الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
المعالم العشرة في حفظ المتون
تاريخ النشر: ٠٩ / رجب / ١٤٣٠
التحميل: 7471
مرات الإستماع: 10155

أهمية الحفظ

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، أما بعد:

في هذه الليلة سأطرح هذا الموضوع الذي قرأتم عنوانه، وهو معالم عشرة لحفظ المتون، وهذا الموضوع، وإن كان يتصل بحفظ المتون إلا أنه ينفع سامعه بإذن الله وإن لم يكن ممن يشتغل بحفظها، ينفعه من جهة أنه لربما يوجه غيره من ولد، وقريب، وتلميذ، وينفع من جهة أنه - فيما أظن - نموذج، ومثال للتخطيط الذي أظنه أقرب إلى الواقع، وأسلم، وأنفع، وأخصر في البلوغ إلى المطلوب.

المشكلة أننا في الكثير من أحوالنا، وأعمالنا، وبرامجنا العلمية نسير من غير خطة، والإنسان لربما يلتحق في برنامج يعلن عنه هنا، أو هناك، ولكن ماذا بعد ذلك؟ ما هي الخطوات التي تكون بعد هذه الخطوة؟ لربما لم يفكر، ماذا تريد أن ينجز بعد أربع سنوات، بعد ست سنوات، بعد عشر سنوات؟ كيف سيكون حالك مع هذه البرامج، من مذاكرة، ومراجعة؟ كل ذلك لربما لا يفكر كثير منا فيه.

فأقول: لا يخفى على أحد ما للحفظ من أهمية بالغة؛ فطالب العلم لا يستغني عن الحفظ، ولكن يجب أن يكون مع هذا الحفظ الفهم الصحيح، وذلك أن العلوم الشرعية ليست كالرياضيات، أو الكيمياء، أو الفيزياء، أو نحو ذلك من العلوم الطبيعية التي تحتاج إلى فهم.

العلوم الشرعية تحتاج إلى أصل العلم الذي هو الكتاب، والسنة، فإذا لم يكن طالب العلم يحفظ النصوص من الكتاب، والسنة، قال الله، قال رسوله ﷺ ولا يحفظ مواطن الإجماع، ومواطن الخلاف، ومذاهب أهل العلم، فكيف يتكلم في العلم؟.  

إن الكثيرين بما تأثروا بمعطيات الحضارة الغربية، ومناهجها، ونظمها في التعليم، وفي غيره رجعوا إلينا يتكلمون بكلام عام، من غير تفصيل، فيذمون الحفظ، ويعيبونه، ويرون أنه لون من الاستهلاك، والإنهاك لأذهان التلاميذ، وهذا خطأ؛ لأن هؤلاء إنما يتحدثون عما عرفوه من علومهم، وتخصصاتهم، ولكن كيف يمكن لطالب العلم الشرعي أن يُطالَب بالفهم فقط، ولكنه لا يحفظ الأدلة، ولا يحفظ مذاهب أهل العلم، فكيف يتكلم؟

ففرق كبير بين العلوم الشرعية، وبين غيرها، ولهذا قيل: "العلم ما حواه الصدر، وحظ المرء منه بقدر ما يستظهر منه في قلبه، وقد قيل: "لا خير في علم لا يعبر معك الوادي، ولا يَعْمُر بك النادي"[1].

بل قال الطاهر ابن عاشور صاحب التحرير، والتنوير في كتابه "أليس الصبح بقريب": لا يعتبر العالم عالماً، ما لم يكن كثير الحفظ، نعم إنه إن ضم إلى ذلك الاستنباط، والتحقيق نال شهرة كبرى، ولكن لا يعد عالماً ما لم يكن كثير الحفظ[2].

هذا كلامه، وهو من أكثر الناس عناية بطرائق التعليم، وقد نبغ منذ شبابه، وتفطن إلى أمور بعد ذلك، قال بعدها بأنه لو أدركها لما احتاج إلى كثير من الجهد الذي بذله، والأوقات التي قضاها في مجالس العلم.

  1.  الآداب الشرعية لابن مفلح (2/118).
  2.  أليس الصبح بقريب (51).
نماذج فذة في الحفظ

وقد حفظ لنا التاريخ نماذج فذة في الحفظ، فالشعبي - رحمه الله - كان آية في الحفظ، كان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي.

وكان يقول: ما سمعت منذ عشرين سنة رجلاً يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه إنسان، أو رجل لكان به عالماً[1].

كان - رحمه الله - يقول: ما أروي شيئاً أقل من الشعر. أقل ما يحفظ هو الشعر، ويقول: لو شئت لأنشدتكم  شهراً لا أعيد بيتاً[2].

أما الأصمعي فكان أعجوبة من أعاجيب خلق الله كان يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة[3].

ويقول ابن الأعرابي - وهو الراوية المعروف - : سمعت الأصمعي، وهو ينشد من مائتي بيت ما فيها بيت عرفناه[4].

هذا ما يقوله رجل من العامة، يقوله رجل راوية للشعر، ولكلام العرب، ويحفظ الكثير منه.

وقد وقع له موقف عجيب يدل على شدة حفظه، وما أعطاه الله، وحباه من الحافظة، يقول أحمد بن عمر النحوي: قدم الحسن بن سهل - الحسن بن سهل أمير من الأمراء - فجمع أهل الأدب، يقول أحمد: وحضرت، وكان الأصمعي موجوداً، يقول: ووقع الحسن هذا الأمير على خمسين رقعة، طلبات للناس، وحاجات، فيكتب عليها، يُعطَى هذا كذا، وهذا يُعطَى كذا، وهذا يُعطَى كذا، على خمسين رقعة، وفي أثناء المجلس جرى ذكر الحفاظ، يقول فذكرنا الزهري، وقتادة، فقال الأصمعي: فأنا أعيد ما وقع به الأمير على التوالي - بالترتيب، خمسين رقعة - يقول: فأحضرت، فقال: بدأ يعد الأصمعي الآن، فقال: صاحب الرقعة الأولى كذا، وكذا، واسمه كذا، وكذا، ووقّع له بكذا، وكذا، والرقعة الثانية كذا، وكذا، والثالثة، حتى مر على نيف، وأربعين رقعة بالترتيب.

فقال نصر بن علي الجَهْضميّ: أيها المرء أبقِ على نفسك من العين، في بعض الروايات: حسبك لا تُقتل بالعين[5].

كيف وصل إلى هذه المرحلة، وهذا المستوى؟ وهل عُدم ذلك في الأمة؟ أليست العقول هي العقول؟ لابد أن يوجد في الأمة مثل هؤلاء، وإن كان الناس يتفاوتون، لكن هل يمكن أن يعدم ذلك في الأمة من أولها إلى آخرها؟.

