يخبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة، لا يترك منهم أحداً حتى يعيده كما بدأه، ثم ذكر تعالى: أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سورة الروم:27].
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ [سورة يونس:4] أي: بالعدل والجزاء الأوفى، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ أي: بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العذاب من سموم وحميم وظل من يحموم، هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [سورة ص:57-58]، هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [سورة الرحمن:43-44].
قوله: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول الحافظ - رحمه الله -: "يخبر تعالى أنه إليه مرجع الخلائق يوم القيامة، لا يترك منهم أحداً حتى يعيده كما بدأه، ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده"، وظاهر الآية في بدأ الخلق وإعادته، فبدء الخلق أن الله أنشأه من العدم، وإعادته وذلك بأن يُبعث الإنسان من جديد، بعد أن يصير تراباً، وقال بعض المفسرين: يبدأ الخلق ثم يعيده بالوفاة، وهذا هو المعنى الظاهر المتبادر، - والله تعالى أعلم -، وهو الذي يدل عليه القرآن في مواضع كثيرة، قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ، فيحتمل أن تكون الواو عاطفة، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ، يعني: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ، يعني ويجزي الذين كفروا بالشراب الذي يكون من حميم، فالله - تبارك وتعالى - يبدأ الخلق لحكمة عظيمة، وهي الابتلاء والاختبار، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [سورة الملك:2] ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا، فيجزي من أحسن بالحسنى، ومن أساء فيجازى بما يستحق على عمله السيئ، ويحتمل أن تكون الواو استئنافية في قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ، يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أي: بالقسط، ثم بيّن حال المكذبين الضالين الكفار فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ.