بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تكسبين قلب زوجك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فكنا نتحدث في قضية المشكلات الزوجية، وآخر ما تحدثنا عنه أن المرأة ينبغي أن تعتني بحشمة الرجل، فتهيئ له بيتاً يسكن فيه، وتربي الصغار على احترام هذا الزوج، وعلى توقير هذا الزوج، وعلى حفظ حقوقه، وترعاه أحسن رعاية، هذا هو الواجب على هذه المرأة، وذكرنا طريقة ذلك، وكيف تستطيع المرأة أن تصل إلى تحقيق هذه القضايا، وتربية هؤلاء الأولاد على احترام الأب وتوقيره.
وعلى كل حال فإن من حشمته إكرام أهل الزوج، وإكرام أم الزوج، وإكرام أخوات الزوج وكذا ضيوف الزوج.
وذكرنا أمثلة على ذلك، وقلنا: إنه لا يليق بحال من الأحوال أن المرأة إذا أرادت أن تذهب لزيارة أهلها أنها تذهب مستشرفة مبكرة تتهيأ في وقت قصير، وإذا أرادت أن تذهب إلى أهل زوجها تباطأت وتأخرت، فهذا لا يليق؛ فإن الزوج يقع في نفسه شيء ويتألم من هذا التصرف، وقد تتراكم هذه الأشياء في نفس الزوج فيزهد في هذه المرأة، وهذا آخر ما تحدثنا عنه في المرة الماضية.
أقول بعد ذلك: على المرأة أن تحتسب الأجر عند الله في هذه الأعمال التي تقوم بها؛ لأنها تقوم بعبودية، فالله هو الذي أمرها بطاعة هذا الزوج، فهي تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بطاعة الزوج، والله يأجرها.
والنبي ﷺ أخبرنا أن الإنسان يؤجر على أقل الأشياء، فقال ﷺ: ((ولستَ تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فِي امرأتك))([1]).
والله يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(7-8) سورة الزلزلة]، فالمرأة التي تقوم على العيال، وتقوم على الزوج، وتقوم على شئون المنزل، فهذه يأجرها الله على هذا العمل.
وقد مرَّ رجلٌ فرأى أصحابُ رسول الله ﷺ من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال النبي ﷺ: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان))([2]) .
فالمرأة تؤجر بقيامها على شئون الزوج والأولاد والمنزل، وبالتالي ينبغي أن تعلق قلبها بالله، فتنتظر الأجر منه، فهي تعمل منطلقة من قوله -تبارك وتعالى-: {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [(9) سورة الإنسان]، إذا وُجد هذا المعنى في نفس المرأة وراعته فإنها تستريح من كثير من الهموم والآلام، ويزول عنها سبب كبير من أسباب المشكلات؛ لأن كثيراً من النساء تنفجر وتخرج عن طورها بعد أن تصبر مدة طويلة حينما تقدم للزوج أفضل خدمة، ثم هي تقول بعد ذلك: لم أرَ منه رداً للجميل، ولم أسمع منه كلمة يقدر فيها هذه الجهود أو يشكر فيها على هذا العمل الذي أقوم به صباح مساء، فأنا أقوم على أمه أنظفها، وأقوم على رعايتها على أحسن وجه وأتمه، وأقوم على رعايته وعلى رعاية أولاده، بل وعلى أولاد ليسوا مني، وربيتهم أحسن تربية، وأعلمهم كما أعلم أبنائي، ثم بعد ذلك أبقى معه سنين طويلة ولم أسمع منه كلمة واحدة تدل على شكر أو عرفان على هذا الجميل.
فأقول: إذا علقت المرأة قلبها بالله -تبارك وتعالى- فإنها لا تنتظر من هذا الزوج ولا من غير هذا الزوج أن يشكرها، وأن يكافئها على هذا العمل، وبذلك تكون مستريحة منشرحة الصدر تعمل بلا توقف، أما إذا كانت تعمل وتنظر إلى البشر الضعفاء المساكين أن يشكروها وأن يقدروها، وأن يقولوا لها بعض الكلام الذي تتشجع به فإنها قد تنقطع بعد ذلك.