والكلام في هذا يطول، والأخبار فيه كثيرة، وهي مبهرة، ولا أطيل بالسرد، والتعداد لهذه النماذج، فتراجع في مظانها، لكن أشرع في موضوعنا الذي هو المقصود.

  1.  سير أعلام النبلاء (4/301).
  2.  المصدر السابق (4/302).
  3.  المصدر السابق (10/177).
  4.  المصدر السابق.
  5.  المصدر السابق (10/180).
الحفظ يتطلب جهداً كبيراً في أوله

حينما يتحفظ الإنسان، ويتطلب جلوساً، وأوقاتاً، كما أنه يتطلب أيضاً جهداً لا يقل عن الجهد الأول عبر الأيام، والسنين، بأن الإنسان لابد أن يذاكره، وأن يراجعه، وإلا نسيه، فهذا العمل، وأي عمل يقضي به الإنسان أوقاتاً متطاولة، لا ينبغي أن يضيع سدى، وأن يذهب هباء، أو أن يكون سبباً في دخول النار، كأن يكون لصاحبه قصد سيئ، من رياء، وسمعة، وتعرفون الحديث في أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، ومنهم الرجل الذي تعلم العلم، أو قرأ القرآن ليقال: قارئ[1].

فهذا يدخل قبل الزاني، والسارق، وشارب الخمر، جهد كبير، وعناء، وحبس للنفس عن كثير من مشتهياتها، لا ينبغي أن يضيع، أو أن يفوت، ثم يحصل من جرائه مع العنت الذي يلقاه الإنسان في الدنيا، يحصل عنت آخر في الآخرة إنما الأعمال بالنيات[2] يكون للإنسان نية في كل أمر يلج فيه.

  1.  أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (3/1513)، رقم: (1905).
  2.  أخرجه البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ ؟ (1/6)، رقم: (1).
عشرة أمور تعينك على الحفظ

الأول:  أن تراعى أحوال الذهن، فالذهن، والنفس له حالات من الإقبال، والإدبار، وهذا أمر مدرك، حتى في القضايا النفسية، من الحزن، والكآبة، والارتقاء، وإشراق النفس، حينما يحلق الإنسان عالياً في بعض الأوقات، هي مثل ما يضعون في الرسم البياني، هكذا، النفس أحيانا تهبط، وأحياناً ترتفع، أحياناً لا يستطيع أن يقرأ مطوية، وأحياناً يريد أن يلتهم المجلدات، فهذه الأحوال تمر على النفس، والأوقات تتفاوت، فحينما يكون الذهن مكدوداً، ومجهداً فإنه لا يصلح للحفظ، ولذلك في الأيام الماضية - أيام الاختبارات - تأتي رسائل من بعض الإخوان، بعضهم يقول: أنا متفوق في دراستي، بحيث دائماً أحصّل المعدل الكامل، يعني: بعضهم أربعة من أربعة، فيرسل أحياناً رسالة في أيام الاختبارات، ويقول: أنا الآن لا أستطيع أن أقرأ شيئاً، فيطلب الدعاء من هذا، وهذا، متوقف، لماذا ؟ بعضهم لربما يبكي، يظن أنه أصابه شيء، والواقع أنه ما أصابه شيء، لكن هذا أمر يحصل للنفس، حتى إن من لطف الله بالإنسان أنه إذا غلبه الإجهاد، والتعب، أو الألم، والمرض انفصل عنه العقل، فأغمي عليه، وغُيب، فلا يشعر بالآلام، هذا من لطف الله .

هكذا الذهن إذا أجهد، فإنه لا يحتمل، إذا كان الإنسان مشغولاً مشوشاً لعارض، من حزن، وفرح، أو نحو ذلك، فإنه لا يكون مهيأً للحفظ، حينما يعود الإنسان من عمله، ويريد أن يحفظ، فإنه قد لا يتمكن، ويطول عليه الزمان، ولم ينجز شيئاً يذكر، ولذلك يحتاج الإنسان أن يتحرى الأوقات التي يكون ذهنه فيها متهيئاً للحفظ، هذا لابد منه، وأن يتحرى الأوقات، والأمكنة التي تقل فيها الصوارف، والشواغل، والمشوشات، ما يحفظ في دكان في السوق، أو يحفظ - كما يقال - في أماكن الأنهار، وما إلى ذلك من الأصوات المزعجة، أصوات السيارات، أو نحو ذلك.

وهذا أمر بين، وقد ذكره أهل العلم في كتبهم، وشروحهم، ونبهوا عليه، وذكروا الأوقات التي يحسن فيها الحفظ، والأوقات التي يحسن فيها المراجعة، والأوقات التي يحسن فيها الفهم.

كما يقول الخطيب البغدادي - رحمه الله - : أجود الأوقات الأسحار، يعني: للحفظ، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعد ذلك ذَكر أول النهار، وقال: إن حفظ الليل أصلح من حفظ النهار، وذكر أماكن الحفظ: الغرف العلوية أفضل من السفلية[1].

وهكذا في كل مكان بعيد عما يلهي، ويشوش الأذهان، ونهوا المتحفظ أن يحفظ بحضرة النبات، والخضرة، وهذا يقال أيضاً لمن يريد أن يحفظ القرآن، أو يقال لمن يريد أن يفهم في دراسة، أو نحو ذلك.

أنت بحاجة أن تجمع الذهن، ولهذا فإن المجربين يقولون: كلما كان المكان ليس فيه ما يشوش فهذا أفضل، وكلما كان أضيق فهو أدعى إلى الحفظ، ولهذا بالإمكان أن يقترب الإنسان جدًّا من الجدار لتكون المساحة التي تراها العين ضئيلة؛ لأن العين تصب في القلب المشاهد التي تراها، والقلب هو محل الحفظ، فيحصل له تشويش، وانشغال.

فهذه الأشياء التي ترِد عليه، أو يضع الجوال بجانبه، ويتكلم، ويقرأ كل رسالة تصل، فإن ذلك يأخذ شُعباً من قلبه، فلا يجتمع عليه، فيطول عليه وقت الحفظ، ولذلك تجد الإنسان أحياناً يريد أن يحفظ شيئاً يسيراً، فيجلس مدة طويلة، بينما يمكن أن يُحفظ هذا بعشر دقائق.

بل لربما يقرأ الإنسان صفحة واحدة، ويجلس مدة طويلة من الزمن، وإذا نظر يجد أنه كأن لم يقرأ الأسطر الأولى، فيرجع، وثانية، وثالثة، لماذا؟

لأنه في مكان غير مهيَّأ، يجلس في الصالة مع أهله، ويسمع بأذنٍ الحديث، وينظر بعينٍ إلى الكتاب، ولا يحصل له كبير مطلوب، وهكذا قالوا: إن أوقات الجوع أفضل من أوقات الشبع[2].

كما ذكر ابن جماعة أن أفضل وقت للحفظ الأسحار، وللبحث الإبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة، والمذاكرة الليل[3].

