالى: أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أي: بيّن النذارة، ظاهر الأمر واضحه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه السورة سورة نوح -عليه الصلاة والسلام- من السور النازلة في مكة.
وهي تتحدث عن نوح ﷺ وما جرى له مع قومه، ودعوته إياهم.
وقوله -تبارك وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ أَنْ هذه أَنْ أَنذِرْ أرسلناه إلى قومه: أَنْ أَنذِرْ يعني: بأن أنذر: قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
باعتبار أن أَنْ يمكن أن تكون مصدرية، ويمكن أن تكون مفسرة، باعتبار: أنها مفسرة للإرسال، هذا الإرسال ما هو؟
أرسلناه: أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ أرسله من أجل النذارة، أرسله لينذرهم.
وإذا قلنا: إنها مصدرية يكون المعنى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ يعني: بإنذارهم.
أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ لإنذارهم من عذاب أليم.
وإذا قلنا: إنها مفسرة فهي تفسر الإرسال: أَرْسَلْنَا نُوحًا، أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
وهكذا في قوله: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ.
وهنا هذا العذاب الأليم ما هو؟
ابن كثير -رحمه الله- يقول: "أرسله إلى قومه آمرًا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم".
ما هذا البأس والعذاب الأليم الذي أنذرهم به؟
عامة المفسرين يقولون: إنه عذاب القيامة، عذاب الآخرة قبل أن يقع ثم بعد ذلك يندمون ولات ساعة مندم.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بـ"العذاب الأليم" هنا: الطوفان، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، والآية تحتمل هذا وهذا، فهو أنذرهم هذا العذاب الأليم، وقد يصدق ذلك على عذاب الدنيا والآخرة، ولا شك أن ما وقع لهم من الطوفان أنه من قبيل العذاب الأليم، حيث أغرق الله الأرض ومن عليها.
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أي: بيّن النذارة، ظاهر الأمر، واضحه.
مُّبِينٌبيّن النذارة، أو مُّبِينٌ لما فيه نجاتكم، وسعادتكم.
نَذِيرٌ مُّبِينٌ ما فيه صلاحكم وفلاحكم.
فـمُّبِينٌ يحتمل أن يكون بمعنى: البيّن في نفسه، كما في الكتاب المبين، وقد مضى الكلام على هذا في مناسبات سابقة.
ويحتمل أن يكون ذلك بمعنى: أنه مبين لغيره.
فـ"بان" تأتي لازمة ومتعدية، تقول: بان الصبح، أي: ظهر، وتقول: القرآن مبين للهدى، وما إلى ذلك. فـمُّبِينٌ يأتي بمعنى: بيّن، أي: ظاهر، وبمعنى مبين لغيره.
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ أي: اتركوا محارمه، واجتنبوا مآثمه.
وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ أي: إذا فعلتم ما أمرتكم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم، غفر الله لكم ذنوبكم.
ومِن هاهنا قيل: إنها زائدة.
ولكن القول بزيادتها في الإثبات قليل.
وتأمل هنا قوله: يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ.
يَغْفِرْ هنا جاءت مجزومة، باعتبار أنها جواب لشرط مقدر، هنا يقول: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ.
أين فعل الشرط الذي هذا جوابه؟ يعني: لماذا جزم الفعل؟
جزم الفعل باعتبار أنه واقع في جواب الشرط.
فأين الشرط؟
الشرط مضمن فيما قبله، يعني: أنكم إن فعلتم ذلك، إن عبدتم الله، وأطعتموني فيما أدعوكم إليه "يغفر"، مثل: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [سورة الصف:10، 11] إلى أن قال: يَغْفِرْ لَكُمْ [سورة الصف:12].
نفس ما يقال هنا يقال هناك، جاء الفعل مجزومًا، فالشرط مقدر: يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ.
ولذلك صرح به الحافظ ابن كثير، قال: يعني: إذا فعلتم ما آمركم به وصدقتم" هذا تقدير للشرط.
قال: ومِن هاهنا قيل: إنها زائدة، ولكن القول بزيادتها في الإثبات قليل.
ماذا يقصد؟ لماذا قالوا: إنها زائدة؟
قالوا: إنها زائدة؛ لأن هذا موضع إشكال وسؤال، وذلك أن الإيمان يجبُّ ما قبله، فإذا آمنتم غفر لكم جميع الذنوب، فما وجه دخول مِن هنا؟
إذا قلنا: إنها تبعيضية، يكون المعنى فإذا آمن الإنسان، فإن ذلك يكون سبباً لغفران جميع الذنوب، وقد قال النبي ﷺ لعمرو بن العاص لما بايعه بالإسلام، فلما قبض يده؛ كما في الحديث المعروف.
الشاهد أن النبي ﷺ قال: يا عمرو أما علمت أن الهجرة تجبّ ما قبلها من الذنوب؟ يا عمرو أما علمت أن الإسلام يجبّ ما كان قبله من الذنوب؟[1].
والجبّ بمعنى: القطع.
فهنا دخول مِن مع أن الإسلام يجب ما قبله، هذا باعتبار أنها تبعيضية.
إذا قلنا: إن "من" تفيد التبعيض، فما وجه ذلك؟
هذا موضع السؤال.
فبعضهم يقول: لما كانت ذنوبهم منها ما يقع قبل إيمانهم وإسلامهم، ومنها ما يقع بعده، فهو يخبرهم أنهم إن آمنوا يغفر لهم من ذنوبهم مِّنتبعيضية، أي: الذنوب التي كانت قبل الإيمان، ولكن ما يقع لهم بعد ذلك فهذا يحتاج إلى توبة، وهو تحت المشيئة.
وبعضهم يقول: يعني ما استغفرتموه منها، أي من هذه الذنوب.
وبعضهم يقول: يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ إن مِّن تبعيضية باعتبار أن التي تُغفر ما يتعلق بحقوق الله، وأما حقوق العباد فلابد من أدائها.
لكن القول: إنها تبعيضية، ليس محل اتفاق، فبعضهم يقول: إنها لبيان الجنس، أي أن "مِن" هذه بيانية، وهذا مضى الكلام عليه في مثل قوله -تبارك وتعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة آل عمران:104].
هل مِن تبعيضية؟
باعتبار: وَلْتَكُن مِّنكُمْ طائفة، ليس جميع الأمة، باعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله كل هذا من قبيل فرض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، كما هو المشهور الذي عليه الجمهور.
أو أن مِن بيانية وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يعني: كونوا أمة، كما يقول الرجل لأبنائه: "أريد منكم أن تكونوا أبناء بررة" هو لا يريد أن بعضهم يكون بارًّا، وإنما الجميع يكونون بهذه الصفة.
فهنا: يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ بعضهم يقول: إنها لبيان الجنس، وكل ذلك أولى من القول بزيادتها.
مع أن من أهل العلم من قال: إن مِن هنا بمعنى: "عن"، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.
يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ يعني: عن ذنوبكم، يصفح لكم عنها، ويتجاوز عنها، يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ هذا موضع السؤال أو الإشكال الذي جعل بعضهم يقول: إنها زائدة.
وجواب الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا: أن القول بزيادتها في الإثبات قليل، يعني أنها تكون زائدة بسياق النفي، وقد ذكرنا مراراً: أن مِن تأتي قبل النكرة في سياق النفي، فتنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، مثل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ [سورة هود:6]، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ يعني: وما دابة، فجاءت مِن هنا فزادت المعنى قوة، فالنكرة في سياق النفي للعموم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا فإذا جاءت مِنْ قبلها فهذا يقوي العموم فيها، فيكون نصًّا صريحًا بعد أن كان ظاهرًا في العموم.
وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى أي: يمد في أعماركم، ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تجتنبوا ما نهاكم عنه أوقعه بكم.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر، وصلة الرحم يزاد بها في العمر حقيقة، كما ورد به الحديث: صلة الرحم تزيد في العمر[2].
قوله -تبارك وتعالى: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى يعني: إذا آمنتم وأطعتم رسوله حصل لكم هذا التأخير.
هذا التأخير ما المراد به؟
بعض أهل العلم ذهب إلى أن المراد بذلك: تأخير موت هؤلاء الذين آمنوا.
إلى متى؟
إلى أقصى الأمد الذي قدره الله لهم.
هل يؤخر الأجل؟
الله يقول: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [سورة المنافقون:11]، وهنا: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّىفما هذا التأخير؟ هل هو تأخير المد في الأعمار فيرد عليه هذا الإشكال؟
هذا الإشكال يجاب عنه بالجواب المعروف وهو: أن ما في علم الله ، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ لا يرد عليه التبديل والتغيير، ولكن الذي يحصل فيه التبديل والتغيير هو الصحف التي بأيدي الملائكة، فإن التقدير أنواع، والله -تبارك وتعالى- يقول: يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [سورة الرعد:39] وقد فسر بهذا، يعني: يكون محو الإثبات في الصحف التي بأيدي الملائكة، بمعنى: أن هذا قد يكون عمره في الصحف التي بأيدي الملائكة خمسين سنة، ولكن الله -تبارك وتعالى- علم وقدر أن هذا الإنسان يصل الرحم، فينسأ له في أثره، فيزاد في عمره، فيكون سبعين سنة، هذا المحو والإثبات في الصحف التي في أيدي الملائكة.
ومثل هذا يقال أيضا: في القضاء والدعاء، ولا يقال: إن الدعاء ليس له فائدة، والله قد قدر مقادير الخلائق، فإن الله يرتب بعض ما يقع على أسباب قدرية، أو أسباب شرعية، فمن الأسباب الشرعية: الدعاء، فالدعاء له فائدة، وهذا أمر دلت عليه نصوص الشرع، ودلت عليه المشاهدة.
فهنا الآية تحتمل هذا المعنى، يعني: لو بقوا على هذا العصيان لعاجلتهم العقوبة، ولو آمنوا لبقوا إلى الأمد الأقصى الذي علمه الله في اللوح المحفوظ، وهذا الذي قاله الحافظ ابن كثير -رحمه الله، قال: "أي يمد في أعماركم، ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تجتنبوا ما نهاكم عنه أوقعه بكم".
