الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
[1] من قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} الآية 1 إلى قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} الآية 8
تاريخ النشر: ٢٠ / صفر / ١٤٢٩
التحميل: 4039
مرات الإستماع: 8290

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى:

سورة الكهف، وهي مكية.

روى الإمام أحمد عن البراء يقول: قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفر، فنظر فإذا ضبابة -أو سحابة- قد غشيته، فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال: اقرأْ فلانُ، فإنها السكينة تنزل عند القرآن أو تنزلت للقرآن[1]، أخرجاه في الصحيحين، وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو أسيد بن الحضير كما تقدم في تفسير سورة البقرة.

وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال[2] رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، ولفظ الترمذي: من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف[3]، وقال: حسن صحيح، وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين[4]، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه عن الحاكم، ثم روى البيهقي بإسناده أن النبي ﷺ قال: من قرأ سورة الكهف كما نزلت كانت له نورًا يوم القيامة[5].

حديث أبي الدرداء : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال، وفي رواية أخرى: عشر آيات من آخرها، يحتمل أن يكون المراد بقرأ أي: حفظ، ويحتمل أنه مجرد القراءة.

يقال: قرأت هذه السورة، بمعنى حفظتها وعرفتها وضبطتها وأتقنتها وما أشبه ذلك، ولهذا يقال للقراء: الحفاظ سابقًا وأهل العلم، فلان قارئ، فلان عالم، فلان من القراء، وليس المراد الذين يقرءون، فإذا قيل لأهل القرآن: القراء فهذا أقل من الحفظ وإلا فالزمن السابق السلف إذا قالوا القراء فهم أيضًا أهل العلم وليسوا فقط أهل الحفظ.

والأحاديث الواردة في فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة هنا قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين، وفي بعض الروايات: زيادة ثلاثة أيام[6]، وفي بعض الأحاديث ما بينه إلى مكة[7]، وغير هذا مما صح وقد ذكر.

ويوم الجمعة يبدأ من بعد طلوع الشمس ولذلك قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، فلو قرأها ليلة الجمعة فإن ذلك لا يصدق عليه؛ لأن اليوم يبدأ طلوعه من الفجر، من قرأها قبل طلوع الشمس فإنه قرأها يوم الجمعة، أو بعد طلوع الشمس إلى ما قبل الغروب فإذا غربت الشمس انتهى يوم الجمعة، لكن لا يشترط أن تكون القراءة قبل الصلاة، وإنما المقصود أن يقرأ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ۝ قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ۝ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ۝ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۝ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا[الكهف:1-5]، قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها فإنه المحمود على كل حال وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد -صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحًا بينا، جليًا نذيرًا للكافرين بشيرًا للمؤمنين ولهذا قال: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، أي: لم يجعل فيه اعوجاجًا ولا ميلًا؛ بل جعله معتدلًا مستقيمًا ولهذا قال: مِنْ لَدُنْهُ، أي: من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد.

وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ، أي: بهذا القرآن الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح، مَاكِثِينَ فِيهِ في ثوابهم عند الله -وهو الجنة- خالدين فيه أَبَدًا دائمًا لا زوال له ولا انقضاء، وقوله: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا قال ابن إسحاق: وهم مشركو العرب في قولهم: نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، أي: بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه، وَلا لِآبَائِهِمْ، أي: لأسلافهم كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، أي: ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم ولهذا قال: إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا.

قوله -تبارك وتعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا[الكهف:1]، أي أن الله -تبارك وتعالى- جعل هذا الكتاب مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، فليس فيه اعوجاج ولا زيغ ولا ميل، وفسر قَيِّمًا بالمستقيم، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا كما قال ابن كثير -رحمه الله: لم يجعل له اعوجاجًا وزيغًا وميلًا، ليس فيه عوج لا في ألفاظه ولا في معانيه، فألفاظه في غاية الفصاحة والبلاغة والكمال، ومعانيه كذلك أيضًا لا تجد فيها عوجًا فهي في غاية الكمال حيث تضمنت ألوان الهدايات التي يحتاج إليها الناس، فهو مستقيم في لفظه ومعناه.

