بسم الله الرحمن الرحيم
الغـيرة الزائـدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا زال حديثنا عن أسباب المشكلات الزوجية، فأقول: من أسباب هذه المشكلات:
الغيرة الزائدة عند أحد الزوجين: فالمرأة لربما يكون عندها غيرة زائدة أو الرجل لربما تكون عنده غيرة زائدة فيسبب ذلك مشكلات متكررة عندما يحصل أدنى سبب يمكن أن يحرك هذه الغيرة، فتتحرك نفس الزوج أو الزوجة.
فالغيرة مطلوبة، ولكن هذه الغيرة لربما وصلت إلى حد يمكن أن يوصّف بأنه حالة مرضية تحتاج إلى علاج، وأنا أعرف بعض الحالات لربما جاء الزوج ومسح عتبة الباب إذا خرج، ثم يرجع بعد ذلك فينظر هل توجد آثار لأقدام قد دخلت مع هذا الباب الذي قد أغلقه أو لا يوجد.
فأقول: هذه حالة غير طبيعية، هذا إنسان غير سوي إذا كان هذا التصرف من غير موجب، وهكذا هذه المرأة لربما كان عمل هذا الرجل يتطلب سماع بعض النساء، كأن يكون هذا الإنسان يعمل مطبباً للناس أو لربما كان هذا الإنسان يعمل في عمل يحتاج أن تكلمه بعض النساء نظراً لهذا العمل، فامرأته لا تحتمل ذلك، ولا تحتمل أن تتصل امرأة لتكلم هذا الزوج، وهكذا هذا الزوج قد تكون غيرته مفرطة بحيث تسبب تلك المشاكل، وهكذا قد يكون هناك شيء من الرقة الزائدة في المشاعر والحساسية المفرطة عند أحد الزوجين، فالكلمة العادية التي ليس من شأنها أن تجرح تؤثر في هذه النفس، وبالتالي فإن هذا الإنسان يحتاج إلى نوع من المداراة، فلربما يصعب معاشرة هذا الإنسان الذي يأخذ هذه الكلمات بمأخذ آخر غير الذي يأخذه سائر الناس الذين يسمعون هذا الكلام، فهو رقيق المشاعر، حساس تؤثر فيه أدنى الكلمات.
وكذلك سوء الظن بين الزوجين، وهذا قد يوجد له أمور تحركه، فمثلاً المرأة حينما تتكلم في الهاتف دائماً فإذا دخل الزوج أغلقت السماعة، فهذا شيء يحرك شيئاً في نفس الزوج، ولربما أساء الظن بهذه المرأة، فأقول: سوء الظن بين الزوجين لربما كان سبباً لكثير من المشكلات، وحسن الظن مطلوب بالمسلمين، فكيف إذا كان ذلك قريباً له كزوجته أو نحو ذلك؟!، لكن حسن الظن لا ينبغي أن يصل إلى حد الغفلة بحيث يكون الزوج مغفلاً، يمكن أن تكون هذه المرأة تتصرف بتصرفات لا تليق وهو يبني هذا كله على مبني حسن الظن، فأقول: كل شيء له حد، وكل شيء ينبغي أن يكون له قدر لا يتعداه.
وأيضاً من أسباب هذه المشكلات عمل المرأة، فالمرأة حينما تصر على العمل وتخرج في الصباح الباكر ثم لا ترجع إلا منهكة بعد الظهر، فهذا الزوج يأتي إلى بيته ويجد هذه الزوجة قد تعبت وأرهقها العمل وهي بحاجة إلى أن تستريح، والزوج بحاجة إلى أن يستريح، وهؤلاء الأولاد ليس ثمة من يقوم بشأنهم وأمورهم، وهذا البيت يحتاج إلى عناية ورعاية، وأيضاً لا يجد طعامه قد هُيئ فيسبب ذلك قلقاً في البيت في نفس هذا الزوج، ثم يكون هذا القلق مستمراً فيتفاقم ويتراكم مع الأيام، ثم بعد ذلك يحصل الانفجار، فتكون الحياة قلقة بين الزوجين في كثير من الأحيان بسبب عمل هذه المرأة.