ولهذا جاء بعده بما يتعلق بالطاعة والبر، وصلة الرحم، وأن ذلك يكون سببًا لزيادة العمر حقيقة.
ومعنى حقيقة: كما ذكرتُ من خمسين سنة إلى سبعين سنة مثلاً، ولكن يقابل ذلك - يعني: مالم يكن زيادة حقيقة- ما قاله بعض أهل العلم: إن المراد البركة، يعني: يحصل للأعمار بركة إن آمنوا، وتنزع البركة منها إن لم يؤمنوا، البركة يطول معها الوقت، ويكثر الإنجاز، فقد يكون اليوم بالنسبة لبعض الناس كأنه ساعة، لا يخرج معه بكبير طائل، ولا ينجز عملا يذكر، ولا يحصّل علمًا، وقد يكون بالنسبة لبعض الناس كثير البركة، فينجز الأعمال الكثيرة، وهذا أمر مشاهد في أول النهار، حيث قال النبي ﷺ: اللهم بارك لأمتي في بكورها[3].
لو جلس الإنسان، واستغل وقته إلى حدود الساعة الثامنة، فهذا من الشيء المشاهد الذي نشاهده، ويتكرر، يفوق عمل يوم كامل، لو أن الإنسان نام هذا الوقت، وبدأ بعد ذلك يحاول أن يعالج الوقت، مع أشغال شتى، يبدأ ذلك من الضحى، أو نحو ذلك.
هذا الذي ينام إلى الضحى أو الظهر، تجد الأعمال التي ينجزها إلى أن ينام لا تقابل ولا تقارن مع ما ينجزه في أول النهار، لاسيما إذا افتتح يومه مع كتاب الله قراءةً، وتلاوةً، وتدبراً، ومدارسةً، أو نحو ذلك، فهذا أعظم ما يكون في البركة.
المقصود أن من السلف من يقول بهذا، ومنهم من يقول بذاك.
مقاتل يقول كما قال ابن كثير وابن جرير: إنهم يؤخرون إلى منتهى الآجال، وكذلك أيضا بعض أصحاب المعاني مثل الزجاج والفراء، هذا مقتضى كلامهم، يعني: أنه يؤخرهم عن العذاب فيموتون غير مستأصلين بالعقوبة، لا يعاجلهم بعقوبة، فلا يموتون غرقًا، ولا حرقًا، ولا قتلا، كما قال الفراء أيضًا.
وكما هو معلوم في هذا المسألة كلام المعتزلة من أن المقتول مقطوع عليه أجله، وهذا الكلام غير صحيح، بل مات بأجله، ولكن هذا الأجل اقترن وارتبط بسبب هذه الجناية، وإلا فلن يموت أحد قبل أجله، لكن ما يقال هنا في صلة الرحم، وما إلى ذلك هو بأجل، وما كان من غير هذا البر والصلة فإنه أيضا يموت لأجله، فالذي في اللوح المحفوظ واحد لا يتغير، ثابت، فهذا أجلهم، ولكن هذا الأجل -كما سبق- من غير بر ولا صلة خمسون سنة في اللوح المحفوظ، فيموت هذا الإنسان وهو قاطع للرحم، وآخر يصل فيكون عمره في اللوح المحفوظ سبعين سنة.
فالذي تغير بالنسبة للثاني هو ما في الصحف التي بأيدي الملائكة، وإلا فكل أحد إنما يموت بأجله، والحافظ ابن كثير يقول: يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحميزاد بها في العمر حقيقة، يكون هذا على أحد المعاني التي تحتملها الآية.
فالجمهور يقولون: إن التأخير إلى أجل مسمى، بمعنى: أنه لا يعاجلهم بالعقوبة، فيموتون في منتهى الآجال من غير معاجلة، وكل ذلك بقدر الله.
تأمل في هذه الجملة: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ كيف يجمع بينها وما بين ما قبلها: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى؟ يعني: لا يرد ولا يمانع.
فهذا الأجل الذي إذا جاء لا يؤخر ما هو؟
هو الذي كتب في اللوح المحفوظ، فإذا جاء لا يؤخر، وهذا الذي قاله ابن جرير -رحمه الله.
وذكرنا: أن الذي في صحف الملائكة يحصل له التغيير: يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [سورة الرعد:39]، إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ.
وبعض أهل العلم هنا في هذا السياق فسر: أَجَلَ اللَّهِ المشار إليه هنا: أي ما قدره لكم -على تقدير بقائكم على الكفر- من العذاب، إذا جاء وأنتم مقيمون على هذا الكفر والمحادة لله فإن ذلك لا يؤخر عنكم، بل يقع ولابد، فيدعوهم إلى المبادرة إلى الإيمان قبل حلول النقمة.
وبعضهم فسر: أَجَلَ اللَّهِ هنا بالموت: إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ يعني: عند ذلك لا يمكنكم تدارك الإيمان، فيحصل لكم الندم.
وهذا الموت كما يقول بعضهم: يعني إذا حل بكم، سواء كان بعذاب ينزل، أو كان من غير عذاب، فإنه: لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يعني: لو كنتم تعلمون شيئًا من العلم الذي ينفعكم لسارعتم وبادرتم لما تؤمرون به، أو يكون متصلا بالجملة التي قبله: لو كنتم تعلمون أن أجله إذا جاء لا يؤخر.
قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا [سورة نوح:5- 20].
يخبر الله تعالى عن عبده ورسوله نوح أنه اشتكى إلى ربه ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عامًا، وما بيّن لقومه، ووضح لهم، ودعاهم إلى الرشد، والسبيل الأقوم، فقال: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا أي: لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار، امتثالا لأمرك، وابتغاءً لطاعتك.
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا أي: كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه، وحادوا عنه.
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ أي: سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه، كما أخبر تعالى عن كفار قريش: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [سورة فصلت:26].
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ قال ابن جريج عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم.
وقال سعيد بن جبير والسدي: غطوا رءوسهم لئلا يسمعوا ما يقول.
وَأَصَرُّوا أي: استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع.
قوله -تبارك وتعالى: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ يعني: دعوتهم إلى سبب المغفرة الذي هو الإيمان، هذا المعنى، جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ يعني: لئلا يسمعوا.
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ هنا استغشوا ثيابهم نقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما: تنكروا له لئلايعرفهم، يعني: سد الآذان من أجل عدم السماع.
استغشاء الثياب ماذا يديرون به؟
هنا: تنكروا لئلا يعرفهم، يعني: من أجل أن لا يوجه إليهم الدعوة، ولا يخاطبهم بهذه الدعوة، ولا يستوقفهم.
وقال سعيد بن جبير والسدي: غطوا رءوسهم لئلا يسمعوا ما يقول.
هذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، يعني هم يسدون الآذان، لئلا يسمعوا.
لكن ما وجه استغشاء الثياب؟ إذا استغشى ثيابه هل يكون هذا الإنسان لا يسمع؟ استغشاء الثياب حينما يضع الثوب على رأسه أو رأسه ووجهه هذا لا يمنعه من السماع، لكن هؤلاء قالوا: هذا من باب المبالغة، فهو يسد أذنيه، ويستغشي ثيابه، هذا زيادة في سد الآذان.
وبعضهم يقول: فعلوا ذلك من أجل أن لا يروه، لا يطيقون رؤيته.
فهذا حمله بعضهم على أنه من قبيل الحقيقة، وهذا هو الظاهر.
وبعضهم قال: هو من باب الكناية، كناية عن شدة العداوة، فإن العداوة الشديدة تَحمل على ذلك، يعني: تحمل على كراهية النظر إلى البغيض المُعادِي.
وبعضهم يقول: من قبيل الاستعمالات المجازية عند أرباب المجاز، يقولون: مثل هذا "استغشوا ثيابهم" كما يقال: فلان لبس ثياب العداوة، فاستغشوا ثيابهم يعني: أنهم صاروا في حال من العداوة، لبسوا العداوة، كما يُستغشى الثوب، يعني: أصبحت العداوة تغطيهم، فإن الغشيان كما مضى في مناسبات شتى في قوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [سورة الغاشية:1]، وفي قوله: فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [سورة طـه:78] هو الشيء الذي يغطيه.
وهكذا الغشاوة التي تكون على البصر: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [سورة البقرة:7] ما يغشيها أي: ما يغطيها.
فهنا ظاهر القرآن على أن ذلك حقيقة، فهم يستغشون الثياب لشدة العداوة، مبالغة في النفور، سواء كان ذلك من أجل أن لا يراهم، أو من أجل أن لا يروه، أو جميعًا، لا يراهم ولا يرونه، ومبالغة في المباعدة، ولئلا يسمعوا منه، أو يروه، فقد يخاطبهم بإشارة، أو نحو ذلك.
فهم سدوا الأسماع والأبصار التي هي طرق التلقي والتعلم، والإنسان جعل الله سمعه وبصره طريقين إلى قلبه: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولاً [سورة الإسراء:36].
فهما طريقان إلى القلب يحصل بهما التلقي والتعلم.
ولذلك مضى الكلام على مثل قوله -تبارك وتعالى: وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ [سورة النمل:81] هذا لا يبصر، ولكنه يأتي مقيدًا أحيانًا بقيد "إذا ولوا مدبرين"، فحينما يقيد بمثل هذا "إذا ولوا مدبرين" فإن توليهم حينما يولون أدبارهم مَن يخاطبهم هذا مبالغة أيضًا، بحيث لا يكون مستجيبًا بحال من الأحوال.
وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا أي: واستنكفوا عن اتباع الحق، والانقياد له.
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا أي: جهرة بين الناس.
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ أي: كلامًا ظاهرًا بصوت عال.
وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا أي: فيما بيني وبينهم، فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
قوله -تبارك وتعالى: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا يعني: جهرة، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ أي: كلامًا ظاهرًا بصوت عال، يعني: دعاهم سرًّا وجهرًا، دعاهم وقلّب لهم الدعوة ونوّعها على أحوال شتى، وفي كل حين، ليلا ونهارًا، لم يدخر وسعًا في نصحهم.
