الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَٱجْعَلُوا۟ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة يونس:87].
يذكر تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه، وكيفية خلاصهم منه، وذلك أن الله تعالى أمر موسى وأخاه هارون - عليهما السلام - أن يتبوءا، أي يتخذا لقومهما بمصر بيوتاً.

المبوأ هو المكان الذي يلازمه الإنسان، كقول النبي ﷺ: فليتبوأ مقعده من النار[1] أي: فليلزم مقعده من النار، وذلك من اتخاذ المباءة، وهو المكان الذي يلازمه الإنسان، أو يرجع إليه ويئول إليه، ويصير إليه بعد انتشاره في حاجاته ومصالحه وشئونه ويرجع إليه، بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ [سورة الأنفال:16]، يعني: رجع بغضب من الله.

وقوله تعالى: وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وقال العوفي عن ابن عباس - ا - في تفسير هذه الآية قال: قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة، فأذن الله تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم، وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة.

وقال مجاهد: وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة، أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سراً، وكذا قال قتادة والضحاك.
لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة، أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة ويصلون فيها سراً، وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أي: يمكن أن تكون إلى جهة القبلة، أو تكون مساجد، فهذا كله يرجع إلى شيء واحد، يعني صلوا في بيوتكم واتخذوها مساجد، اجعلوا بيوتكم قبلة، ولذلك قال بعدها: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ، فمن أهل العلم من فسر البيوت بالمساجد، ولكن لا يخلوا من إشكال، اجعلوا مساجدكم قبلة، هذا أمر قد يكون معلوماً بالنسبة إليهم، وأضاف البيوت إليهم أيضاً في الآية، ومثل هذه الإضافة المتبادر منها أن المقصود: البيوت التي تختص بهم، وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، وبعضهم فسر القبلة أي: متقابلة، بمعنى اجعلوها متقابلة، ويحتمل أن يكون المراد بهذا جهة القبلة، يعني من ناحية يسهل عليهم فيها الخروج إذا جاءت لحظة الخروج من مصر، يعني ما يكونون متفرقين يسكنون في أحياء ونواحي في مصر يصعب جمعهم فيها، أمرهم أن يتكتلوا في مكان معين في ناحية من مصر يسهل فيها الخروج منها إذا أُمروا بذلك، والأقرب - والله أعلم - أن المقصود وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أي: مساجد تصلون فيها تتعبدون لله -تبارك وتعالى- فيها، وهذا لا ينافي قول من قال: إنها إلى جهة القبلة، يستقبلون القبلة ولا تجعلوها مساجد، فهم سيستقبلون القبلة، بصرف النظر طبعاً عن القبلة هنا ما المراد بها، فمن أهل العلم من يقول: إن الكعبة هي المكان الذي يستقبله الأنبياء جميعاً، وبعضهم قال: مِن آدم ﷺ فمن بعده يستقبلون الكعبة، وظاهر كلام ابن القيم -رحمه الله-: أن جميع الأنبياء كانوا يستقبلون الكعبة، وتكلم على استقبال النصارى للمشرق وأصل هذا، واستقبال اليهود للصخرة، وأن اليهود كانوا ينقلون معهم التابوت في حروبهم ونحو هذا، فيستقبلونه في صلاتهم، وكان يوضع في مكان عند الصخرة أو على الصخرة، فكانوا يستقبلونه ثم بعد ذلك لما انتهى التابوت، صاروا يستقبلون المكان الذي كانوا يضعونه فيه، فابن القيم - رحمه الله - يرى أن هذه القبلة محرفة، يعني استقبال النصارى للمشرق، واستقبال اليهود للصخرة مثلاً، - فالله تعالى أعلم -.

  1. رواه البخاري برقم (107)، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي ﷺ، ومسلم برقم (2)، كتاب الإيمان، باب تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ.