السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۝ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُون [سورة يونس:5-6].
يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرة، وعظيم سلطانه، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياءً، وجعل شعاع القمر نوراً، هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل، وقدر القمر منازل، فأول ما يبدو صغيراً ثم يتزايد نوره وجرمه، حتى يستوسق ويكمل إبداره، ثم بشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر، كقوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ۝ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يــس:39-40]، وقوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا [سورة الأنعام:96] الآية، وقوله وفي هذه الآية الكريمة: وَقَدَّرَهُ أي: القمر، مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ فبالشمس تعرف الأيام وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام.


بالشمس تعرف الأيام، فإذا طلعت الشمس طلع النهار، فكل يوم تطلع شمسه هو يوم جديد، وبالقمر تعرف الشهور والأعوام، فالقمر يبدو في أول كل شهر دقيقاً كالشعرة، يتراآه الناس بصعوبة، ثم بعد ذلك يقطع ثمان وعشرين منزلة من منازل القمر المعروفة، كل يوم وليلة يقطع منزلة واحدة، فلا يزال يكبر شيئاً فشيئاً في كل يوم يمضي، حتى يكتمل في منتصف الشهر، والناس يعرفون بالنظر إليه، ثم بعد ذلك يبدأ بالصغر، يصغر حتى يتقوس ويبدو دقيقاً، مثل عمر الإنسان يبدأ صغيراً ضعيفاً فلا يزال يكبر في كل مرحلة حتى يصل إلى الاكتمال، ثم بعد ذلك يبدأ في مراحل الضعف شيئاً فشيئاً، فهذا القمر جعله الله مثل الساعة، بهذا صفحة هذا الكون الفسيح يعرف الناس فيه الشهور والأعوام، فإذا نظروا إليه عرفوا الوقت من الشهر، ثم بعد ذلك إلى الثامن والعشرين المنزلة الأخيرة، وإذا كان الشهر مكتملاً احتجب ليلتين، وإذا كان الشهر ناقصاً احتجب ليلة واحدة يحتجب بالكلية، ثم يعود من جديد، فلا يلتبس لأنه يحتجب تماماً فهو بغاية الدقة، ويطلع من الجهة الثانية جديداً بعد احتباسه، فيبدأ العد من جديد في شهر آخر، وهذه الشهور تكون الأعوام، لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ يعرفون السنوات ويعرفون الحساب، وأوقات العِدد – عِدد النساء -، ويعرفون الآجال في الديون وغيرها، وما إلى ذلك من مصالحهم.

مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ [سورة يونس:5] أي: لم يخلقه عبثاً، بل له حكمة عظيمة في ذلك وحجة بالغة، كقوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [سورة ص:27]، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۝ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [سورة المؤمنون:115-116].
وقوله: نُفَصِّلُ الآيَاتِ [سورة يونس:24] أي: نبيّن الحجج والأدلة، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [سورة التوبة:11]