السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
سوء الاختيار من المرأة
تاريخ النشر: ١٢ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 4861
مرات الإستماع: 10497

بسم الله الرحمن الرحيم

سوء الاختيار من المرأة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد كنا نتحدث عن المشكلات الزوجية، وذكرنا أول ما ذكرنا في أسباب هذه المشكلات سوء الاختيار       -اختيار الزوج أو الزوجة- وكان حديثنا في المرات الماضية عن سوء اختيار الرجل لزوجته، وذكرنا لذلك فروعاً وصوراً متعددة، وفي هذا الدرس -إن شاء الله- سأتحدث عن وقوع هذا الخطأ من جهة الزوجة.

فأقول: قد يقع ذلك بالنسبة للمرأة بسبب عدم أخذ رأيها أصلاً، وهذا للأسف موجود لدى بعض الأولياء، فهو لا يخير المرأة ولا يسألها ولا يستأذنها مع أن هذا لا يجوز شرعاً، فقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه من حديث ابن عباس -ا- أن النبي ﷺ قال: ((الأيِّم أحق بنفسها من وليها -والأيم هي المرأة المطلقة التي سبق أن تزوجت- والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها))([1])، وفي رواية: ((والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها -وربما قال:- وصمتها إقرارها))([2]).

يعني أنها إذا سكتت نظراً لحيائها فإن ذلك يعد من الإقرار لهذا المشروع، أو لهذا الزواج، أو لهذا العرض الذي عرضه عليها وليها.

وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمَر))، يعني حتى تُستأذن فيصدر منها أمر بذلك -أنها تُزوج أو لا تُزوج- وانظر إلى هذا اللفظ حيث صرح فيه بالأمر فقال: ((حتى تُستأمَر))، أي: فتأمر بأن يُنكحها وليها أو بأن لا تُنكَح.

قال: ((ولا البكر حتى تُستأذن)) قالوا: يا رسول الله: كيف إذنها؟ قال: ((أن تسكـت))([3]).

وهذا السؤال صدر منهم؛ لأن البكر معروف عنها الحياء، فهي لا تستطيع أن تتكلم، وذلك في زمن مضى، وأما في هذا العصر فأظن أن كثيراً من ذلك قد ترحل وتقشّع، والله المستعان.

وفي رواية: ((وإذنها الصموت))([4]) ، وفي رواية: ((فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها))([5]) ، يعني ليس له أمر وليس له ولاية في هذه القضية.

وأخرج البخاري –أيضاً- من حديث عائشة -ا- قالت: "قلت: يا رسول الله: تستأمر النساء في أبضاعهن -يعني فيما يتعلق بالنكاح-؟ قال: ((نعم)) قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت، قال: ((سكاتها إذنها))([6]) ، وفي لفظ لمسلم: ((فذلك إذنها إذا هي سكتت))([7]).

وعند أبي داود وابن ماجه أيضاً من حديث ابن عباس -ا- أن جارية بكراً أتت رسول الله    ﷺ فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله ﷺ([8]).

وأخرج البخاري عن محمد بن القاسم أن امرأة من ولد جعفر -يعني ابن أبي طالب- تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومُجمِّع ابني جارية، فقالا: "فلا تخشين، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فردَّ النبي ﷺ ذلك"([9]).

وأخرج النسائي من حديث عائشة -ا- أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة"، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله ﷺ، فجاء رسول الله ﷺ فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: "يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلمَ النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"([10]) ، وفي لفظ: "أردت أن أَعْلَم أَلِلنساءِ من الأمر شيء؟"([11])، وفي لفظ آخر: "ولكن أردت أن تعلم الآباءُ أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء"([12]).

فهذه الأحاديث جميعاً تدل على أن المرأة لا يجوز أن تُزوج حتى تُستأذن، وأما الأيم فإنها تصدر رأيها بصراحة فتأمر بإنكاحها أو تمنع من ذلك، وأما البكر إذا سكتت فإن هذا السكوت يعني الرضا والإقرار لهذا النكاح.

فلا يجوز لأحد أن يجبر المرأة على زواج هي لا تريده، سواء كانت بكراً أو كانت ثيباً، اللهم إلا إن كانت هذه المرأة سفيهة لا تعقل مصلحتها وترد الأكفاء أو تريد السفلة من الناس، فهذه المرأة تزوج وإن كانت كارهة.

ومن السفه أن المرأة ترفض الزواج من أجل أن تكمل الدراسة الجامعية أو الدراسات العليا، لا تريد أن يشغلها شيء عن الماجستير أو عن الدكتوراه، وكذلك أن ترد الأكفاء بحجج واهية، أو تقول مثلاً: أنا لا أريد الزواج أصلاً، فمثل هذه المرأة سفيهة لا تعقل مصلحتها، فإن وليها ينبغي عليه أن يجبرها.

والمرأة زهرة وحسنها ورونقها في أول شبابها، ثم تبدأ بالذبول بعد ذلك، يعني أنها تبقى رطبة طرية إذا بلغت، ثم تستمر هذه الغضاضة وهذه النضارة إلى أن تصل إلى قريب من ثلاث وعشرين سنة، ثم بعد ذلك تبدأ علامات الذبول والترهل، فماذا يريد منها هذا الزوج حينما يتزوجها وهي أم ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين أو خمس وعشرين إذا كانت تريد أن لا تتزوج حتى تتخرج من الجامعة؟ ومتى تتخرج من الجامعة إلا إذا صار عمرها اثنتان وعشرون سنة!، وكثير منهن الآن تريد أن تتوظف، ثم أين تتوظف؟ الله أعلم، فيحتاج أن ينتظر هذا الزوج حتى تأتي من هذه الوظيفة بعد سنة أو سنوات في مكان ناءٍ بعيد، ثم ترجع فتتزوج، فإذا عمرُ هذه الفتاة قد جاوز الخامسة والعشرين، والمرأة إذا جاوزت الخامسة والعشرين تكون قد ذهبت نضارتها في الغالب أو هي في الطريق إلى الذهاب.

فأقول: هذه قضايا ينبغي أن يقف فيها الأولياء وقفة صريحة حازمة فيزوجوا الفتيات من الأكفاء في سن الزواج المناسب، وسن الزواج المناسب بالنسبة للمرأة سبع عشرة سنة، ثماني عشرة سنة، تسع عشرة سنة، هذا هو وقت الزواج، و خير ما يتزوج من النساء ما كان في هذا السن، والله المستعان.

وأنتم ترون أن بعض النساء بلغن الأربعين وفوق الأربعين ولم يتزوجن، فأنا أقول: إذا كان فعلاً لم يأتِ الأكفاء فالأمر إلى الله لكن المشكلة إذا كان الأكفاء يأتون ويتتابعون على هذه المرأة وهي ترد هؤلاء جميعاً بحجة أنها تريد أن تكمل الدراسة، فهذه مشكلة، فلا يزال هؤلاء يتناقصون بعد ذلك، وتقل رغبتهم في هذه المرأة حتى لا يكاد يأتي إليها أحد.

ولذلك كان الأمر الثاني من أسباب المشكلات المتعلقة بسوء الاختيار: الضغوط الأسرية، وغالباً ما تكون هذه الضغوط الأسرية بسبب أن المرأة قد تقدم سنُّها، وصلت إلى سن متقدمة، فأمها تصبّحها وتمسيها: يا بنيتي أخاف الموت أريد أن أرى أطفالك، أريد أن أراكِ قد تزوجت وارتفعت، نحن لا نضمن البقاء، ولا ندري إلى متى ونحن نقوم على رعايتك، نحن نشعر بالقلق الدائم المستمر، وإخوتها يشعرون بهذا الشعور، وأبوها يشعر بهذا الشعور، فتبدأ هذه الضغوط تتابع على هذه المرأة، فتشعر أنها لابد أن توافق على أول خاطب يأتي -إذا جاء الخاطب-، وقد تجاوزت هذه البنت الثلاثين أو الأربعين أحياناً، ومن الذي سيأتي؟ اللهم إلا إذا كان شخص له نظر إما في راتبها، أو له نظر في شيء آخر، لكن غالباً لن يأتي إليها أحد وهي بهذه السن وهو لم يتزوج، وحتى المتزوج فإنه في الغالب لا يرضى أن يتزوج امرأة بهذا السن، فهذه حقائق موجودة وإن كانت محزنة، لكن لابد منها حتى يتبصر الناس ما هم عليه، ويعرفون الأرض التي يطئون عليها، فهؤلاء الأخوات إلى متى ينتظرن؟ لا يوجد أحد من هؤلاء الشباب المستقيم السوي قد بلغ الخامسة والعشرين ولم يتزوج إلا النادر، إما لقلة ذات يد أو مشكلة أخرى، فإلى متى تنتظر هذه الفتاة حتى يأتي هذا الإنسان بهذه المواصفات الكاملة وبالشروط القاسية حتى يخطبها؟، ثم بعد ذلك هي تتنازل وتقبل الزواج من إنسان على الأقل أن يكون مصلياً، وقد رفضت رجالاً أخياراً الواحد منهم يوزن بأمة ردتهم في أول شبابها، ثم هي الآن ممكن أن توافق -متهيئة أن توافق- على من جاء ولو كان إنساناً قليل الدين، ولو كان إنساناً ليست فيه مواصفات كما كانت ترجو وتؤمل.

