الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يقول تعالى مخبراً عن موسى أنه قال لبني إسرائيل: يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ أي: فإن الله كافٍ من توكل عليه، أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [سورة الزمر:36]، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [سورة الطلاق:3]، وكثيراً ما يقرن الله تعالى بين العبادة والتوكل، كقوله تعالى: فاعبده وتوكل عليه، قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [سورة الملك:29]، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [سورة المزمل:9]، وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم مرات متعددة إياك نعبد وإياك نستعين، وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك، فقالوا: عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: لا تظفرهم بنا وتسلطهم علينا فيظنوا أنهم إنما سُلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل فيفتنوا بذلك، هكذا روي عن أبي مجلز وأبي الضحى.
وروى عبد الرزاق عن مجاهد: رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لا تسلطهم علينا فيفتنونا، وقوله: وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ أي: خلصنا برحمة منك وإحسان، مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ أي: الذين كفروا الحق وستروه، ونحن قد آمنا بك وتوكلنا عليك.

قوله - تبارك وتعالى -: رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قال بعض السلف: لا تظفرهم بنا وتسلطهم علينا، فيظنوا أنهم إنما سُلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل فيُفتنوا بذلك، وقال مجاهد: لا تسلطهم علينا فيفتنونا، هذان قولان معروفان للسلف، والفتنة مصدر، والمصدر قد يراد به المفعول وقد يراد به معنى الفاعل، رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً أي: لا تجعلنا فاتنين، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الممتحنة:5] أي: لا تجعلنا فاتنين للذين كفروا، وهو القول الأول الذي عزاه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - إلى أبي مجلز وأبي الضحى، لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً أي: لا تجعلنا فاتنين للذين كفروا، قال: لا تسلطهم علينا فيُفتنوا بذلك، ويقولوا: لو كان هؤلاء على الحق ما صاروا بهذه المثابة، فصرنا بهذا الاعتبار فتنة لهم يزهدون بما عندنا من الحق بسبب هذا الذي وقع من تسلطهم علينا وضعفنا وعجزنا، فيكون ذلك صارفاً لهم عن الهدى، ويدخل في هذا أيضاً لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً أي: فاتنين بسوء صنيعنا، وتصرفنا، بما يصدر منا من الأفعال التي تكون صادّة للناس عن سبيل الله، ومنفرة عن الحق، والمعنى الثاني لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً فتنة: مصدر بمعنى المفعول، أي: لا تجعلنا مفتونين، فلا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا، والمصدر تارة يراد به هذا، وتارة يراد به هذا، والقرآن يعبر بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وكل واحد من المعنيين حق، فهذا يشمل هذا وهذا، والمعنى الأول متضمن المعنى الثاني، يعني لا تسلطهم علينا فيُفتنوا بذلك ويقولوا: لو كان هؤلاء على الحق لما صاروا بهذه المثابة، هم حينما يسلطون عليهم تحصل لهم أيضاً فتنة.