الجمعة 11 / ذو القعدة / 1446 - 09 / مايو 2025
وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَٱخْتَلَفُوا۟ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً [سورة يونس:19]، لم يصرح بالآية لكنه جاء بالمعنى، وفسر وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً بقول ابن عباس : "إن الناس كانوا على التوحيد عشرة قرون"، وهذا أحسن ما تفسر به الآية.
وقوله: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: على التوحيد فاختلفوا، وليس المعنى كما يقول بعضهم: أنهم كانوا على الفطرة ثم بعد ذلك حصل لهم تغير، أو أن هؤلاء الناس كانوا على دين واحد من الشرك، نشئوا عليه ثم بعد ذلك تفرقوا واختلفوا، فمنهم من غير دينه، ومنهم من وحد الله ، وهذا ليس هو المراد، بعضهم يقول: هذه في قريش وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ جعلوه على الشرك، وهذا غير صحيح، فالمعنى لعموم الناس، فجنس الناس كلهم كانوا على التوحيد والإيمان، عشرة قرون كما قال ابن عباس - ا -، ثم وقع الشرك في قوم نوح فاختلفوا، فعبد بعضهم غير الله ، وبقي آخرون على عبادة الله وتوحيده على الأصل.

وقوله: وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ الآية، أي لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود؛ لقضى بينهم فيما اختلفوا فيه، فأسعدَ المؤمنين وأعنت الكافرين.

وابن كثير - رحمه الله - جمع بين معنيين، وهذا تفسير جيد، ومن السلف من فسر هذه الكلمة بأنه لا يعذب أحداً حتى يرسل إليه رسولاً وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [سورة الإسراء:15] فلم يؤاخذهم الله بعلمه السابق المتقدم، ولم يؤاخذهم بما وقع منهم حتى يبعث إليهم الرسل، فهذا معنى وهو معنى صحيح، وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وكذلك أيضاً الإهلاك والمعاجلة بالعقوبة فإن الله قد أجل لهم آجالاً وقدر لهم أقداراً فلا بد أن يبلغوا هذه الآجال، فلم يكن مجرد وقوع الكفر منهم سبباً لانقضاء آجالهم وإهلاكهم وإنما وقّتهم إلى وقت معلوم، فابن كثير - رحمه الله - جمع بين هذين المعنيين، أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة، وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود، وابن جرير - رحمه الله - فسرها بالمعنى الثاني: أجّل لهم آجالاً، وما ذكره ابن كثير أوسع في المعنى، وأبلغ، وما ذكره بعض السلف في معناها لا يخرج عن هذا، - والله تعالى أعلم -.