فأقول: يضغط هؤلاء الآباء والأمهات والإخوة وغيرهم يضغطون على هذه البنت، ثم هي تنكسر إرادتها يوماً بعد يوم، وتشعر أنها لابد أن تستجيب لهذه الضغوط، ولربما زينوا لها أمراً، وقالوا: الله يصلحه على يديك، ويذكرون لها من القصص والخيالات والأوهام: كم من إنسان أصلحته امرأته...الخ، أقول: ما في داعٍ أن نخدع أنفسنا؛ لأن الأصل أن المرأة لا تؤثر على الرجل في قضايا الإصلاح، وإنما الأصل أن الرجل هو الذي يؤثر على المرأة؛ لأنه هو الأقوى، وأما أنها تُمنى أنه يهتدي على يديها فنحن في كل يوم تقريباً نسمع عدة مشاكل، والجواب المتكرر عند هؤلاء الرجال: هذا هو الحال الذي أعيش عليه إن لم يعجبك فالحقي بأهلك، هذا المؤدب الذي يرد بهذا الرد، مع أنه قبل أن يتزوجها قد وضع لهم الشمس في يد والقمر في يد، يقولون له: هذه المرأة صوامة قوامة، يقول: وأنا ما أريد إلا الصوامة القوامة، ثم بعد ذلك إذا تزوجها أهانها، وأهانها، وأهانها، وأشياء تدمي القلوب، وأقول: كانوا يمنونها ويُرَجُّونها، الله يهديه على يديك، وأذكر أني أول ما قرأت من الكتب قرأت كتاباً لطيفًا جيداً –أنصح الإخوة والأخوات بقراءته- اسمه: "ميلاد جديد"، هذا الكتاب يتحدث عن هذه القضية: امرأة قالوا لها: يهتدي هذا الزوج على يدك، تزوجيه، ثم بعد ذلك رأت الويلات من هذا الزوج.

فأقول: على كل حال هذه الضغوط قد تؤدي إلى قبول هذه الفتاة للزواج من هذا الإنسان، ثم بعد ذلك تقع المشاكل التي لا يعلمها إلا الله، ثم ترضخ هذه المرأة لاسيما إذا كان عندها شيء من الأولاد، ترضخ وتطأطئ رأسها، ويُمرِّغ وجهها في التراب، ويذلها ويذل أهلها، ثم يأخذ هؤلاء الأهل من اليد التي تؤلمهم، فلا يستطيعون أن يتكلموا؛ لئلا يسببوا مشكلة لهذه البنت من طلاق أو مشاكل أخرى، فيرضخون ويرضون بالصمت والسكوت على الذل، ويسقيهم العلقم وهم يصبرون عليه، وأكبادهم تتقطع على بنتهم، لا يستطيعون الكلام، ولا يستطيعون التدخل، وهذا إذا أخبرتهم هذه البنت، والغالب أن النساء لا يخبرن الأهل بما يجري، يظلمها غاية الظلم، ثم هي لا تخبر أهلها؛ لأنها لا تريد أن تؤرقهم بمشاكلها، أو لأن هذه البنت مثلاً ترى أن أهلها لا يتصرفون التصرف المناسب إذا أخبرتهم، لا تعرف أحداً منهم يمكن أن يكون عنده من العقل والنضج والإدراك وبعد النظر وحساب العواقب بحيث إنها تثق برأيه فتكلمه، وللأسف هذا حال كثير من الفتيات، وإنما سلاحها البكاء، ثم البكاء، ثم الأمراض النفسية والهموم والآلام والاكتئاب، وقل ما شئت من الحسرات التي لا يحصيها إلا الله -.

ومما يدخل في هذه القضية -الضغوط الأسرية- أن يكون هذا الشخص محبوباً يستملحه أهلها ويرضون به، ثم بعد ذلك يضغطون على هذه البنت من أنه لابد أن تقبل بالزواج من هذا الإنسان.

ومن المشاكل التي تقع في هذا الباب من جهة سوء اختيار الزوجة: الأعراف الاجتماعية بأن يقال: هذه محجوزة لابن عمها، كيف محجوزة لابن عمها؟ هذه امرأة عاقلة ينبغي أن يؤخذ رأيها في الزواج، فمثل هذه محجوزة -هذه المسكينة البائسة- لهذا الرجل، من الذي حجزها ومن الذي أسرها؟

حجزها العرف الاجتماعي وهذا خطأ، فينبغي أن تكسر هذه الأعراف فلا تظلم هذه المرأة، فكم من امرأة تدعو على أبيها دعاءً مراً بسبب هذه المظلمة التي أوقعها بها، وقد تسكت المرأة لكنها تحترق من الداخل.

وكم سمعت فتيات يتكلمن على آبائهن بكلام يقطّع الحجارة بعبارات، إحداهن تقول: زوّج أخواتي فسرق المهور، قلت: من الذي سرق المهور؟ قالت: أبي، لا يريد أن يزوجنا من الأكفاء؛ لأنه يريد أن يزوجنا من أناس يريدهم هم؛ لئلا يفتضح لأنه يسرق المهر، وهكذا أشياء عجيبة جداً من كلمات قاسية تقولها المرأة في حق أقرب الناس إليها، ولربما دعت عليه دعاءً مراً، ولربما سألت: هل يجوز الدعاء على هذا الأب بالموت؟ أو أنه يُكتفي بأن يدعي عليه أن يجازى بما يستحق؟

فأقول: في البيوت حسرات وآلام، فينبغي أن يتفطن الناس لهذه القضية، فمن تستملحونه وترضونه لا يعني أنه يكون رائقاً لهذه المرأة، فهي التي تتزوجه، وهي التي ستعانيه، وهي التي تعيش معه، فأنت يا أخي كما أنك لا ترضى أن تُرغَم على امرأة لا تريدها فكذلك هذه المسكينة كيف تعيش مع إنسان لا ترغب به؟ إحداهن تقول: أتمنى أن أُقطَّع قِطَعاً ولا يقربني هذا الرجل؛ لشدة ما تبغضه؛ لما ترى منه، تقول: وإذا جاء يريد حقه قال بكل صفاقة: هذا حقي شرعاً، تقول: صارت "شرعاً" سلاحاً بيده، فتقول: لربما أفضى هذا ببعض النساء إلى كراهية الدِّين وهذه اللفظة بسبب سوء الاستعمال من هؤلاء الظلمة لهذه الكلمات والمصطلحات، يظلمها، ويظلمها، ويظلمها، وإذا جاء يستمتع بها قال: حقي شرعاً، والله المستعان.

ومن تلك المشاكل: أنه يُعتبَر بالرجل -للأسف الشديد- بماله أو منصبه أو شهاداته أو النَّسب أو الجنسية أحياناً -هو من البلد الفلاني-، وتُعطَى فتاة في عمر الزهور لهذا الإنسان، ولربما كانت طيبة وصالحة وتقية، وهذا الإنسان مضطرب نفسياً وعنده من المشاكل ما الله به عليم، عنده من سوء الخلق وقلة الدين والمروءة الشيء الكثير، ثم تُزوج هذه الفتاة له من أجل أنه ذو منصب أو أنه ذو مال، فهل يسعدها بماله؟ وهل يسعدها بمنصبه؟

كم رأينا من حالات يكون عند هذا الإنسان من الأموال ويقتر عليها تقتيراً عجيباً، يعد عليها الدينار والدرهم، وتجد الرجل غنياً فيقول لها مثلاً: إذا جاء الشتاء هذا المبلغ لك (200) ريال مصروفك ومصروف الأولاد للملابس، يا أخي من الذي قال لك تُقنن هذا التقنين؟ يا أخي أنفق بالمعروف: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [(7) سورة الطلاق].

ثم إذا جاء الصيف أو جاء العيد قال: لكم ميزانية (300) ريالاً، وأولادها خمسة، ستة، سبعة ويعطيهم (300) ريالاً، يا أخي من أين قننت هذا التقنين؟ يا أخي اشترِ لهم بالمعروف، اذهب بهؤلاء الأولاد واشترِ لهم ما يحتاجون إليه.

وبعض الحالات تقسم المرأة أن أولادها لم يخرجوا من عتبة الباب في العيد؛ لأن هذا الأب رفض أن يدفع ريالاً واحداً لهؤلاء من أجل أن يُشتري لهم في العيد شيء، يكفيكم الثياب التي عندكم من قبل.

يا أخي ما يكفيهم، فالصغير يحتاج أن يفرح، يحتاج أن يلبس جديداً، حتى الملابس التي تكون في الداخل يحتاج أن تكون جديدة، يفرح بها، وينظر إليها، ويقلبها ليلة العيد، ويستمتع بالنظر إليها، وما إلى ذلك، يكفيكم ما سبق!

كم من العُقد يورثها هذا الرجل الأخرق لهؤلاء الأولاد، وكم من مشاكل وأمراض يورثها لهذه المرأة المنكوبة المسكينة التي ابتليت به وبأمثاله؟!!

ومن القضايا المتعلقة بسوء الاختيار من جهة المرأة أن يغتروا بظاهره، فيقال: فلان شيخ، من أين صار شيخاً؟ إنه إمام مسجد، ولربما كان خطيباً في جامع من الجوامع، وهل كل من صار إمام مسجد أو خطيباً صار شيخاً؟!

إن كثيراً من العوام مساكين يغترون بظاهر هذا الإنسان، ولو سألوا عنه طلبة العلم فهذا الإنسان لا يساوي شيئاً، ولم يثنِ ركبته يوماً واحداً في مجلس من مجالس العلم، متى صار شيخاً؟

يزوجونه وهم يظنون أن هذا الرجل من أهل العلم ومن حملة الرسالة -ما شاء الله-، ثم يتكشف لهم الأمر فيما بعد أن هذا الرجل لا يقيم أدنى المروءة، وإنما هو فاسق من الفساق أحياناً.

إن سبب مثل هذا الابتلاء وهذه المشكلة أنا نغتر بظاهر هذا الإنسان، فلماذا لم تسألوا عنه طلبة العلم يأتوكم بخبره، أما أنكم تكتفون بنظرة العامة لهذا الإنسان فهذا لا يكفي، والعوام لا يستطيعون أن يقيّموا طالب العلم، إنما يقيمه طلبة العلم، والذي يقال: عنده استقامة وعنده علم...الخ، اسألوا عنه أصحابه وأقرانه.

المرأة ليست سلعة تعطونها لكل من هب ودب، بل اسألوا عن الرجل في عمله، اسألوا عنه زملاءه الذين درسوا معه، اسألوا الناس الذين عاشوا معه، الذين سافروا معه، الذين حجوا معه، الذين اعتمروا معه يعطوكم الخبر اليقين، أما أن تأخذوا الخبر من طرف واحد فتقولوا: سألنا عنه فلاناً -من المغرورين به- فأثنى عليه -وهو من عوام الناس- فهذا الكلام لا يصلح، بل يجب التحري، وكذلك لا يكتفي بكلام أهله، فالأم تمدح ولدها؛ لأن عندها ولدها في القمة في كل شيء، فهو الكامل المكمل في علمه وخلقه وأدبه، والسعيدة هي التي تحظى بالزواج من هذا الولد، هكذا نظرة الأم، فلا يكتفى بكلام الأم وكلام الأخوات وكلام الأقارب، وإنما ينبغي أن يتحرى في ذلك.

ومن المشاكل أيضاً في قضايا سوء الاختيار من جهة المرأة: قبول الذي يدفع مهراً أكثر، فلربما قُبل الشخص؛ لأنه دفع أكثر من غيره، فأغراهم بهذا المهر فأعماهم عن مساوئه وعن عيوبه، وهذه قضية لا تحتاج إلى تعليق.