لكن هذه تختلف من زمان لآخر، ومن شخص لآخر في حياتنا المعاصرة.

نحن حينما نسهر عامة الليل، ثم بعد ذلك نقرأ في كلام الخطيب، أو ابن جماعة أن أفضل وقت للحفظ الأسحار، فنحن نخطئ حينما ننزل ذلك الكلام على حالنا، وواقعنا، من ينام بعد صلاة العشاء فإنه يكون في وقت السحر في غاية اليقظة، والنشاط، أما الذي ينام في الواحدة، أو ما قارب ذلك فإنه لا يكاد يستيقظ لصلاة الفجر، فكيف تريد منه أن يحفظ؟.

وهكذا فيما يقال بعد صلاة الفجر، إذا كان الإنسان يتأخر، ويسهر فإنه يكون في ذلك الوقت في حال من مغالبة النوم، والتعب، والإرهاق لا يخفى، لكن ذلك يقال لمن يبكر في نومه.

وأظن أن وقت الأسحار في زمانهم يشبه وقت الظهر في زماننا في الإجازات؛ لأن كثيرًا من الطلاب إنما يصحو وقت الظهر، فيكون ذهنه في هذا الوقت في غاية الصفاء، وهكذا تتقلب الأمور، وتتغير الأحوال، بحسب ما نزاوله من أعمال، وحسب ما يطرأ علينا من أحوال، وأمور.

الثاني:  مما يعين على الحفظ، وأختصره لكم اختصاراً: التحق بالبرامج الموجودة الناجحة المجربة، فقد سلك هذا الطريق سالكون قبلك، وتخرجوا فيه، فعليك بهذا المَهْيع، ولا تتطبب على نفسك؛ لأن الكثير لربما يتحمس، ويضع له برنامجاً، ولربما بالألوان، ويتحمس في أول الإجازة، أو أول ارتفاع الهمة، وفي كل وقت، وفي كل حين يريد أن يحفظ كذا، وفي الساعة الفلانية، ثم هذه الشحنة من النشاط، والهمة تستمر معه لربما أسبوعًا، أو عشرة أيام، أو أكثر، ثم بعد ذلك يبدأ بالهبوط، والنزول، ويعرض له من العوارض، والشواغل، وهو أمير نفسه، هو الذي يقرر: الآن تستريح، الآن أنت مرهق تنام، الآن تزور فلانًا، الآن تذهب إلى المكان الفلاني، وهذا يرِد عليه في وقت حفظه، وهذا يزوره، وهذا يتصل عليه، ونحو ذلك، ويضمحل الوقت، ولم يخرج بكبير طائل، وتمضي السنون، ثم يلوح الشيب في مفارقه، وفلان هو فلان الذي عرفناه قبل عشر سنوات، وقبل عشرين سنة.

فأقول: اختصر على نفسك الطريق، تريد حفظ القرآن، ادخل في برنامج جيد من هذه الحلقات مجرب معروف جاد، سواء في الإجازة، أو غير الإجازة، في البرامج المكثفة، أو في غير البرامج المكثفة، ضع لك خطة في هذه الإجازة خمسة أجزاء، وهكذا، تريد أن تحفظ المتون، قل: في هذه الإجازة سأحفظ المتن الفلاني، والفلاني، والفلاني، وفي الإجازة القادمة كذا، وكذا، وكذا.

هناك برامج موجودة، ما عليك إلا أن تسجل فيها، ستجد نفسك بعد خمس سنوات قد حفظت كثيراً من كتب العلم في السنة، وغيرها من المختصرات في العلوم المتنوعة، هذا هو الطريق باختصار، أمّا التطبب، والحماس، والجدول الذي بالألوان فكل هذا عما قريب يتلاشى.

كم رأينا من الناس، وكم رأينا من المتحمسين عبر السنين، وفي كل مرة نلقاه: أريدك في موضوع خاص، ثم يسأل السؤال نفسه الذي يسأل عنه دائماً قبل سنين، متخرج من كلية الشريعة قبل عشر سنوات، ولا زال يسأل أريد برنامجًا أبدأ من الصفر، أنا الآن مصمم، وهكذا.

ثم بعد ذلك يصل إلى مرحلة إحباط، ويأس، ويشعر أن هذا الأمر بعيد المنال، لا يمكن أن يُحصَّل، وقد سمعت بعضهم خرج عن طوره في بعض المرات، وقال: هذه أشياء مثالية، هي مثالية بالنسبة إليه، لكن هؤلاء الذين دخلوا في هذه البرامج حصّلوا، نحن نرى من حفظوا الكتب الستة، ومن حفظوا من متون العلم، وقد رأيت أطفالاً في بعض البلاد المجاورة، رأيتهم يحفظون أشياء يطول الوقت بتعدادها، وهم يسردون حتى إنك تتعجب، كيف يتمكن الإنسان في هذا السن الصغير أن يجمع ذلك في قلبه؟!.

أقول: هذا من أنفع الأشياء، والحمد لله، البرامج موجودة، وهي تتطور، وتنتقل من حال إلى حال أحسن منها.

أمّا حفظ المتون فتوجد برامج كثيرة هنا، وهناك، وحديثنا هذا في هذا الطرح الذي أطرحه أظنه جديداً، ولم أسمعه قبل ذلك، ولكن أظن أنه نافع، ومفيد، وهي فكرة لعلها تنفع، قابلة للمناقشة، والحوار، والتفكير، والتأمل.

لكن يمكن لكل واحد منا إذا رجع أن يقلب النظر، يفكر بعيداً عن الحماس، والعاطفة، ثم بعد ذلك يقرر لنفسه.

الثالث: مما يتعلق بالأمور المعينة على الحفظ هو أن يكون لنا فقه في نظرنا، ومراعاتنا، ومعالجاتنا لأحوال الأذهان.

أي عضو من أعضاء الإنسان إذا تُرك، لو وُضع إنسان على سرير مدة طويلة لا يتحرك، ما الذي يحصل لأعضائه؟ تضعف، ولربما تتكلّس عظامه، ولا يستطيع أن يثني رجله، ولا يده، ولربما أيضاً يحصل وهن بأجهزته الداخلية الرئة، القلب، وما إلى ذلك، وهذا معروف إذا كان الإنسان لا يتحرك، يجلس شهوراً في مكان لا يتحرك، فإن ذلك يوهنه، ويقضي على عافيته، وتتولد له من العلل، والأوصاب أضعاف ما أقعده بأول أمره. 

فالذهن إذا تُرك من غير معالجة فإنه يحصل له شيء من ذلك، حتى يصير إلى حال من البلادة، هذا في الحفظ، وفي الفهم.

لكن لما كان الحديث عن الحفظ، نقول: نحتاج إلى شيء من الفقه، الذهن إذا كان لم يعتد على الحفظ فإنه يتعب في أول أمره كثيراً.

ولذلك أقول للإخوان عادة في بداية البرامج التي يلتحقون فيها - برامج حفظ القرآن - : كثير من الذين يلتحقون في هذه البرامج يتساقطون في الأسبوع الأول، ويشعرون أنهم دخلوا في أمر لا طاقة لهم به، ولا قدرة لهم عليه، لو صبروا لحصّلوا، وظفروا بإذن الله ففي البداية الذهن بطيء الحركة لم يعتد، واسألوا المجربين، ثم ما يلبث حتى يشتد، ويقوى، فإذا صبر الإنسان، وواصل فإن الذهن يتوقد حتى إنه يستطيع أن يحفظ الأشياء في ربع المدة التي كان يقضيها.

لربما يُطلب منك حينما تلتحق ببرنامج في حفظ الصحيحين مثلاً أن تحفظ ثماني عشرة صفحة، تجد الكثير ممن التحقوا بهذا البرنامج في الأسبوع الأول لربما يجلس من بعد الفجر إلى العاشرة، والحادية عشرة ليلاً، وهو لا يكاد ينجز ما طلب منه، هذا في الأسبوع الأول، ولكن بعد مضي أسبوع، أو عشرة أيام ستجد أن بعضهم يحفظ، وينهي ذلك جميعاً الظهر، أو قبله، أو بعده بقليل، هذا شيء مشاهد.

ولربما حضر بعضكم في هذه البرامج، وحصل له ما أذكره الآن، في الأسبوع الأول، لربما يكون متوتراً، بل وُجد من لم يتمكن من الإنجاز في الأسبوع الأول، فأُخرج من البرنامج، فلم يرض لنفسه أن يرجع من غير الأمر الذي نهضت همته له، فبقي لكن مع نفسه، استأجر في مكان مجاور، واتفق مع أحد المحفظين بصفة شخصية أن يراجع له، وأن  يسمع منه، فجاء، وقد حفظ البرنامج في النهاية معهم، الإصرار، والصبر.

التلكؤ يكون في البداية، وبعد ذلك ينطلق الإنسان، ولهذا فإن الاستبيانات التي توزع على الإخوان لتقيس المقدار الذي يعطى لهم في كل يوم للحفظ هي لا تعكس الصورة الحقيقية التي يمكن أن تطبق في كل مكان، بل ولا على هؤلاء؛ لأنك حينما توزع هذه على برنامج الأسبوع الأول فإنهم قد يرون ذلك كثيراً، لكن حينما تقوى الأذهان نفس المقدار بعد مدة يرون أنه قليل، ويطالبون بالزيادة، وهذا شيء نشاهده في الدورات المنهجية في حفظ المتون.

والطريق، والحل في مثل هذا من أجل ألا يعود الذهن إلى حال من الضعف ثانية أن يستمر الإنسان دائماً على الحفظ، والمراجعة، سائر العام، فلا يترك حتى يبرد، ثم يرجع الإنسان في الإجازة القادمة، وهو يريد أن يحفظ ثانية، فيحتاج إلى دورة جديدة فيها نفس المعاناة السابقة.

ومما يحتاج إلى تلطف، وفقه في النظر إلى حال الأذهان - وهي قضية ذكرها أهل العلم - : أنك إن تلكأت في كلمة، وأنت تراجع في كتاب الله أو في شيء من كتب العلم التي تحفظها فلا تبادر، أو لا يبادر من يسمع منك الرد، والتنبيه، انتظر، وحاول مرة، وثانية، وثالثة، فإنك إن بادرت، أو بودرت بها فإن الذهن يصدأ، لا يتمكن من الاستحضار، والاستخراج، فيكون كليلاً فدواؤه هو أن يعصر مرة بعد مرة حتى يستخرجها، ويظفر بها.

الرابع:  مما يعين على الحفظ: حاول أن تربط بين الأشياء من جهة المعنى، فالأبواب الفقهية مثلاً المياه، الطهارة، ثم بعد ذلك تأتي الصلاة، المواقيت، الأذان، إقامة كذا، كيف رتبت بهذه الطريقة، اربط من أجل أن تتقن.

وكذلك في حفظ القرآن، وفي حفظ المتون، الله - تبارك، وتعالى - ذكر في خاتمة هذه الآية شيئاً يتعلق بالتعقل، ثم بعد ذلك التفكر، ثم بعد ذلك التذكر، فتربط بين هذه الأشياء، يعني: الإنسان يعقل الأمور، ثم يتفكر، ثم يحصل له الذكرى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ۝ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ۝ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 1-6].

لربما بعض الناس يصعب عليه حفظها، لكن هي مثال لغيرها قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الآن أنا على دين غير الدين الذي أنتم عليه وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ الآن أنتم تقيمون على الشرك وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ في المستقبل لن أتحول إلى دينكم وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لن تتحولوا إلى ديني في المستقبل لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ لو نظر إنسان إليها بهذه الطريقة ما يخلط، وما ينسى.

وهكذا أيضاً أحياناً تكون الكلمة غريبة على الإنسان، فيمكن أن يربطها بكلمة مألوفة، أتذكّر أننا سافرنا إلى بلد، ولا نعرف الطرق، ولا نعرف الأماكن، واسم الفندق فيه صعوبة، أتذكر أن اسمه أطلنطي، فقال لي صاحبي: إذا ذهبت تذكّر المحيط تذكُر اسم الفندق، ربط جيد.

وأهل العلم عندهم شيء من هذا، ونبهوا عليه، يروى عن علي أنه أتى أبا موسى الأشعري  فأمره بشيء من أمره، ثم قال: إن رسول الله ﷺ أمرني أن أسأل الله الهدى، والسداد، أذكر الهدى بهداية الطريق، وأذكر السداد بتسديدات السهم[4]. كانوا يزاولون السهام، وهو أمر مألوف عندهم.

وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : البيت المعمور في السماء بحذاء الكعبة، وحرمٌ بحذاء الحرم، وما بين الحرمين حرم، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، اسمه الضُّراح، يقول لسعيد بن جبير: وإن نسيت فاذكر الخيل تَضْرح[5].

الخيل مألوفة لهم، وهذه اللفظة بالنسبة للخيل مألوفة، إن نسيت اسم ذلك البيت الضُّراح، وهكذا ينبغي أن نتذكر بعض الأمور.

الخامس: مما يعين على الحفظ، وهو التفطن للمطعومات، والمشروبات، هناك أشياء لها أثر إيجابي، مثل الزبيب على الريق، يقوي الحفظ، اللبان المر، وهناك أشياء لها أثر سلبي، مثل الحوامض، الحوامض أثرها سلبي على الإنسان تضعف حافظته، التفاح الحامض، اللبن الحامض، وما أشبه ذلك كما أن بعض الأشياء تؤثر أيضاً مثل الشبع، فالحفظ أوقات الجوع أفضل، وأنجع من الحفظ أوقات الشبع.  