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ يعني: ثُمَّْهذه تدل على تباعد الأحوال، وليس المقصود بها الترتيب، ليس المقصود أنه يقول: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ يعني: بعدما دعوتهم جهارًا، أعلنت لهم بعد ذلك {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}، وإنما تدل على تباعد الأحوال؛ لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من الاستقلال بواحد منهما، فهي ليست لترتيب الوقوع، يعني ليست بمعنى: أني فعلت كذا، ثم فعلت كذا، ثم فعلت كذا، يعني بعده، وإنما تدل على تفاوت الأحوال.
وقد مضى الكلام على هذا في مناسبات كقوله: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة البلد:17] ليس المقصود الترتيب؛ لأن الإيمان يطلب أولا، يعني هذا ما يقال له: ترتيب في الرتبة وليس في الوقوع، هذه مراتب.
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا أي: ارجعوا إليه، وارجعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك؛ ولهذا قال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا أي: متواصلة الأمطار، ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية.
وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار ومنها هذه الآية: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا.
ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر.
وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضًا.
قوله -تبارك وتعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا قال: أي متواصلة الأمطار.
يعني: المدرار السماء حينما تكون مدرارًا يعني: يتحلب منها المطر، من السحاب يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم المطر ينزل من السحاب، متواصلة الأمطار.
المدرار، تقول: "هذه الدابة مدرار للبن" يعني: يتحلب منها اللبن كثيرًا متتابعًا متواصلا، وتقول: "عطاء الله مدرار" أي: متواصل متتابع.
أما ما يتعلق بقراءة هذا السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية فهذا يحتاج إلى دليل خاص.
ودلت هذه الآية على أن الاستغفار يكون سببًا لنزول الخيرات، ونزول الأمطار، وأن الإنسان يرزق بالأموال والبنين، كما أن ذلك يكون سببًا لرفع البلاء الذي ينزل به، حينما يكون الإنسان في شدة، فيحتاج إلى استغفار، وحينما يطلب الولد، فيحتاج إلى كثرة الاستغفار، يطلب المال يحتاج إلى كثرة الاستغفار، يطلب التوفيق في دراسته أو عمله، أو غير ذلك يحتاج إلى كثرة الاستغفار.
الاستغفار هنا كما في هذه الآية: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا صيغة مبالغة، كثير الغفر.
يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا إذا استغفرتم حصل لكم ذلك.
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ما قال: يمددكم بأموال وأولاد، بأي اعتبار؟
باعتبار أن البنين وهم الذكور، أن ذلك هو المطلب الأكبر بالنسبة إليهم، فهو يخاطبهم بهذا؛ لأن الآباء يتقوون بهم، ويتجملون في المجالس بهؤلاء الأبناء، وهذا كثير في القرآن: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا [سورة المدثر:11-13] ما قال: وأولادًا، أو وبنات.
ومذهب الأحناف في مسألة الاستسقاء يحتجون بمثل هذه الآية على أن ذلك يستجلب بالاستغفار، والذي عليه الجمهور -كما هو معلوم- ودلت عليه السنة هو أن تصلى صلاة الاستسقاء.
وقوله تعالى: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم الضرع، وأمدكم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
هذا مقام الدعوة بالترغيب، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب، فقال: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا أي: عظمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
وقال ابن عباس: "لا تعظمون الله حق عظمته" أي: لا تخافون من بأسه ونقمته.
هذا يرجع إلى الذي قبله: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا أي: عظمة، أي: لا تعظمونه حق عظمته، هذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، قال: "أي لا تخافون من بأسه ونقمته".
كل هذا يرجع إلى معنى واحد مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا أيّ عذر لكم في ترك هذا الرجاء؟ وفسر هذا الرجاء هنا: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا بالخوف، قال هنا: " أي: لا تخافون من بأسه ونقمته"، يعني مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا أي لا تخافونه.
والوقار يأتي بمعنى: العظمة، من التوقير وهو التعظيم: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ [سورة الفتح:9] بمعنى: تنصروه، وَتُوَقِّرُوهُ يعني: تعظموه.
فالوقار يأتي بمعني: التعظيم، لا تخافون حق عظمته، توحدونه، وتطيعونه: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا؟ وهذا معنى معروف في كلام العرب أن الرجاء يأتي بمعنى: الخوف، وقد مضى الكلام على هذا في الأعمال القلبية.
مع أن الغالب في الرجاء هو ظاهر معناه في الأصل الذي هو ما يؤمَّل من حصول المحبوب والخير، إذا كان ذلك قريبًا في نظر مؤمله، أما إذا كان بعيدًا فإنه يقال له: تمنٍّ.
هذا الفرق بين التمني والرجاء.
التمني للشيء الذي لا يقع، أو بعيد الوقوع، والرجاء للشيء الذي يكون قريبًا، مثل ذلك يقال أيضا في الطمع يكون في الشيء قريب المنال.
ومن إطلاق الرجاء على الخوف قول الهذلي:
إذا لسعتْهُ النحلُ لم يرجُ لسعَها | ... |
يعني: لم يخف، ولكن هذا قليل في الاستعمال، ولكنه معنى صحيح: لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا لاتخافون الله، لا تخافون له عظمة، لا تخافون عذابه، كل هذا يرجع إلى معنى واحد.
وهذا مثل ما ذكرنا في بعض المناسبات عن الحُزن والخوف، الخوف يكون من قبيل القلق لأمر مستقبل، والحُزن لأمر مضى، لأمر فائت، هذا الفرق بين الحزن والخوف.
وقد يستعمل الحزن بمعنى الخوف، يعني: لأمر مستقبل، وعلى هذا حُمل قوله تعالى عن قول أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [سورة فاطر:34]، ما المقصود به؟
فسر بهذا، حيث ذكر بعض أهل العلم أن الحَزن المقصود به الإشفاق والخوف من العاقبة والآخرة، فإذا دخلوا الجنة حصلت لهم الطمأنينة الكاملة.
مع أن من أهل العلم من فسر هذا على معناه الأغلب الأشهر الذي هو ترجية المحبوب، وقد جاء عن مجموعة من السلف كسعيد بن جبير ومعاوية وعطاء بن أبي رباح: مالكم لا ترجون لله ثوابا؟
لكنهم قالو أيضا: ولا تخافون منه عقابًا، وهذا أيضًا ليس بقاطع أنهم فسروا ذلك بالمحبوب؛ لأنهم ذكروا معه خوف العقاب، لكن كأنهم نظروا إلى الغالب في الاستعمال، في استعمال لفظ الرجاء، أنه فيما يرجيّه ويؤمله من أمر محبوب.
يعني: حينما يقال مثلا: الخوف والرجاء، الخوف يقابل الرجاء، فهنا استعمل الرجاء بمعنى الخوف.
والغالب الذي عليه الأكثر أنهم فسروه بالخوف، وعباراتهم في هذا متقاربة، يقول مجاهد، والضحاك: "مالكم لا تبالون لله عظمة؟!" يعني: لا تخافون.
ويقول قطرب: إن هذه لغة حجازية، يعني: إطلاق الرجاء على الخوف.
ويقولون: إن بعض قبائل العرب يقولون: لم أرجُ أي: لم أبالِ، لكن من فسره بالمعنى المشهور هؤلاء قلة، يعني: قصروا التفسير عليه، فكما سبق في قول سعيد بن جبير وأبي العالية وعطاء أنهم جمعوا بين هذا وهذا.
لكن جاء عن قتادة: "مالكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان؟!، ففسر الرجاء بالمعنى المشهور، عاقبة الإيمان.
وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.
والطور في كلام العرب هو المرة، هذا طور، ثم طور آخر، وهكذا، فالطور يقال للمرة، يقال للحال، ويجمع على الأطوار: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا نطفة ثم علقة... إلى آخره.
وبعضهم يقول: خلقكم أطفالا صبيانًا، يكون غلاماً، ثم بعد ذلك يكون شابًّا، ثم يكون رجلاً، ثم بعد ذلك يكون كهلاً، ثم يكون شيخاً، فهذه أطوار، هكذا فسره بعض أهل العلم.
وبعضهم حمل ذلك على محامل أخرى، كاختلاف الأحوال في الأفعال والأقوال والأخلاق، فهم متباينون متفاوتون في هذا كله.
والمقصود كيف تعرضون عن عبادة من خلقكم بهذه الأحوال أو بهذه الأطوار، من نطفة إلى علقة، إلى غير ذلك، صرف خلقكم هذا التصريف؟
وذلك يدل على كمال علمه، وكمال قدرته -تبارك وتعالى.
وقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا هذا في محل نصب على الحال، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا والحال أنه: خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا.
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا؟ أي: واحدة فوق واحدة، وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط، أو هو من الأمور المدركة بالحس، مما علم من التسيير والكسوفات؟
وإنما المقصود: أن الله سبحانه: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا أي: فاوت بينهما في الاستنارة، فجعل كلا منهما أنموذجًا على حدة، ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدر للقمر منازل وبروجًا، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى، ثم يشرع في النقص حتى يستتر، ليدل على مضي الشهور والأعوام، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [سورة يونس:5].
قوله -تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا هذا خطاب: أَلَمْ تَرَوْا يعني لمن يصلح له: كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا؟ واحدة فوق واحدة، كما يقول ابن كثير، وهو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، طِبَاقًا يعني: متطابقة، يعني: أن بعضها فوق بعض، كل سماء فوق الأخرى، مطبقة عليها كالقباب.
شيخ الإسلام -رحمه الله- تكلم عن استدارة الأفلاك وعن كرويتها، فذكر أن السموات كذلك، إلى عرش الرحمن: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا أي: متطابقة: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا.
يقول الحافظ ابن كثير: "وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط، أو هو من الأمور المدركة بالحس؟
ما الذي جعله يورد هذا السؤال؟
الذي جعله يورد هذا السؤال توجيه الخطاب إليهم، بقوله: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا فهل هذا الشيء يرونه؟ هل الرؤية هنا بصرية بما يدل على ذلك، أو أنه يكفي أن يروا السماء الدنيا فوقهم، وما فوقها فهو من قبيل الخبر، أو الرؤية هنا تفسر بأنها علمية؟
فهذا منشأ هذا السؤال، هل هذا يتلقى من جهة السمع فقط؟ لماذا قاله ابن كثير؟
لأن الخطاب أَلَمْ تَرَوْا، فهل هذا شيء يرونه، أو أنه شيء يتلقونه من جهة السمع فقط؟
وقوله -تبارك وتعالى: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا القمر نور، والشمس ضياء: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وقد ذكرنا في بعض المناسبات الفرق بين النور والضياء.
النور ما يوجد فيه الإنارة من غير حرارة، إشراق بلا إحراق، وأما الضياء فيكون به إنارة مع إحراق، فالشمس ضياء، والقمر نور، الشمس فيها حرارة واحتراق، تشتعل، وكذلك أيضا في قول النبي ﷺ: والصلاة نور ... والصبر ضياء[4].
الصبر لما فيه من الحرارة قيل له: ضياء، والله يقول في سورة البقرة: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ [سورة البقرة:17] هذا الضياء من النار حرارة مع الإشراق والإنارة، قال: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ما قال: بنارهم، فذهب النور وبقيت الحرارة والإحراق، هذا وجه التعبير بهذا -والله تعالى أعلم.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا باعتبار أنه إذا كان في إحداهن فهو فيهن.
وبعضهم فسر هذا الموضع فِيهِنَّ "في" بمعنى "مع" أي جعل القمر معهن نورًا، أي: خلقه مع خلقهن.
والأول أولى، والله أعلم.
وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا هذا اسم مصدر يقصد نَبَاتًا يعني: أنه ناب عن المصدر، الأصل في تصريف الكلام نقول في المتعدي: أنبت، وفي اللازم: "نبت" فالرباعي أنبت ينبت إنباتاً، فهنا قال: نَبَاتًا.
فبعضهم يقول: هذا مصدر يعود على المعنى، يعني: ليس على اللفظ، فإنّ أنبت مصدره إنبات، فهنا قال: نَبَاتًا، الحافظ ابن كثير يقول: هذا اسم مصدر، والإتيان به هاهنا أحسن، فهم ينبتون من الأرض، بأي اعتبار؟
بعض أهل العلم يقول: باعتبار أن آدم ﷺ خلقه الله من أديم الأرض: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ [سورة طه:55] فهذا معنى كونهم نبتوا من الأرض، أي: خلقوا منها، كما يقول ابن جرير -رحمه الله، يعني أنشأكم منها إنشاءً.
وبعض أهل العلم يقول: إن قوله: نَبَاتًا هو مصدر من أنبت، مع حذف الزوائد، أو أنه مصدر من فعل محذوف: أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ فنبتم نَبَاتًا.
لكن من قال: إنه محمول على المعنى، بمعنى أن نَبَاتًا إذا قيل: إنه مصدر، يرجع إلى معنى ما سبق، وليس إلى لفظ "أنبت" كما يقوله الخليل بن أحمد والزجاج.
ومعنى: أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا يعني: خلقكم منها، أنشأكم منها.
مع أن بعضهم يقول: إن ذلك باعتبار الأطوار، يعني: من الصغر إلى الكبر، كما ينبت النبات، "مَن ثبتَ نبتَ" يعني: الذي يصبر يصل، ويرتفع ويحصّل، يبدأ الإنسان بطلب العلم: وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [سورة النحل:78].
فهذه طرق التعلم والتحصيل، فمن ثبت على العلم نبت، يعني يزيد هذا العلم مع الوقت، وينتفع ويحصّل.
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا أي: إذا متم.
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا أي: يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا أي: بسطها ومهدها وقررها، وثبتها بالجبال الراسيات، الشم الشامخات.
قوله -تبارك وتعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا هذا لا ينافي كروية الأرض، وهذه قضية مقررة عند أهل العلم، معروفة حتى عند الفلاسفة قبل الإسلام، ولم ينكر المسلمون ذلك.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- له كلام في هذه المسألة معروف، وغير شيخ الإسلام، وهذا لا يخالف ما جاء في القرآن أنه جعل الأرض بساطاً، باعتبار أن الجرم الضخم لا يظهر فيه التدريج في الانحناء، درجة الانحناء في الجسم الكروي الكبير الهائل لا تظهر فيه بالعين الباصرة، هكذا، حينما ينظر الإنسان بنظره الضعيف، لكن هذا يظهر له لو أنه كان ذلك عبر وسائط ووسائل وأجهزة، فلو نظر الإنسان مثلا عبر هذه الصور التي تلتقط في الأرض من الأقمار الصناعية مثلا، أو نحو ذلك، مما يصور من الفضاء، فهذا يظهر فيه جليًّا كروية الأرض، لكنه لا يظهر لأنظارنا الضعيفة هذه حينما نمشي ندب أقل من الذرة، في أنحائها وأرجائها، فلا يظهر هذا التدريج لضآلة الإنسان وضعفه، فماذا عسى أن يرى؟ بضعة كيلو مترات؟ هذه لا تظهر فيها درجة الانحناء.
فهي بساط بأي اعتبار؟
باعتبار ما نشاهده، فخاطبهم بما يشاهدون، وخروج الخطاب هذا المخرج يعني: باعتبار حال المخاطب، هذا كثير في القرآن، وأنواع، وقد ذكرت شيئًا من ذلك في الكلام على قواعد التفسير، أنواع المخاطبات التي روعي فيها حال المخاطب، منها هذا، والله أعلم.
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا يعني: السبل هي الطرق، الفجاج الواسعة.
وبعضهم يقول: الفج هو الطريق بين الجبلين.
وابن جرير فسره بمطلق الطريق، جمع فج، وهو الطريق، هكذا من غير قيد لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًالكنه ذكر السبل هنا، فالسبل هي الطرق، الفجاج يُشعر -والله أعلم- أن المقصود يعني: واسعة.
وابن كثير -رحمه الله- قال: لتستقروا عليها، وتسلكوا فيها أين شئتم، من نواحيها، وأرجائها وأقطارها.
يعني: باعتبار أن الفج الناحية.
وقد مضى الكلام على هذا: يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [سورة الحج:27] ما المراد بالفج، الطريق بين الجبلين، أو الطريق من غير قيد.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا أي: لا تعاملونه معاملةَ مَن توقرونه، والتوقير: العظمة، ومنه قوله تعالى: وَتُوَقِّرُوهُ [سورة الفتح:9].
قال الحسن: "مالكم لا تعرفون لله حقًّا، ولا تشكرونه!"
وقال مجاهد: "لا تبالون عظمة ربكم!".
وقال ابن زيد: "لا ترون لله طاعة!".
وقال ابن عباس: "لا تعظمون الله حق عظمته!".
وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم لو عظموا الله، وعرفوا حق عظمته وحَّدوه، وأطاعوه، وشكروه، فطاعته سبحانه، واجتناب معاصيه، والحياء منه بحسب وقاره في القلب، ولهذا قال بعض السلف: ليعْظُم وقارُ الله في قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحيَ من ذكره، فيقرن اسمه به، كما تقول: "قبح الله الكلب، والخنزير والنتن" ونحو ذلك، فهذا من وقار الله.
ومن وقاره: أن لا تعدل به شيئًا من خلقه لا في اللفظ، بحيث تقول: "والله وحياتك، مالي إلا الله وأنت، وما شاء الله وشئت، ولا في الحب والتعظيم والإجلال، ولا في الطاعة، فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم، كما عليه أكثر الظلمة والفجرة، ولا في الخوف والرجاء، ويجعله أهون الناظرين إليه، ولا يستهين بحقه، ويقول: هو مبني على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة، ويقدم حق المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حد وناحية، والناس في ناحية وحد"[5].
كل هذا من خلاف توقير الله : مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا بعض الناس يقول: أنا أرجع من الجامعة، وأرجع من العمل، وأنام الظهر؟
فيُسأل هذا يقال: هل تنام على الاختبارات؟
الجواب المباشر: لا.
مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا لا تعظمونه حق التعظيم، لماذا إذا أمرك من تعظمه فإنك تستجيب، وإذا أمرك الله لا تستجيب؟!.
فلا تجعل طاعته فضلة، يعني: أن ذلك إن حصل وإلا فالأمر سهل؛ كأنه شيء زائد، ليس بشيء أساسي، ويجعل طاعة الله، وقراءة كتابه، والاشتغال بذكره من الأمور الفضلة، إذا دخل مسجدًا فتح المصحف، ما حصل ليس بالضروري: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا؟
وهكذا أيضا حينما يقول: إن حق الله مبني على المسامحة، هو صحيح أن حق الله مبني على المسامحة، يقال عند المقارنة مع حقوق المخلوقين؛ من أجل أن تؤدى: إن الأصل فيها المشاحة، وأما حق الله فالأصل فيه المسامحة، لكن ليس ذلك ليتخذ ذريعة لتضييع حقوق الله ، يتخذ ذلك سبيلا للإضاعة والتفريط، فيقال: حقوق الله مبنية على المسامحة.
دخلت امرأة النار في هرة، وأخرج آدم من الجنة من أجل أكلة، وأمر بالقطع بسبب ربع دينار، وكذلك الرجم في إيلاج قدر حشفة.
قال ابن القيم: "فيكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه الله ورسوله، ولا يعطي الخلوق في مخاطبته قلبه ولبه، ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه مقدمًا على مراد ربه.
فهذا كله من عدم وقار الله في القلب، ومن كان كذلك فإن الله لا يلقي له في قلوب الناس وقارًا ولا هيبة، بل يسقط وقاره وهيبته في قلوبهم، وإن وقروه مخافة شره فذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم"[6].
