السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا۟ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ الآية، لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها رغب في الجنة ودعا إليها وسماها دار السلام، أي: من الآفات والنقائص والنكبات، فقال: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة يونس:25].


ذكر ابن كثير – رحمه الله - مناسبة قول الله – تبارك وتعالى -: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ، فقال: "لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها رغب في الجنة ودعا إليها وسماها دار السلام، أي: من الآفات والنقائص والنكبات"
ومعنى قوله: دَارِ السَّلاَمِ أي: دار السلامة من الآفات والنقائص والنكبات، بخلاف هذه الحياة الدنيا، فأعظم آفة فيها هو الموت يفسد على أهل النعيم نعيمهم، فهي ليست محلاً للإقامة ولا يشعر الإنسان فيها بالاستقرار، ويشعر بأن إقامته مؤقتة مهما سكن من القصور، فمن سكن في شقة صغيرة ومن سكن في قصر واسع يشعرون جميعاً بأن إقامتهم مؤقتة.
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: السلام هو الله، والجنة هي داره، وقال بعض أهل العلم: إن معنى قوله: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ، أي: دار التحية؛ لأن ربهم يحييهم بالسلام: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [سورة الأحزاب:44]،  سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ [سورة يــس:58]، وتحييهم الملائكة، قال – تبارك وتعالى -: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [سورة الرعد:23-24].
والراجح أن الجنة سميت بدار السلام؛ لأنها سالمة من كل آفة وعيب ونقص، فهي دار السعادة الكاملة واللذة التامة، لا يحصل فيها لون من ألوان الكدر الذي يحصل للناس في الدنيا.

عن جابر بن عبد الله - ا - قال: خرج علينا رسول الله ﷺ يوماً فقال: إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا فقال: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه، فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها[1]. رواه ابن جرير.
وعن أبي الدرداء مرفوعاً قال: قال رسول الله ﷺ: ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، إن ما قلَّ وكفى خير مما كثر وألهى[2]. قال: وأنزل ذلك في القرآن في قوله: والله يدعو إلى دار السلام الآية. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.


تدل هذه الأحاديث على أنه يجب على المؤمن ألا يغتر بالحياة الدنيا، وأن يكون إقباله على مستقبله الحقيقي في دار المقامة من النعيم الكامل، ويبتعد عن الفتن التي تجذبه وتستهويه إلى هذه الحياة الدنيا، وقد جاء في حديث أبى سعيد الخدرى عن النبى ﷺ قال: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء[3].

  1. رواه الترمذي، كتاب الأمثال، باب ما جاء في مثل الله لعباده (5 / 145)، برقم (2860)، والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، تفسير سورة يونس  (2 / 369)، برقم (3299).
  2. رواه أحمد (36 / 52)، برقم (21721)، وقال محققو المسند: إسناده حسن.
  3. رواه مسلم، كتاب الرقائق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء  (8 / 89)، برقم (7124).