الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
الإعجاز العددي
تاريخ النشر: ١٠ / محرّم / ١٤٢٩
التحميل: 11273
مرات الإستماع: 37788

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذا الدرس -إن شاء الله- سأختم الكلام على التفسير العلمي والإعجاز العلمي، ثم أبدأ بعد ذلك بالتفسير العددي، وقد ذكرنا في التفسير العلمي ثمانية أمور، والآن ننتقل إلى الأمر التاسع وهو:
بيان أهم الكتب المغرقة في التفسير العلمي والموغلة فيه:
قد مرَّ طرف منها عند الكلام على الأمثلة، لكن لا بأس أن أذكر جملةً من هذه الكتب، فمن هذه الكتب كتاب اسمه: (كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية)، وهذا الكتاب لطبيبٍ يقال له: محمد بن أحمد الإسكندراني في القرن الثالث عشر الهجري، وهو في ثلاثة مجلدات، وطبع بمصر قديماً قبل أكثر من مائة سنة (سنة 1297 للهجرة).
وهناك رسالة لعبد الله باشا فكري في مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النصوص الشرعية، وهذه طبعت أيضاًَ قبل أكثر من مائة سنة، وذلك في سنة 1315 للهجرة.
وهناك كتاب آخر اسمه: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، وهو لعبد الرحمن الكواكبي، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات نشرها عندما كتبها في بعض المجلات حينما زار مصر، ولم يكتبها باسمه، وذلك سنة 1318هـ، وإنما كان يكتب رمزاً: الرحالة (ك)، وفي أول هذا الكتاب يذكر بأن السر في أن العلماء السابقين لم يتعرّضوا للتفسير العلمي والإعجاز العلمي؛ لأنهم كانوا يخافون مخالفة رأي بعض السلف القاصرين في العلم فيكفرون ويقتلون.
وهناك كتاب اسمه: إعجاز القرآن للرافعي، وهناك كتاب آخر للدكتور: عبد العزيز إسماعيل، وهو طبيب اسمه: الإسلام والطب الحديث، وهذا مطبوع أيضاً سنة 1357 للهجرة، ويقرر في هذا الكتاب بأن كثيراً من آيات القرآن لا يمكن أن تفهم إلا بفهم العلوم المادية العصرية، ويقول: سيأتي الوقت الذي يكون فيه العلماء الماديون أقرب الناس إلى الدين، يعني أقرب من العباد، وأقرب من علماء الشريعة.
ومما يبين الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي كما قلت أن التفسير العلمي أوسع من موضوع الإعجاز العلمي؛ إذ إن التفسير العلمي منه ما يتعلق بالإعجاز ومنه ما لا يتعلق بالإعجاز.
خذ هذا المثال من كتاب الإسلام والطب الحديث مما لا يتعلق بالإعجاز، وهو لا يدعي فيه الإعجاز، لكن كيف يفسر القرآن تفسيراً علمياً؟
يقول: في قوله تعالى: وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ [سورة إبراهيم:32]: هذه الآية الكريمة معناها أن اللحوم والأسماك والألبان... إلى أن قال: أفضل في التغذية من البقول والقمح والذرة، وليست الأفضلية في مقدار المواد الزلالية الضرورية للجسم في كل نوع؛ لأن هذا يجب أن لا يكون سبباً مهماً للأفضلية.
ثم بدأ يقارن بين الأغذية وما فيها من نسبة المواد الزلالية ثم قال: وقد اهتدت أخيراً لجنة الأبحاث بإنجلترا إلى أن قيمة المواد الزلالية تختلف في نوعها وفي المقدار منها الذي يمنع المواد الزلالية المكونة للأنسجة من أن تحترق، ورأوا أن اللحوم بالنسبة للمواد الزلالية ونوعها لها قيمة أكثر من للبن والذرة كالبيان التالي: لحوم: 104، لبن البقر: 100، أرز: 88، بطاطس: 79، فول: 70، دقيق: 40، ذرة: 30.
ثم يقول: إن هذه النتيجة التي لخـّصها القرآن الكريم لم تظهر حقيقةً ثابتة إلا منذ سنوات قليلة....أهكذا التفسير الذي يفسر به كتاب الهداية الذي أنزله الله ؟.
ومن الكتب: كتاب أشرت له في الأمثلة السابقة: وهو كتاب: (الجواهر في تفسير القرآن لطنطاوي جوهري)، وهذا الكتاب ذكرت أمثلة منه، لكن هذا المؤلف يقول: إن الآيات التي فيها العلوم وما يتعلق بالكون وما إلى ذلك أكثر من 750 آية، بينما آيات الأحكام المتعلقة بالفقه يقول: لا يزيد الصريح منها على 150 آية، فيقول: لماذا العلماء أشغلوا أنفسهم بالفقه والاستنباط وتركوا هذا العدد الهائل من الآيات فأغفلوه ولم يتشاغلوا به؟ ويرى أن هذا تقصير كبير، وأن واجبنا في هذا العصر أن نحيي هذا العلم، وأن نعيده فتياً.
ويقول: لماذا ألف علماء الإسلام عشرات الكتب الإسلامية في الفقه، وعلم الفقه ليس له في القرآن إلا آيات قلائل لا تصل إلى 150 آية؟
ويرى أنهم جهلوا علماً آياته كثيرة جداً، فيقول: آباؤنا برعوا في علم الفقه، فلنبرع نحن في علم الكائنات!
وهذا الكتاب مثل كتاب لسان العرب أو القاموس أو المعجم الوسيط، وفي هذا التفسير تجدون صور حيوانات وصور نباتات، وصور كأنه قاموس أو كتاب في الأحياء، ويستشهد أحياناً على بعض المعاني التي يذكرها الإنجيل، بل أحياناً يشرح بعض الحقائق الدينية بكلام أفلاطون وبكلام الباطنية ورسائل إخوان الصفا، ويبدي رضاه عن ذلك وقبوله له، كما أنه يستخرج كثيراً من المعاني بطريقة حساب الجمَّل.
وانظر إلى كلامه مثلاً عن بني إسرائيل حينما قالوا لموسى ﷺ: لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا، إلى أن قال موسى ﷺ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً [سورة البقرة:61].
فهو ماذا يقول؟
يتكلم عن الحياة البدوية، وأن أكل العسل والطعام الخفيف أصح وأجود للصحة والهواء والحياة الحرة، بخلاف المدن التي فيها التوابل واللحوم والإكثار من ألوان الطعام، الحاصل أنه يفهم الآية بهذه الطريقة.
ويقول في قوله تعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: المن والسلوى أفضل من الثوم والعسل طعماً ومعنىً وهو يأتي بلا كدٍ ولا تعبٍ بخلاف الثوم والعسل والبصل.
كما أنه يتكلم بكلامٍ طويلٍ جداً عن الأسرار الكيميائية في الحروف الهجائية الموجودة في أوائل السور: الم [سورة البقرة:1]، يس [سورة يــس:1]، وما أشبه ذلك...فهل هذا من العلم؟ وهل هذا من التفسير؟
ولما فسّر سورة الكوثر وسورة الكافرون وسورة النصر ذكر بحثاً طويلاً ويطبق على هذه السور بعض الأشياء التي يدعيها، فيقول في قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [سورة الكوثر:1]: الحوض الذي أعطيه النبي ﷺ رمز للعلم والمعرفة، ويقول: فلا المسك الإذخر، ولا أنواع الجواهر النفيسة من درٍّ وياقوت، ولا حلاوة العسل الذي في ذلك الماء، ولا اتساع الحوض إلا أفانين العلم ومناظر بدائعه، الحوض الذي عليه الكيزان وعدد نجوم السماء يقول: هذه أفانين العلم...ألم أقل لكم: إن في بعض كلامهم ما يشبه كلام الباطنية؟!!
ويقول في قوله تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [سورة النصر:1]: هنا يكون النصر ولا يكون إلا بعد أن يتجافى الناس عن أفعال الملحدين والكافرين، وجعل العلوم مرتبطة بالربوبية كما تشير إليه سورة الكافرون، هنا يكون نصر الله والفتح ويدخل الناس في هذه العلوم الحقيقية أفواجاً، إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ: معناه دخول الناس في العلوم أفواجاً.
ويتكلم عن حكماء المسلمين الذين نشروا هذه العلوم وأمثالها،وكيف انتصروا على الجهل؟ وكيف أصبح المسلمون في مرتبةٍ عليا..
ومن ضمن هذه الكتب: كتاب اسمه: (الكون والإعجاز العلمي للقرآن للدكتور منصور حسب النبي)، وكتاب: (مع الطب في القرآن الكريم لعبد الحميد دياب)، وكذلك كتاب: (القرآن ينبوع العلم والعرفان لعلي فكري)، وكتاب: (التفسير العلمي لآيات القرآن لحنفي أحمد) وغير ذلك من الكتب.