نسأل الله العافية- ينظر الناس إليه بنظر يشنئونه به، يحتقرونه ويبغضونه، وإن كانوا يخافونه، ويحسنون إليه، ويتصنعون اتقاءً لشره، لكن ليس في قلوبهم محبة، ولا توقير، ولا تعظيم، ولا يكون له هيبة في قلوب الخلق، فتلك مظاهر مصنوعة لا تؤثر توقيرًا ولا هيبة بحال من الأحوال، هذا كله في غاية الأهمية، لا يوقر الله ، تجده يسعى في توقير المخلوق، وتعظيم المخلوق، وينظر إلى لحظاته، وسكناته، وحركة عينه، وإشارة يده، أو نحو ذلك، ماذا يريد، وماذا يطلب، ويتفانى في هذا، ولكن في حق الله تجد الإهمال، والتضييع الكامل أحيانًا، ونفس هذا الذي يتفانى في إرضاء مخلوق في المقابل الصلاة مضيعة، والذكر قد جف لسانه منه.
قال ابن القيم: "ومن وقار الله: أن يستحي من اطلاعه على سره وضميره، فيرى فيه ما يكره.
ومن وقاره: أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس"[7].
إذا خلا لا يجترئ على ربه -تبارك وتعالى- وعلى حدوده ومساخطه: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا لماذا يجعل ربه أهون الناظرين إليه؟
قال ابن القيم: "والمقصود أن من لا يوقر الله وكلامه، وما آتاه من العلم والحكمة، كيف يطلب من الناس توقيره وتعظيمه؟ القرآن والعلم وكلام الرسول صلات من الحق، وتنبيهات وروادع وزواجر واردة إليك، والشيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك، فلا ما وردَ إليك وعظَكَ، ولا ما قام بك نصَحَك، ومع هذا تطلب التوقير والتعظيم من غيرك، فأنت كمصاب لم تؤثر فيه مصيبة وعظًا وانزجارًا، وهو يطلب من غيره أن يتعظ وينزجر بالنظر إلى مصابه، فالضرب لم يؤثر فيه زجرًا، وهو يريد الانزجار ممن نظر إلى ضربه"[8].
وقال ابن القيم -أيضا: "قالوا في تفسيرها - أي: تفسير قوله: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا -ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة، وما أحسن ما قال شيخ الاسلام في تعظيم الأمر والنهي: هو أن لا يُعارَضا بترخص جافٍ، ولا يُعرَّضا لتشديد غالٍ، ولا يُحْملا على علة توهن الانقياد"[9].
"ولا يحملا على علة" هذا في نصوص الوعيد، أحيانا تجد بعض النصوص مثل: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ [سورة النساء:93] وما إلى ذلك، فتفسر أحيانًا بتفسيرات توهن هذا الزجر وتضعفه في قلوب الناس، والله لا يؤمن، والله لا يومن، والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه[10].
فيفسر هذا بتفسيرات: لا يؤمن الإيمان الكامل كذا...، وما شابه ذلك من النصوص الواردة في الوعيد، ولهذا كان مثل الإمام أحمد -رحمه الله- لا يرى التعرض لمثل هذا؛ لئلا يذهب مقصود الشارع من الزجر، فتفسر بتفسيرات يقال: "إيه، هذا أصلا محمول على كذا، وهذا أصلا محمول على كذا" ولا يحصل المقصود من زجر الناس، فهذا مهم، لا توهن هذه الزواجر، لكن قد يحتاج إلى بيان ذلك؛ لئلا يحصل غلو، فتحمل النصوص الواردة في مثل هذا على أحكام غير صحيحة، كتكفير من فعل الكبيرة مثلا، فهنا يحتاج أن يبين، يقال: هذا محمله كذا، وهذا محمله كذا، عند الحاجة.
وقال ابن القيم: "ومعنى كلامه: أن أول مراتب تعظيم الحق تعظيم أمره ونهيه، وذلك لأن المؤمن يعرف ربه برسالته التي أرسل بها رسول الله ﷺ إلى كافة الناس، ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه، وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله واتباعه، وتعظيم نهيه واجتنابه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالا على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي، ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصدق وصحة العقيدة، والبراءة من النفاق الأكبر"[11].
نحن نورد مثل هذا للفت الأنظار إليه، وإلا فإني أعرف أن هذه القراءة السريعة له لا تكفي، ولا تفي بالمطلوب، ولكن من أجل أن نتفطن لما وراء هذا من المعاني والهدايات.
قال تعالى: قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا [سورة نوح:21-24].
يقول تعالى مخبرًا عن نوح أنه أنهى إليه -وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء- أنه مع البيان المتقدم ذكره، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة، والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه، واتبعوا أبناء الدنيا، ممن غفل عن أمر الله، ومُتع بمال وأولاد، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام، ولهذا قال: وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا قرئ: وَوَلَدُهُ بالضم وبالفتح، وكلاهما متقارب.
وقوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا قال مجاهد: كُبَّارًا أي: عظيمًا.
وقال ابن زيد: كُبَّارًا أي: كبيرًا.
والعرب تقول: أمر عجيب وعُجَاب وعُجَّاب، ورجل حُسَان وحُسَّان، وجُمَال وجُمَّال، بالتخفيف والتشديد، بمعنى واحد.
والمعنى في قوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا أي: باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق والهدى، كما يقولون لهم يوم القيامة: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا [سورة سبأ:33]، ولهذا قال هاهنا: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [سورة نوح:22، 23].
وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، روى البخاري عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ.
أما "وَد" فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما "سواع" فكانت لهذيل، وأما "يغوث" فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما "يعوق" فكانت لهمدان، وأما "نسر" فكانت لحمير لآل ذي كلاع، وهي أسماء لرجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ العلم عبدت.
وكذا روى عن عكرمة، والضحاك، وقتادة، وابن إسحاق نحو هذا، وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذه أنام كانت تعبد في زمن نوح.
وروى ابن جرير عن محمد بن قيس: "ويغوث ويعوق ونسرا" قال: كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق إلى العبادة لنا إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.
قوله -تبارك وتعالى- عن قول نوح ﷺ: إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا يعني: مكرًا عظيمًا كبيرًا.
هذا المكر الكبار ما هو؟
بعضهم يقول: هذا المكر الكبار هو أنهم حرضوا سفهاءهم على قتل نوح ﷺ، أو أن ذلك بكونهم غرروا بالناس بما أوتوا من المال والولد، حتى ظن الضعفاء أنهم على الحق؛ لكونهم أوتوا هذه العطايا والهبات الدنيوية.
وبعضهم كالكلبي يقول: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا بما نسبوا لله من الصاحبة والولد، يعني: والشركاء.
وقول مقاتل: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا أي: أنهم أمروا أتباعهم بقولهم: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا إلى آخره.
فهذا المكر الكبار مبهم هنا: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا يمكن أن يقال: هو ما واجهوا به دعوة نوح ﷺ، فكانت هذه النتائج المرة، حيث بقي فيهم هذه المدة الطويلة: ألف سنة إلا خمسين عامًا من غير استجابة، هل كان هكذا والدعوة مسترسلة بينهم لا تجد ممانعة ولا محاربة، ثم بعد ذلك يحصل مثل هذا؟ ما يحصل إيمان في هذه المدة الطويلة ألف سنة إلا خمسين عاما؟!
الواقع أن هذا يدل على أن نوحًا ﷺ قد واجه في دعوته أذى كثيرًا، ولهذا فهو من أولى العزم من الرسل، فقد صبر صبرًا طويلا على هؤلاء القوم، فكانوا يواجهون دعوته، ويضللون الناس، ويزيلون كل أثر لمخاطبته، ووعظه لهم.
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا"مكروا" بتضليل الناس، وإزاغتهم، والحيلولة -إن صح التعبير- بين هؤلاء الناس وبين نوح ودعوته، وما جاء به من ربه -تبارك وتعالى، كأنهم ضللوا هؤلاء، وحصنوهم -نسأل الله العافية، فلا يقبلون منه قليلا ولا كثيرًا، حتى صار إلى حال من اليأس، فقال: إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا.
اتبعوا هؤلاء الملأ والكبراء من الكافرين الضالين العتاة على الله .
وما كان لهؤلاء الكبراء أن يدعوا نوحًا ﷺ ودعوته كما هو معروف، فإن الملأ كما قص الله -تبارك وتعالى- هم أعداء الرسل.
هذا المكر الكبار مبهم هنا، لكنه معلوم في جملته، وإن لم تذكر تفاصيله، ولا حاجة إلى ذلك، فإن هذا المكر واقع مع جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام، وأتباع الرسل في كل زمان: وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [سورة إبراهيم:46] فهذا لعظم ودقة هذا المكر، والتخطيط للفساد، ونشر الباطل.
هنا: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا فجاء على هذا الوزن: كُبَّارًا ليدل على المبالغة أنه ليس بمكر كبير فقط، بل في غاية الكبر، وهذا المكر الذي يكون في غاية الكبر لا يكون وارداً وصادراً على سبيل البديهة، يعني: من غير روية، وتفكير، وتخطيط، وإنما يكون بعد إعمال النظر، والبحث في كل السبل التي من شأنها أن يحصل بها مطلوبهم بالفساد والإفساد.
وكان هؤلاء أول قوم وقع فيهم الشرك بعد أن كان الناس على التوحيد، كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما: "عشرة قرون على التوحيد"، ثم بعد ذلك وقع الشرك، وكان هذا الشرك أول ما وقع بسبب التصاوير.
صوروا هؤلاء الذين صاروا يعبدونهم -وكانوا قوما صالحين؛ من أجل أن يتذكروهم، الهدف هو الذكرى التي تنشط للعبادة، هذا الغرض، فهذه الوسيلة -بزعمهم- إلى مطلب صحيح، وهو النشاط في العبادة، ولكنها وسيلة فاسدة.
والوسائل المحرمة لا يمكن أن يتوصل بها إلى مطلوب صحيح، ولذلك كانت الغاية الشريفة لا تبرر الوسيلة، لابد أن تكون الوسائل سليمة صحيحة.
والتصاوير محرمة، وقد حرمت لعلتين اثنتين، هذه هي العلة الأولى، وهي التي جاءت في عدد من الأحاديث: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح -هذه كلها ذرائع- فمات، بنوا على قبره مسجدًا[12] مثلا، فبناء القبور على المساجد وسيلة وذريعة إلى وقوع الشرك، وعبادة غير الله .
تصوير هذه الصور، لما ذكرت أم المؤمنين لما جاءت من الحبشة للنبي ﷺ تلك التصاوير، ذكرت له ذلك في مرض موته ﷺ، يعني: بعد حين من مجيئها، فهي تحكي ما شاهدت في أرض الحبشة من تلك التصاوير في الكنيسة، فماذا قال النبي ﷺ؟
وصف هؤلاء بأنهم: شرار الخلق عند الله يوم القيامة[13].
فالذريعة أو العلة الأولى التي من أجلها حرمت التصاوير، هي: أنها ذريعة من ذرائع الشرك.
وإذا كانت كذلك، فإن هذه الذريعة موجودة بجميع أنواع الصور، سواء كانت من قبيل التماثيل، أو كانت من قبيل الرسم باليد، أو كانت من قبيل التصوير الفوتوغرافي، أو كانت من قبيل التصوير بالفيديو.
والقاعدة: أن العلة متى كانت متحققة أكثر في نوع من هذه الأنواع فإن ذلك يكون التحريم والمنع منه أشد.
يعني: هذه التصاوير التي هي رسم باليد محرمة بالإجماع، وهذه التصاوير الفوتوغرافية، أو التي تكون بالفيديو لا شك أن النفوس تنجذب إلى التصوير المطابق للواقع أكثر من انجذابها إلى الرسم باليد.
وهذا أمر مشاهد ومعلوم، فأنت حينما تشاهد رسما باليد لمن تعظمهم، أو لا تعظمهم، صور تعرض في متاحف قبل مائة سنة، أو قبل مائة وخمسين سنة، أحيانًا لا يعظمون، عبارة عن مجموعة من البادية عند بئر معهم حمار -أعزكم الله- وجحش، ومعهم أطفال كبار وصغار، فيجلس الإنسان ينظر طويلا لهذه الصور، يقف أمامها وينسى نفسه، فإذا كانت هذه الصور فوتوغرافية غير ملونة، جلس ينظر إلى كل شيء، تقاطيع الوجوه والعمائم، والطول والقصر، والثياب والدواب، وما حولهم من المتاع وغيره.
فإذا كانت هذه الصورة ملونة كان الانجذاب إليها أكبر، فإذا كان ذلك عرضًا تتحرك فيها هذه الصور، وينطق أصحابها فلا شك أن الانجذاب إلى هذا أكبر، فالعلة متى كانت متحققة في حال من هذه الأحوال، أو صورة من هذه الصور، أو نوع من هذه الأنواع فإن ذلك يكون أدعى للتحريم، كما هو معلوم، فهذه العلة موجودة، ولا تحتاج إلى أن يقال هنا: إن هذا ليس بمضاهاة، وإن هذا مضاهاة، هذا لا علاقة له بالمضاهاة أصلا، هذه موجودة.
تبقى العلة الثانية، وهي: المضاهاة هل هذا يدخله المضاهاة أو لا يدخله المضاهاة؟
فلو فرض أن هذا تدخله المضاهاة تبقى العلة الأولى، ما الذي أزالها، وهي تكفي لوحدها في التحريم، لكن الناس تتساهلوا كثيرًا في هذا.
ومن يحتجون بفتواه، الواقع أنهم يأخذون جزءًا من هذه الفتوى، ويتركون النصف الثاني منها، الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول: ليست مضاهاة، لكن لا يجوز الاحتفاظ بالصور، ولا يجوز تعليق الصور، يعني: يجب أن تتلف، لكن العملية ليست مضاهاة، فما بالهم يحتفظون بالصور؟
وما كنا نعرف صدق توبة الإنسان قبل نحو ثلاثين سنة وعشرين سنة إلا إذا جاء بالألبومات وأحرقها، هذا أول عمل يقوم به.
نعرف به أن الرجل جاد وصادق، صور قديمة له ولذويه يتلفها، ويحرقها، والآن يتكاثرون بالصور، ويصورون كل شيء، يصورون أنفسهم وهم يدعون، وهم يقرأون القرآن، وهم يطوفون، وهم يسعون، وهم يصلون، في كل حال من الأحوال، يصورون أنفسهم.
للأسف كنا نعرف عن بعض الشرقيين، ونعجب من فتنة هؤلاء بالتصاوير، وأصبحنا مثلهم، في كثرة الضحك والتنكيت، وخفة الدم الزائدة التي تنبئ عن خفة عقول.
وكثرة التصوير هذا كان يعرف عند بعض الشرقيين، كنا نعجب منهم، من كثرة هذا الضحك عندهم بدون سبب، أو لأتفه الأسباب يتساقطون ضحكًا، وكل واحد معلق "كاميرا" عنده يصور كل شيء، يمشي ويصور خلْق هؤلاء، وأصبحنا اليوم مثلهم في خفة الدم، وفي كثرة التصوير، فهذه العلة الموجودة، أما مسألة المضاهاة هل هي موجودة، أو غير موجودة فأنا لا أناقش الآن في هذا، مع أني أعتقد أنها موجودة، لكن هذا التساؤل والتوسع في أمر يدور بين حالين، أنه من أكبر الكبائر: يخرج عنق من النار يوم القيامة)، ويقول: وكلت بثلاثة)، وذكر منهم: المصورين[14]، إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون[15] أو أنه مباح؟ أين الورع على الأقل في هذا المقام؟ أين الورع بين شيء من أكبر الكبائر أو أنه مباح؟
ويتوسع فيه هذا التوسع، فالمسألة تحولت إلى استحلال، حيث صار الذي ينكر التصوير غريبًا في الناس، وصار الناس يضعون صورهم بلا مواربة، يضعها في حسابه على "تويتر"، يضعها في كل مكان، ويصور، وينزل هذه الصور للناس، ويتبجح بهذا، ولا يرى فيها أدنى غضاضة، وإلى الله المشتكى -والله المستعان.
بعض الناس يقول: أيّ عبادة؟ فنقول: "إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل".
هذا شرك وقع عليه الناس بعد آدم ﷺ، مع قرب العهد، وأصروا هذا الإصرار، وبقي نوح فيهم هذه المدة ألف سنة إلا خمسين عاماً، شرك؛ بسبب التصاوير، ويثبتون عليها هذا الثبات، ويغرق الله الأرض ومن عليها.
وإلى اليوم في مشارق الأرض اذهب اليوم إلى الهند، يوجد أسواق كاملة لآلهة الأغنياء، هذه تصنع من أشياء ثمينة، وهناك أسواق كاملة لصناعة الآلهة للفقراء، من أشياء رخيصة، أسواق، وانظر إلى الأسواق في تلك البلاد في الشرق، وفي الغرب أيضًا، وفي المطارات، تدخل محلات كاملة كلها أصنام، أصنام آلهة تعبد، أنواع الآلهة، إله التناسل، وإله... بأوضاع وأحوال قبيحة، وهذه يأخذونها معهم ويتعبدون.
ابن القيم -رحمه الله- يقول: هؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل" يقول: "فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت".
وتأمل هنا أنه خص هذه: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ومنها: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، هذه من ضمن الآلهة، فلماذا خصت: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا إلى آخره؟
بعض أهل العلم قال: خصت بذلك؛ لأنها أكبر تلك الآلهة، وأعظم تلك الآلهة عندهم.
وتأمل أن هذه الآلهة -هذه المعبودات الباطلة- هي التي عبدتها قبائل العرب، وأهل السير والأخبار يذكرون في هذا عمر بن لُحيّ الخزاعي الذي رآه النبي ﷺ يجر قصبه في النار، فهو أول من غير دين إبراهيم ﷺ، وأول من سيب السوائب[16].
يقولون: إنه قدم من أرض الشام، ومر بالبلقاء، ووجدهم يعبدون أصنامًا، فأخذ منها، فجاء بها إلى مكة، فعبدتها العرب.
ويقال: إنه كان له رَئِيٌّ من الجن، وإنه جاءه في نومه، وقال: اغد إلى ساحل جدة تجد أصنامًا معدة.. إلى آخره.
يقال: إن هذه الأصنام غمرها الطوفان، واندفنت، دفنت ثم بعد ذلك دل عليها الشيطان، فأخرجت، فجعلت في قبائل العرب، وعبدت من دون الله ، والنبي ﷺ يقول: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخَلَصة[17].
صنمهم الذي كان في الجاهلية، وانظروا واعتبروا، بعض الناس لم يزل حتى بعض من فيهم خير وصلاح، إذا ذهب إلى تلك الناحية يسأل: أين الخَلَصة؟ ويذهب إليه من باب الاطلاع.
هذا مكان يُقصد؟!، تذهب إليه؟!
ويأتي ويتحدث، ويقول: ذهبت إلى مكان معروف عندهم، ذلك المكان الذي أمر النبي ﷺ بهدمه، وسيعود يعبد من دون الله .
وبعض من يتكلمون في الآثار وإحياء الآثار يرون أن هذا من جملة الآثار، وأنه سيأتي اليوم الذي يعاد فيه كأثر من الآثار "خلصة".
النبي ﷺ أخبر أنه تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخَلَصة ما معناه؟
معناه: أنهن يطفن به، هذا خبر الصادق ﷺ، الذي لا ينطق عن الهوى.
ثم يأتي من يقول: هذا لا يمكن، والعالم اليوم تغير، والعالم اليوم تطور، أين التطور؟!
هؤلاء الذين يصنعون الأقمار الصناعية يعبدون بوذا!.
التطور شيء وهذا شيء.
تجد الرافضي متخصصًا في الفيزياء النووية، أو في أدق العلوم في الطب، أو غيره، فتجده إذا جاءت اللطيمة، أو في تلك المناسبات الكئيبة عندهم، ينسى عقله، ويتصرف تصرفات المجانين، ويمشي على أربع، ويجرح نفسه، ويضرب نفسه بالسلاسل، وهو قد تعلم ودرس!.
فالعلم شيء، والممارسة شيء آخر.