ومن أسباب المشكلات -ولربما لا يتفطن لهذا كثير من الإخوة لكن النساء لربما صرحت إحداهن به-: أن هذا الزوج لم يملأ عينها، فهي لا ترى أنه مكتمل الرجولة، لا ترى فيه من صفات الرجولة ما يسد عينها، فهي تراه بعين النقص، وهذا قد يكون بسبب الزوج في تصرفاته، وفي عنايته الزائدة بمظهره حتى إنه لربما أشبه المرأة في كلامه وفي شكله وفي هندامه وفي عنايته بوجهه وبمظهره وبلباسه وبالمرآة ونحو ذلك، ولربما كان في طريقته بمعالجة الأمور، فيه أنوثة، فالمرأة تريد رجلاً تستند إليه وتشعر أن هذا الزوج يمكن أن يوفر لها الحماية، ويمكن أن يوقفها عند حد معين، ويمكن أن يضبط هذا البيت، ويمكن أن يكون شخصية تفرض نفسها على الجميع بإقناع، ليس بتعسف وبقهر وبتسلط على الأفراد، وإنما شخصية ضافية، شخصية كبيرة.
وإذا قرأتم في الصحف والمجلات اقرءوا كلام النساء اللاتي لم يتزوجن بعد ما هو الزوج الذي تحلمين به؟ تجد أن عامة النساء تقول: أريد زوجاً يملأ عيني، أريد زوجاً صامتاً، وإذا تكلم أقنع، أريد زوجاً له هيبة، أريد زوجاً يقودني وأطمئن إلى العيش معه.
أقول: كثير من النساء لربما يكون سبب المشكلة عندها هو أنها لم تقتنع بهذا الزوج؛ لأنها ترى أن هذا الزوج ناقص، ضعيف الشخصية، ضعيف الرجولة، ليس فيه رجولة بل فيه أنوثة، فتتسلط عليه هذه المرأة وتقوده، ولربما كانت شخصية المرأة أقوى من شخصية الرجل.
والمرأة لابد لها من زوج يملأ هذا الفراغ الذي في نفسها، وأيضاً لابد لها من زوج يملأ عليها قلبها، ويملأ عليها نفسها، ويملأ عينها فلا تتطلع إلى غيره.
إن تأنّث كثير من الشباب في هذا العصر لربما يكون سبَّب كثرة حالات الطلاق التي نقرؤها في الإحصائيات التي تنشر في كثير من الأحيان في صحفنا.
ومن الأسباب أيضاً تضخيم الأخطاء والمحاسبة على كل صغير وكبير: ولذلك يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [(228) سورة البقرة].
يقول: "ما أحب أن أستوفي جميع حقي منها"([1])، يعني المرأة ناقصة عقل ودين، والمرأة ضعيفة، إذا حملت ضعفت وكثر نومها، واحتاجت إلى الراحة، ولربما كانت المرأة بحاجة إلى شيء من الترويح والإجمام أكثر من الرجل، فالمرأة من طبيعتها ومن سجيتها الضعف بخلاف الرجل، فإذا كان الرجل تمر عليه حالات من الضعف والعجز فالمرأة من باب أولى.
فالحاصل أن الرجل أحياناً يكون شحيحاً في حقوقه، فلا يتنازل عن صغير ولا كبير ولا قليل ولا كثير فيما يتعلق بهذه المرأة، فهو لا يفوت شيئاً، فابن عباس يقول: "ما أحب أن أستوفي جميع حقي منها"، ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "ما استوفى كريم قط"[2].
اجعل هذه قاعدة لك في حياتك الزوجية، فأنت لا تستنفذ كل ما عند هذه الزوجة، فالمرأة هذه قد تضعف، قد تعجز، قد تسهو، قد تنسى، ففوّت بعض الأشياء، ولا تقف عند كل شيء فضلاً عن أن تضخم هذه الأخطاء، وتكبر هذه الأخطاء، وتحاسب هذه المرأة المسكينة الضعيفة على كل تقصير وقع منها، فالزوج الكريم هو الذي يفوت بعض الأمور، واقرءوا تعليق محمود شاكر -رحمه الله- على تفسير ابن جرير على كلام ابن عباس هذا، فقد علق عليه بتعليق جيد نافع للغاية، وهذه القضية سأرجع إليها وأتحدث عنها في مرة قادمة.
وأسأل الله أن يعلمنا وإياكم العلم النافع، وأن يبارك لنا وإياكم في الأعمار والأوقات، وأن يصلح لنا شأننا كله، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.