عاشراً: هل لهذا التفسير محاسن؟:
أشرت إلى هذا في بعض الكلام السابق، ونقول: هذا التفسير الصحيح منه له محاسن، وذكرت سابقاً نماذج صحيحة ونماذج محتملة من هذا التفسير، فالصحيح منه والحسن له محاسن لا شك، ومن هذه المحاسن: دخول أناس في الإسلام من علماء الطبيعة ممن لم يكونوا من المسلمين، مثل: موريس بوكاي، وأرثون أليسون وهو طبيب إنجليزي لقب نفسه أو تسمى بعبد الله إليسيون، وكات سفنز وسمّى نفسه: يوسف إسلام، فهؤلاء من الغربيين بعضهم علماء وبعضهم أدباء وبعضهم شعراء وبعضهم غير ذلك، نعم دخلوا في الإسلام بسبب ذلك، إضافةً إلى تثبيت المسلمين الذين عندهم شيء من الزعزعة والضعف في الإيمان، ودفع عادية الطاعنين في الإسلام الذين يقولون: إن الإسلام ضد العلم، وأنه يحارب العلم، وأنه لا يمكن أن نتحضر إلا إذا تركنا الدين كما فعلت أوروبا، هذا مجمل ما أردت أن أذكره في التفسير العلمي.
خلاصة لما سبق:
التفسير العلمي والإعجاز العلمي لا نرده بإطلاق، بل هناك شروط وضوابط إذا توفرت قبلناه، مع مراعاة أن القرآن كتاب هداية، لا يجوز لأحد أن يتقحم، وأن يستعجل وأن ينسب إلى القرآن ما ليس منه، بل يجب الورع عند الكلام عن التفسير والخوف من الله -تبارك وتعالى- كما كان السلف الصالح يخافون.
إضافةً إلى أن هذا النوع من التفسير لا يتوقف الإعجاز القرآني عليه، وإنما الإعجاز ثابت من غير هذا النوع، فهو ليس من الأنواع الضرورية في الإعجاز، يعني لا ينتفي الإعجاز عن القرآن إذا انتفى هذا النوع.
ومن المهم بالنسبة للذين يتكلمون في هذا التفسير وفي غيره من أنواع التفسير أنه يجب عليهم أن يحصلوا آلته بدارسة العربية، وأصول التفسير، وقواعد التفسير، وأصول التفسير، وأصول الفقه، وما يحتاج إليه لفهم القرآن والاستنباط منه، فمن درس هذه الأشياء أياً كان تخصصه وموقعه فإنه يتكلم، ولا يشترط أن يحمل شهادةً من كليةٍ شرعية؛ فالعلم ليس حكراً على أحد، لكن من حصل آلته فله أن يتكلم، وليس العلم كلأً مباحاً يتكلّم فيه كل أحد، فلا بد من تحصيل هذه الآلة.
نقول: أفضل ما يكون الكلام في هذه القضايا ممن جمع بين الأمرين، لكن أين هذا الذي جمع بين الأمرين؟ أين الرجل العالم بعلوم الطبيعة وعالم بأمور الشريعة، قد لا نجد، إذن ما العمل؟
نقول: هؤلاء الذين يجدون مثل هذه الأشياء ينبغي أن يعرضوا ما رأوه على لجنةٍ من العلماء الذين لهم بصر في التفسير، ثم ينظرون فيها بعد ذلك ويقررون، هل هذا مما يحتمله النص القرآني أو لا؟ هل هذا من الفهم الذي لا يعارض أقوال السلف، كما قيل: " إلا فهما يعطيه الله رجلاً في القرآن"[1]، فيكون من ضمن المعاني التي تحتملها الآية، ثم يقيّدون العبارة التي يعبّر بها، فلا يعبّر بعبارات فيها شيء من المجازفة وتهاويل ضخمة وعبارات واسعة، إنما العلماء هم الذين يدقّقون في عباراتهم وفي كلامهم فيقول مثلاً: وهذا على أحد القولين، قد يكون له قول أو احتمال، أو هذا مما تحتمله الآية ولا يقطع به، أو أن هذا من المعاني الصحيحة التي تدخل في الآية وهو لا يعارض قول السلف، المهم أن يعبر بالعبارة الملائمة الدقيقة المناسبة التي يعرفها العلماء، فهذه هي الطريقة التي نتخلص فيها من كثيرٍ من هذا التقحّم.
ولو أن الناس انضبطوا في هذا لاستراحوا من كثيرٍ من الخلط، لكن المشكلة حينما يكون عندنا قناعات بأن من حق كل إنسان أن يتكلم؛ لأننا أحياناً إذا تربينا في بعض الأجواء مثل في أوروبا فهكذا أنت تعبّر عن رأيك كما تشاء وحتى لو كان ذلك في القضايا الشرعية التي تحتاج إلى فقه وعلم!!
تلقي محاضرة في بلد من البلدان الأوروبية في أمر يتعلق بأصول الدين، فتفاجأ أن أكثر من نصف العدد ممن لا يظهر على كثيرٍ منهم سيما الاستقامة والتدين قد رفعوا أيديهم، فتظن أنهم سيسألون، ثم تفاجأ أن كل واحد من هؤلاء عنده اعتراض وعنده وجهة نظر وعنده مداخلة يريد أن يذكرها، وهكذا حتى في هذه القضايا بلا خطام ولا زمام ولا ضوابط ولا خلفية، وهكذا حتى تشعر أنك مع أناس بينك وبينهم مسافة طويلة تحتاج إلى أن يفهمونها حتى يعرفون هذه القضية ولماذا قال السلف فيها هذا القول، ولماذا قلنا: إن هذا من أصول أهل السنة والجماعة، وهكذا لربما أثرت تلك الأجواء في أوروبا في الانفتاح وحرية التفكير والتعبير حتى أردنا أن نجعل ذلك عندنا، وهذا هو السر الذي يجعل بعض الكتاب في الصحف يكتبون أعمدة وأشياء يتكلم عن حقائق شرعية وقضايا وثوابت مسلمة يريد أن يبدي فيها نظره ورأيه، نسأل الله السلامة والعافية.
الإعجاز العددي:
علماء المسلمين-رحمهم الله- تكلموا على عدد حروف القرآن، وعدد الآيات، وعدد السور، وعدد الكلمات، وتكلموا على عدد النقط في القرآن، وتكلموا أيضاً على المرات التي يتكرر فيها الحرف الواحد من الألف إلى الياء، فلما يتكلمون على حرف الألف –مثلاً- يأتون بعدد الكلمات في القرآن التي تبدأ بحرف الألف، ثم يسردونها في مجلدات -وهي موجودة ومطبوعة- فيذكرون الحرف كم مرة تكرر؟ وكم عدد الكلمات التي تبدأ بهذا الحرف في جميع القرآن، ويذكرون منتصف القرآن بعدد الحروف، وربع القرآن وسدس القرآن وعشر القرآن وواحد من ستين، وواحد من ثلاثمائة وستين، وهكذا يذكرون كل ذلك بالحروف، ويذكرون ذلك أيضاً بالكلمات، فإذا أردت أن تقف على الكلمة في نصف القرآن، أو ربع القرآن، أو ثمن القرآن فكل هذا بالكلمات وبالآيات موجود، ويتفننون في هذا غاية التفنن، ويوجد لهم مؤلفات كثيرة في هذا، وهذا مثال واحد منها وهو من أصغرها أتيت به؛ لخفة حمله.
خذ مثالاً آخر: يقولون: كل ما في القرآن من (أَلَّا)، فهو في المصحف حرف واحد إلا عشرة أحرف، بمعنى أن كل ما ورد من (ألّا) فهي بهذا الشكل إلا عشرة مواضع تكتب هكذا مفصولة (أَنْ لَا) وهذا نحتاجه نستفيد منه في عدِّ الكلمات وعدِّ الحروف.
ويقولون: كل ما في القرآن من ذكر النعمة فهو بالهاء إلا أحد عشر موضعاً تكون بالتاء المفتوحة، ويقولون: كل ما في القرآن من ذكر (الكلمة) فهو بالهاء إلا ثلاثة مواضع تكون بالتاء المفتوحة، وكل ما في القرآن من ذكر (المعصية) هو بالهاء إلا في موضعين بالتاء المفتوحة.
ويقولون: كل ما في القرآن من ذكر (إنما) فهو حرف واحد في المصحف إلا الذي في الأنعام: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ [سورة الأنعام:134].
ويقولون: كل ما في كتاب الله من ذكر (أمَّن) فهو موصول إلا في أربعة مواضع (أم مَّن)، ويقولون: كل شيء في القرآن فيه ذكر الربا فهو بالواو إلا في موضعٍ واحد: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا [سورة الروم:39] فهو بالألف الممدودة.
وكل شيء في القرآن (فيما) فهو كلمة واحدة موصولة إلا أحد عشر موضعاً (في ما)، وكل ما في القرآن (مما) فهو موصول إلا ثلاثة مواضع (من ما)، وكل ما في القرآن (بئس ما) فهي مفترقة إلا في ثلاثة مواضع (بئسما) كلمة واحدة، وهكذا، ويذكرون عدد النقط والكلمات.
وعدد آيات القرآن فيه خلاف كثير جداً بين العلماء، لكن بناءً على أي شيء هذا الخلاف؟ هل يوجد أحد منهم ينكر آية من القرآن؟
حاشا وكلا بل القرآن محفوظ كما أنزله الله من فوق سبع سماوات لم يتغير منه حرف واحد، ولكن العلماء يختلفون في هذا لأسباب كسبب القراءات والأحرف، فالبسملة هل تعد من السورة أم لا؟ بينهم خلاف في هذا؟ فهي في بعض الأحرف من السورة، وفي بعض الأحرف ليست منها، وكله حق من عند الله والقرآن نزل على سبعة أحرف.
كذلك أيضاً: هناك سورة الفاتحة هل البسملة آية منها؟
الفاتحة سبع آيات: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [سورة الحجر:87] فإذا قلنا: الفاتحة سبع آيات والبسملة آية منها فيكون قوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:7] كله آية، وإذا قلنا: إن البسملة ليست بآية من الفاتحة وإنما هي آية مستقلة -للفصل بين السور- فتكون الآية السابعة فصل في ذلك الموضع، تقول: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ۝ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:5-7].
فبعضهم يرى أن الآيتين آية واحدة باعتبار أن البسملة آية من الفاتحة، وبعضهم يقول: لا، فليس هناك زيادة ولا نقص في القرآن، لكن باعتبار العد بحسب الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، فهم يختلفون في العدد من عهد أصحاب النبي ﷺ للاعتبار الذي ذكرته لكم آنفاً.
الخلاف في عدد الآيات:
أجمعوا على أن القرآن ستة آلاف ومائتا آية (6.200) واختلفوا في الزائد، فابن مسعود قال: ستة آلاف ومائتا آية وسبع عشرة آية (6.217)، والعد عند أهل المدينة من القراء يقولون: (6.214) وأربع عشرة آية، وبعضهم يقول: وعشر آيات (6.210)، وأهل مكة يقولون: عشرون آية (6.220)، يعني أن الخلاف في الزائد على ستة آلاف ومائتين، هل هو عشرة أو سبعة عشر، أو عشرون أو ست وثلاثون كما عند الكوفيين، وعند البصريين خمس، وعند بعضهم أربع آيات، وبعض البصريين يقول: تسع عشرة آية، وعند الشاميين ستة وعشرون آية، وهكذا...
هذا اختلاف في العدد عند القراء، بناءً على اعتبارات ذكرتها آنفاً، هل البسملة من كل السور أو من الفاتحة أو آية مستقلة؟ وكذلك أيضاً في فصل بعض الآيات، فأحياناً الحروف المقطعة في أوائل السور بعضهم يعتبرها تابعة لما بعدها فالجميع آية، وبعضهم يفصل، لكن هل هذا من عند أنفسهم؟
الجواب: لا، هذا بحسب اختلاف الأحرف وتفاوت الأحرف التي نزل القرآن عليها، وكله حق، وكل مرجع ذلك إلى رسول الله ﷺ في الرواية والتلقي، وكله ثابت وكله حق، فما زيد فيه حرف واحد وما نقص منه حرف واحد: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9]، إذن: عدد الآيات العلماء مختلفون فيها.
الخلاف في عدد الكلمات:
كذلك عدد الكلمات العلماء مختلفون فيها، فابن مسعود يقول: سبع وسبعون ألفاً وتسعمائة وأربعة وثلاثين كلمة (77.934)، ومجاهد وسعيد بن جبير يقولان: (77.437) آية، وعطاء بن يسار يقول: (79.277)، ويزيد الضرير يقول: عددها: (76.000).
هذا الاختلاف ليس بناءً على نقصٍ أو زيادة في كتاب الله ، وإنما يختلفون أحياناً في الكلمة مثل: (إنما) هل هي كلمتين أو كلمة واحدة؟ ومثل: (بئس ما) هل هي كلمة واحدة أو كلمتين؟ فمن عدها كلمتين زاد عنده العدد، ومن عدها كلمة واحدة نقص.
وعلى كل حال فلمؤدى أو الحصيلة واحدة من جهة أن القرآن هـو هـو لا زيادة فيه ولا نقصان، لكن يختلف فيه نظر علماء العدد.
الخلاف في عدد الحروف:
أجمعوا على أن عدد الحروف في القرآن: ثلاثمائة ألف (300.000) حرف، واختلفوا في الكسر الزائد على ذلك، فابن مسعود يقول: الزائد أربعة آلاف وسبعمائة وأربعون حرفاً (4.740) وحمزة القارئ المعروف يقول: الزائد ثلاثة وسبعون ألفاً ومائتان وخمسون ألف حرفاً (73.250) وعاصم يقول: الزائد ثلاثة وستون ألفاً وثلاثمائة ونيف وهكذا.
القراءات:
تعرفون القراءات وأن القرآن نزل على سبعة أحرف، فمثلاً: تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ [سورة التوبة:100]، في حرفٍ آخر أو في قراءةٍ أخرى: تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ، نفس الآية، وكلها قراءات متواترة وكله من عند الله والنبي ﷺ تواتر عنه أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها من عند الله، فبناءً على أي شيء تعد؟
هذا أقرب مثال: قوله تعالى: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ مَلِكِ: هذه قراءة الجمهور، وهي قراءة متواترة، كم حرف؟ ثلاثة أحرف، وقراءة عاصم التي نقرأ بها حفص عن عاصم مَالِكِ: أربعة أحرف، هذا من عند الله، وهذا من عند الله، وكله صحيح.
ومن الأمثلة على ذلك في تفاوت القراءات قوله تعالى: وَأَوْصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ  [سورة البقرة:132]، بزيادة ألف، والقراءة التي نقرأ بها: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ [سورة البقرة:132]، اختلفت القراءة وكلها حق.
وفي سورة آل عمران: سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [سورة آل عمران:133] بدون الواو، وفي القراءة الأخرى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وكله حق.
وفي سورة المائدة مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ، بزيادة دال، وفي القراءة الأخرى: مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ [سورة المائدة:54].
وفي سورة المائدة: عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ۝ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ [سورة المائدة:52-53]، بدون واو، وفي قراءة حفص عن عاصم: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بالواو.
وفي سورة التوبة: الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا [سورة التوبة:107]، بدون واو، وفي قراءة حفص عن عاصم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا بالواو، وهكذا توجد أمثلة كثيرة يتفاوت معها العدّ.
العلماء -رحمهم الله- تكلموا على حروف المعجم في القرآن، فمثلاً: الألِفات عددها: ثمانية وأربعون ألفاً وتسعمائة وأربعون ألفاً (48.940)، لكن هل هذا محل اتفاق؟ لا، لماذا؟ للاعتبارات التي ذكرتها قبل قليل.
وهكذا حروف المعجم من أولها إلى آخرها، وعدد النقط وأجزاء القرآن، كذلك أين يتوقف النصف الأول بالضبط؟ قالوا: في قوله تعالى: لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا [سورة الكهف:74]، ويقولون: النون والكاف من: نُّكْرًا من النصف الأول، والراء والألف من النصف الثاني..
وأنا إنما أذكر هذا الكلام لأقول: إن العلماء تفنّنوا في معرفة الأعداد في القرآن، ومع ذلك لا يوجد في علومهم إطلاقاً شيء اسمه الإعجاز العددي؛ فهذا الأمر لا يحتاج إلى تكنولوجيا حتى يقال: والله ما اكتشفوا ذلك، وإنما نحن الذين توصلنا نحن إليه، والحقيقة أنهم تمهّروا في العدد ومع ذلك ما التفتوا إلى هذا، وسترون أشياء كالأثلاث والأرباع والأخماس وأنصاف الأسباع وأنصاف الأتساع، وما إلى ذلك.
الذين يريدون أن يحفظوا القرآن في ثلاثمائة وستين يوماً (في سنة) لهم قسمة دقيقة للغاية لكل يوم كم يحفظ، فإذا أردت أن تحفظ القرآن في سنتين، تضرب في اثنين يعطيك بدقة بقدرٍ متناسب بالحرف، كم تحفظ كل يوم؟.
خذ من الأمثلة:
عدد آيات السور فاتحة الكتاب: سبع آيات بالاتفاق، لكن أين السابعة؟ هل هي: أَنعَمتَ عَلَيهِمْ، أو أن ذلك موصول بما بعدها؟
سورة البقرة: الم، هل هي آية مستقلة؟ أم هي تابعة لما بعدها، الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2]، في بعض القراءات تابعة لما بعدها، وفي بعض القراءات آية مستقلة، وكله حق.
ومما اهتموا به وذكروه: في قوله تعالى: فَلَمَّا، يقولون: هذه جاءت 101 مرة في القرآن، ويذكرونها، وكذلك قوله: وَلَمَّا [سورة البقرة:89]، يذكرون كم مرة تكررت، وأين تكررت؟
كذلك يذكرون قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ [سورة البقرة:189]، كم مرة تكررت، ومن ذلك قوله سبحانه: وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [سورة البقرة:4]، هل تكررت أو لا؟
من الأشياء العجيبة واللطيفة التي تذكر في هذه الكتب أو بعض ما يذكر في هذه الكتب أسئلة كأن يقول: هات سبع آيات متوالية آخر كل منها اسمان لله  ما هي؟ ومنها قولهم: ما هي الآيات التي تبدأ بحرف الشين في القرآن كله؟ ما الآية التي تحتوي على حروف المعجم جميعاً؟ ما السورة التي ليس فيها لفظ الجلالة؟ وهكذا..