العلوم الدنيوية هذه هل جعلت هؤلاء يدخلون في الإسلام ويعرفون الله ويؤمنون به؟
هذه العلوم -للأسف- هي أوفر ما تكون، العلوم الدنيوية المادية بين الطرفين: العالم الغربي، والعالم الكافر في الشرق، الدول الشرقية: روسيا والصين وما شابهها، واليابان، هؤلاء أبعد الناس عن الله ، مع أنهم أكثر الناس تحصيلا لهذه العلوم المادية التجريبية، ما دلتهم على الله، ولا عرفوه، بل ما زادتهم إلا كفرًا، فرحوا بما عندهم من العلم.
وقوله تعالى: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرًا، فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم، وسائر صنوف بني آدم.
وقد قال الخليل في دعائه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ [سورة إبراهيم:35، 36].
وتأمل هنا: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا قال: يعني الأصنام..، إذا كانت الأصنام فهنا يرد سؤال أن هذه الصيغة "أضلوا" تستعمل للعقلاء، أما غير العقلاء فيقال: "أضلت كثيرًا"، فأجرى عليه ضمير العقلاء، فهذا بأي اعتبار؟
باعتبار أنهم ما جعلوهم مجرد عقلاء، هم جعلوهم آلهة، فهذا من قبيل ورود خطاب الشارع بالنظر إلى حال المخاطب، يعني: مراعى فيه حال المخاطب، وهذا أحد الصور، أن يكون المخاطب يعتقد في شيء ما عقيدة، فيعامل بمقتضي ذلك في الخطاب، يعني مثلما قال عن ترّهات المشركين، سماها ماذا؟
حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ [سورة الشورى:16] سماها حجة، وهي ليست بحجة.
وتأمل في هذه المعبودات من دون الله: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا [سورة الأعراف: 195]؟
يَمْشُونَ كذلك في الأيدي، قال: يَبْطِشُونَ أصل ذلك في غير العاقل أن يقال: تمشي بها، تبطش بها، تعقل بها، فقال: يَمْشُونَيَبْطِشُونَيَعْقِلُونَ هذا مما يقال في العاقل، تستعمل هذه الضمائر في العقلاء، هذا وجه ذلك، فإذا كان الخطاب جاريًا معتبرًا فيه حال المخاطب فإنه قد يعبر عما يُذكر بمراعاة ما يعتقده المخاطب، وإن كان المتكلم لا يعتقده، هذه إحدى الصور، سواء كان ذلك في الضمائر والأفعال وما يقوم مقامهما، استعمال ما يكون للعقلاء في غير العقلاء، مثل التعبير عن الترهات بأنها: حجج، ونحو ذلك، أو كان ذلك بغيره مما يكون منسوبًا إلى هذا المعبر عنه، مثل: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [سورة يوسف:4] ما قال: ساجدة، غير العقلاء يقال عنها: ساجدة، قال: سَاجِدِينَ لماذا؟
لأنه نسب إليها فعلا من أفعال العقلاء، وهو السجود، السجود من أفعال العقلاء، فنسب ذلك إليها، قال: سَاجِدِينَ ما قال: ساجدة، يعني: العاقل وغير العاقل، هذا يعبر عنه بعبارات وضمائر، وهذا يعبر عنه بعبارات وضمائر، فإذا عبر عن غير العاقل بما يعبر به عن العاقل فذلك لعلة، هذا المعنى، ما هذه العلة؟
قد يكون باعتبار كذا، باعتبار اعتقاد المخاطب، باعتبار ما أضيف إليها من الأفعال التي تكون للعقلاء، ونحو هذا.
فهنا: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ما قال: "أضلت"، أَضَلُّوا يعني: الأصنام، فهذه الأصنام عندهم آلهة، فأجرى عليها ما يجري على العقلاء من الضمائر.
مع أن بعض أهل العلم لما نظر إلى هذا الاستعمال: أَضَلُّوا قال: المقصود الكبراء والرؤساء، فحينما نجد في كتب التفسير قول من فسر هذا الموضع: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا يعني: الكبراء، لماذا؟ ما توجيه هذا القول؟
باعتبار أن الصيغة مما تقال للعقلاء، فيكف استعملت في الأصنام؟
لكن الجواب هو ما ذكرنا.
طبعا هؤلاء عندهم قرينة أخرى، وهو الكلام عن هؤلاء الكبراء أنهم يتحدثون: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًاإلى آخره... وَقَدْ أَضَلُّوا يعني: هؤلاء الكبراء والرؤساء، لكن إذا قيل: إنها الأصنام: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا يعني: الأصنام.
كيف أضلت الأصنام وهي جمادات؟
يقول: يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقًا كثيرًا، فإنه استمرت عبادتها .. إلى آخره.
يعني: أنه حصل الضرر بسببها، فنسب ذلك إليها، كما قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ [سورة إبراهيم:35، 36].
هذا صريح أن الأصنام أضلت: أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِففتنة الأصنام فتنة عظيمة، لكن من هداه الله واصطفاه، ونجاه، وطهر قلبه من أدران الشرك يرى أن هذا شيء حقير، لا قيمة له، ولكن لها فتنة، وكل باطل له فتنة، على اختلاف أنواعه وصوره وأشكاله.
هذا الذي يكون له نوع عبودية غير عبادة الأصنام، وليست العبادة التي هي كعبادة الأصنام، لكنه متيم بحب امرأة، قد تستغرب من هذا ما هذه التفاهات؟ وهذه الحماقات؟
تأمل، لكن هو بالنسبة إليه -ومن جرب- قد واقع أمرًا يخامر عقله ويخالطه، فذهب صوابه ولبه -نسأل الله العافية، وصار يعيش في حال من الأذى والألم، بسبب هذا العشق.
هكذا، اسأل الذين لربما يتعلقون بمغنٍّ، أو فنان، لما مات أحد المغنيين في القرن الماضي انتحر عدد من الناس، من أجل مغن! فالتافه يعلق بتافه، وهذه النفوس لابد لها من إقبال، ولابد لها من نوع عبادة لهذه القلوب، فإن لم تتعبَّد لله فإنها تتعبَّد لغيره ولابد، فهي مجبولة على الافتقار.
انظر إلى الذين يتعلقون بالألعاب الرياضية بالنوادي، ويشجعون، إلى آخره .. رجل ينسى صوابه، ويبذل نفسه رخيصة وماله، وولده، وزوجته، والناس أجمعين من أجل هذا النادي الذي يشجعه، فتجده يطلّق، يطيش، بعضهم يقول: أنا لا أستطيع أن أحضر مباراة، ولا أنظر إليها بالتلفزيون، لماذا؟ يقول: ما يستطيع، يضطرب ويرتعش، ويبقى قلبه في حال من الخفقان، يصل إلى حد أنه لا يطيق مشاهدة هذه المباراة، وبعضهم يحصل له سكتة.
وبعضهم قتل، كما حصل العام الماضي وقد سمعنا الأخبار في هذا، يعني: رجل قتل أباه في مصر، كما تداول الناس، ونشر في وسائل مختلفة، فهؤلاء يتقاتلون، ويطلّقون، ويفعلون الأفاعيل، من أجل نادٍ لا يدري ولا يشعر بهم، ولا يعرف أنهم شجعوه أو لم يشجعوه، أحبوه أو لم يحبوه، آثروه أو لم يؤثروه، ولا ينتفع من فعلهم هذا، قليلا ولا كثيرًا، ولم يشعر بهم أدنى شعور.
ولكن يتهافتون هذا التهافت، ويتعلقون، وإذا وقف أمام صور اللاعبين المختلفة التي يجمعها فإنه يقف أمامها موقف المعظم لهؤلاء، مع أنه قد عُرفت الحال لدى العقلاء، فكيف يعظَّم مثل هؤلاء؟! كيف يعظمون؟! ولكنها النفس، ولكن القلب المجبول على الافتقار إذا وُجه هذا التوجيه الفاسد تعلق بمثل هذه الأشياء تعلقًا شديدًا، فيكون فيه نوع تعبد، والله المستعان.
وإلا فلو سئل هذا المسكين: أنت آثرت هؤلاء على هؤلاء، ورجحت مثلا على مثل بلا رجحان في الواقع، فالصورة الظاهرة أشكالهم مثل بعض، هذا الفريق وهذا الفريق، لا نرى فرقًا في الظاهر، ولا نرى فرقًا في المؤهلات إطلاقًا، الحال مشابهة، والاهتمامات مشابهة، فعلى أي شيء آثرت هؤلاء على هؤلاء؟ لا شيء، هو ليس عنده جواب إلا كلمة واحدة: "بس..." جواب العاجز، إذا قال لك: "بس..." اعرف أن ذلك عنوان الإفلاس، ليس عنده أي شيء، إذا قلت له: ما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء في الشكل في الصورة وفي المضمون؟ ليس عنده شيء، إلا "بس...".
وقوله: وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم، كما دعا موسى على فرعون ومثله في قوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:88].
وقد استجاب الله لكل من النبييْن في قومه، وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.
يعني تأمل: هنا دعا عليهم أن لا يُزادوا إلا ضلالا.
والضلال: هو الذهاب عن الحق، كما هو معلوم في مثل هذه المواضع، يعني: في معناه الشرعي، لا اللغوي.
وبعضهم فسر: إِلَّا ضَلَالًا يعني عذابًا، كأنه ذهب إلى قوله -تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ [سورة القمر:47] أي: عذاب.
وبعضهم قال: الخسران.
وبعضهم قال: المراد: إِلَّا ضَلَالًا إلا فتنة بالمال والولد.
وبعضهم فسره: بالضياع، هذا باعتبار المعنى اللغوي، أصل المعنى اللغوي: أن الضلال هو الذهاب عمومًا عن حقيقة الشيء، تقول: أضلوه يعني: في الأرض: أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ [سورة السجدة:10] يعني: ماعت أجسامنا واضمحلت وتلاشت.
فآبَ مضلوه بعينٍ جليَّةٍ | ..... |
يعني: دافنيه.