وبعض أهل اللغة يقول: إن العَوج بفتح العين، هو الأجسام المحسوسة، والعِوج بالكسر في المعاني، ولكن هذا ليس بمطرد.

وبعضهم يقول: إن ما كان له ظل مما ينتصب كالعود والجدار يكون عَوجًا بفتح العين إذا كان فيه ميل، وما عدا ذلك يقال بالكسر العِوج، هذا القول أخص من الذي قبله.

قَيِّمًا، أي: مستقيمًا، هذا هو المشهور الذي عليه الجماهير من المفسرين سلفًا وخلفا، والذي لا عوج فيه يكون مستقيمًا، فهذا تأكيد لما قبله، فقد نفى عنه العوج، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا وهذا نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، فليس فيه عوج بوجه من الوجوه لا في اللفظ ولا في المعنى، ومعلوم أن النفي إذا جاء في صفات الله أو في صفات النبي ﷺ أو في القرآن فإنه يتضمن ثبوت كمال ضده، فإذا قال الله عن نفسه: لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ [سورة البقرة:255] فإن هذا يتضمن ثبوت كمال حياته وقيوميته، وجاء من صفات النبي ﷺ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [سورة التكوير:24] وفي القراءة الأخرى بظنين من الظن والتخرص، على هذه القراءة هذا يدل على ثبوت كمال تيقنه وتثبته وضبطه وصحة ما يبلغه، وقل مثل ذلك أيضًا في القراءة الأخرى "بضنين" يعني ببخيل.

فقوله: قَيِّمًا  يدل على أنه لا اعوجاج فيه أصلًا لا مما يبدو للناظر فيه ولا مما يخفى عليه، فلو قلت لك: هذه السارية هل هي مستقيمة أو لا؟ تقول: نعم مستقيمة، لكن لو أردت أن تقيسها قياسًا دقيقًا فقد يوجد فيها شيء من العوج لا يبدو لك لأول وهلة، أما القرآن فقال الله  عنه بعد أن نفى عنه العوج قَيِّمًا فليس فيه عوج لا ظاهر ولا عوج خفي، وبعض أهل العلم يفسر القيّم فيقول: القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية، وبعضهم يقول: إن القيّم المهيمن، فهو قيم على الكتب التي كانت قبله ومهيمن عليها، ولكن القول الأول هو الذي عليه الجمهور، والله تعالى أعلم.

قوله: لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [سورة الكهف:2]

وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ، فالإيمان هو الشرط الأول، فلو أن الإنسان عمل عملًا ما يريد وجه الله  وموافقًا للسنة لكنه غير مؤمن، فعمله غير مقبول منه، لأن الله -تبارك وتعالى- يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [سورة الفرقان(23].

ولا يكون العمل صالحًا حتى يكون خالصًا صوابًا يتبع فيه ما شرعه الله ويتبع النبي ﷺ فهذه الآية تضمنت شروط قبول العمل الثلاثة.

وقوله: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [سورة الكهف:4]، الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: "قال ابن إسحاق: وهم مشركوا العرب في قولهم: نحن نبعد الملائكة بنات الله"، ليس هذا فحسب بل يشمل اليهود والنصارى؛ فالنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وقالت اليهود أيضًا: عزير ابن الله، ومعلوم أن الاسم الموصول من صيغ العموم، وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، كل الذين قالوا اتخذ الله ولدا فهم داخلون في ذلك، وهذا خاص بعد عام، فالعام هو قوله: لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ، ويدخل فيهم بجملتهم الذين قالوا اتخذ الله ولدا، ولكن ذكْر الخاص بعد العام إنما يكون لمزية تميز بها إما محمودة أو مذمومة، فالمحمودة مثل: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [سورة البقرة:238]، وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [سورة البقرة:98] ، جبريل وميكال هم من جملة الملائكة.

والمذمومة مثل هذا: لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ يعني: ينذر الكافرين، حذف المُنذَر للعلم به، وهنا قال: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، فهم من جملة هؤلاء المنذَرين لكنه خصهم لشناعة جرمهم كما قال الله : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ۝ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ۝ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ۝ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ۝ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا [سورة مريم(88-92]، فهذا القول في غاية الشناعة، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن المراد قول النصارى؛ لأن النصارى هم الذين اشتهروا بهذا، فقول النصارى إنما هو عار في جبين البشرية.

قوله: مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍالضمير يمكن أن يرجع إلى الله وهذا الذي اختاره ابن جرير، أي: بالله من علم، فلم يعرفوه معرفة لائقة بجلاله وعظمته، فنسبوا إليه الصاحبة والولد قبحهم الله، وكثير من المفسرين يقولون: مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍكما قال ابن كثير -رحمه الله: أي بهذا القول -الذي افتروه وائتفكوه- من علم، إنما قالوه جهلًا وضلالًا ولا حقيقة له بحال من الأحوال، وَلَا لِآبَائِهِمْ أي: لأسلافهم.

كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم، تخرج من أفواههم أي: ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل عليها إلا كذبهم وافتراؤهم، ولهذا قال: إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا.

ومن المعلوم أن الكلمة إنما تخرج من أفواههم ولكن قوله: تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فيه تشنيع عليهم وتعظيم لهذا الإفك وتسجيل هذا الجُرم، كما تقول: هذا ما قلتَه بلسانك، فالقول الذي يُرد ويُبطَل ويكذَّب، بحيث إنه لا رصيد له من الواقع، وإنما هو مجرد قول يقوله قائله دون أن يكون له حقيقة يقال فيه مثل هذا.

ولهذا قال الله في سورة النور في الكلام على الإفك: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ [سورة النــور:15]، فهي كلمة يقولونها بأفواههم ويسجل عليهم هذا الجُرم الشنيع، يتفوه الإنسان بما لا علم له به دون أن يمت ذلك القول إلى الواقع والحقيقة بصلة.

وهكذا في قوله -تبارك وتعالى- في التبني حينما قال الله : وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [سورة الأحزاب:4]، فهذا القول لا يجاوز الأفواه، لا حقيقة له في أرض الواقع.

ومثل هذا قوله -تبارك وتعالى: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [سورة البقرة:79]، ومعلوم أنهم لا يكتبونه بأرجلهم، وقوله: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم [سورة الأنعام:38]، وإن كان بعض أهل العلم في بعض هذه الأمثلة يحملها على بعض المحامل، فيقول: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إن المقصود بذلك حقيقة الطائر، وإن العرب تعبر عن الإسراع بمثل هذه العبارات، فأراد حقيقة الطائر.

وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة.

هذا الشيخ هو محمد بن أبي محمد، وهذه رواية ضعيفة.

عن عكرمة عن ابن عباس -ا- قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصِفوا لهم صفته وأخبِروهم بقوله.

النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط كانوا من أسرى بدر فقتلهما النبي ﷺ في يوم بدر، فقد قتل النبي ﷺ النضر بن الحارث في بدر حينما أسر، وقتل عقبة بن أبي معيط بالصفراء مقفله ﷺ من بدر إلى المدينة، وقد قال: أَأُقتلُ من بين قريش صبرًا؟!

ويذكر أهل السير أن النبي ﷺ كان قد عفا عن النضر بن الحارث، وأراد أن يطلقه، ثم قال له: لا والله لا تمسح عارضيك عند نساء أهل مكة وتقول خدعت محمدًا مرتين، وأهل السير يذكرون قصيدة طويلة لأخته تخاطب فيها النبي ﷺ وتذكره بالعفو، وهي قصيدة جيدة وجميلة ويذكرون أن النبي ﷺ بلغته بعد قتله، يعني: وذكر أنه لو بلغته قبل قتله لوهبه لها، لكنها من حيث الإسناد لا تصح[8].

فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصِفوا لهم صفته وأخبِروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله ﷺ ووصفوا لهم أمره وبعض قوله وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فرجل متقوّل فَرَوا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمَرَنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها فجاءوا رسول الله ﷺ فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله ﷺ: أخبركم غدًا عما سألتم عنه، ولم يستثنِ فانصرفوا عنه ومكث رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبرائيل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدَنا محمد غدا، واليوم خمسَ عشرةَ قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسولَ الله ﷺ مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبرائيل من الله بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [سورة الإسراء:85].

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ۝ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۝ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [الكهف:8].

 يقول تعالى مسليا لرسوله -صلوات الله وسلامه عليه- في حزنه على المشركين؛ لتركهم الإيمان وبعدهم عنه كما قال تعالى: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [سورة فاطر:8]، وقال: وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [سورة الحجر:88]، وقال: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [سورة الشعراء:3]، باخع، أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم ولهذا قال: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6] يعني: القرآن، أَسَفًا، يقول: لا تهلك نفسك أسفا، قال قتادة: قاتلٌ نفسك غضبا وحزنا عليهم، وقال مجاهد: جزعا، والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم بل أبلغهم رسالة الله فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

كما ذكر -رحمه الله: هذه المعاني متقاربة؛ لأن أصل معنى البخع يأتي بمثل هذا، فباخع نفسك: أي: تجهد نفسك، تتعب نفسك، تتعب قلبك، تحزن، تهلك نفسك، على هؤلاء، على آثارهم من أجل إعراضهم وتوليهم وتكذيبهم لك، فتتآكل حزنًا وأسفًا على ذلك، إنما أنت مأمور بالبلاغ، والله -تبارك وتعالى- هو الذي يوفق من شاء إلى ما شاء، يهدي من يشاء ويضل من يشاء عن علم وحكمة.

وهذه الآية فيها عزاء كبير للدعاة إلى الله إذا لم يجدوا استجابة من الناس، إذا سلكوا الطرق الصحيحة وبذلوا الجهد الذي يعذرون فيه أمام الله -تبارك وتعالى.

فلا يتآكل الإنسان من الحزن، فإنّ تتابع الحزن على القلوب يضعفها ويعيقها عما هي بصدده من العمل لله  والدار الآخرة.

أما الحزن والإشفاق من الدار الآخرة فهو نافع للقلب غاية النفع؛ لأنه يدفع الإنسان للعمل الصالح، لكن الحزن على هذه الدنيا، والحزن على الأمور الفائتة، والحزن على الولد هذا الذي يضعف القلب، كما أن الأمور العارضة له تضعفه وتفسد قواه ويؤثر ذلك على البدن، إذا تتابع الحزن انكسر البدن وظهر ذلك فيه، وخارت قوى الإنسان واكتأب، وصار لا يستطيع أن ينهض بشيء ولا يستطيع أن يأكل ولا يشرب.

وهكذا ما يعرض له من الأمور المفسدة، كالحب مثلا الذي لا يكون لله الذي هو بمعنى العشق حقيقة، إذا وُجد في القلب مثل هذا أفسده، فأعرض عن الله وتشوش الفكر، وانشغل القلب بهذا المحبوب وصار الإنسان لا ينهض بشيء -نسأل الله العافية، لا عمل دنيا ولا عمل آخرة، ويجلس مع الناس بجسده، ولكنه معطل القوى خائر العزيمة، لا يفكر إلا بهذا المحبوب، مسلوب الفؤاد مأسور بهذا البشر الضعيف، وقل مثل ذلك أيضًا في الأمور الأخرى.

ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارًا فانية مزينة بزينة زائلة، وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار فقال: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سورة الكهف:7]، قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء[9]، ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخرابها فقال تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [سورة الكهف:8]، أي: وإنا لمصيّروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار، فنجعل كل شيء عليها هالكا صعيدا جرزا لا ينبت ولا ينتفع به، كما قال العوفي عن ابن عباس  -ا- في قوله تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [سورة الكهف:8]، يقول: يهلك كل شيء عليها ويبيد وقال مجاهد: صعيدا جرزا بلقعا، وقال قتادة: الصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات.

قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سورة الكهف:7] "ما" هذه تفيد العموم، ولهذا حمله بعض أهل العلم على أعم معانيه، قال: حتى الحيات هي زينة للأرض، ولكن على كل حال يفهم من السياق إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا ، يعني: مما يستهوي الناس ويجذبهم وتمتد إليه نفوسهم، ويغرهم وما يشغلهم عن آخرتهم، فهذا كله جعله الله زينة للأرض، كالنبات وما يوجد أيضًا في الأرض، ما يوجد عليها من الأمور التي يقبل عليها الناس وتهواها نفوسهم، كل ذلك، ويدخل فيه العمران وألوان الصناعات، والتجارات والمكاسب، وغير ذلك، ويدخل فيه الأنهار الجارية، والعيون وألوان الثمار وغير ذلك، فكل هذه الأشياء هي زينة لها، ثم بعد ذلك تكون بلقعا.