السادس:  مهما استطعت أن يجتمع في الحفظ اللسان، والقلب، والعين، والأذن، فتتواطأ هذه جميعاً على التحصيل، فتحفظ بهذه الطريقة في أقصر مدة، وهذا الذي نطبقه الآن في دورات حفظ المتون.

يعرضون شاشة فيها المقطع أربعة أبيات، أو أربعة أسطر، ثم بعد ذلك تردد هذه بصوت جيد، بطريقة ترتاح إليها النفوس، يردد، وهم يرددون معه، مرات معدودة محسوبة، ثم بعد ذلك ينقطع الذي أمامهم من الكتابة فيبقى الصوت فيرددون معه، ثم ينقطع الصوت، فيبقون يرددون هم، ثم بعد ذلك يتفرقون كل خمسة عندهم مجموعة مثلاً يرددون معاً، فأول مجموعة تنتهي أولاً تُحسب لها نقاط، فتحصل منافسة فيبدؤون يسمعون، هذه مجموعة انتهت اليوم هي الأولى، وهذه الثانية، وهذه الثالثة، وهذه الرابعة، فيعزمون في اليوم الثاني كل مجموعة تعزم على أن تنجز أولاً.

السابع:  مما يعين على الحفظ هو تقوى الله، وهذا أمر لا يخفى.

شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يُهدى لعاصي[6]

القلب يحتاج إلى أن يفرغ، ويكون محلا صالحاً للعلم، وإذا كان القلب مليئًا بالأدناس، والمدنسات، والأرجاس فإن ذلك يحول بينه، وبين العلم .

الثامن: العمل بهذا العلم، وكلام أهل العلم بذلك كثير، وقد جاء عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به[7].

التاسع:  اعتماد نسخة واحدة يحفظ منها، ويراجع، ليرتسم ذلك في ذهنه، سواء كان من حفظ القرآن، أو كان من حفظ المتون، نسخة واحدة من أجل أن يكون ذلك كالمطبوع في القلب، كأنك تتصور الأسطر، أين بداية الصفحة؟ هي الكلمة الفلانية، ويأتي بعدها كذا، فهذا أدعى إلى الضبط بإذن الله.

العاشر:  فهم المعنى، إذا استطعت أن تفهم المعاني فهذا أعون لك على الحفظ. 

  1.  الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/207).
  2. المصدر السابق (2/207 - 208).
  3.  تذكرة السامع والمتكلم (82).
  4.  متشابه القرآن العظيم، لابن المنادي (55).
  5.  المصدر السابق (55 - 56).
  6.  ديوان الإمام الشافعي (262 - 263).
  7.  الآداب الشرعية (2/119).
وضع خطة محددة، واضحة المعالم، تسير عليها

أن وضع خطة محددة، واضحة المعالم، تسير عليها في هذا الطريق.

وهذه الخطة ينبغي أن يُلحظ فيها جملة من الأمور أذكر منها سبعة، والأفضل في هذه الخطة، أو الخطط في العلم أن لا يضعها الإنسان لنفسه، وإنما توجد برامج يشرف عليها من له شيء من التجربة، ثم بعد ذلك يلتحق بها الناس.

أولاً:  أن نتذكر أن العلوم، أو الفنون، وما وضع فيها من المصنفات، والكتب، والمختصرات من منظوم، ومنثور على ثلاثة مستويات: الأول: للمبتدئين، والثاني: للمتوسطين، والثالث: للمتقدمين، وهذا أمر معروف، إذا كان الأمر كذلك فما هو المطلوب؟

عامة البرامج التي تطرح للناس عادة، الذي يحصل فيها أنه يحصل عصف ذهني كما يقول الإداريون، ماذا نطرح في هذه الدورة؟ ثم يكتبون مجموعة من المتون يتفقون عليها، وينزل إعلان لها، ثم بعد ذلك يلتحق بها الطلاب، ويبدؤون يحفظون.

الخطوة التالية لبرنامجكم ما هي؟ قالوا : هذه بعد ذلك، قبل الإجازة القادمة - إن شاء الله - نفكر فيها، والطلاب هؤلاء الذين التحقوا بالبرنامج لو سألتهم: ما هي الخطة العلمية لك؟ التحقت في هذه الدورة، لكن ماذا بعد؟

قال: والله إلى الآن أنا التحقت بهذه الدورة، ولا أدري ماذا يكون بعد ذلك.

هذا خطأ، ويطوِّل الطريق، هذا الطريق الذي يمكن أن يتخبط فيه الإنسان يمكن أن يختصر له اختصاراً.

فأقول: يفترض أن تكون هذه الخطة كاملة: المستوى الأول، والثاني، والثالث، فيعرف الطالب المتون التي ستطرح في هذه الخطة.

مثل الدراسة في الجامعة مقررات تنزل في كل مرة، ويسجل منها ما يريد، فهذا البرنامج هل المراد منه أن الطلاب يحفظون المستوى الأول كاملاً، ثم المستوى الثاني كاملاً، ثم المستوى الثالث كاملاً، ثم ماذا تكون النتيجة بعد ذلك؟

النتيجة بعد ذلك أننا جعلنا هؤلاء يحفظون في كل فن ثلاثة متون، وهذا لم يقل به أحد - فيما أعلم - من أهل العلم.

أهل العلم عادة يقولون: على طالب العلم أن يحفظ في كل فن متناً، ولكن لما كنا نسير من غير خطة علمية فإننا نسير هكذا في شيء من البرنامج الضبابي، ولا يدري الواحد منا إلى أي شيء يفضي به ذلك، إلى أين سينتهي، ما هو المنتهى في هذا البرنامج؟ ليس هناك شيء في الأذهان.

ولذلك فإن الطريقة الصحيحة فيما أظن هي أن نقول: هذا هو البرنامج في مراحله الثلاث، وكل إنسان له حاله، وظروفه، وتخصصه، واشتغاله، وقدراته العقلية، والحافظة القوية، أو الضعيفة، فماذا تريد؟

هذا إنسان يقول: أنا غير متخصص في العلوم الشرعية، لكن أريد أن أحفظ بعض المتون للمبتدئين، أريد أن أحفظ الأربعين النووية، أريد أن أحفظ كتاب الأصول الثلاثة، لا بأس.

وذاك إنسان يقول: عندي حافظة قوية، متوقدة، وأنا طالب علم، ومتفرغ، ومتخصص في العلوم الشرعية، وأريد أن أتقن في جميعها.

فهذا هل من الصحيح أن نقول له: احفظ عمدة الأحكام في الحديث، ثم بلوغ المرام، ثم منتقى الأخبار، وفي أصول الفقه احفظ الورقات، واحفظ مراقي السعود، وفي مصطلح الحديث احفظ البيقونية، واحفظ النخبة، واحفظ الألفية للسيوطي، أو للعراقي، ونقول له: في النحو احفظ الأجرومية، واحفظ مُلحة الإعراب، واحفظ ألفية ابن مالك، كل هذا؟!.

