الأحد 09 / ربيع الآخر / 1446 - 13 / أكتوبر 2024
(2) تتمة نظرات في كتاب الملل والنحل للشهرستاني
تاريخ النشر: ١١ / ذو القعدة / ١٤٣٨
التحميل: 478
مرات الإستماع: 739

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسنتحدث عمّا وجد في كتاب: "الملل والنحل" من الجوانب التي تؤيد ما ذكر فيما يتصل بالميل إلى مذهب الباطنية، في كتاب: "الملل والنحل" نفسه فمن ذلك:

الأمر الأول: المبالغة في إطراء أئمة أهل البيت، وهذا موجود عندي بالجزء والصفحة كل ما أذكره في هذه الكتب مقيدًا لكن اختصارًا للوقت لا حاجة لذكر الصفحات.

الأمر الثاني: الميل إلى القول بالوصية والإمامة، وهذا موجود في ثلاثة مواضع، والذي قبله في خمسة مواضع.

الأمر الثالث: القول بمسألة النور الخفي وتقريرها بمنحى باطني، هذا موجود في ثلاثة مواضع.

الأمر الرابع: الإطراء الشديد والثناء على آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما عبدالمطلب، ومعلوم أن هؤلاء لم يكونوا على الإسلام، وهذا موجود في موضع.

الأمر الخامس: التحامل الشديد على بني أمية، ومعلوم من هم الذين يبغضون بني أمية أشد البغض، لكن العلماء رحمهم الله لم يكونوا على اتفاق في تقرير هذه التهم فمثلًا: السبكي ردها ودافع عنه كما في "الطبقات"[1].

والحافظ ابن حجر رحمه الله كما في "لسان الميزان" يقول: "لعله كان يبدو منه ذلك على طريق الجدل، أو كان قلبه أشرب محبة مقالتهم؛ لكثرة نظره فيها"[2].

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فذكر في المنهاج "منهاج السنة" أنه كان يميل كثيرًا إلى أشياء من أمورهم، يعني الشيعة الإمامية بل يذكر أحيانًا أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية من هؤلاء، ويوجهه يقول: "ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من الإسماعيلية، يقول شيخ الإسلام عباراته دقيقة جدًّا يقول: "وإن لم يكن الأمر كذلك"[3].

يقول: "وقد ذكر من اتهمه شواهد من كلامه وسيرته"، مثل ما نقلنا عنهم قبل قليل يقول شيخ الإسلام وقد يقال: "هو مع الشيعة بوجه ومع أصحاب الأشعري بوجه"[4]، وهذا لا يستغرب كما ذكرت لكم.

والطوفي على سبيل المثال حنبلي، وكان يفتخر بأنه أشعري في الاعتقاد، وأنه حنبلي في الفقه، وأشعري في العقيدة، ورافضي في باب الإمامة[5]، ونحو ذلك هذه لا تجتمع يفتخر بهذا وهو فقيه أصولي مشهور معروف، وهذا وجد في عدد لعلي أذكر أشياء من هذا في التاريخ العبر التي أذكرها إن شاء الله إذا رجعنا إلى الدرس.

وفي التاريخ تجد مفارقات عجيبة، وتجد الرجل يجمع أشياء لا تجتمع فلا يستغرب.

فشيخ الإسلام يقول: "قد يقال هو مع الشيعة بوجه ومع أصحاب الأشعري بوجه، وبالجملة فالشهرستاني يُظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه أو مداهنة لهم"[6]، وسيتضح هذا.

يقول: "فإن هذا الكتاب يعني "الملل والنحل" صنفه لرئيس من رؤسائهم وكانت له ولاية ديوانية، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له"[7]، يعني يريد منه أن يحصل على شيء من الدنيا ولربما يجتمع مع هذا الخوف، فبعض الناس لا يثبت في مثل هذه الأحوال فيتلون.

وشيخ الإسلام رحمه الله يذكر أنه صنف هذا الكتاب لرئيس من رؤسائهم وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له، يقول: "وكذلك صنف له كتابًا المصارعة بينه وبين ابن سيناء"[8]، والمصارعة "مصارعة الفلاسفة" يرد على ابن سيناء لميله إلى التشيع والفلسفة، ويقول: "وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة إن لم يكن من الإسماعيلية"[9]، فالإسماعيلية الغلاة هؤلاء يكفرهم طوائف الشيعة كما هو معلوم.

وهذا في ذلك الرئيس يتكلم شيخ الإسلام عمن صُنف له الكتاب يقول: "أحسن أحواله أن يكون من الشيعة إن لم يكن من الإسماعيلية، ولهذا تحامل فيه للشيعة -يعني الشهرستاني- تحاملًا بينًا يعني في هذا الكتاب"[10].

يقول: "وإذا كان في غير ذلك من كتبه يبطل مذهب الإمامية، فهذا يدل على المداهنة لهم في هذا الكتاب لأجل من صنفه له"[11]، ويظهر في هذا إنصاف شيخ الإسلام رحمه الله مع الجميع يقول: صنف ذلك مداهنة وإن لم يكن يعتقد هذا بالضرورة.

