الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [سورة يونس:99-100].
يقول تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به، فآمنوا كلهم، ولكن له حكمته فيما يفعله تعالى، كقوله تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة هود:118-119]، وقال تعالى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا [سورة الرعد:31]، ولهذا قال تعالى: أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ أي: تلزمهم وتلجئهم، حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ أي: ليس ذلك عليك ولا إليك، بل الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [سورة البقرة:272]، لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [سورة الشعراء:3]، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [سورة القصص:56]، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [سورة الرعد:40]، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية:21-22] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى هو الفعال لما يريد، الهادي من يشاء، المضل لمن يشاء، لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ وهو الخبال والضلال عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ أي: حججَ الله وأدلته، وهو العادل في كل ذلك، في هداية من هدى وإضلال من ضل.

الرِّجْسَ قال: "هو الخبال والضلال"، ويقال: الكفر، وقد يطلق على نتيجته وأثره، وهو العذاب كما قال ابن جرير - رحمه الله - وهو تفسير بالأثر، كما يقال: الإثم، والإثم أحياناً يطلق على سببه، تقول مثلاً: الخمر إثم والزنا إثم والسرقة إثم، وهذه آثام، وتقول: اجتنب الآثام، ومنه قول الشاعر:

شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تفعل بالعقول

يعني الخمر، ويطلق على أثره، وهو ما يحصل من التبعة والمؤاخذة، يقال له: إثم، تقول: من فعل هذا يأثم، فمن فسره بالعذاب فقد فسره بالأثر والنتيجة، ومن فسره بالضلال أو الكفر أو نحو هذا فهو تفسير، وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ الذين لا يعقلون عن الله - تبارك وتعالى - فهؤلاء هم المعرضون.