إذا حفظ ألفية ابن مالك، فما حاجته في الأجرومية، أو في ملحة الإعراب؟ وإذا حفظ مراقي السعود في أصول الفقه فما حاجته للورقات؟.

لذلك أقول: يمكن أن يختار طالب العلم، قد يقول بعضهم: أنا أريد أن أصل إلى المستوى الأخير في فن واحد، والباقي أحفظ في المستوى الأول فقط، لكن يكون عنده تصور ماذا يريد في النهاية؟

فيقول: أنا في الحديث أريد أن أحفظ الألفية للعراقي، أو للسيوطي، ولا أريد أن أحفظ ما قبلها، لكن في العلوم الأخرى أريد أن أحفظ متناً مختصراً في المستوى الأول فقط.

لكن الطريق المطروحة عادة التي يلتحق بها الطلاب هو إعلان عن المستوى الأول مثلاً، ثم يلتحقون، ثم بعد ذلك يحصل عصف ذهني السنة القادمة القائمون على البرنامج يطرحون مستوى آخر، ثم يلتحق به الطلاب، ثم عصف ذهني بعده، وتُطرح أشياء، ثم يلتحقون بهذا البرنامج.

ولا أعني بهذا أن الإنسان يبدأ بالكتب المتقدمة، يعني: لو أنه قال: أنا أريد أن أحفظ الكتب التي تكون في المستوى الثالث، ما أريد أن أكرر في الحفظ، ليس معنى ذلك أنه يبتدئ بها في طلب العلم، لا، يستشرح ما قبلها، ولكنه يدخر الحفظ  لتلك؛ لأنه يقفز، ويختصر المراحل، هذا ما يقول به أحد، أنا أتحدث عن الحفظ فقط.

فالقضية ليست قضية حفظ فقط، وإنما لها متطلبات أخرى - كما سيأتي - فيما يتصل بالمراجعة، ولهذا فإن بعض هؤلاء الذين حفظوا من غير خطة صحيحة يضطرون في النهاية إلى النسيان، يقول: أنا أريد أن أنسى نظم الورقات مثلاً، أو نظم النخبة، أو أريد أن أنسى الملحة؛ لأني قد حفظت الألفية.

لكن نحن لا، احفظ تحفة الأطفال في التجويد، فيحفظها، ثم نفكر ماذا نطرح له في المرة القادمة، هل القضية هي إشغال؟ ثم نقول: احفظ الجزرية، فيحفظها مع تحفة الأطفال! وكان بالإمكان أن يحفظ الجزرية، ويكتفي بها.

ثانياً: قد يسهل الحفظ، لكن العبء الأكبر هو المراجعة التي ينبغي أن تلازمك سائر العمر، متى ستراجع؟ إذا كنت حفظت القرآن، وحفظت مجموعة من المتون، فقد تستغرق منك المراجعة اليومية إذا كنت تراجع من القرآن ثلاثة أجزاء، أو أربعة، أو خمسة في اليوم، مع متون حفظتها في الحديث، وفي غيره، قد تحتاج منك إلى أربع ساعات، وأعرف من يراجع في اليوم أربع ساعات.

فلابد أن نحسب حسابًا لقضية المراجعة، ووقت المراجعة معه، المراجعة مملة، الإنسان عادة يتهيأ للأمور التي تكون جديدة طارقة، أما الأمور التي يعيدها فإنه يستثقلها عادة، ولابد أن نحسب حساباً لذلك.

ليست المشكلة في الحفظ، وإنما المشكلة في المراجعة .

ثالثاً: العادة أن حفظ النظم أسهل من حفظ النثر، فينبغي على طالب العلم أن ينظر في الأسهل بالنسبة إليه؛ لأن الناس يتفاوتون إن كان ذلك الأسهل إليه فإنه يمكن أن يقدمه، والنبي ﷺ  ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً[1] ولكن يعتور حفظ المنظومات آفتان - ولهذا يحتاج الإنسان أن يرجح - :

الآفة الأولى: وهي أنك حينما تنسى في النظم يصعب أن تستحضر المعنى، يفوت غالباً، وأما بالنسبة للنثر فإنك إن نسيت العبارة، أو الجملة أتيت بها بمعناها، يعني: في أقل أحوالك تكون مستظهراً، ولهذا نقول للذين يثبطون طلاب العلم أحياناً عن حفظ الصحيحين، والالتحاق بالبرامج، أو حفظ كتب السنة، ويقولون: هذه مدة قصيرة، وتُنسى، نقول لهم: لو لم يكن لهؤلاء إلا قضاء الأوقات التي لربما تُقضى في النوم مع سنة رسول الله ﷺ التي لربما يموت كثير من طلاب العلم، ولم يقرأ هذه الكتب مجرد قراءة، فهذا يرددها حتى يستظهر، افترض أنه لم يحفظ، يستظهر، فهذا خير كثير، فالنثر يمكن أن يستظهره بالترداد، يعني: إن نسي النص جاء بالمعنى، ولكن النظم قد لا يستطيع أن يورد ما يريد إذا نسي البيت، هذه آفة، وهي معروفة.

الآفة الثانية: النظم يحتاج إلى أوزان، وقوافٍ، ومثل هذا قد يضطر معه إلى شيء من حشو الكلام؛ ليستقيم له النظم، وقد يضطر معه إلى لون من التعسف، والاختصار من أجل أن يستقيم له النظم، فيصعب على من نظر فيه فيحتاج إلى فك، وشرح، فهو، وإن كان أسهل في الحفظ إلا أن فيه ما فيه من هذه الأمور.   

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله (8/160)، رقم: (6786)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته ﷺ للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته (4/1813)، رقم: (2327).
هل الأفضل حفظ المتون شديدة الاختصار؟

رابعاً: بعض المتون شديدة الاختصار جدًّا، تكثر فيها الضمائر، ولربما كانت صعبة العبارة، فهل ذلك يكون الأولى، والأفضل في الحفظ؟

مع أن هناك من المتون ما هو أسهل، ولا يحتاج إلى جهد يسير من أجل حفظه، وفهمه، المتون الصعبة كثيرة الضمائر صعبة في حفظها، صعبة في فهمها، صعبة في مراجعتها، بل هي أثقل ما تكون على طالب العلم.

وأعرف من تحولت عنده أوقات المراجعة لتلك المتون إلى حال من الاكتئاب، فإذا كان الإنسان في الأعمال الصالحة كما قال الشاطبي - رحمه الله - بأن الشارع من مقاصده الاستمرار، والدوام على العبادة، فإن أثقل العبد على نفسه بألوان من النوافل، ربما يستثقل هذه العبادة، ويكرهها، فكيف بحفظ المتون؟ فيختار الإنسان المتن الأسهل في حفظه، ومراجعته، وفهمه .