ومن ذلك أيضاً: ما يقع من بعض العامة -للأسف الشديد- من الاكتفاء بالثقة بأسرته أو بصلاح أبيه، هذا ولد فلان، وفلان رجل صالح صوام قوام، أو يقال: هذا من الأسرة الفلانية محافظون وطيبون وأخيار ورجال!

مع أنه قد لا يكون مثلهم، فنوح -عليه الصلاة والسلام- نبي مرسل، ومع ذلك كان ولده ليس على دينه، وأغرقه الله مع من أغرق، فليس لازماً أن يكون الولد مثل الأب، فينبغي أن يتحرى عن هذا الولد؛ فأنا لا أريد أن أزوج الأب حتى تقول لي: إنه ذو لحية غانمة، أنا أريد أن أعرف الولد هل هو ذو لحية غانمة أم لا؟ فالأصل أن أسأل عن هذا الولد، ثم أسأل عن هذا الأب تبعاً؛ لأن الأب سنرتبط به، فإذا كان هذا الأب عنده مشاكل فهذه قضية لها تعلق بالموافقة وعدم الموافقة، فكثير من الناس يقولون: هذا ولد فلان أو هذا من الأسرة الفلانية، يا أخي ما شأني أنا بأبيه الآن؟ أنا أريد هذا الولد، هل هو رجل صالح تقي بغض النظر الآن عن الأب؟

ومن ذلك أيضاً: الخلل في مفهوم الاستقامة، فكثير من العامة يكتفون بأن يقولوا: أهم شيء أنه يصلي، ولا يدخن، ما يدخن هذه قبل ثلاثين وأربعين سنة، لكن الآن فيه أشياء غير التدخين من المصائب والفتن والبلايا الكبار، فلا زال بعض العامة على نفس التقييم ونفس المقاييس، أهم شيء أنه يصلي ولا يدخن، ويتركون القضايا الثانية، رجل يسافر، رجل مدمن قنوات إباحية، وأمور الله أعلم بها.

فلا يكفي القول: أهم شيء أنه يصلي ولا يدخن، لأنه قد يكون لا يدخن لكنه يشرب الخمر، أو هو رجل عنده مخدرات، وعنده مصائب أخرى.

القضية الأخيرة: وهي أن تختار هذه المرأة هذا الرجل بناءً على علاقة محرمة -وهم الحب- وتقبل بهذا الإنسان، ولربما أغرت أهلها بالزواج منه، ولربما دست لأهلها من يثني عليه، أو نحو ذلك، ثم بعد ذلك يتبخر هذا الكلام جميعاً، ولا يبقى إلا الحق، ولا يبقى إلا الأخلاق الحقيقية التي يتحلى بها هذا الإنسان، ولو كان يتحلى بأخلاق حقيقية ما اتصل بهذه المرأة التي لا تحل له، ثم كيف سيكون حاله معها؟

شك وريب مستمر دائم، لا يثق بها، ولا يثق بمكالماتها، ولا يثق بتصرفاتها، ولا بنظراتها، ولا تسأل عن مشكلاته المستمرة معها.

فأقول: ينبغي التأني في مثل هذه الأمور، فالعجلة والإرباك لا تصلح أبداً، فأحياناً يأتي طرف خبر أن فلاناً تقدم فيقوم الإخوة والأب فهذا يتكلم وهذا يتكلم: فلان جيد، فلان كذا...الخ.

انتظروا يا إخواني؛ فهذه القضايا لا تصلح فيها الربكة، ولا يصلح فيها التعجل إلى هذا الحد، فالمرأة تضيع في الطوشة، ويضيع الرأي الصحيح الصواب المتزن بهذا الجو المعتَّم بهذه الأقوال والثناء المتلاطم من هنا وهنا، فهذا يثني عليه، وهذا يثني عليه، وهذا يقول: نعم، وهذا يقول: ما يُرَد، وهذا يقول: قل له يأتِ، وما شابه ذلك.

