وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه ويثنون عليه به، فقال رسول الله ﷺ: تلك عاجل بشرى المؤمن[2]. رواه مسلم.
وروى أحمد أيضاً عن عبد الله بن عمرو - ا - عن رسول الله ﷺ أنه قال: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا، قال: الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من تسعة وأربعين جزءاً من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبر بها، ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه، فلينفث عن يساره ثلاثاً وليكبر ولا يخبر بها أحدا[3]. لم يخرجوه.
وقيل: المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [سورة فصلت:30-32].
وفي حديث البراء : أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب، فقالوا: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، وربٍّ غير غضبان، فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء[4].
وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [سورة الأنبياء:103]، وقال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة الحديد:12].
وقوله: لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ أي: هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير، بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
البشرى في هذه الأحاديث الصحيحة فسرها النبي ﷺ بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرَى له، والتفسير النبوي إذا صح فإنه لا يحتاج معه إلى غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، لكن هذا المعنى لا ينفي أن تكون البشرى في الدنيا بما جاء في الحديث الآخر، وإن لم يكن تفسيراً للآية مما يحصل للإنسان من الذكر الجميل، فالنبي ﷺ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن، فالله قال: لَهُمُ الْبُشْرَى والنبي ﷺ قد يفسر الآية بمعنى يؤخذ من عموم اللفظ، ولا يعني ذلك حصر المعنى فيما ذكر، وإنما هو أحد المعاني الداخلة فيها، ولا ينفي بعضَ المعاني التي تحتملها الآية أو جاء السياق فيها، فالتفسير بأنها الرؤيا الصالحة لا ينفي أن يكون هذا ما يحصل للإنسان من الذكر الجميل، ولا ينفي قول من قال بأن الملائكة تبشره عند قبض روحه مثلاً، وما أخبر الله في القرآن في قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة البقرة:223]، بشارة حاصلة في هذا القرآن لأهل الإيمان بما أعد الله لهم في دار كرامته، وما يكون لهم في هذه الدنيا من الرفعة والنصر، والظهور والغلبة، والتمكين، فكل هذا داخل في هذه البشرى، - والله تعالى أعلم -.
وقوله: لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ، أي: حكمُ الله وقضاؤه لا يبدل، فالله قضى ذلك لأهل الإيمان وقدّره فلا مبدل لكلماته، ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.
- رواه ابن جرير في تفسيره (15/132)، برقم (17730)، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: "هذا إسناد ضعيف، لضعف موسى بن عبيدة، وهو إسناد منقطع أيضاً؛ لأن أيوب بن خالد لم يرو عن عبادة بن الصامت".
- رواه مسلم برقم (2642)، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره.
- رواه أحمد في المسند (11/621)، برقم (7044)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
- رواه أحمد في المسند (30/499)، برقم (18534)، من حديث البراء بن عازب ، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، والبيهقي في شعب الإيمان (1/355)، برقم (395)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (158)، وفي صحيح الجامع برقم (1676).