 
بعض العلوم قد يكفي فيها الفهم

بعض العلوم قد يكفي فيها الفهم، ما تحتاج إلى حفظ لسهولتها، ووضوحها.  

 
العلوم الشرعية مترابطة

العلوم الشرعية مترابطة، فنحن نجد في هذه المتون العلمية أبواباً متشابهة، تجد الناسخ، والمنسوخ في علوم الحديث، وفي علوم القرآن، وفي أصول الفقه، تجد في منظومة الزمزمي في علوم القرآن أشياء كثيرة من التجويد، وتجدها أيضاً في الجزرية، وفي تحفة الأطفال، وقل مثل ذلك في أبواب من اللغة: الحقيقة، المجاز، المترادف، إلى غير ذلك، تجدها في أصول الفقه، وتجدها في علوم القرآن، وتجدها أيضاً لو حفظت أشياء في اللغة، فهل يحسن بطالب العلم أن يحفظ هذه جميعاً حينما يمر بها في كل فن في كل متن؟ أو أنه يوفر على نفسه جهداً في الحفظ، وجهداً في المراجعة، فيحفظ في كل فن ما هو أصلي فيه، وما كان مستعاراً من فن آخر فإنه يُحفظ في ذلك الفن، يعني: أحفظ منظومة الزمزمي مثلاً في علوم القرآن جاءتني أبواب في التجويد لماذا أحفظها هنا؟ أحفظها في الجزرية، أبواب في علوم القرآن: العام، والخاص، المطلق، والمقيد، المنطوق، والمفهوم إلى آخره، لماذا أحفظها في علوم القرآن؟ أنا سأحفظها في أصول الفقه، لماذا التكرار؟

وإذا طبقت هذا فإنك ستختصر على نفسك كثيراً في طريقك في الطلب، والتحصيل، والحفظ، والمراجعة، ويسهل عليك الكثير من الأمر الذي شق على غيرك، لكن الذي يمنع من هذا أحياناً الجهل، أو عدم التبصر في الأمور، وعدم التخطيط لها، الإنسان لم يتفطن، يقول: ما تفطنت بهذا، وأحياناً يمنع منه الحماس، والاندفاع في أول الأمر، وهذا يكون عادة عند الشباب في أول أمرهم، يريد أن يحفظ المنظومة من أول بيت إلى آخر بيت، لو كانت ألف بيت، أو أكثر، عنده عزيمة قوية، لكن لو حسب الحسابات فيما بعد، متى سيراجع؟ فإنه قد يغير رأيه، ولكنه قد لا يتغير الآن قد تغيره الأيام، والليالي، وقد تذكرون هذا الكلام في يوم من دهركم، تغيره الأيام، والليالي، فلذلك يحسن بالإنسان أن ينظر في هذه الأشياء.   

والذي تتميز به هذه البرامج التي نطرحها الآن، ولا أعلمها موجودة في مكان آخر بهذه الطريقة هو: أننا نميز ما يُحفظ، وما الذي يحسن بك أن تحفظه؟ وما الذي لا يحفظ؟ وما الذي يكون قليل الأهمية؟ وما الذي يحفظ في فن آخر؟ كل هذا بعلامات معينة. 

 
لا يلزم أن نحفظ المتن من أوله إلى آخره

من الملحوظات أنه لا يلزم أن نحفظ المتن من أوله إلى آخره، ونراعي في الحفظ الأمور الأربعة التي ذكرتها مجملة، أشياء أحيانا تكون غلطًا في الاعتقاد، أو في العلم، وضمن النظم، لماذا أحفظها؟ الخلل في العقيدة في هذا النظم، الناظم أشعري، وجاءت أبيات تتعلق بقضية من القضايا غير صحيحة، فلماذا نحفظ؟ وهناك أشياء لا فائدة من حفظها، مثل الحشو في ثنايا المنظومة أحياناً، أو المقدمة، أو الخاتمة، فلماذا أحفظ عشرة أبيات في المقدمة في كل فن، والخاتمة؟.

وهناك نوع ثالث، وهو ما يكون بالنسبة إليك تحصيل حاصل، يعني: هذه القضية مفهومة، ما تحتاج إلى حفظ أربعة أبيات في هذه الجزئية، ليس هناك تقاسيم، ولا أنواع، ولا ضوابط يمكن أن تُنسى، قضية بدهية معروفة، فلماذا تُحفظ؟ اترك هذه الأبيات، وأحياناً هذه القضية تكون في فن آخر - كما قلت - فدعها للفن الآخر، فما يبقى فيما عندك أحياناً في بعض المنظومات إلا القليل مما يمكن أن يحفظ.  

رابعاً: من هذه المعالم:  ينبغي أن نبدأ بحفظ القرآن أولاً.

وهذه القضية لا أحتاج أن أطيل فيها، نقول هذا لمن يريدون أن يحفظوا المتون، نوصيهم أن يحفظوا القرآن أولاً، لكن بالنسبة لمن يريدون أن يحصّلوا العلوم الشرعية، وأن يتفقهوا، وأن يدرسوا كذا، هؤلاء يسمعون أحياناً هذه العبارة القرآن أولاً، ولكن هذه العبارة بهذا الإطلاق تحتاج إلى شيء من المناقشة، والتفصيل.

فحفظ القرآن يستغرق عليه ساعتين، أو ثلاث ساعات، أو نحو ذلك، وماذا يفعل بعشرين ساعة؟ نقول له: تفقه، واحضر في دروس العلم، ومجالس العلم، وتعلم، ويُفرَّق بين الصغير الناشئ الصبي، وبين غيره، مما يحتاج إلى أن يتفقه، وأن يعرف الأحكام التي تتعلق به، لكن بالنسبة إلى حفظ المتون نقول بكل اطمئنان: إن الأَولى، والأجدر بالإنسان أن يتم حفظ القرآن أولاً، ثم بعد ذلك يشتغل بالمتون، ولهذا أخرنا هذه البرامج في حفظ المتون قصداً من أجل أن تُخرِّج الحلقات الجادة التي بدأت - ولله الحمد - تؤتي ثمارها بشكل واضح، أن تخرِّج دفعات من طلاب العلم، بعد ذلك يمكن أن يُبسط لهم برنامج علمي في الحفظ، لكن منذ البداية أكثر طلاب العلم لا يحفظ  القرآن، ثم نأتي ببرنامج لحفظ المتون؟ هذا في نظري غير جيد.

خامساً: يحسن لطالب العلم أن يحفظ في كل فن متناً إن تيسر.

لكن يحذر أن يكون هذا الحفظ، والاشتغال صارفاً عن مراجعته للقرآن، لابد من برنامج من شريف أوقاتك للقرآن، تردد كلامًا للبشر في متون في أصول الفقه، أو النحو، أو نحو ذلك، وتنسى القرآن، فهذا الكلام غير صحيح.

