الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخْتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [سورة يونس:93]، يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية.

وقوله: مُبَوَّأَ صِدْقٍ قيل: هو بلاد مصر والشام مما يلي بيت المقدس ونواحيه، فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها، كما قال الله تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ [سورة الأعراف:137]، وقال في الآية الأخرى: فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۝ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:57-59] وقال: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [سورة الدخان:25] الآيات.

ولكن استمروا مع موسى طالبين إلى بلاد بيت المقدس، وهي بلاد الخليل فاستمر موسى بمن معه طالباً بيت المقدس، وكان فيه قوم من العمالقة، فنكَل بنو إسرائيل عن قتالهم فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون ثم موسى عليهما السلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ففتح الله عليه بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليه حيناً من الزمان.
وقوله: وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أي: الحلال من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعاً وشرعاً.
قوله – تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ [سورة يونس:93]، أي: أسكناهم منزلاً طيباً حسناً، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا المسكن هو أرض مصر والشام، باعتبار أن الله أورثهم أرض مصر كما قال الله : كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:59] وهذا صريح في أن الله أورثهم إياها.
وقال بعض العلماء: المبوأ الصدق هي بلاد الأردن وفلسطين، وقال بعضهم: هي الشام.
وقوله: فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ [سورة يونس:93]، أي: ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم، أي ولم يكن لهم أن يختلفوا وقد بيّن الله لهم وأزال عنهم اللبس، وقد ورد في الحديث: إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة منها واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي[1]، رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ. ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي: يفصل بينهم، يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.


قوله: فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ فسر بعض أهل العلم العلم المذكور في الآية بالتوراة، ومن أهل العلم من يقول: المقصود بقوله تعالى: مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ يعني القرآن، أي: أن اختلافهم لم يكن عن جهل بالحق، وخفاء معالمه، وإنما كان بسبب الهوى والبغي، وهذا المعنى يشهد له قوله - تبارك وتعالى -: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران:105] فالتفرق والاختلاف حصل بعدما اتضح لهم الحق وظهر، فكان اختلافهم بسبب أهوائهم وبغيهم، ولهذا قال الله في موضع آخر: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [سورة الجاثية:17].
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في اقتضاء الصراط المستقيم الأمور التي شابهت بها هذه الأمة أهل الكتاب، وذكر منها التفرق والاختلاف.

  1. رواه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة (2 / 608)، برقم (4597)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم (2 / 1322) برقم (3992)، والترمذي، كتاب الإيمان، باب افتراق الأمة (5 / 26)، برقم (2641)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة  (3 / 480)، برقم (1492).