وبالمقابل نقول للزوج: ينبغي أن تراعي مشاعر المرأة، وأن تشكرها على العمل الطيب، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإذا صنعتْ معروفاً فاشكرها على ذلك، إذا قدمت لأهلك شيئاً خدمة أو نحو ذلك فاشكرها على ذلك، إذا قدمت لك معروفاً فاشكرها على هذا، اشكرها على لباسها، اشكرها على نظافة البيت، اشكرها على تطييب البيت، اشكرها على هذا الطعام، وتجمل معها في الكلام ولو لم يكن ذلك بهذا المستوى الذي تتكلم به، وكل إنسان يكون الشكر له حافزاً على الاستزادة والاستمرار والمواصلة، فحتى لو كان الطعام ليس بالمستوى العالي، فقل: ما ذقت قبل اليوم مثل هذا الطعام، كيف صنعتيه؟ كيف فعلت هذا؟ ما هذا الثوب؟ ما هذا التناسق في هذه الألوان في هذه الثياب؟ لم أرَ أجمل من هذا الثوب عليك، ولا أدري هل زينتِ هذا الثوب أو أنه زينك؟ وقل لها مثل هذا الكلام فينشرح صدرها، مع أن هذا الكلام قد يكون حقيقة، قد يكون بعضه من الحقيقة، ما الذي يعقد لسانك فلا تقول هذا الكلام يا أخي؟
الله يقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [(53) سورة الإسراء] فنحن قد نجيد النقد، ونجيد ذكر المسالب والمعايب، ولكننا قد لا نحسن الشكر، وقد لا نحسن ذكر المحاسن، فينبغي أن تعود النفس على ذكر الجميل والكلام الطيب والكلام المقبول الذي لا تخسر منه شيئاً، اشكر هذه المرأة وأثنِ عليها بأشياء تستحقها، وقد لا تستحقها، ولكن ذلك يطيب قلبها، ويكون سبباً للألفة.
أما الزوج الذي يكون نُقَدة ينتقد كل شيء إذا جلس على الطعام هذا زين، وهذا ما هو بزين، هذا حار، وهذا بارد، هذا مالح هذا كذا!!
يا أخي لا تكن نُقَدة، ثم أيضاً حلق في الأعلى، فالإنسان الصغير هو الذي يغضب من أجل بطنه، يغضب لأتفه الأشياء، أما الإنسان الكبير واسع الصدر فلا يغضب من أجل هذه القضايا، لا يغضب لأن طعامه تأخر؛ أو لأن هذه الأكلة ما أعجبته، إنما يغضب من ذلك الصغار، صغير النفس الذي يغضب من أجل جوعه وعطشه، ويغضب من أجل هذه الأمور التافهة، فحلق أنت في الأعلى، لا تغضب من أجل هذه الأمور، إنما تغضب إذا انتهكت محارم الله -.
وهنا قضية ينبغي أن نفرق فيها: قد يغضب الرجل فيكون غضبه من قبيل القشة التي قسمت ظهر البعير، قد تكون هذه المرأة دائماً مهملة ودائماً تؤخر الطعام، وأشياء كثيرة جداً كعدم غسل الثياب، يأتي ولا يجد ثوباً مكوياًً، يذهب إلى العمل ولا يجد فطوره قد هُيئ، يجد هذه المرأة قد نامت وما إلى ذلك، تكون هذه التصرفات منظومة تمثل شيئاً واحداً هو الإهمال، وقلة المبالاة، وقلة الحشمة لهذا الزوج، فقد يصبر ويصبر ويصبر، ثم يظهر غضبه في تصرف من هذه التصرفات، في تأخير طعامه أو عدم كي ملابسه مرة أو نحو ذلك، فتتوهم الزوجة أنه غضب من أجل هذه الجزئية، وهو لم يغضب من أجل هذه الجزئية، وإنما غضب من تصرفات مجتمعة يجمعها شيء واحد هو الإهمال، وقلة مراعاة الزوج، وقلة الاحترام، وقلة الحشمة، وقلة العناية بهذا الزوج، فينبغي أن تفهم المرأة ذلك جيداً.