سادساً: بعد حفظك للقرآن تبدأ بالأهم.

والعلماء - رحمهم الله - لم يتفقوا على شيء في ذلك، النووي - رحمه الله - يرى أن أهم العلومالفقه، والنحو، ثم الحديث، والأصول، ثم الباقي على ما تيسر[1].

ويرى ابن جماعة أن الأولى الاشتغال في العلوم المتعلقة بالقرآن من التفسير، وسائر علومه، كذلك في الحديث، وعلومه[2].

ويرى الشيخ أحمد الشاكر - رحمه الله - أن الترتيب بالنسبة للعلوم، وحديثه: أن يبدأ أولاً بالصحيحين، ثم السنن، كالسنن الأربع، وصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، والسنن الكبرى للبيهقي، ثم الكتب الجامعة المؤلفة في الأحكام كموطأ مالك، وكتب ابن جُريج، وابن أبي عَروبة، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ثم كتب العلل، ثم يشتغل بكتب رجال الحديث، وتراجمهم، وأحوالهم، ثم يقرأ في كتب التاريخ، وغيرها[3].

والعلماء تتفاوت أنظارهم، وهذا أمر لا غرابة فيه، والإنسان عادة إذا تخصص في فن فإن ذلك الفن يستحوذ على جهده، وتفكيره، ولربما يرى أنه أولى من غيره، وأجدى، وأنفع.

سابعاً: لا ينبغي أن نكتفي بالحفظ، بل نستشرح ما حفظناه.

ولذلك يحسن أن يعقبه مباشرة شرح لهذه المتون، ونحن في هذه البرامج عندنا ما يوازيها، وهي الدورات العلمية المنهجية التي تُشرح فيها الكتب، والعلوم، ويُعطَى للإخوان الذين يحفظون يختار لهم، ويُعطَى لهم من أسهل الشروح المسموعة، بلا تطويل، ولا استطراد، ولا إغراق في الخلاف، يُعطَى لهم من أسهل الشروح المقروءة، نقول لهم: اقرءوا، وستختبرون فيها، لا يكون الحفظ من غير فهم .

  1.  المجموع للنووي (1/70).
  2.  تذكرة السامع والمتكلم (107).
  3.  الباعث الحثيث لأحمد شاكر (2/441 - 442)
لابد من دوام المذاكرة، والمراجعة

لابد من دوام المذاكرة، والمراجعة ليثبت حفظه، وإلا نسيه.

هذا الكأس إذا ملأته بالماء، ووضعته في الشمس، ستأتي وقد نضب ما فيه من الماء، فالأذهان هكذا، يذهب، ويزول، ويتلاشى ما حفظه الإنسان، فيحتاج إلى مراجعة.

قال الزهري: "آفة العلم النسيان، وقلة المذاكر[1].

وقيل للأصمعي: كيف حفظت، ونسوا؟ قال: درست، وتركوا[2].

ولذلك كان العلماء يوصون بالمذاكرة، والمراجعة، والمرافقة في الدرس[3].

وقد جاء عن الخليل بن أحمد - رحمه الله - : "كن على مدارسة ما في صدرك، أحرص منك على مدارسة ما في كتبك"[4].

وكان الزهري يرجع إلى منزله، وقد سمع حديثاً كثيراً، فيعيده على جارية له من أوله إلى آخره كما سمعه، ويقول: لا، إنما أردت أن أحفظه[5].

وقال عبد الله بن أحمد - رحمه الله - : لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثير المذاكرة له، فسمعت أبي يوماً يقول: ما صليت غير الفرائض، استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي[6].

وكان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكُتّاب فيحدثهم لئلا ينسى حديثه[7].

وجاء عن إبراهيم النخعي: إذا سمعتَ حديثاً فحدث به حين تسمعه، ولو أن تحدث به من لا يشتهيه، فإنه يكون كالكتاب في صدرك[8].

لكن نحن نحضّر الدرس، أو نقرأ، أو نحفظ، ثم يكون آخر العهد، ولذلك تجد الطلاب يدرسون في الكليات الشرعية، وكثير منهم يتخرجون موظفين، ليسوا بعلماء، والسبب أنه يحضر الدرس من غير أي تحضير، ولا يعرف ماذا سيقال، ثم لا يراجع، وإذا جاء وقت الاختبار قرأ في المذكرات، ثم كان آخر العهد، كيف يتخرج عالماً؟.

وكان عطاء الخرساني إذا لم يجد أحداً أتى المساكين، فحدثهم يريد بذلك الحفظ[9].

  1. الآداب الشرعية (2/120).
  2.  سير أعلام النبلاء (10/177).
  3.  تذكرة السامع والمتكلم (54).
  4.  جامع بيان العلم وفضله (1/355).
  5.  الآداب الشرعية (2/120).
  6.  المصدر السابق (2/174).
  7.  جامع بيان العلم وفضله (1/428).
  8.  المصدر السابق (1/353). 
  9.  جامع بيان العلم وفضله (1/376).
الحفظ الحقيقي هو الإتقان

الحفظ الحقيقي هو الإتقان كما جاء عن الإمام أحمد، وعبد الرحمن بن مهدي[1].

وقد جعل ابن المنادي في كتابه متشابه القرآن الحفاظ على مرتبتين:

الأولى: الماهر، وجعل علامته الإتقان، وسرعة الرجوع عن الخطأ، أو أنه يتفطن لخطئه مباشرة، فيرجع، إذا تجاوز رجع.

الثانية: المتماهر، وهو من يقع في الخطأ، ولا يشعر به، أو يتشكك به، فيقرؤه ثانية بغير صواب، يقول: وما عدا هؤلاء فمتحفظون، وليسوا بحفاظ[2].

  1.  الآداب الشرعية (2/119).
  2.  متشابه القرآن لابن المنادي (56 - 57).
حذاري أن يكون ما حفظته سبباً لشيء من الأدواء المردية

حذاري أن يكون ما حفظته سبباً لشيء من الأدواء المردية.

كالعجب، والغرور، والتعاظم في النفس، فيرى أنه قد حفظ أشياء، ولربما بعضهم يتكلم عن بعض أهل العلم.

وكم من إنسان حفظ كثيراً، ولكنه لم يكن بعد ذلك شيئاً يذكر، فليست العبرة بأن يحفظ الإنسان، وإنما العبرة بتوفيق الله - تبارك، وتعالى - الذي فوق كل شيء، فالعبد يسأل ربه أن يسدده، وأن يهديه، وأن يصلح قلبه، وعمله، ونيته، ولا يلتفت إلى نفسه، ولا يتعاظم، ومن حصل له ذلك فلينظر في تراجم الأئمة الحفاظ، كيف كانوا يحفظون، الواحد منهم آية في الحفظ؛ لئلا يغتر.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه. 

 

مواد ذات صلة