السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّنۢ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِىٓ ءَايَاتِنَا ۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ۝ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة يونس:21 – 23].
يخبر تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة، والخصب بعد الجدب، والمطر بعد القحط ونحو ذلك، إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قال مجاهد: استهزاء وتكذيب، كقوله: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا الآية، وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ، بهم الصبح على أثر سماء كانت من الليل - أي مطر - ثم قال: هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب[1].

قوله: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ "إذا" هذه شرطية، وإذا الثانية في قوله: إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا تسمى بالفجائية، يعني بمجرد ما تحصل لهم هذه الرحمة إذا بهم يسارعون إلى الإعراض والتكذيب والطغيان والبطر، كما قال الله : كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6-7]، وهذه عادة الإنسان إلا من  - رحمه الله - ولطف به، فكان الإنعام باعثاً للشكر ولمزيد من العبودية، وقال: إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا فسر المكر بالتكذيب، والمكابرة، والاستهزاء.

وقوله: قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا [سورة يونس:21]، أي: أشد استدراجاً وإمهالاً، حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب وإنما هو في مهلة، ثم يؤخذ على غرة منه.


يعني أن الله يمكر بهؤلاء فيعطيهم ويغدق عليهم النعم، ويدرّ عليهم الأرزاق، وهم يزدادون بطراً وإعراضاً وعتواً على الله ، فيكون هذا من قبيل الاستدراج، فالله إذا كان يدرّ الأرزاق ويتابع الإنعام على الإنسان وهو في حال من الإعراض فإن ذلك يكون استدراجاً، قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا وهذه صفة وصف الله بها نفسه في مقامات تكون كمالاً، ولكن ذلك لا يضاف إلى الله   على سبيل الإطلاق، وإنما يكون ذلك بقيد هو أن المكر يكون بالماكرين كما يقول بعض أهل العلم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ [سورة الأنفال:30]: إن هذا في المقابلة، أي يكون المكر بهؤلاء الذين يستحقونه، هذا هو المعنى - والله تعالى أعلم -، ولا يلزم أن يأتي ذلك بقيد مكرهم أو في مقابل مكرهم، بعضهم يسمي هذا مشاكلة وهي نوع من المجاز، فهذا غير صحيح، وهكذا ما يقال في الكيد.
والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه عليه، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة فيجازيه على الجليل والحقير والنقير والقطمير.

  1. رواه البخاري برقم (991)، كتاب الاستسقاء، باب قول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [سورة الواقعة:82]، قال ابن عباس: شكركم، ومسلم برقم (71)، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مُطرنا بالنوء.