قوله: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [سورة الكهف(8] كل ما تعبوا وبذلوا فيها، ثمروها وعمروها، وكل المعاني التي ذكرها السلف في الصعيد الجرز متقاربة، فحينما نقول -مثلًا- بأنها مستوية لا نبات فيها، أو حينما نقول بأنه خراب ودمار، تكون خرابًا ودمارًا، أو هالكًا، أو لا ينبت، لا ينتفع به، يبيد، الأرض التي لا شجر فيها ولا نبات، كل هذا بمعنى مستوية، يسويها الله ، كل ما عليها مما يتهافت عليه الناس هذا كله يستوي بالأرض، وينتهي ويتلاشى، والله يرينا الآيات لكننا لا نعتبر، فأين ما بناه الأولون؟ أين ما بناه النمرود؟ وأين ما بنته عاد؟ أين الذي بنته إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ أين ما بنوه أين ما شيدوه؟ كل هذا ينتهي ويتلاشى، أين بيوتهم؟ أين مراكبهم؟ أين صناعاتهم؟ أين تجاراتهم؟ أين الأمور التي تنافسوا عليها؟ كلها قد انمحت واضمحلت، وهذه الفلوات الصحارى هل تظنونها كانت صحارى من أول ما خلق الله الدنيا إلى اليوم؟ قد تكون أمم عمرتها، ثم أفناها الله وجعلها كما ترون، مستوية لا ترى فيها شيئًا يدل على قوم سكنوها واستوطنوها.

وقوله: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سورة الكهف:7]، بعض أهل العلم يقول: "أيهم" مرفوع على الابتداء، ولفظه لفظ الاستفهام، أي: نختبرهم أيهم أحسن عملًا وأيهم أسوء عملًا كذلك، فأخبر –تبارك وتعالى- أنه جعل ما على الأرض زينة ليختبر الناس أيهم أحسن عملا، فهل يقبلون عليها ويغفلون عن الله وعن الدار الآخرة؟ هل تستهويهم هذه الزينة؟ أو أنهم يقبلون على ما هم بصدده؟ الآية الآخرة في سورة تبارك: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [سورة الملك:2]، ولاحظ في الآيتين أن الله -تبارك وتعالى- ذكر أمرًا متحدًا وهو أنه خلق ذلك من أجل الابتلاء من جهة حسن العمل، هذا المقصود الأكبر، والمطلوب الأعظم الذي من أجله يتنافس المتنافسون، فليست العبرة بكثرة العمل وإنما بإحسان العمل، والله المستعان.

(مسألة)

الإشراك بالله من جملة القول بلا علم، والقول بلا علم يتفاوت ليس على مرتبة واحدة، فلو أن أحدًا قال في مسألة من المسائل التي لا علاقة لها بالدين -في مسألة في الرياضيات- بلا علم فهذا يعتبر خطأ، ولكنه لا يكون كالذي قال في مسائل الشرع، ومن قال في مسألة تتعلق بالطهارة مثلًا بلا علم، قال مثلًا: إن الماء لا ينجس ولو تغير، فمثل هذا ليس كالذي نسب لله الصاحبة والولد، وجعل له شريكًا فهذا يتفاوت، والله قال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، فذكره مع هذه الأمور.

وكثير من أهل العلم يقولون: ذكره مع الإشراك ليدل على شدة شناعته، وهذا إنما هو مأخوذ بنوع من الدلالة يقال لها دلالة الاقتران، وهي من الناحية الأصولية دلالة ضعيفة ليست قوية وليست بحجة، دلالة الاقتران كما في قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً [النحل:8]، كما سبق في الكلام على سورة النحل، فالخيل والبغال والحمير، الأحناف يقولون: إن الله ذكر الخيل مع البغال والحمير -وما ذكرها مع الأنعام- فدل على أنها لا تؤكل، فيقال لهم: هذه دلالة اقتران، وهي ضعيفة.

فهنا بالنسبة لدلالة الاقتران: الذي أظنه -والله تعالى أعلم- أقرب في الكلام فيها هو التوسط فلا يبنى عليها أحكام لضعفها ولكنه يمكن أن يستنبط ويستأنس بها من جهة المعاني، فمثلًا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ [الأعراف:33]، الإثم يشمل كل الذنوب، وذكره الله في هذا السياق مع الإشراك، فهل يقال إنه على مرتبته بإطلاق؟

الجواب: لا، وهكذا ذكر القول عليه بلا علم من جملة هذه وهو من جملة الإثم، ومثل هذا يمكن أن يستأنس به من جهة المعنى، يقال: ذكره الله في سياق هذه الأمور، وإلا فالله يقول: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]، ذكر هذه الثلاثة، هل يقال إن من زنى ومن قتل بمنزلة من أشرك؟

الجواب: لا، لكن من جهة المعاني نستفيد منها ونستأنس بها، نقول: الله ذكر هذين -الزنا والقتل- في هذا السياق مع الإشراك وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]، فدل على أن هذه الأمور الثلاثة في غاية الشناعة من جهة المعاني، ولهذا يقال مثلًا: إن الله يقرن بين الصلاة والزكاة دائمًا مما يدل على أهمية هذين بين أركان الإسلام مثلًا، أو لمزية، أو يذكر جبريل وميكال، فهذا موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، وهذا موكل بما فيه حياة الأبدان، من جهة المعاني، وهكذا حينما يقال: إن الله يقرن بين الصبر والتقوى بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:125]، الصبر فيه حبس للنفس عن الجزع والانفلات والترك والتضييع، والتقوى هي الترس الذي إذا تحصن به الإنسان لم يصل إليه الضرر.

(مسألة)

العرب قد تُعبر بالليلة وتقصد يومها معها، وقد تُعبر بالليلة وتقصد بها الانفراد أي الليلة فقط، وقد تُعبر باليوم وتقصد به اليوم والليلة معًا الأربع والعشرين ساعة، ولكن هذا ليس دائمًا ولهذا يختلف العلماء في مسائل من هذا القبيل لهذا السبب حينما يقول الله : سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7]، سبع ليالٍ معناها أنها بدأتهم من الصباح، الليلة التي قبلُ لم تأتهم فصارت سبع ليالٍ وثمانية أيام، آخر ليلة مع يومها الذي بعدها ففرق هنا بين الليالي والأيام، لكن تجد هذا الخلاف في الكلام على أقل مدة للاعتكاف -مع أن الحديث لا يثبت فيه أقل مدة الاعتكاف بحال- لما قال عمر : نذرت أن اعتكف ليلة، هل المقصود ليلة فقط أو المقصود ليلة مع يومها؟ العرب قد تعبر بهذا عن هذا، وقد تعبر عن غيره، وهذا معروف في إطلاقاتهم، فإذا قال: قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، ولاحِظْ في الصلاة على النبي ﷺ أنه أمر بالصلاة عليه في ليلة الجمعة وفي يوم الجمعة، وفي قراءة الكهف ذكر يوم الجمعة، فتتبُّعُ مثل هذا واستقراؤه قد يحمل الإنسان على أن يرجح أن ذلك إنما يكون في يومه، والله أعلم.

  1. رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة الكهف (4/1914)، برقم: (4724)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب نزول السكينة (1/547)، برقم: (795)
  2. رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي (1/555)، برقم: (809).
  3. رواه الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة الكهف (5/162)، برقم: (2886)، ولفظه: من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال.
  4. رواه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الكهف (2/399)، برقم: (3392).
  5. السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها، (3/249)، برقم: (6209).
  6. رواه الحاكم في المستدرك، كتاب الجمعة (1/417)، برقم (1040)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة (7 /18)، برقم: (2779).
  7. رواه البيهقي في شعب الإيمان (3 / 112)، برقم: (3038).
  8. انظر  القصيدة في  السيرة النبوية، لابن هشام (3 /309).
  9. رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة (4 / 2098)، برقم: (2742).

مواد ذات صلة