وكذلك قول إخوة يوسف لأبيهم يعقوب ﷺ: تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ [سورة يوسف:95] يقصدون الذهاب عن حقيقة ما جرى ليوسف، لا الضلال الذي هو بالمعنى الشرعي، وإلا لكفروا بهذا، كيف يقولون للنبي: إنه ضال؟
بعضهم يقول: إِلَّا ضَلَالًا يعني في مكرهم.
والمقصود: أنه هنا دعا عليهم أن لا يزيدهم الله -تبارك وتعالى: إِلَّا ضَلَالًا.
وهؤلاء الذين حاولوا أن يفسروه بالعذاب ونحو ذلك، كأنهم استشكلوا: كيف يُدعى عليهم بزيادة الضلال الذي هو الكفر، وهو أمر مكروه بالنسبة لله ، وبغيض، فكيف يريد وقوعه؟!
فيقال: هذا ليس بالضرورة، فهذا دعاء عليهم بالضلال، وليس بدعاء بوقوع الكفر في الخارج، وإن كان ذلك من مقتضياته ولوازمه.
و دعاء نوح ﷺ على قومه، وهو من أولى العزم، بعدما بقي فيهم هذه المدة الطويلة ومن ثَمَّ يقال: إن أحوال الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أكمل الأحوال، فتارة يدعون لقومهم، وتارة يدعون عليهم، والنبي ﷺ وهو أرحم الأمة بالأمة، وأكمل الأنبياء صبرًا دعا على قومه قريش أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسف[18]؛ فأصابهم من الجهد والبلاء والجوع ما هو معلوم.
فهؤلاء الذين يقولون أو ينزعجون من الدعاء على الكافر هؤلاء ليسوا على جادة، فتارة يُدعى على الكافر، ويستحق أن يُدعى عليه، وتارة قد يُدعى لبعضهم، كما دعا النبي ﷺ لأقوام، ودعا على أقوام، بل لعن أقواما في الصلاة في القنوت، حتى نزل عليه قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [سورة آل عمران:128].
هذا في خصوص اللعن والقنوت على أقوام بأعيانهم، ولكن ليس ذلك لمنع الدعاء على الكافر مطلقًا.
والعجيب أن مثل هؤلاء ينزعجون من الدعاء على الكفار، أو يتأذون حينما يُظهر أهل الإيمان الفرح والاستبشار بما يقع للكفار الأعداء المحاربين لله وأوليائه، ما يقع لهم من النوائب والمصائب من زلازل، ومصائب، وطوفان، ونحو ذلك، فهؤلاء ينكرون غاية الإنكار هذا الفرح والاستبشار.
فهؤلاء في الوقت نفسه تجدهم ألسنة حدادًا على أهل الإيمان، ولربما إذا مات الميت ممن له نفع، وبلاء، وبذل كثير في سبيل هذا الدين، لربما استكثروا الترحم عليه: وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [سورة المائدة:41].
قال تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [سورة نوح: 25- 28].
يقول تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ وقرئ: "مما خطاياهم" أُغْرِقُوا أي: من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم.
قوله: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْبعض أهل العلم يقول: "ما" هذه زائدة: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ يعني: أصله "من" "ما" فحصل فيه الإدغام، فقيل: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ.
فبعضهم يقول: إنها زائدة للتأكيد، والمعنى: من خطيئاتهم، يعني: إذا حذفت "ما" فتكون "من" هنا دالة على السببية والتعليل، أي: من أجلها وبسببها: أُغْرِقُوا، وهذا الذي اختاره أبو جعفر بن جرير -رحمه الله. وهذه القراءة: "خطاياهم" قراءة أبي عمرو -رحمه الله.
وقراءة الجمهور: خَطِيئَاتِهِمْ وخطيئاتهم جمع خطيئة، والخطيئة هي ما يقع فيه الإنسان مما يجري فيه المؤاخذة، يعني: قصدًا، أما الوقوع على المخالفة من غير قصد فذاك الخطأ.
تأمل هنا: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا"الفاء" تدل على التعقيب المباشر، ومن ثَمّ فسر بعض أهل العلم هذا الموضع بعذاب القبر، يعني: هو أحد الأدلة التي استدل بها العلماء على إثبات عذاب القبر، يعني: من القرآن، كما في قوله -تبارك وتعالى- عن فرعون وملئه: ماذا قال؟ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [سورة غافر:46].
فهذا يدل على عذاب القبر: يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا يعني: في القبر، عذاب القبر.
هنا: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا"الفاء" تدل على التعقيب المباشر، يعني: بمجرد غرقهم دخلوا النار، هذا قاله بعض أهل العلم.
فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا أي: لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله؛ كقوله: لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ [سورة هود:43].
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا أي: لا تترك على وجه الأرض منهم أحدًا ولا ديارًا وهذه من صيغ تأكيد النفي.
قال الضحاك: دَيَّارًا واحدًا.
وقال السدي: "الديار" الذي يسكن الدار.
فاستجاب الله له، فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه، وقال: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح ، وهم الذين أمره الله بحملهم معه.
لاحظ هنا أنه قال: لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا.
قال السدي: "الديّار" الذي يسكن الدار.
فهذا بمعنى قول من قال كابن جرير -رحمه الله: إن الديّار من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء؛ لأن الدار قيل لها دار أصلا؛ لأنه يرجع الناس إليها بعد تفرقهم في حاجاتهم، وشئونهم.
يعني: كأن هؤلاء مدارهم عليها يذهبون ويرجعون إليها: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ [سورة الحشر:9]، "الدار" تقال: لدار الإنسان التي يسكنها، وتقال: للبلد كذلك.
وهنا قال: الديّار الذي يسكن الدار، فيكون المعنى: لا تجعل فيها أحدًا، لا تجعل ساكنًا، لا تجعل فيها من يتحرك، ويذهب ويجيء.
وقوله تعالى: إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ أي: إنك إن أبقيت منهم أحدًا، أضلوا عبادك، أي: الذين تخلقهم بعدهم: وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا أي: فاجرًا في الأعمال، كافر القلب، وذلك لخبرته بهم، ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.
قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا قال الضحاك: يعني: مسجدي.
تأمل هذا التفسير: وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا قال الضحاك: يعني: مسجدي.
وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، مع أن هذا خلاف الظاهر، لكن كأنهم نظروا إلى أن الدخول الذي يكون له معنى هو دخول المسجد، مكان العبادة، لا مجرد دخول البيت؛ لأن دخول البيت يدخل فيه البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كأنهم نظروا إلى هذا، ولكنه خلاف الظاهر.
يقول: ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها، يعني: أنه الدار، البيت المعروف، وهو أنه دعا لكل من دخل منزله، وهو مؤمن.
مع أن بعض أهل العلم قال: وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا قال: السفينة، وهذا فيه بعد.
وكذلك قول من قال: دَخَلَ بَيْتِيَ يعني: ديني، وهذا بعيد، لكنه البيت المعروف، والله أعلم.
والبيت هنا ينتفي معه كونه يدخله البر والفاجر؛ لأنه قيده بالإيمان، يعني: حتى المسجد قد يدخله البر والفاجر، والمؤمن والكافر، لكنه قيد ذلك بالإيمان.
هنا دعا أولا لنفسه، هذا الأصل أن يبدأ الإنسان بنفسه، وهكذا في التعريف، يعني: الآن تجد بعض من يتكلمون في الآداب يقول: ابدأ بغيرك، واجعل نفسك الآخر، هذا غير صحيح، وإنما يبدأ بنفسه، وفي الدعاء هنا بدأ بنفسه، ثم بالأقرب بالوالدين، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه يدل على أنهما كانا على الإيمان.
وقد يقال: إن ذلك لربما كان جائزًا في شرعه، لم يمنع منه، وإبراهيم ﷺ دعا لأبيه، وعده بالاستغفار، وبين الله وجه ذلك، ولكن نُهينا عن هذا: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [سورة التوبة:113].
يحتمل هذا، وإن كان الذي يغلب على الظن أن الدعاء للكفار أن ذلك في شرائع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام؛ لأن إبراهيم ﷺ لما: تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [سورة التوبة:114] فلما احتجوا بأن إبراهيم ﷺ دعا لأبيه، وأن النبي ﷺ دعا لعمه أبي طالب، قالوا: لندعون لآبائنا الذين ماتوا على الكفر[19] ونحو ذلك، بين لهم هذا: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ.. إلى آخره.
وقوله: وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا.
قال السدي: "إلا هلاكا".
وقال مجاهد: "إلا خسارًا" أي: في الدنيا والآخرة.
آخر تفسير سورة نوح ، ولله الحمد والمنة.
- رواه أحمد (17827)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، رقم (121) بلفظ: ".. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ﷺ، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟.
- رواه بهذا اللفظ ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، ص (115) رقم (386)، والطبراني في الأوسط رقم (943)، وثبت عند البخاري من حديث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم (2067)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم (2557).
- رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر، رقم (2606)، والترمذي، كتاب أبواب البيوع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، رقم (1212)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب ما يرجى من البركة في البكور، رقم (2236).
- جزء من حديث رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم (223).
- الفوائد، ص (187، 188).
- المصدر السابق، ص (188).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- الوابل الصيب، ص (10).
- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، رقم (6016).
- الوابل الصيب، ص (10).
- رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد، رقم (427)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم (528).
- المصدر السابق.
- رواه أحمد، رقم (8430) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (3061).
- رواه البخاري، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، رقم (5950)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (2109).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ، وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [سورة المائدة: 103]، برقم (4623) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (2856).
- رواه البخاري، كتاب الفتن، باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، رقم (7116)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، رقم (2906).
- دعاء النبي ﷺ عليهم جاء في حديث أبي هريرة وفيه: ... اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف رواه البخاري، كتاب الأذان، باب يهوي بالتكبير حين يسجد، رقم (804)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، رقم (675).
- رواه الترمذي، كِتَابُ الْجَنَائِزِ، باب النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، رقم (2036) وأحمد، رقم (1084) وقال محققو المسند: "إسناده حسن" ولفظه: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ: أَتَسْتَغْفِرُ لَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ؟ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ [سورة التوبة: 114].