وأقصد بهذا أنهم تفنّنوا وتمهّروا في هذه الأشياء، بل هناك أشياء أظن أن أصحاب الإعجاز العددي لو رأوها لقالوا: هذا من الإعجاز، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ [سورة الأنبياء:33] اقرأها بالمقلوب تجدها نفس الشيء، فهذه ذكرها العلماء المتقدمون من باب الملح، ولم يقولوا: هذا إعجاز، ولو رآها أصحاب الإعجاز العددي سيقولون: هذه قمة الإعجاز مع أنه ليس فيها إعجاز.
من الأشياء التي أريد أن أذكرها في هذه المقدمة أن القرآن كما أشرت أنزل على سبعة أحرف، فهذه الأحرف يحصل فيها كلمة مكان كلمة، وحرف مكان حرف، وأيضاً يحصل فيها أحياناً زيادة حرف، كـتَجْرِي تَحْتَهَا [سورة التوبة:100] تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا، وما إلى ذلك من وجوه التغاير، ففيه سبعة أوجه من وجوه التغاير.
الرسم العثماني الذي يبني عليه أصحاب العدد دعوى الإعجاز ليس بتوقيفي، وليس له قاعدة مطردة، فلاحظ كيف تكتب الكلمة الواحدة أحياناً بالتاء المفتوحة، وأحياناً بالتاء المربوطة.
(بئس ما) أحياناً تجعل على كلمتين، وأحياناً كلمة واحدة، و(إنما) أحياناً تجعل كلمتين، وأحياناً كلمة واحدة، فالرسم العثماني ليس بتوقيفي، وإنما هو شيء اصطلح عليه أصحاب النبي ﷺ في زمن عثمان، وباقي مصاحف الصحابة لم تكن مكتوبة على الرسم العثماني، فنحن نلتزم بالرسم العثماني؛ لئلا يدخل باب العبث والتبديل في القرآن؛ لأن قواعد الإملاء تتغير من عصر إلى عصر ومن مصرٍ إلى آخر، فنقول: لا يجوز طباعة المصاحف على الرسم الإملائي الحديث، لا على أنه توقيفي وإنما من باب سد الذريعة لحفظ القرآن.
هؤلاء يبنون على الرسم العثماني أشياء غريبة، فلو لاحظت الرسم العثماني في (الزكاة) فإنها تكتب أحياناً بالواو، كذلك الربا تكتب أحياناً بالواو وأحياناً بالألف، فهم يبنون على ذلك عد الحروف.
قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [سورة العلق:18] بدون واو مع أنه لم يسبق بجازم، فكيف يبنون العدد هنا؟ يبنونه على الرسم العثماني، كلهم يصرح أنه يبني ذلك على الرسم العثماني، مع أنه حتى الرسم العثماني نفسه يتفاوت، فالمصاحف المطبوعة على قراءة ورش أو نافع بناءً على هذه القراءة، كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ [سورة المرسلات:33] هكذا: كَأَنَّهُ جِمَالَاتٌ صُفْرٌ، تغير عدد الحروف أم لم تغير؟ لا شك أنه تغيّر.
ثم أيضاً: الرسم ليس على نطق الكلمة، فمثلاً: بِسْمِ اللّهِ [سورة الفاتحة:1]، كيف نكتبها على حسب النطق أو بناءً على الإملاء الحديث؟ تكتب هكذا ( باسم الله) فيها ألف، هكذا في الإملاء الحديث، بينما هي في الرسم العثماني من غير ألف.
كذلك نقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4] كيف تكتب في المصحف؟ تكتب بصورة: مَلِكِ، وذلك من أجل أن تحتمل القراءتين، فهم يبنون على الرسم العثماني، وهل هذا يصلح أن يبنى عليه العدد؟ ما دام أنه ليس توقيفياً فكيف تبني عليه العدد؟ ثم إن القراءات تتفاوت، فبناءً على أي شيء تعد؟
إذا كان العلماء مختلفون في عدد الحروف وفي عدد الكلمات وفي عدد الآيات للاعتبارات السابقة، فهل يصح أن نبني على هذا أرقاماً؟ أبداً، لا يمكن أن نبني عليها أرقاماً.
كذلك يبنون على ترتيب السور فيقولون، هذه السورة رقم 95 أو رقم 19، والرقم 19 هذا له عندهم أشياء وأشياء ستأتي، وهذه السورة رقمها كذا، والسؤال هو: هل ترتيب السور توقيفي؟
الجواب: الراجح أنه ليس بتوقيفي وإنما هو اجتهادي، استأنس فيه الصحابة مما كانوا يرون من غالب قراءة رسول الله ﷺ لكن ترتيب السور بهذا الشكل ليس توقيفياً، إنما التوقيفي هو ترتيب الآيات في القرآن في السورة الواحدة، أما ترتيب السور ليس بتوقيفي، ولذلك فإن مصاحف الصحابة الأخرى لم تكن مرتبة بهذه الطريقة.
إنهم يبنون على عدد السور مع أن عدد السور مختلف فيه، فمثلاً: هل الأنفال والتوبة سورة واحدة أو لا؟
العلماء مختلفون في ذلك، كذلك هل سورة الفيل وقريش سورة واحدة أو هما سورتان؟
القرآن هو القرآن لم يزد فيه شيء ولم ينقص، لكن العلماء يختلفون، هل هما سورتان أم سورة واحدة؛ للتشابه، فهل يمكن أن نأتي ونبني على العدد أحكاماً، ونذكر أشياء على أنها من قبيل الإعجاز؟! ثم إن الطريقة التي يبنون عليها هذه الأرقام والإعجاز الذي يذكرونه، ليس لهم قاعدة ثابتة فيه، وإنما يذكر أرقاماً، ثم يحاول أن يأتي بموافقات، إما بعمليات حسابية -طرح وقسمة وضرب وجمع- إلى أن ينتج له الموافق، أو يجمع معها كلمات أخرى ويحذف -كما سترون.
فمثلاً: كلمة: (الناس) كم مرة وردت في القرآن الكريم؟ والرسل كم مرة وردت في القرآن؟ إذا ما أسعفه العدد ليتوافق أدخل مع (الناس) (الإنسان) و(البشر)؛ ليكتمل له العدد، وسترون هذا، بينما إذا جاء يتكلم عن كلمة الموت –مثلاً- فإنه لا يأتي بكل الكلمات، وإنما يقتصر على الإتيان بكلمة (الموت) أو (الميت) فقط ويترك (موتكم) و(يميتكم) و(تموتون) لماذا؟ من أجل أن يستخرج عدداً يوافق شيئاً آخر، فهل هذا إعجاز؟
إن الموافقات تحصل في أشياء كثيرة في حياتنا اليومية، فأنا أحدثك عن نفسي:
أنزل من الفندق فآتِ إلى موظف الاستقبال، وأرى إنساناً يسلم له المفتاح، وإذا قارئ يقرأ في الراديو: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [سورة الأنعام:59]، نعم في نفس اللحظة التي أسمع فيها صوت المفتاح يضرب على طاولة الاستقبال يقرأ القارئ: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ.
ومن المصادفات أنه كثيراً ما يحدثني إنسان بالتلفون أو أتحدث مع إنسان ويذكر كلمة، فمثلاً: يقول: أنا أعاني من مرض حسد، فأسمع في نفس اللحظة القارئ يقرأ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [سورة النساء:54]، ولا أحصي كم مرة حصل مثل هذا، فهل هذا إعجاز أم أنها مجرد موافقات وقعت؟
إن إعجاز القرآن ثابت، ولسنا بحاجة إلى تكلفات من أجل أن نثبت أن القرآن معجز، فهل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
الآن لو جئنا بأي كتاب من الكتب، كصحيح البخاري مثلاً أو كتاب ألفته أنت أو أي كتاب، وأخذناه كلمة كلمة، وأظهرنا الأرقام فيها، فإننا سنجد أرقاماً متوافقة، ألا نستطيع أن نربط بينها؟ نستطيع أن نربط بينها.
ولقد كنت أراجع تصحيح أحد الكتب، فلفت نظري الإحالة حيث ذكر المؤلف شاهدين من الشعر، فكانت إحالة الشعر الأول: انظر أو تقدم هذا البيت عند الآية رقم 48 من سورة الأنعام، وإذا بالشاهد الذي بعده مباشرةً يقول عنده: تقدم هذا الشاهد عند الآية رقم 48 من سورة الأعراف، راجعت وأنا أقول: أكيد في هذا خطأ فإذا هو فعلاً عند الآية 48 من الأعراف وعند الآية 48 من الأنعام وليس فيه خطأ، فهل هذا الشيخ الذي كان يتكلم وكُتبت دروسه، هل كان مستحضراً لهذه القضية -أن الشاهد هذا ذكره عندما تكلم على الآية رقم 48 من سورة الأنعام والشاهد الآخر عند الآية رقم 48 من سورة الأعراف- أم حصل هذا موافقة؟
حصل موافقةً، وهذا يحصل كثيراً.
ثم أيضاً هذا القرآن عربي وخاطبنا بلسانٍ عربيٍ مبين، فهل اللجوء إلى عدد الحروف في الكلمة هو مما تفهمه العرب من المخاطبات؟
القرآن يخاطبك فيقول مثلاً: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [سورة الإسراء:9] فهل تبقى تعد حروف هذه الكلمة وتستنبط منها معنىً؟ هل هذا هو اللسان العربي؟ وهل هذا هو الخطاب القرآني وهكذا يُفهم؟
بعض الإخوة من حرصهم وغيرتهم قاموا بدعاية كبيرة جداً وحملة ضخمة على كلمة (كوكا كولا)؛ لأن الكلمة مكتوبة بالإنجليزية، فقرؤوها من الخلف في الزجاجة بالعربي، لاحظ كيف قرؤوها بالعربي وبالمقلوب، (لا مكة) (لا محمد).
أقول: أولاً: هذه كلمة إفرنجية، فكيف تقرؤونها بالعربية؟ ثانياً: كيف تقرؤون هذه الكلمة بالمقلوب؟ إلى هذا الحد صار عندنا من الحدس والحساسية من منتجاتهم؟ تقرؤها بالمقلوب وهي كلمة أعجمية، ثم أيضاً ما هو المعنى (لا مكة ، لا محمد)؟ هي جملة غير مفيدة،؟
أنا سأجعل منها جملة صحيحة بتقدير محذوف: لا مكة مذمومة ولا محمد كاذب مثلاً، فما المشكلة الآن، ما معنى لا مكة لا محمد؟ إنها جملة غير مفيدة، ما لها معنى، فنحن أحياناً نتمحّل في القراءة أو في عدد حروف الكلمة وأشياء غريبة جداً ليست أصلاً من اللغة، ولا تدل عليها من قريب ولا بعيد.
بعد هذه الأمور التي ذكرتكم بها نبدأ بالكلام على الإعجاز العددي أو ما يسمى الإعجاز العددي، وسيكون الحديث على خمس نقاط:
أولاً: حقيقة الإعجاز العددي.
الثاني: الجذور التاريخية له.
ثالثاً: المؤلفات أو من أشهر المؤلفات فيه.
رابعاً: الأسس والأصول التي يبنون عليها.
خامساً: الأقسام التي يندرج تحتها مزاعمهم في هذا الإعجاز.
وأرجو من الإخوة أن يفكروا بعقولهم، فالمشكلة أننا نفكر بالعاطفة في كثير من الأحيان، فمن خلال النظر في كثيرٍ من الكتابات في الإنترنت لا سيما في بعض المواقع والساحات والحوارات وما إلى ذلك، نجد التفكير بالعاطفة وملاحقة أشياء لا حقيقة لها، وبالتالي فإن مثل هؤلاء الناس من الممكن أن يُتلاعب بهم، وممكن أن يغرّر بهم، نظراً لليأس الذي يعيشونه أو نظراً لمشاعر الإحباط أو نحو ذلك، فلنتنبه.
أولاً: حقيقة هذا الإعجاز العددي:
ما هو الإعجاز العددي؟
الإعجاز العددي هو محاولة استنتاج قضايا إعجازية من الأرقام، إما على سبيل التوافق وإما بعمليات حسابية أو بما يسمى بحساب الجُمَّل الذي يذكر في الحروف المقطعة كما سيأتي.
من أي الأرقام يتم الاستنتاج؟
الجواب: يتم ذلك من رقم السورة ورقم الآية ورقم الجزء وعدد الكلمات وعدد الحروف وعدد الآيات، ومن أرقام صرح القرآن بها...الخ.
ثانياً: الجذور التاريخية لهذه المزاعم:
هل هناك أشياء يستندون إليها؟
هناك حديث أخرجه ابن خزيمة والبيهقي والحاكم وصححه الحاكم وهو بإسناد صحيح، وصححه من المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وهو حديث ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يدخله مع الصحابة فسألهم يوماً عن ليلة القدر متى هي؟ فكل واحد أجاب بما عنده، ونحن نعرف أن ليلة القدر فيها عدة أقوال، فالذي يحضرني الآن أن الحافظ ابن حجر ذكر فيها في الفتح أربعين قولاً وهو شهر واحد، ولربما ذكر بعضهم أكثر من هذا.
عمر سأل الصحابة والصحابة مختلفون في ليلة القدر متى هي، فكل واحد ذكر له شيئاً فسأل ابن عباس وقال له: لماذا لا تتكلم؟ فقال له: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت، فأمره أن يتكلم، فقال: السبع -بناءً على أي شيء قال ذلك ابن عباس؟- قال: رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبات الأرض من سبع، فسأله عمر عن بعض تفصيل هذا ووافقه عليه، هل هذا الكلام الآن يتعلق بالإعجاز؟ هل فيه إعجاز من قريب أو بعيد؟
أبداً، إنما هي محاولة للاستنباط من قِبل ابن عباس في معرفة ليلة القدر مستأنساً بذكر العدد سبعة في قضايا متعددة في القرآن، ومن أقوى الأقوال في ليلة القدر أنها ليلة السابع والعشرين مثلاً، فاستأنس بهذه الأمور فقط، لكن هل لهذا علاقة بموضوع الإعجاز؟ أبداً، ليس له علاقة ولم يدعي هذا أحد البتة.
ابن رجب -رحمه الله- في كتابه لطائف المعارف ضعّف هذا الأثر أصلاً وردّه، وقال: قد صحّ عن ابن عبّاس أنه كان ينضج على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين، يقول معنى هذا أن له رأي آخر في المسألة.
ثم ذكر ابن رجب شيئاً آخر في قضية العدد، فيقول بأن طائفة من المتأخرين -ليسوا السلف بل من المتأخرين- استنبطوا من القرآن أنها ليلة سبعة وعشرين من موضعين من القرآن، الأول قالوا: تكرر ذكر ليلة القدر في ثلاثة مواضع في القرآن، و(ليلة القدر) حروفها تسعة، والتسعة إذا ضربت في الثلاثة المواضع التي تكررت فيها فهي سبع وعشرون.
والثاني: أن الله قال فيها: سَلَامٌ هِيَ [سورة القدر:5] فيقولون: كلمة هِيَ هي الكلمة السابعة والعشرون من السورة، يقولون الكلمات ثلاثون كلمة السابعة والعشرون سَلَامٌ هِيَ.
ثم نقل ابن رجب -رحمه الله- عن ابن عطية المفسر صاحب كتاب المحرر الوجيز، أنه قال: هذا من ملح التفسير، لا من متين العلم.
عندنا أشياء من صلب العلم وعندنا أشياء من ملح العلم، وعندنا أشياء ليست من العلم، كما قسم الشاطبي -رحمه الله- فابن عطية يقول: هذا من الملح، يعني ممكن يذكر من باب الملاطفة، يعني أنه شيء لطيف، لكن تذكره على أنه معنىً ثابت تفسر به وتبني عليه حكماً بأن ليلة القدر هي ليلة سبعة وعشرين، فليس الأمر كذلك.
يقول ابن رجب: وهو كما قال، يعني قول ابن عطية: إن هذا من ملح العلم وليس من صلب العلم فلا يلتفت إليه.
ثالثاً: المؤلفات في الإعجاز العددي:
المؤلفات في الإعجاز العددي كثيرة جداً، أذكر بعضها:
يوجد كتاب اسمه: رسم المصحف والإعجاز العددي، دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم للدكتور: أشرف عبد الرزاق قطنة، وهو يرد على الإعجاز العلمي، وهذا الكتاب حاولت أن أحصل عليه لكن لم يتيسّر لي ذلك، وهو يرد على أصحاب الإعجاز العددي، هذا الكتاب قام بدراسة ثلاثة كتب من كتب الإعجاز العددي، وهي من أشهر كتب الإعجاز العددي، كتاب اسمه: معجزة الرقم 19، مقدمات تنتظر النتائج لبسّام جرار، هذا يدرس فيه العلاقة بين الحروف في فواتح السور وبعض كلمات القرآن الكريم والعدد 19، ودرس كتاباً آخر اسمه: الإعجاز العددي للقرآن الكريم لمؤلفه: عبد الرزاق نوفل وهذا الكتاب يدرس العلاقة بين تكرار ورود الكلمات المترادفة والمتضادة في القرآن.
الكتاب الثالث الذي درسه هذا الكتاب النقدي اسمه: المعجزة النظرية الأولى لمؤلفه: عدنان الرفاعي وهذا يحصي الحروف والكلمات في القرآن، ويعمل على بيان الترابط العددي بينها من جهة، وترابطها مع الظواهر الكونية من جهةٍ أخرى.
ومن الكتب أيضاً: كتاب موسوعة الأعداد في القرآن الكريم: لمهدي كري...م، وأيضاً تعرض لهذا الموضوع: مصطفى الدبّار في كتابه: وجوه من الإعجاز القرآني،.
وكذلك يوجد كتاب اسمه: أسرار معجزة القرآن الكريم لعبد الحليم الخطيب، وهناك رسالة علمية في جامعة اليرموك بعنوان: الإعجاز العددي بين الحقيقة والوهم، وما وقفت عليه، ويبدو أنها ما طبعت، وهناك أيضاً رسالة أخرى في جامعة أم القرى في عام 1408هـ في هذا الموضوع: دراسات في الإعجاز العددي بين الماضي والحاضر، ويبدو أنها ما طبعت ولم أقف عليها.
رابعاً: الأسس والأصول التي يبنون عليها هذا النوع من الإعجاز:
ما هي المنطلقات التي ينطلقون منها في هذا الإعجاز؟
خذ هذا المثال على ذلك:
هذا أحد المؤلفين يقول: الطريقة التي سرت عليها:
اعتمدت المصحف الإمام كمرجعٍ وحيد: وهل هذا يصلح في العدد؟ هل يصح أن يعوّل عليه في العدد؟ لا، لماذا؟ لأن طريقة الرسم العثماني تختلف من كلمة إلى كلمة، وعما ننطق به أيضاً.
يقول: اعتمدته بعدد سور القرآن، وعدد آياته وكلماته وحروفه، ثم يقول: بنيت على أن عدد سور القرآن 114: وهل هذا محل اتفاق؟ الجواب: لا.
يقول: أولها فاتحة الكتاب وآخرها سورة الناس: معناها أنه اعتمد الترتيب الذي عليه المصاحف العثمانية مع أنه ليس بتوقيفي، فكيف يبني عليه أحكام واستنتاجات ومعاني وإعجاز؟
يقول: عدد آيات القرآن: ست آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية: هل هذا محل اتفاق؟ لا، فكيف يبني عليه؟ ويقول: وتعداد الكلمات ما قمت بعدّها: نحن ذكرنا لكم الاختلاف في عد كلمات القرآن.
ويقول: تعداد الكلمات يعتمد على رسم الكلمة، فالطريقة التي سرتُ عليها أن الكلمة المرسومة برسمٍ واحد، أعتبرها كلمة واحدة: وهذه الطريقة صحيحة أم غير صحيحة في العدّ؟ غير صحيحة.
كذلك أيضاً هو لا يعد الضمائر في الكلمة، فمثلاً: حينما يقول: تأخذونها –مثلاً- أصل الكلمة: أخذ، فهو يعتبر مثل هذه كلها كلمة واحدة: (تأخذونه) يعتبرها كلمة واحدة، بينما هي لا تعتبر كذلك، ففيها لواصق من الضمائر ونحوها، وهكذا يبدأ يبني على هذا أشياء ويذكر أمثلةً له.
ومن الأمثلة أيضاً: تركيب في قوله: (ما يقولون) يقول هو: أعتبرها كلمتين (ما أنت) كلمة واحدة (ما لم) يقول: أنا أعتبرها كلمتين.
ويقول: بعض من كتب في الإعجاز العددي يعتبرون (ما لم) –مثلاً- كلمة واحدة: بناءً على ماذا؟ رأيتم التفاوت في كتابة هذه الكلمات؟!
ويقول: هذا بعض من اصطلحت عليه في تعداد الكلمات، وأعتقد أنه مطابق لإجماع العلماء: وأين الإجماع؟ هل المسألة فيها إجماع؟ أو أحد ادعى الإجماع؟ أيداً، لكن هؤلاء يكتبون ويأتي من يقول: ما شاء الله، ثم يقبل هذا الكلام على عواهنه!.
يقول: أسير على تعداد الحروف وفق رسم الحرف في المصحف العثماني: فكلمة مَلِكِ هي تقرأ (مالك) فهي أربعة حروف وهو يحسبها ثلاثة أحرف، ولا أدري هل يعتمد رواية حفص عن عاصم في المصاحف المطبوعة عليها أو قراءة ورش أو نافع؟ على أي شيء يبني هذا الإعجاز؟
الهمزة والألف له اصطلاح معيّن في عدّها، كذلك أيضاً يذكر أنه لا يراعي النطق بالحرف، فكلمة بِسْمِ من بِسْمِ اللّهِ يعدها باء وسين وميم -ثلاثة أحرف- بينما هي في الواقع أربعة أحرف، فيبني كذلك، وهكذا يذكر أشياء من مصطلحاته التي بناها على أمورٍ لا يصح البناء عليها، ثم بدأ يذكر أشياء من ذلك، وبنى عليها ألواناً من الإعجاز.
بالنسبة للسور المكية والسور المدنية، ما هو ترتيب نزول القرآن؟ من أول سورة نزلت إلى آخر سورة؟
حسب ما أذكر الآن أن فيه روايتين، وكلاهما لا تصح في الترتيب حسب النزول، ومع هذا فهؤلاء يأتون مثلاً وينظرون إلى ترتيب النزول، وينظرون إلى ترتيب المصاحف ويستخرجون أشياء من الإعجاز، بينما ترتيب السور في المصاحف ليس بتوقيفي، وترتيب النزول لا يصح فيه حديث، فكيف تبنون عليه مثل هذه الاستنتاجات؟!
كذلك أيضاً: السورة المكية الأصل أن جميع آياتها مكية إلا ما دل الدليل على أنها ليست بمكية، فالعلماء أحياناً -وهذا كثير جداً في التفسير- يقولون: هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات، بناءً على ماذا قالوا: إلا ثلاث آيات؟ أحياناً بناءً على ما لاح لهم من المعنى، ولكن هذا لا يجوز.
فسورة الأنعام سورة مكية نزلت جملة كما ثبت هذا في روايات صحيحة، شيّعتها الملائكة في ليلة واحدة، ومع هذا نجد من المفسرين من يقول: يُستثنى منها بعض الآيات.
ما هي الآيات التي تستثنى منها؟
يقول: يستثنى منها قول الله -تبارك وتعالى: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام:141]، لماذا وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ مدينة والسورة بنص الحديث نازلة في ليلة واحدة في مكة؟
قال: لأن هذه تتكلم عن الزكاة والزكاة ما فرضت إلا بالمدينة!
والصواب أن هناك من الآيات ما ينزل قبل تقرير الحكم، وأيضاً قوله تعالى: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ الراجح أن أصل الزكاة فرض بمكة، لكن الأنصبة والتفاصيل كانت بالمدينة، فكان يجب على الإنسان أن يخرج يوم الحصاد شيئاً غير مقدر.
فلاحظ كيف قال بعضهم بأن السورة استثني منها بعض الآيات، وهذا أوضح مثال إذ أن هذه سورة نص الحديث أنها نازلة جملة واحدة ومع ذلك يستثنون بناءً على ما لاح لهم من المعنى.
الآيات التي تحدثت عن اليهود كقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [سورة الأنعام:146] قال: الآيات التي تتحدث عن اليهود هذه في المدينة -مع أنها من الآيات المكية- لماذا؟ إنه يأتي وينظر إلى هذه الاستثناءات مع أنها ليست محل اتفاق ويستنبط منها استنباطات.
ومن الأمثلة:
أتى إلى سورة يوسف وسورة النحل وهما سورتان من السور المكية -بعض العلماء يقول: أن سورة يوسف مكية- فهذا ينظر أعلى السورة في المصحف ويظن أنها قضية نهائية فيقول: سورة يوسف سورة مكية إلا الآيات 1 و 2 و3 و7 فمدينة، بناءً على ماذا؟
سورة النحل يقول: إنها مكية إلا الآيات: 126 و 127 و128 فهي مدينة، ثم يضع جدولاً بهذه الطريقة: الآيات سورة يوسف سورة النحل، رقم الآية وعدد الكلمات، الآيات المستثناة من سورة يوسف، الآية رقم 1 كم عدد كلماتها؟ يقول: خمس، الآية رقم اثنين عدد كلماتها ست، الآية رقم ثلاثة عدد كلماتها 16، الآية رقم سبعة عدد كلماتها 7.
سورة النحل: الآية رقم 126 قالوا: إنها مدينة –مستثناة- عدد كلماتها 12، وهكذا، ثم خرج بمجموع الكلمات من السورتين من الآيات المستثناة، مجموع الكلمات للآيات الأربع من [سورة يوسف:34] كلمة، ومجموع الكلمات من سورة النحل المستثناة (34) كلمة ويقول: هذا إعجاز، والكتاب مليء بهذه الجداول وبهذه الطريقة، يقول: النتيجة لقد تساوى عدد الكلمات في الآيات المدينة في السورتين في كل سورة (34) كلمة، بالله عليكم أهذا إعجاز؟ أصلاً من قال لك: إن هذه الآيات فعلاً مستثناة؟ ومن قال لك: إن طريقتك في عدّ الكلمات أصلاً صحيحة؟
مثال ثان:
سورة هود وسورة الحج وسورة الشورى، تعامل معها بنفس الطريقة على أن فيها آيات مستثناة، ووضع جدولاً ثم خرج بنتيجة مجموع الكلمات في الآيات الثلاثة من سورة هود المستثناة ثمانين كلمة، ومجموع الكلمات في سورة الحج ثمانين كلمة، وكذا الأمر في سورة الشورى ثمانين، ثم كتب النتيجة وكتب بين قوسين (تناسق عجيب)، ثم كتب تعليقاً: الإحصاء صحيح والمرجع المصحف الإمام، وهكذا ذكر عدة أمثلة على ذلك بنفس الطربقة، فيا ترى بناءً على أي شيء حكمت؟ ومن قال لك: إن هذا الاستثناء صحيح أصلاً؟
وهذا أصدر سلسلة من الكتب، وذكر أننا في عصر الأرقام، وأننا في عصر الكمبيوتر والحاسبات، فهذا هو الإعجاز الذي ينبغي أن نبرزه أن الناس، لم يعودوا يفقهون البلاغة والفصاحة ولا يتذوقونها فينبغي أن نبرز الإعجاز العددي في القرآن!!
خامساً: الأقسام التي تندرج تحتها مزاعمهم في هذا الباب:
أولاً: موافقات رقمية إما ابتداءً وإما بتكلفات حسابية، ومن أمثلة ذلك أنهم وضعوا جداول في الانترنت -مواقع خاصة- وفي كتب، وبعضهم ينقل عن بعض، وجمعت ما كتبوا، وأعطيتها أحد فضلاء طلبة العلم ممن يتميّزون بالدقة العلمية، فأحصى لي هذه الأشياء بعدهم وتتبّعهم فيها فكانت النتائج كالآتي:
هم يقولون: الدنيا ذكرت 115 والآخرة 115 مرة، فلننظر هذا الكلام الذي قالوه أهو صحيح أم لا؟ هذه الكلمة وردت في القرآن بهذا العدد المزعوم سبعة وستين مرة (الحياة الدنيا) أو (حياتكم الدنيا)، وثمانية وأربعين مرة (الدنيا) وحدها، ووردت أربع مرات لا يراد بها ما يقابل الآخرة، كقوله تعالى: إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا [سورة الأنفال:42] يعني القريبة، شاطئ الوادي هو الجانب الآخر من الوادي، الجانب الذي يلي المدينة، وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى: مما يلي مكة وهذا في غزوة بدر.
كذلك قوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [سورة الصافات:6] فليس ذلك مما يقابل الآخرة.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [سورة الملك:5]، فيكون العدد الحقيقي لعدد مرات ذكر (الدنيا) بالمعنى المقابل للآخرة 115 مرة الذي ذكروه ننقص منها الأربع الآيات هذه التي ليست مقابل الآخرة، فتكون قد ذكرت في الحقيقة 111 مرة، وهذا لا يتناسب مع عدد مرات ذكر الآخرة.
كلمة الآخرة في القرآن يقولون: وردت 115 مرة، وهي جاءت باسم اليوم الآخر 26 مرة أيضاً، فينبغي أن نعد: 115 + 26 = 141 مرة، ومع ذلك فـ 115 التي ذكرت فيها الآخرة ليست كلها بمعنى اليوم الآخر فمن ذلك: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [سورة ص:7]، فالملة الآخرة بعضهم يقول: إنها النصرانية، والمشركون يقولون ذلك: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، فليس هو اليوم الآخر؟ فكيف تعدّها معها؟
وكذلك قوله تعالى: فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا [سورة الإسراء:7]، فليس المراد بالآخرة هنا اليوم الآخر، وإنما المراد بذلك الكرة الثانية.
وعليه يكون العدد الحقيقي: 141 فإذا نقصنا الاثنتين اللتين ليستا في مقابل الآخرة يصير عندنا: 139 مرة، وكذلك أيضاً وردت كلمة الآخرة على سبيل الوصف أحياناً لا التسمية مثل: قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ [سورة البقرة:94]، يصف الدار بأنها الآخرة، وكقوله تعالى: وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [سورة النحل:30] الأولى وردت ست مرات، والثانية مرتين، وكقوله تعالى: ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [سورة العنكبوت:20] وردت مرة واحدة.
ومن ذلك الملائكة يقول وردت: (الملائكة) ثمان وثمانين مرة و(الشياطين) ثمان وثمانين مرة، وإذا كان كذلك فما الذي تريد أن تصل إليه؟ ثم إننا لا نسلّم لك هذا العدّ؛ فالملائكة وردت في تصريفات متعددة، جاءت ملك عشر مرات، ملكاً ثلاث مرات، ملكين مرتين، الملائكة: 68 مرة، ملائكته: خمس مرات، بهذه التصريفات: 88 مرة، ما حسبنا جبريل: ثلاث مرات، ولا حسبنا ميكال: مرة، ولا حسبنا مالك: مرة، الزبانية ما حسبناها وقد وردت مرة، هاروت وماروت على القول بأنهما ملائكة وردت مرة، بينما هم حسبوا ملك الموت، والشياطين يقولون: وردت 88 مرة، هي وردت كلمة الشيطان 68 مرة، الشياطين 17 مرة، شيطاناً مرتين، شياطينهم: مرة واحدة، المجموع 88 مرة، وإحدى هذه المرات تشبيه: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ [سورة الصافات:65]، وما عدوا إبليس معها، وقد ذكر 11 مرة.
الملائكة وردت بتعبير آخر في مواضع كثيرة مثل:
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [سورة الصافات:1] وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [سورة المرسلات:1] على قول بعض السلف، كذلك: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ۝ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [سورة النجم:5 -6].
وقوله تعالى: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ۝ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [سورة الصافات:164 -165] فالمراد بهم الملائكة.
وقال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ۝ ذِي قُوَّةٍ [سورة التكوير:19 - 20] جبريل.
وكذلك قوله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [سورة الذاريات:24].
بينما كلمة: مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [سورة يوسف:31] التي قيلت في يوسف يعدونها من جملة هذه الأشياء.
وعن الحياة والموت يقولون: ذكرت 145 مرة، الحياة وقد وردت تصريفاتها متعددة، حي: مرة، وتحيون: مرة، ونحيا: مرتين .. الخ التصريفات المتعددة بما فيها: حياة، حياتكم، حياتنا، الحيوان، محياهم محياي، محيي، مجموع هذه الأرقام 136 مرة، ما الذي أخذ منها حتى قال 145 مرة؟ لا ندري، من وأين أوصلها إلى الـ 145 مرة؟ وبناءً على ماذا انتقى؟ لا ندري.
الموت: يقولونعنه: ورد 145 مرة، وتصريفاته كثيرة: مات، وماتوا -وكلها مكتوبة عندي بأرقامها- مجموع هذه التي تكررت في الواقع 158 مرة، إذا أضفنا إليها الميتة ست مرات زد 158 + 6= 164، وهم يقولون 145 مرة! بناءً على ماذا 145؟
والعجيب أنك تجد من يقرأ هذا وينتشي ويقول: سبحان الله، مع أنه لو فرضنا أنها توافقت فعلاً فما العجيب وما الإعجاز فيها؟ اجمع من أي كتاب أرقاماً أو كلمات، ثم اربط بين كلمتين وقل: هذا وجه من الترابط والتناسق، ما المشكلة في ذلك؟!!
يقولون أيضاً: كلمة النفع وردت خمسين مرة، والفساد: خمسين مرة، مع أن أكثر ما وردت كلمة النفع المذكورة كانت منفية ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى: وَمَا لَا يَنفَعُهُ [سورة الحـج:12]، وقوله تعالى: وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا [سورة الفرقان:3]، وكقوله تعالى: وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا  [سورة البقرة:219]، وقوله: يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [سورة الحـج:13] وما أشبه ذلك.
كذلك الفساد يقولون: وردت خمسين مرة، مع أن له معانٍ متعددة، مرة مثبت، ومرة منفي كقوله تعالى: لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ [سورة البقرة:251]، وقوله: أَفْسَدُوهَا [سورة النمل:34]، وقوله: مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ [سورة يوسف:73]، وقوله: لَتُفْسِدُنَّ [سورة الإسراء:4]، وقوله: إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [سورة القصص:4]، وأشباه ذلك.
ما العلاقة بين النفع وبين الفساد؟
هناك كلمات متعددة لو ربطنا بينهما كالنفع والضر، والإثم والشر، والفساد والصلاح، فمثلاً كلمة: النفع والضر وردت 66 مرة، الإثم 48 مرة، الشرّ: 30 مرة، الفساد والصلاح: 180 مرة، الخير: 188 مرة، لو أردنا أن نجمع ونجري إحصائيات سنخرج بنتائج أحسن من التي يذكرونها.
يقولون: المصيبة وردت 57 مرة، والشكر: 57 مرة، كان من المناسب أن يذكر مع المصيبة الصبر لا الشكر، والحاصل أن كلمة المصيبة في الواقع وردت عشر مرات، والباقي خمسة وستين مرة وردت بمعان وصيغ أخرى مثل: أصاب أصابت، أصابتكم، أصابكم، أصبتم، تصبهم، وآيات أخرى لا علاقة لها كقوله تعالى: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [سورة آل عمران:117]، وقوله: إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [سورة التوبة:50]، وقوله تعالى: وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ [سورة النساء:78]، وقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ [سورة التوبة:120]...فكل ذلك ليست هي المصيبة؟ ومع ذلك يعدون ذلك معه.
كذلك الشكر تارة تأتي منفية كقوله تعالى: لاَ يَشْكُرُونَ [سورة البقرة:243]، وكقوله: وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [سورة الأعراف:17]، وتارة مثبتة كقوله تعالى: لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الأعراف:189]، وتارة تأتي بصيغة الأمر كقوله تعالى: وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الأعراف:144] وهكذا...
بينما المناسب ذكر الصبر، الصبر ورد 103 مرات، الرضا ورد نحو 73 مرة، هذا مجملاً بغض النظر عن كونه منفي ومثبت وبأي طريقة ورد.
يقولون: الضالون ورد 17 مرة، والموتى 17 مرة، فما العلاقة بينها وبين الموتى؟ ثم الضالون والضالين ومضل والمضلين وضالاً وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [سورة الضحى:7] هل هذه عدها كلها حتى يستخرج هذا الرقم 17 مرة؟ وكذلك الموتى جمعها من أمواتاً، أموات، الميت، ميتون، ميتين، ولم يذكر التصريفات الأخرى فيها، فاقتصر على بعض الأشياء، وكذلك في الضالين اقتصر فقط على الضالين، وترك أشياء كثيرة كان المفترض أن يذكرها على طريقته في العد سابقاً، لكن ما عدّها حتى يستخرج هذا التوافق، وما جاء بجميع التصريفات كما في المواضع الأخرى، وهو كاتب واحد.
وهناك أشياء تكررت برقمٍ واحد مثل 17 مرة، كلمة: (عبادي) (ضر) (سليمان) ﷺ (سمعنا) (الرجال) (الكذب) (رسلنا) (رسله) (الحسنى) هل يمكن أن نركب منها شيئاً؟
لو جاء إنسان وقال كلمة: (الرجال) 17 مرة وكلمة (الكذب) 17مرة، إذن: (الرجال) و(الكذب) بينهما تلازم!!؟
كلمة (ضر) وكلمة (رجال) قال: الرجال ملازمة للضر، كلها وردت 17 مرة هذه الكلمات.
وشخص آخر يريد يثبت إعجاز فيقول: كلمة (سليمان) وردت 17 مرة، والرسل 17 مرة (رسلنا) 17 مرة و(رسله) 17 مرة و (الحسنى) 17 مرة فسليمان من الرسل، ومن رسله رسل الله 17 مرة، والحسنى هي مثواه ﷺ والأنبياء وهي الجنة، فهذا توافق، طبعاً هم ما قالوا هذا، لكن هذا ممكن نحن نأتي بأشياء منه ونقول هذا من الإعجاز العددي!!
(الذهب) يقولون: ثمان مرات و(الترف) ثمان مرات بينما كلمة (الترف) جاءت بتصريفات كثيرة كـ(أترفناهم، أترفتم، أترفوا، مترفوها، مترفين، مترفيها...) جمع كل التصريفات وما أشبه ذلك.
البركة: يقولون: 32 مرة والزكاة 32 مرة، جمع (بارك، باركنا، بورك، تبارك، بركات) الخ وخرج بـ 32 مرة منها: تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:54]، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [سورة المؤمنون:14]، ومنها: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [سورة الأنعام:155]، وقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [سورة الدخان:3].
أما الزكاة ما عد كل التصريفات جمع معها أشياء لا تصلح أن تجمع مع الزكاة التي هي إخراج المال، قال: قوله تعالى: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [سورة الأعراف:156] هذه من الأعراف وهي مكية، يؤتون الزكاة يعني الإيمان، تزكية النفس هذا معناها، ليست الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام.
وكذلك في قوله: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [سورة الكهف:81] ليست زكاة المال المخرجة المخصوصة، وإنما زكاةً يعني طهارةً وصلاحاً.
عدوا أيضاً قوله تعالى: وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً [سورة مريم:13]، وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [سورة فصلت:6 -7] يعني الإيمان على قول مشهور في الآية.
ومما يذكرون أيضاً: (الصلاة) يقولون: وردت خمس مرات و(الشهر) 12 مرة و(اليوم) 365 مرة، بينما إذا جمعنا كلمة الصلاة بجميع تصاريفها فإننا في الواقع نخرج برقمٍ آخر غير ما ذكر، لكنه اختار الصلوات المجموعة دون سائر الاستعمالات لتوافق العدد الذي يريد، وإلا فهي: صلى: ثلاث مرات تصلي: مرة، ويصلوا: مرتين، ويصلون: مرة، ويصلي: مرتين، وصلوا: مرة، والصلاة: 67 مرة، وصلاتك: ثلاث مرات، وصلاته: مرة، وصلاتهم: ست مرات، لماذا لم يجمع هذا كله وإنما اقتصر فقط على (الصلوات)، فقال خمس مرات؟
الشهر جاء عشر مرات (الشهر) وشهراً: مرتين، وشهرين: مرتين، والشهور: مرة، وأشهر: ست مرات، المجموع 21 مرة، لكنه اختار فقط المفرد -الشهر أو شهراً- من أجل أن يقول: السنة: 12 شهراً.
وبالنسبة لليوم كذلك، كلمة اليوم وردت في القرآن 349 مرة ويوماً: 16 مرة، ويومكم خمس مرات، وغير ذلك، فالمجموع 475 مرة، بينما هو اختار بعضها وترك الباقي وقال وردت كلمة اليوم 365 مرة.
أنا أمامي الأمثلة التي ذكروها، وهي عشرون مثالاً ولربما تزيد، وكلها بهذه الطريقة، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وإلا فكل الأرقام التي يذكرها تحتاج إلى مناقشة فيها أصلاً ولا يسلّم له ذلك، وتوجد أشياء ليس لها معنىً أصلاً أذكر منها شيئاً وأختم، فمن ذلك أنه يقول:
(الأصنام) ذكرت خمس مرات و(الخنزير) خمس مرات (والخمر) خمس مرات، و(البغضاء) خمس مرات و(التنكيل) خمس مرات و(الحسد) خمس مرات، و(الرعب) خمس مرات، و(الخيبة) خمس مرات، فما الذي يريد أن يصل إليه؟ مع أني ما تابعته في صحة هذه الأرقام.
ومن الأمثلة أنه ذكر الناس والرسل، فالناس أدخل معها الإنسان وأدخل معها البشر من أجل أن يقول أنها وردت 368 مرة ولتوافق الرسل، وأدخل مع الرسل (المرسلات) ليقول: إنها 368 فالناس توافق عدد الرسل، فلو فرضنا توافق عدد الناس والرسل في القرآن ماذا يعني ذلك؟ أين الإعجاز في ذلك؟ لا يوجد إعجاز.
يقولون أيضاً: متاع الإنسان كذلك تكرر 368 مرة، طبعاً نحن ما تابعناه بالعدد لكن سنفترض أنه صحيح- فما هو متاع الإنسان الذي تكرر؟
يقول: الرزق تكرر: 120 مرة، والمال: 86 مرة، والبنون: 162 مرة، المجموع: 368 مرة، طيب وأين ذهبت الزوجات؟ وأين ذهبت المراكب والحرث والأنعام، وما إلى ذلك من الأشياء التي هي من متاع الإنسان؟ لم يعدها، وإنما عدَّ بعض متاع الإنسان.
وهذا يقول بأن قول الله عن أهل الكهف: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [سورة الكهف:25]، يقول: لاحظ أنه ما قال: ثلاث مائة وتسع سنين، وإنما ثلاث مائة سنة يعني قمرية، وثلاثمائة وتسع سنوات شمسية، فهذا إعجاز.
يقول: إذا حسبت عدد أيام السنة القمرية ثم ضربتها في 300، ثم حسبت عدد أيام السنة الشمسية ثم ضربتها في 300 تجد أن الفرق بين عدد الأيام الشمسية والقمرية تسع سنوات بالضبط، ويقول: القرآن يقول لك: ماذا تريدها؟ تريدها ميلادي أو هجري؟ هذه نص عبارته في الشريط: تريدها ميلادياً أو هجرياً؟
القرآن خاطبنا بالسنوات الشمسية أو السنوات القمرية؟ وعلى أي شيءٍ نحمل ألفاظ القرآن وعلى أي معهود؟ على معهود الفرس الروم، أو على معهود الأميين في الخطاب فما هذا التلاعب؟
الله أخبرنا أنهم بقوا ثلاث مائة سنة وتسع سنوات، فكيف تقول: إنهم جلسوا في القمرية ثلاث مائة سنة، وفي الشمسية 309 سنوات؟
بل بحسابنا بقوا ثلاث مائة وتسع سنوات، وليس هذا من الإعجاز في شي.
أتوقف هنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه البخاري في كتاب: الجهاد والسير – باب: فكاك الأسير (2881) (ج 3 / ص 1109).

مواد ذات صلة