وأيضاً ينبغي على كل واحد من الزوجين أن يجتنب الحساسية المفرطة بسبب النقد، فكثير من الناس لا يحتمل أن ينتقد، وهذا لا شك أنه نوع من الكبر، ونوع من العجب والغرور؛ لأن هذا الإنسان عنده كمال زائف فيتأثر إذا وجه إليه انتقاد، وإذا ذكرت له ملاحظة، فينبغي للإنسان أن يفرح بالملاحظات وأن ينشرح صدره بها.
وكثير من الأزواج يأنف أن تكون هذه المرأة هي التي تقدم له الملاحظات، والمشكلة أحياناً أن نفور الزوج إما أن يكون عن كبريائه الناتج عن رجولته -كما يزعم-، وإما عن نقص للأسف يُظهر هذا النقص بثوب آخر، وذلك أن هذا الزوج أحياناً يظهر الامتعاض من انتقاد المرأة بسبب قضية حقيقية وهي أن هذه المرأة أعلى منه، إما أعلى منه تديناً، أو أكمل خلقاً، أو أشرف منه نسباً، أو أكثر منه مالاً، أو غير ذلك، فلا يحتمل منها أدنى انتقاد؛ لأنه يشعر أن أدنى انتقاد معناه أنها تذكره بارتفاعها عليه، وعلوها عليه، وأنها أشرف منه، وبالتالي إذا وجهت إليه انتقاداً فانه يربط بين هذا الانتقاد وبين ارتفاع المرأة، وبالتالي ينفر من ذلك، فلا يريد أن يقر بحال من الأحوال أن هذه المرأة أكمل أو أشرف منه، فيحصل منه ردة فعل.
أقول: ينبغي على الإنسان أن يفرح بالملحوظات، أن يفرح بالنصائح، أن يطلب من الآخرين أن ينتقدوه، وأن يذكروا له معايبه؛ لأن الإنسان لا يرى عيوبه، والإنسان حينما ينبهك على لوثة في الثوب وعلى دنس أصابه فأنت تشكره، فالنفس أكرم وأشرف من هذا، فينبغي أن تشكر من قدم لك ملحوظة تتعلق بالنفس والأخلاق أكثر من أن تشكر ذلك الإنسان الذي قدم لك ملحوظة تتعلق بثيابك.
هذه القضية ينبغي أن تكون واضحة لدى الإخوة، وأن يوسع الإنسان صدره لدى النقد، ويتقبل ذلك بصدر رحب، سواءً كان رجلاً أو امرأة.
ومن ذلك أيضاً -وهذه قضية ذكرناها في مرة سابقة في بعض المناسبات-: ألا تُحمِّل هذه المرأة المسكينة تبعة عمل إنسان آخر، والمرأة لا يجوز لها أن تُحمِّل هذا الزوج تبعة تصرف إنسان آخر، إذا أخطأ أبو الزوج لا ينبغي أن يحمَّل الزوج هذا الخطأ، إذا أخطأ أخو الزوج أو أخطأت أمه لا ينبغي أن يحمَّل الزوج هذا الخطأ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر].
وكذلك إذا أخطأت أمُّ الزوجة أو أخطأ أبو الزوجة أو أخو الزوجة فلا ينبغي أن تُحمَّل الزوجة هذا الخطأ، وأكثر ما يقع هذا الإشكال في الذين يتزوجون من أخوات، هذا يتزوج أخت هذا، وهذا يتزوج أخت هذا، فأي شيء يحصل لهذه يعود أثره على تلك فيحاسبها عليه، ولا شك أن هذا من الظلم.
بقيت بعض القضايا، حديثنا في المرة القادمة سيكون عن الحوار بين الزوجين، أو أهمية الحوار في المنزل.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.