وهذا الرئيس المشار إليه الذي كانت له ولاية ديوانية هو أبو القاسم علي بن جعفر الموسوي، وكان على الضد من ابن سيناء نسبه يمتد إلى موسى الكاظم، حكم ترمذ، ودعا العلماء إليه من أنحاء أقاليم خراسان، ومنهم الشهرستاني ممن دُعي، وقد قال عنه الشهرستاني في مقدمة كتابه: "مصارعة الفلاسفة" ولاحظ بماذا وصف هذا الرئيس: "السيد الأجل، العالم، مجدد الدين، عمدة الإسلام، ملك أمر السادة ضاعف الله مجده وجلاله، انتدب أصغر خدمه محمد بن عبدالكريم الشهرستاني؛ لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل، على تردد القلب بين الوجل والخجل فأنعم بالقبول وبالغ في الثناء على أصغر خلّص"، هذا يكتب لذلك الرجل الذي يتهم بمذهب الإسماعيلية

يقول شيخ الإسلام معلقًا على قول الشهرستاني: "وبالجملة كان علي مع الحق والحق معه"[12]، يقول شيخ الإسلام: "والجواب أن يقال هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة كما تقدم وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم، ولما ذكر عليًا قال: وبالجملة..."[13]، إلى آخره.

يقول: "والناقل الذي لا غرض له إما أن يحكي الأمور بالأمانة، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه"[14]، يعني إذا قلت في علي ذلك قل مثل هذا في من هو أولى منه كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم.

يقول شيخ الإسلام: "فأما دعوى المدعي أن الحق كان مع علي وعلي مع الحق وتخصيصه بهذا دون أبي بكر وعمر وعثمان، فهذا لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة"[15].

وذكر في الدرء "درء تعارض العقل والنقل" بأنه قد قيل بأن المؤلف صنف تفسيره سورة يوسف له كتاب في تفسير سورة يوسف أنه صنفه على مذهب الإسماعيلية[16]، وذُكر أيضًا أنه صنف كتابًا لذكر فضائح الباطنية، فهو يميل إليهم ويؤلف كتابًا في بيان فضائحهم.

ولا أستبعد والله أعلم أنه قد يكتب ما لا يعتقد يعني إذا كان في ناحية فيها ظهور لهؤلاء أو وجد رئيس لهم فيكتب له ما يستميله به ويحصل له بعض مطلوبه، وإذا كان في ناحية أخرى لربما كتب في الرد على هؤلاء الذي كان يثني عليهم، وأن الحق معهم أو نحو ذلك، فيصنف كتابًا وكتابًا آخر، وهذا قد يكون أقرب من أنه كان يتبنى قولًا ثم رجع عنه، وكثير من الناس قد يكون بهذه المثابة مع من غلب، وإذا كان في موضع صارت الغلبة فيه لأهل الأهواء فهو معهم ولو ظاهرًا، والله أعلم.

والمشهور أن المؤلف كان على طريقة المتكلمين من الأشاعرة، لكن وجدت هذه الإشكالات في كتابه هذا وفي غيره أكثر.

نتحدث عن هذا الكتاب "الملل والنحل" ماذا يقصد بالملل؟

الملل هي الديانات والشرائع بصرف النظر عن كونها صحيحة أو باطلة، أما النحل فهي من الانتحال يعني الادعاء، والنحل كلها باطلة عنده، والملل مثل ملة الإسلام هذه حق لكن هناك ملل أخرى على غير الحق، لكن النحل يعني ينتحل شيئًا فيقصد بها الطوائف المنحرفة والفرق المنشعبة التي فارقت الحق، فهي كلها باطلة عند المؤلف هذا اصطلاحه ومقصوده حتى يفهم بناء عليه يقرأ الكتاب قراءة صحيحة لا بد من معرفة اصطلاح المؤلف.

سبب التأليف

سبب التأليف ما سبق من أنه كتبه لنقيب ترمذ، وجاء في إحدى النسخ الخطية تصريح بأنه كتبه لآخر، يعني هناك تصريح العبارات التي يبجل بها ذلك الرئيس لترمذ أنه صنف له الكتاب كما سبق.

لكن في بعض النسخ جاء التصريح بأنه كتبه لأبي القاسم محمد بن المظفر المروزي، هذا غير الأول، يقول: "لما أقام على مجلس الصاحب الأجل السيد العالم العادل المؤيد المظفر الإمام نصير الدين، نظام الإسلام والمسلمين، صفوة الخلافة، مغيث الدولة ظهير الملة محيي العدل مجيز الأمة سيد الوزراء، صدر المشرق والمغرب، أبي القاسم محمود بن المظفر بن عبدالملك خالصة أمير المؤمنين نصر الله لواءه أين يمم، إلى أن يقول: فالحمد لله على هذه العارفة التي أسداها إلينا، والشكر له على هذه العاطفة التي أفاضها علينا، حمدًا يصعد أوله ولا ينفد آخره، وشكرًا تتواصل آحاده ولا ينقطع تواتره، ومن جملة تلك المواهب ما وفق المغتذي بثمرته المرتوي من دومته، -يعني من دومة هذا الرجل-، طليق كرمه، وعتيق نعمه، تاج الدين لسان الملوك حجة الحق محمد بن عبدالكريم الشهرستاني لمطالعة مقالات أهل العالم من أرباب الديانات والملل أهل الأهواء والنحل"[17]، هو كتبه لشخص آخر هنا في مقدمة أخرى يعني نسخة أخرى.

فهذا يؤيد ما ذكرت أنه إذا انتقل إلى ناحية كتب لمن هنالك كتابة أخرى، وقد أتعمد نقل بعض هذه العبارات التي قد يُستثقل سماعها كيف يكتب مثل هذا الكلام؛ لتعرفوا قدر علمائكم، وأنهم على حال من الاستقامة والعلم والصلاح والإصلاح في هذا الزمان المتأخر نحن في آخر الزمان وجود مثل هؤلاء العلماء في هذا العصر من أئمة الهدى ممن هم على السنة والاتباع نعمة عظيمة ينبغي أن تُشكر، وأن تُحفظ، ولا يصح الوقيعة في أعراضهم والتقليل من شأنهم؛ لتقصير قد يبدو للمتكلم ولو رجع إلى نفسه لوجد عنده من التقصير ما هو أضعاف ذلك، لكن انظر هذا نموذج ولو شئتم لقرأت عليكم مقدمات أخرى لمتقدمين مشابهة لهذا، مما لو كتبه أحد المعاصرين لطارت به ما يسمى بالهاشتاقات، وجعلوه أسفل سافلين ممن يزنون غيرهم بمثاقيل الذر، وينسون ما عند أنفسهم من التقصير الكبير، والله المستعان.

والعاقل هو الذي يزن الأمور ويعطي كل ذي حق حقه، ويتكلم بنية ويعدل بقوله وحكمه وعمله.

في بعض النسخ أنه لم يكتبه لأحد النسخة المطبوعة المتداولة الآن لا يوجد فيها في المقدمة أنه كتبه لفلان أو لفلان.

متى ألف هذا الكتاب؟

جاء في ثنايا الكتاب ليس في مقدمته ما يدل على أن المؤلف كتبه سنة: خمسمائة وواحد وعشرين للهجرة.

أهمية هذا الكتاب

ما أهمية هذا الكتاب الذي ابتدأنا الحديث به مقدمًا على غيره من الكتب المؤلفة في هذا الباب؟

ذكر السبكي[18] في "الطبقات" أنه: أفضل كتاب صنف في هذا الباب، وانتبهوا للعبارات نحتاج إليها بعد قليل لكي نتابع الكلام على كتب أخرى، يقول: "ومصنف ابن حزم وإن كان أبسط منه، -أبسط يعني أوسع- إلا أنه مبدد ليس له نظام"[19]، يعني أن الترتيب مختل يعني الترتيب غير جيد ترتيب موضوعات الكتاب يعني كتاب ابن حزم "الفصل أو الفِصل" التي نحتاج إليها في الكلام على كتاب ابن حزم.

وذكر شيخ الإسلام في "المنهاج" يقول: "بأن كتابه مع أنه أجمع من أكثر الكتب المصنفة في المقالات وأجود نقلًا"[20]، فشيخ الإسلام يرى أنه يتميز بأنه: "أجمع، وأجود في النقل" هذه بعض العبارات.

أما الذين ينتقدون الكتاب منهم شيخ الإسلام رحمه الله النقولات السابقة عنه، وغير ذلك، كقوله مثلًا: "ما يذكره الشهرستاني من مذهب أهل السنة والحديث ناقصًا عما يذكره الأشعري"[21]، نحتاج هذا في الكلام على كتاب "مقالات المسلمين أو مقالات الإسلاميين"، سيأتي الكتاب الرابع إن شاء الله.

فيقول: "كلام الشهرستاني ناقص بالنسبة لكتاب الأشعري في الكلام على مذهب أهل السنة، ويقصد بأهل السنة أهل السنة المحضة يعني من كانوا على فهم السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم.

كذلك ما سبق نقله من أنه ينقل الأقوال الكثيرة دون قول السلف؛ لأنه لا يعرفه، وذكر هذا في بعض كتبه أعني شيخ الإسلام كدرء التعارض و"منهاج السنة".

وقال في "المنهاج" أيضًا: "بأن الشهرستاني لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة والتابعين؛ ولهذا نقل في كتابه هذا ما ينقله من اختلاف غير المسلمين واختلاف المسلمين، ولم ينقل مع هذا مذهب الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين، الأصول الكبار؛ لأنه لم يكن يعرف هذا هو وأمثاله من أهل الكلام، وإنما ينقلون ما يجدونه في كتب المقالات وتلك فيها أكاذيب كثيرة من جنس ما في التواريخ"[22]، يعني كتب التاريخ فيها رواية عن مجاهيل، ومن اتهموا بالكذب، ونحو ذلك كما هو معلوم.

كذلك ممن انتقد الكتاب الفخر الرازي، وله كتاب سنتحدث عنه إن شاء الله تعالى، فهو يرى أنه غير معتمد عليه مع أنه يوافقه من جهة المذهب الكلامي، يقول: "لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الفرق بين الفرق"[23]، و"الفرق بين الفرق" سيأتي في الكتاب الثاني الذي سنتحدث عنه إن شاء الله تعالى للبغدادي، وهؤلاء يشتركون أيضًا معه بأنهم كانوا على مذهب المتكلمين الأشاعرة فهو يرى أن الكتاب لا يعتمد عليه في النقول؛ لأنه اعتمد على البغدادي وأن البغدادي في نظر الرازي شديد التعصب على المخالفين، وسيأتي إن شاء الله تعالى شيء من هذا، وعبارات للبغدادي رحمه الله في المخالفين، سأذكر بعض النماذج القليلة.

ويذكر الرازي بأن كلام الشهرستاني على أقوال الفلاسفة حينما تحدث عنها بأنه نقل ذلك من كتاب: "صوان الحكمة"، وأنه نقل أديان العرب من كتاب أديان العرب للجاحظ، يعني يرى أن هذه المصادر غير كافية، ولا موثوقة، وأنه لا يعتمد عليها.

ويرى الرازي أن الشيء الذي اختص به الكتاب هو أربعة فصول كتبها أبو الحسن ابن الصباح بالفارسية، فيقول: "حتى الأشياء التي انفرد بها فيما يبدو هي منقولة من كتاب ابن الصباح بالفارسية، ونقلها الشهرستاني بالعربية وتكلم فيها"[24]، يعني قد يبدو لمن ينظر فيه أنها من إضافاته وليست كذلك، هذا ذكره الرازي في كتاب له اسمه: "مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر".

طبعات هذا الكتاب طبع عشرات الطبعات عندي طبعة قديمة هي التي قرأت فيها، ولكن هناك طبعات كثير طبع هذا الكتاب قبل أكثر من مائتي سنة في بومباي بالهند، سنة: ألف ومائتين وأربعة عشر هجري، وفي روما سنة: ألف ومائتين وثلاث وعشرين هجري، وفي مصر سنة: ألف ومائتين وواحد وستين هجري، وتُرجم إلى لغات: ترجم إلى الفارسية قديمًا سنة: ثمانمائة وثلاث وأربعين هجري، وفي الهند سنة: ألف وواحد وعشرين هذا بتاريخ فارسي، في تركيا أيضًا ترجم إلى اللغة التركية سنة: ألف ومائتين وست وثلاثين هجري، وتُرجم إلى الألمانية سنة: ألف ومائتين وسبع وستين هجري، وإلى الإنجليزية سنة: ألف وثمانمائة وست وأربعين ميلادي، يعني سنة ألف وتسع وخمسين هجري.

وأفضل هذه الطبعات طبعة محمد بن فتح الله بدران سنة: ألف وثلاثمائة وخمس وستين هجري حيث قابلها على عشر نسخ مخطوطة، إضافة إلى طبعات أوروبا ومصر.

مصادر المؤلف

بعد ذلك أنتقل إلى شيء من الكلام على مصادر المؤلف أو ذكر مصادر المؤلف من الناحية النظرية اشترط على نفسه في المقدمة أن ينقل كل فرقة ما وجده في كتبهم وعلى حسب مصطلحاتهم، وهذا هو الصحيح لكن من الناحية العملية نجد أنه يحكي المقالات دون عزو إلى مصادرها غالبًا.

ثم إذا صرح بمن نقل عنه فالغالب أنه يذكر اسم الشخص دون الموضع الذي نقل منه يعني في أي كتاب، وفي كثير من المواضع يحكي الأقوال والآراء بصيغة التمريض، قيل، ذُكر وحُكي، وهذه صيغة تضعيف.

كذلك ينقل أحيانًا بالواسطة كما ذكر شيخ الإسلام في "المنهاج" يقول: "والذي يحكيه الغزالي والشهرستاني والرازي وغيرهم من مقالات الفلاسفة هو من كلام ابن سيناء"[25]، يعني من كلام الفلاسفة الأولين هل نقل ابن سيناء كلامًا دقيقًا ترجمه ترجمة دقيقة كان الغرب يعتقد أن الفلاسفة الإسلاميين هم الذين حفظوا الفلسفة القديمة، الفلسفة اليونانية، ويعتقدون هذا ثم بعد ذلك لما وجدوا بعض كتب الفلسفة القديمة، وقارنوا بالترجمات وجدوا أن النقل كان مشوهًا تعرفون كان بعض الخلفاء يعطي بوزن الكتاب ذهبًا إذا تُرجم، وأنشئوا دارًا للترجمة هذا اشتهر في بعض خلفاء بني العباس.

والواقع أنه كان قبل ذلك بمدة لكن لربما كان أقوى، وكانت الهبات أكبر، فتسارع كثير من الناس إلى الترجمة، ترجمة كتب اليونان، ونقل ذلك إلى العربية من الذي يمحص من الذي يقارن بالأصل من الذي يطابق من الذي يدقق لا يوجد، هذا ترجمة لكتاب أفلاطون، وهذا كتاب الفلاني، وهذا ترجمة لكتاب الفلاني لأرسطو، وما أشبه ذلك.

وذكر شيخ الإسلام أيضًا في المنهاج "منهاج السنة": "بأن الشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة، وهم يكذبون بالقدر"[26]، ومن ثم لم يحالفه الحظ أحيانًا في صحة ما نسبه إلى بعض الطوائف، جالس ينقل من كتب ليست لهم.

الأمر الثاني: أنه نقل من مصادر غير مصادر الطائفة بل من مصادر خصومهم وقد اشترط في المقدمة ألَّا ينقل إلا من كتبهم فوقع نقولات من كتب أخرى صرح بها، ثم أيضًا لم يلتزم مصطلحات الطائفة كما ذكر في المقدمة مثال في الكلام على من يسميهم: المشبهة، وينقل عن خصومهم من المعتزلة مباشرة كالكعبي أو عمن ينقل عن المعتزلة كالأشعري أعني أبا الحسن الأشعري في كتابه مقالات المسلمين أو مقالات الإسلاميين.

المشبهة غالبًا ما يقصد هؤلاء أهل السنة الذين يثبتون صفات الله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، فيعتقد هؤلاء من المتكلمين المنحرفين أن هذا من باب التشبيه يشبهون الله بخلقه وحاشا وكلا، نحن نثبت ما أثبت الله لنفسه وأثبته له رسوله ﷺ من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل نقول الله كما قال عن نفسه سميع بصير له سمع يليق بجلاله وعظمته لا يشبه سمع المخلوقين ولا بصر المخلوقين، اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الأعراف:54] كما قال في سبعة مواضع في القرآن، استواء يليق بجلاله وعظمته، ليس كاستواء المخلوقين فإذا كانت ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين فالمخلوق له ذات والله له ذات بالاتفاق فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، فالمخلوق له أوصاف تليق به والخالق له أوصاف تليق به، وأن القول في الصفات كالقول في الذات تمامًا، فإذا قلت: له ذات لكن لا تشبه ذوات المخلوقين، فقل: له أوصاف لا تشبه أوصاف المخلوقين هذا مذهب أهل السنة يثبتون ما ثبت في الكتاب والسنة لا ينفونه ولا يجترئون على رده وإنكاره أو تحريفه.

وفي كلامه على اليهود وطوائفهم لم يصرح بشيء من مصادرهم يعني فهل نقل من مصادرهم أو من مصادر أخرى، هكذا الصابئة حينما تكلم عنهم.

كذلك لم يكن المؤلف دقيقًا في نقل الأحاديث ففي حديث: الافتراق مثلًا يذكر وافترقت المجوس على سبعين فرقة هذا لا وجود له في الحديث، إنما ذكر اليهود والنصارى وهذه الأمة فقط ما ذكر المجوس.

وذكر في هذا الكتاب أسماء مصادر تبلغ ثلاثة وعشرين كتابًا، وأسماء الأشخاص الذين صرح بالنقل عنهم لكن دون ذكر الموضع الذي نقل منه، يعني نقل عن الكعبي مثلًا، أو فلان من أي كتاب ما ذكر المصدر، هذا يبلغ عددهم عدد هؤلاء الأشخاص تسعة عشر شخصًا.

ملامح عامة لهذا الكتاب

أذكر بعد ذلك ملامح عامة لهذا الكتاب: هذا الكتاب يذكر الملل والأديان والفرق والمذاهب وقد اعتمد في هذا الكتاب على حديث الافتراق كما ذكرنا، وتكلف في عد وحصر الفرق الإسلامية وفق العدد المذكور، وهذه مشكلة كما قلنا: بأنه لا يتكلف في حصرهم هذه رقم عشرة، وهذه رقم إحدى عشر، واثنا عشر وعشر إلى ثلاث وسبعين بأن هذا لا ينضبط، هو تكلف أن يصل إلى هذا الرقم.

كذلك وضع مقدمة للكتاب تتضمن مجمل ما احتواه وذلك في خمس مقدمات، المؤلف يعرض الآراء دون انتقاد وسترون في بعض الكتب أنهم ينتقدون بل ويكفرون يحكمون يعني على الفرقة ويناقشون ويردون هو يعرض الآراء دون انتقاد وقد نص على هذا في المقدمة لكنه لم يلتزم بذلك تمامًا.

كذلك جعل أصحاب المقالات وزعماء الفرق أصولًا صاحب الفرقة جعله أصل، ثم أورد تحت كل منهم آراءه ومقالاته التي اعتنقها ولم يراع في ذلك التطور التاريخي بل راعى الموضوعات الكلامية، مثل: موضوع الرؤيا مثلًا، وكلام الله عز وجل إثبات الصفات، ونحو ذلك، ولهذا بدأ بالمعتزلة والجبرية، ثم الصفاتية، ثم الخوارج، ثم الشيعة.

أما الملل الأديان رتبها بحسب بعدها عن الإسلام وليس بحسب الظهور التاريخي، لكنه بدأ بالإسلام، ثم ذكر أهل الكتاب، ثم أصحاب الكتب المنزلة، ثم ذكر الصابئة عبدة الكواكب؛ لأن الصابئة تطلق على أكثر من طائفة، تطلق على عبدة الكواكب هم الصابئة الذين كانوا في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وناظرهم كما في سورة الأنعام: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا [الأنعام:76]، ويطلق على طائفة من طوائف النصارى يقال لهم: الصابئة، ويطلق أيضًا على طائفة ممن كانوا على الفطرة والتوحيد لكن لم يكونوا على شيء من دين الأنبياء في الشريعة، يعني كأنه لم يبعث فيهم نبي لكن كانوا موحدين لهذا في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، هذا في زمانهم قبل بعث النبي ﷺ، فوعدهم بالأجر ونفى عنهم الخوف والحزن مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فهذا يحتمل أن بعض هؤلاء كانوا على التوحيد والفطرة، أو أن المقصود من آمن منهم دخل في الإيمان يعني.

فالمؤلف عندما ذكر الصابئة عبدة الكواكب ذكر بعد ذلك المشركين ثم ختم الكتاب بديانات الهند.

المؤلف لم يوافق الأشعري ولا البغدادي ولا ابن حزم في أصول الفرق ما هي أصول الفرق؟

الكثير يقول: بأن الأصول أربع: الشيعة، والخوارج، المرجئة، القدرية، هذه التي وجد تشعبت منها الفرق بعد ذلك هذه الأصول الكبار فبعضهم يذكر غير هذا هو حصرها بأربع: القدرية، والصفاتية، والخوارج، والشيعة.

كما خالفهم في تصنيف الفرق أيضًا فالأشعري يرى أن الشيعة مثلًا ثلاث فرق، والشهرستاني يرى أنها خمس.

وحينما عرض الفرق والأديان جاء عرضه متقاربًا بحيث لم يطل النفس في بعضها دون بعض، يعني بخلاف بعض المؤلفين كما سيأتي يتحدث مثلًا عن فرقة بحديث مسهب وأحيانًا بعض الفرق قد لا يذكرها إلا بالاسم فقط، لا هو جاء حديثه متقاربًا من حيث المادة الطول والقصر.

تميز الكتاب بجودة الترتيب والتنظيم للمعلومات كما سبق في قول السبكي، بدأ الكتاب بالحديث عن الفرق الإسلامية التي تنتسب إلى الإسلام، وقسم الفرق الإسلامية تقسيمًا متقاربًا في الجملة مع ما ذكره البغدادي والأشعري.

كذلك مصادره التي رجع إليها مقاربة لمصادر البغدادي والأشعري.

في مقدمة الكتاب عرض ما وقع فيه الخلاف في أول هذه الأمة، وتوسع في ذكر أشياء من ذلك حتى ذكر أمورًا لا تعد من الخلاف، بل عد أمورًا أيضًا فقهية، يعني مثلًا: أين يدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هذا اختلاف مؤثر بالنسبة لافتراق الأمة؟

الجواب: لا، الميراث هل يورث أو لا يورث!، ونحو هذا وبهذا صار عدد القضايا الخلاف التي ذكرها عشر قضايا، هذا في بداية هذه الأمة، ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وناقشه فيها كما في "منهاج السنة".

المؤلف فاته بعض المقالات التي ذكرها الأشعري على سبيل المثال الأشعري وغير الأشعري، يعتني في كتابه هذا بالأسماء فلا يكاد يذكر فرقة إلا ويسميها، فبعضهم قد يذكر مثلًا يقول: وجدت طائفة وجدت فرقة تقول بكذا، ولا يسميها، لا، هذا يعتني بذكر الأسماء ويبين سبب التسمية، كما يعزو الآراء إلى قائليها سواء كانوا فرقة أم أفرادًا، يعني مثلًا الفرق لماذا سموا بذلك؟

المعتزلة لماذا سموا بالمعتزلة؟ قيل مثلًا: لأن واصل بن عطاء رئيس المعتزلة المؤسس الأول اعتزل مجلس الحسن البصري في المسألة التي عرضت في الفاسق الملي.

والشراة من الخوارج فرقة معروفة اسم يقال لهم الشراة، لماذا سموا الشراة؟

باعتبار أنهم شروا أو باعوا أنفسهم لله : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111]، يقال لهم الشراة، وهكذا.

ويعزو أيضًا الآراء إلى قائليها سواء كانوا فرقة أم أفرادًا بصرف النظر عن هذا العزو هل هو دقيق أو غير دقيق.

كذلك تميز الكتاب بالإيجاز في عرض الآراء بوجه عام مع التركيز بعيدًا عن التكرار والإطناب الموجود في بعض الكتب كما سيأتي، وهناك تكرار كثير في بعض المؤلفات، ولا يذكر ملابسات القول ودواعيه.

كذلك لم يعد بعض الفرق ضمن الخارجين عن الإسلام كغلاة الرافضة، بل عدهم من جملة فرق الشيعة.

كذلك عرض آراء الأشعرية كآراء أي طائفة إلا أن المدقق يستشف إيمانه بها، كما خلا عرضه لكلام الأشاعرة أو مذهب الأشاعرة من العبارات الدالة على التضعيف والتوهين، ونحو ذلك، ويصف تلك الآراء بقوة الحجة مما يدل على أنه كان يميل إلى مذهبهم.

كذلك هاجم قول المخالفين لهم وشنع عليه، والمؤلف يكاد يقتصر في عرضه للفرق على الجوانب الاعتقادية، وهذا هو الصحيح بخلاف يعني بعض من صنف كما سيأتي في الكلام على كتاب الأشعري أعني مقالات المسلمين أو الإسلاميين، يذكر أشياء من أصول الفقه، وأشياء فقهية.

كذلك استوعب المؤلف أغلب مقالات الإسلاميين، يعني المنتسبين إلى الإسلام، والمهمات من مقالات العالم من لدن آدم عليه السلام حتى عصره، فهو من أشهر من تكلم بشمولية في هذه الموضوعات، يعني كتابه من أشمل الكتب كما هو معروف.

ويهتم بالمقدمات والخواتيم فوضع خمس مقدمات فيها خلاصة منهجه، وهي:

الأولى: في بيان أقسام أهل العالم إجمالًا.

والثانية: في تعيين قانون ينبني عليه تعديد الفرق الإسلامية.

والثالثة: في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة، ومَن مصدرها، ومَن مظهرها.

والرابعة: في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية، وكيف انشعابها، ومَن مصدرها، ومَن مُظهرها.

 والخامسة: في بيان السبب الذي أوجب ترتيب الكتاب على طريق الحساب.

وقبل كلامه على الفرق الإسلامية يذكر مقدمة يبين فيها بعض المصطلحات الشرعية، وكيف تتقابل الفرق تقابل التضاد، يعني على سبيل المثال مثلًا: الوعيدية التي هم الخوارج والمعتزلة يقابلهم المرجئة، الخوارج يقابلون الشيعة تضاد، وهكذا الجهمية يقابلون المجسمة، يعني الجهمية ينفون الصفات مثلًا بعضهم ينفي الأسماء والصفات الجهمية المحضة أتباع جهم بن صفوان، والمجسمة تعالى عما يقولون يصفون الله بصفات يبالغون في الإثبات ويوغلون فيه حتى يجعلونه بأوصاف لا تليق.

وهكذا يذكر مقدمات قبل الحديث عن أهل الكتاب ومن في حكمهم، وهكذا يكاد يعمم جميع الفرق التي يذكرها فيذكر سبب التسمية، والمراد بهم حينًا وما يعم الفرقة من آراء، يعني يشتركون فيها في بعض الأحيان، ويهتم بالخواتيم أيضًا فيضع لكل فرقة تقريبًا خاتمة، يستدرك بعض ما فاته، أو خلاصة فذلكة خلاصة عن هذه الفرقة، أو ذكرًا لبعض رجالها، أو ما أجمعوا عليه، أو معابد هؤلاء.

كذلك يعتني بالمصطلحات كثيرًا فلا يكاد يمر به شيء من المصطلحات إلا ويعرف به وهذا جيد، كذلك يعتني بطريقة التقابل والتضاد كما سبق فيذكر الطوائف والفرق التي تتقابل تقابل التضاد كما ذكرنا القدرية والجبرية، ونحو ذلك.

ويحاول حصر مسائل الخلاف في كل فرقة، ثم يعرض آراء أتباعها، ومقولاتهم في تلك المسائل المحصورة.

كما سار في هذا الكتاب على طريقة المتكلمين في بيان المصطلحات والآراء والتقسيمات.

لكنه للأسف أغفل مذهب أهل السنة تمامًا السنة المحضة، يعني ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان، وذكرنا كلام شيخ الإسلام لأن هؤلاء ما تعمدوا تركه لكنهم ما عرفوه.

وكذلك حدد ضابطًا يمكن به حصر الفرق، وعدها بناء على حصر المسائل التي يكون الاختلاف فيها اختلافًا يعتبر مقاله ويعد صاحبه صاحب مقالة، وهذا مهم بصرف النظر عن كونه دقيقًا، أو غير دقيق؛ لأن بعض الفرق الناس يختلفون فقد يخالف في جزئية قد يخالف هل يعد ذلك فرقة مستقلة إذا خالف أصحابه في بعض المسائل، ما هي المسائل التي يخرج فيها عنهم ويكون فرقة مستقلة؟ ولهذا يذكرون العلماء من قال بكذا فهو من المعتزلة، يعني من قال بكذا وكذا وكذا فهو من المعتزلة، ومن قال بكذا وكذا وكذا فهو من الخوارج، ومن قال: بكذا وكذا وكذا فهو من الشيعة، هذا يذكره العلماء من أهل السنة، وغيرهم.

هذه المسائل والقواعد مثلًا التي جعل الاختلاف فيها اختلافًا يعتبر مقالة مستقلة يعني ينشعب عنهم صار يمثل فرقة جديدة، أو أخرى مخالفة:

الأول: مسائل الصفات والتوحيد فيها.

الثاني: القدر والعدل فيه.

الثالث: الوعد والوعيد والأسماء والأحكام.

الرابع: السمع، السمع يعني الوحي الكتاب والسنة، والعقل، والرسالة، والإمامة بحيث إذا وجد أحد الأئمة انفرد بمقالة من هذه القواعد عد مقالته مذهبًا وجماعته فرقة، وإن وجد أحدهم انفرد بمسألة فلا يجعل مقالته مذهبًا وجماعته فرقة بل يجعله منفردًا تحت واحد ممن وافق سواها مقالته، يعني يجعله منهم لكن اختلف معهم في بعض الجزئيات، من وافقهم في هذه الأصول.

كذلك أيضًا اعتمد على مناظرة إبليس مع الملائكة، وأن أول شبهة كانت شبهته، وأنها تشعبت إلى سبع شبهات، وشبهة إبليس هي: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، فقدم الرأي على النص النص اسْجُدُوا لِآدَمَ [الأعراف:11]، الواجب هو القبول والإذعان، لكن إذا قدم عليه الرأي قال الإنسان: مثل هذا أنا غير مقتنع فيه فهذا أول من قاله إبليس قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، والعلماء رحمهم الله ردوا على إبليس، وبينوا أن الطين أفضل من النار من وجوه مختلفة وأن قياس إبليس هو قياس فاسد؛ لأنه في مقابل النص، وأن أول من قاس قياسًا فاسدًا هو إبليس، وممن رد على هذا وأطال فيه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[27] رحمه الله.

يقول: بأن شبهة إبليس تشعبت إلى سبع شبهات، والمؤلف أكثر ما ينقله من المقالات كان من كتب المعتزلة، وذكر شيخ الإسلام نحوًا مما نقلته قبل قليل.

كذلك يقتصر غالبًا في إيراد الآراء على ما تفردت به الطائفة وتميزت به عن غيرها كالجبرية مثلًا في أفعال العباد، والمرجئة في الإيمان إلى آخره، وأحيانًا يسترسل فيذكر مسائل أخرى.

في إيراد أدلة الفرق يقدم ما تقدمه الفرقة نفسها، فالمشبهة عنده للأسف الأدلة السمعية، المعتزلة الأدلة العقلية يقدمونها، ويسمي كل فرقة بما ارتضته لنفسها، يعني لا يلمزهم بألقاب لا يرتضونها، كذلك لا يكاد يصرح بمصادره خلال عرضه آراء الطائفة، بل ولا يفيد عن اطلاعه على كتب الفرقة نفسها، وذكر في المقدمة أنه ينقل من كتبهم لكن حينما يعرض ذلك لا يظهر هذا في كلامه.

كذلك ينسب إلى الأشخاص أو الطوائف في عدة مواضع بعض الأقوال والآراء التي ينكرونها، وأحيانًا ينسبهم إلى مذاهب أهواء، يعني مثلًا وكيع بن الجراح، والفضل بن دكين يعني أبا نعيم، وكذلك كأبي حنيفة نسب هؤلاء للبترية من الشيعة[28]، وهذا من أعجب الأشياء، هذا لا يمكن، ونسب الشعبي الإمام المعروف من التابعين والأعمش، وأبا إسحاق السبيعي، وطاووس بن كيسان، وعلقمة النخعي نسبهم إلى الإمامية، وهذا لا يمكن فهو خطأ مائة بالمائة.

كذلك المؤلف لم يكن على دراية بالسنة، ولا بأقوال السلف ومذاهبهم، وقد ذكر شيخ الإسلام نحوًا من هذا في مواضع من كتابه "منهاج السنة"، ومواضع من كتابه: "درء تعارض العقل والنقل".

كذلك في هذا الكتاب نجد المبالغة في إطراء أئمة أهل البيت، أهل البيت نحبهم ونتقرب إلى الله بمحبتهم، نحبهم محبتين محبة لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحبهم لإيمانهم، فهذه عقيدة أهل السنة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس المبالغة وإعطاء هؤلاء من الأوصاف ما يكون من قبيل الغلو.

كذلك لم يتحدث في المؤلف عن بعض الديانات، وهو من أشمل من تكلم على الأديان والمذاهب والفرق لكن فاته أشياء والكمال عزيز، مثلًا: لم يتكلم عن أديان أهل الصين، والبوذية، والهندوسية، ديانات قدماء المصريين، كما لم يتعرض للصوفية، ربما باعتبار أنها مذهب سلوك لكن بعضهم ذكر الصوفية من جملة المذاهب.

وكذلك لم يتعرض للماتريدية، ولا للكلابية، ولا للبكرية، ولا للسالمية، وعمومًا فعامة ما ذكره المؤلف من الفرق إنما هو ببلاد المشرق، يعني النواحي التي اطلع عليها، ولهذا مثلًا البلاد البعيدة في المغرب هناك قامت دولة للموحدين، وهؤلاء كانوا على مذهب وانحراف كما هو معلوم لم يتعرض لهم، كما أغفل ذكر بعض الشخصيات التي لها أثر في مذاهبها كأبي حامد الغزالي.

من أشد مواطن الضعف في الكتاب الحديث عن المشبهة، والمرجئة، والفلاسفة، عقيدة المؤلف كان لها أثر في الكتاب ظاهر، انتهى الكلام على هذا الكتاب.

  1. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 129-130).
  2. انظر: لسان الميزان (5/ 264).
  3. منهاج السنة النبوية (6/ 305).
  4. منهاج السنة النبوية (6/ 305).
  5. شذرات الذهب في أخبار من ذهب (8/ 72).
  6. منهاج السنة النبوية (6/ 306).
  7. منهاج السنة النبوية (6/ 306).
  8. منهاج السنة النبوية (6/ 306).
  9. منهاج السنة النبوية (6/ 306).
  10. منهاج السنة النبوية (6/ 306).
  11. منهاج السنة النبوية (6/ 307).
  12. منهاج السنة النبوية (6/ 361).
  13. منهاج السنة النبوية (6/ 362).
  14. منهاج السنة النبوية (6/ 362).
  15. منهاج السنة النبوية (6/ 362).
  16. درء تعارض العقل والنقل (5/ 173).
  17. انظر: منهج الشهرستاني في كتابة الملل والنحل - عرض وتقويم (ص:207).
  18. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 128).
  19. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 129).
  20. منهاج السنة النبوية (6/ 304).
  21. منهاج السنة النبوية (5/ 279).
  22. منهاج السنة النبوية (6/ 319-320).
  23. انظر: مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر، المسألة العاشرة (ص: 25).
  24. انظر: مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر، المسألة العاشرة (ص: 25).
  25. منهاج السنة النبوية (5/ 282-283).
  26. منهاج السنة النبوية (6/ 307).
  27. انظر: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (3/ 119).
  28. انظر: الملل والنحل (1/ 190).

مواد ذات صلة