هذه أمور تحتاج إلى أناة، فيقال: انتظروا، دعونا نسأل عنه ونسأل عن أهله، ننظر نفسية الرجل، هل هو إنسان مضطرب؟ هل هو إنسان متقلب؟ هل هو إنسان مزاجي؟ أم أنه إنسان مستقر؟

بعضهم يقول لزوجته: أنا أطوف بالمرأة كما أطوف بالسيارات وبالمتاع الآخر، يقول لها في أول زواجه منها، وهذا هو استقباله لها للأسف الشديد!

فأقول: مثل هذه القضايا لا ينبغي الاستعجال بها, قد يكون إنساناً طيباً وصالحاً لكنه إنسان        مزاجي, كل يوم له رأي, وكل يوم له نظر, وكل يوم له تقويم، فهذا لماذا أتورط معه؟.

ومن ذلك أيضاً: أنه ينبغي أن نحذر من الأوهام والخيالات من أن هذا الإنسان ممكن أنه يصلح في المستقبل, ونسأل الله أن يهديه..الخ.

نعم الله يسعده ويبعده يا أخي، الله يهديه بعيداً، أما أن تورط هذه الفتاة التي استرعاك الله إياها، لعل الله أن يهديه؟ يا أخي الله يهديه لكن بعيداً عنا, أما أن أزوجه الآن فلا؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان, فبقاء هذا الإنسان على حاله الذي هو عليه الآن هو الأصل، فكيف أزوجه بناء على وهم مستقبلي وهو أن هذا الإنسان لربما يهتدي؟!.

على كل حال من مجموع هذه الأمور نخلص إلى نتيجة أخرى وهي من أسباب المشكلات -ويكفي ما مر في إيضاحها- هي أن التكافؤ معتبر، فجنس التكافؤ اعتبره الشارع على خلاف في التفصيلات.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وأن يصلح أعمالنا وأحوالنا وقلوبنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا وإياكم إلى خير الأعمال والأقوال والأحوال، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

[1] - أخرجه مسلم في كتاب: النكاح – باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1421) (ج 2 / ص 1037).

[2] - المصدر السابق.

[3] - أخرجه البخاري في كتاب: النكاح – باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها (4843) (ج 5 / ص 1974)، ومسلم في كتاب: النكاح – باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1419) (ج 2 / ص 1036).

[4] - أخرجه الترمذي في كتاب: النكاح – باب: ما جاء في استئمار البكر والثيب (1107) (ج 3 / ص 415)، وابن ماجه في كتاب: النكاح – باب: استئمار البكر والثيب (1871) (ج 1 / ص 601)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7471).

[5] - أخرجه أبو داود في كتاب: النكاح – باب: في الاستئمار (2093) (ج 1 / ص 637)، والترمذي في كتاب: النكاح – باب: ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج (1109) (ج 3 / ص 417)، والنسائي في كتاب: النكاح – باب: البكر يزوجها أبوها وهي كارهة (3270) (ج 6 / ص 87)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2942).

[6] - أخرجه البخاري في كتاب: الإكراه – باب: لا يجوز نكاح المكره (6547) (ج 6 / ص 2547).

[7] - صحيح مسلم في كتاب: النكاح – باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1420) (ج 2 / ص 1037).

[8] - أخرجه أبو داود في كتاب: النكاح – باب: في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها (2096) (ج 1 / ص 638)، وابن ماجه في كتاب: النكاح – باب: من زوج ابنته وهي كارهة (1875) (ج 1 / ص 603)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1845)، وفي صحيح ابن ماجه برقم (1520).

[9] - أخرجه البخاري في كتاب: الحيل – باب: في النكاح (6568) (ج 6 / ص 2555).

[10] - أخرجه النسائي في كتاب: النكاح – باب: البكر يزوجها أبوها وهي كارهة (3269) (ج 6 / ص 86)، وابن ماجه في كتاب: النكاح – باب: من زوج ابنته وهي كارهة (1874) (ج 1 / ص 602)، وأحمد (25087) (ج 6 / ص 136)، واللفظ له، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه برقم (411).

[11] - هكذا لفظ النسائي في كتاب: النكاح – باب: البكر يزوجها أبوها وهي كارهة (3269)، وقال الألباني: "ضعيف شاذ".

[12] - صحيح ابن ماجه في كتاب: النكاح – باب: من زوج ابنته وهي كارهة (1874)، وبهذا اللفظ أيضاً "ضعيف شاذ" كما قال الألباني.

مواد ذات صلة