الأحد 13 / ذو القعدة / 1446 - 11 / مايو 2025
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ۝ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ۝ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة يونس:28-30].
يقول تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ أي: أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبر وفاجر، كقوله: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [سورة الكهف:47].
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ أي: الزموا أنتم وهم مكاناً معيناً امتازوا فيه عن مقام المؤمنين، كقوله تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [سورة يــس:59]، وقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [سورة الروم:14]، وفي الآية الأخرى: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [سورة الروم:43]، أي: يصيرون صدعين، وهذا يكون إذا جاء الرب - تبارك وتعالى - لفصل القضاء، ولهذا قبل ذلك يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا، وفي الحديث الآخر: نحن يوم القيامة على كَوْم فوق الناس[1].
كَوم بفتح الكاف أي: المكان المرتفع النشاز.
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخباراً عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة: مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ الآية، أنهم أنكروا عبادتهم وتبرءوا منهم كقوله: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ [سورة مريم:82] الآية، وقوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ [سورة البقرة:166]، وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء [سورة الأحقاف:5-6] الآية، وقوله في هذه الآية إخباراً عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الآية، أي ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيقول الحافظ - رحمه الله - في قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا "أي: أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبر وفاجر"، وهذا هو أقرب المعاني، أن الله يحشر الأولين والآخرين ويجمعهم، كما قال الله : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [سورة الكهف:47]، وقال: ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ [سورة هود:103]، ومن أهل العلم من فسر ذلك بمعنى تحتمله الآية، وهو أنه يحشرهم جميعاً - العباد والمعبودين - ويوجه إليهم هذا الخطاب وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ يعني يحشرهم وما يعبدون من دون الله، وهذا أيضاً دل عليه القرآن، والآية إذا كانت تحتمل معانِيَ دل عليها القرآن أو السنة - دل على كل واحد منها - فإن الآية تحمل على هذه المعاني جميعاً، فالله أخبر في القرآن أنه يحشر الأولين والآخرين ولا يغادر منهم أحداً، وأخبر أيضاً أنه يحشر الناس وما يعبدون من دون الله، والآية تحتمل معنىً ثالثاً وهو أن المراد وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا أي: أن الله يبعثهم من قبورهم، ويجمع ما تفرق من أبدانهم في التراب، كما قال النبي ﷺ: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً[2]، فترجع إليهم أبعاضهم وأجزاؤهم التي ذهبت في الدنيا، وتفرقت في التراب، وهذه الأمور كلها حاصلة، والله على كل شيء قدير، ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ مكانكم أي: الزموا مكانكم، أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ الشركاء: هم جعلوا هذه المعبودات شركاء لله ، فأضاف هؤلاء الشركاء إليهم أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ ووجه ذلك يمكن أن يقال والله تعالى أعلم: إنهم جعلوا هؤلاء شركاء لهم في أموالهم، فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ [سورة الأنعام:136] فأضاف الشركاء إليهم والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ويمكن أن يكون ذلك باعتبار: أنهم شركاء لهم في هذا الخطاب وهذا أضعف من الأول، نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا نبعث العباد والمعبودين، أو يبعث العابدين والمعبودين، ويقول لهم: مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ، ثم يفصل بينهم ويفرق بينهم كما قال الله تعالى: فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ المزايلة: هي المفارقة، فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ أي: فصلنا وفرقنا بينهم، فيسأل هؤلاء ويسأل هؤلاء، فيوجه الخطاب إلى المعبودين، ويتبرءون من هؤلاء الذين عبدوهم وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ، بعض أهل العلم نظر إلى هذا المعنى وأنهم قالوا: إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ فقال: هذا في مثل عيسى ﷺ وعزير والملائكة ومن عُبد من دون الله من الصالحين، فهم يتبرءون منهم ويقولون: مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ، وكنا عن عبادتكم غافلين أصلاً، ومن أهل العلم من حمل هذا على الجمادات من الأوثان والأصنام التي لا تشعر بعبادتهم إياها، ومنهم من جعل ذلك عاماً حتى فيمن عُبد وهو راضٍ، إذا رأى هول ذلك اليوم فإنه يتبرأ منهم، وقوله: مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ أي: لم نأمركم بذلك، لكن قوله: مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ليس بمعنى لم نأمركم بذلك، ويمكن أن يقصدوا بـ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ أنهم كانوا يعبدون الجن مثلاً أو يعبدون الشيطان، ومعلوم أن العرب كانوا يعبدون الأوثان من دون الله التي ربما خاطبتهم أو سمعوا منها كلاماً، وذلك أن هذه الأصنام والأوثان يوجد معها من الشياطين ما يضللهم، وهذا يحصل من أجل فتْن الناس، وقد حصل عند قطع العزَّى، لما أرسل النبي ﷺ إليها خالد بن الوليد وهي بيت على سمرات، فقطع السمرات، ثم رجع إلى النبي ﷺ فأخبره أنه ما فعل شيئاً، فرجع وإذا بامرأة سوداء ناشرة شعرها تدعوا بالويل والثبور فعلاها بالسيف، فالنبي ﷺ حينما أخبره بذلك قال: تلك العزى[3]، فهذه امرأة شيطانة كانت تضلل الناس، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أي: ما كنا نشعر بها، ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، معنى ذلك أن ابن كثير حمل المعنى على العموم، كل من عُبد من دون الله ، سواء كان راضياً أو لم يكن راضياً فهو داخل في هذا الخطاب، بمعنى أنهم يتبرءون منهم ومن عبادتهم.

  1. رواه أحمد في المسند (23/64)، برقم (14721)، وقال محققوه: حديث صحيح، واللفظ له، ومسلم بمعناه برقم (191)،  كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، من حديث جابر بن عبد الله -ا-، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/250)، برقم (2751).  
  2. رواه مسلم برقم (2859)، من حديث عائشة -ا-، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة.
  3. رواه النسائي في السنن الكبرى (6/474)، برقم (11547)، وأبو يعلى في مسنده (2/196)، برقم (902)، وقال محققه حسين سليم أسد: إسناده صحيح، وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/146).