الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُوا۟ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ ۖ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قوله: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ [سورة هود:108]، يقول تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ وهم أتباع الرسل، فَفِي الْجَنَّةِ أي: فمأواهم الجنة، خَالِدِينَ فِيهَا أي: ماكثين فيها أبداً، مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله - تعالى -، فله المنة عليهم دائماً، ولهذا يُلهمون التسبيح، والتحميد كما يلهمون النَّفَس.

وقال الضحاك والحسن البصري: هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها، وعقّب ذلك بقوله: عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي: غير مقطوع، قاله مجاهد وابن عباس - ا - وأبو العالية وغير واحد؛ لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثَمّ انقطاعاً، أو لبساً، أو شيئاًَ، بل ختم له بالدوام، وعدم الانقطاع، كما بيّن هناك أن عذاب أهل النار في النار دائماً مردود إلى مشيئته، وأنه بعدله، وحكمته عذبهم؛ ولهذا قال: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [سورة هود:107] كما قال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [سورة الأنبياء:23]".

قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته بل هو موكول إلى مشيئة الله - تعالى -" هو القول الراجح في هذه المسألة، وقد قال أهل البدع والأهواء بانقضاء نعيم الجنة، وقد رد عليهم ابن القيم - رحمه الله - في النونية، والشنقيطي في العذب المنير، وفي دفع إيهام الاضطراب في تفسير سورة عم، وغيرهم من أهل العلم.

"وهنا طيّب القلوب، وثبت المقصود بقوله: عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ، وقد جاء في الصحيحين: يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت[1]، وفي الصحيح أيضاً: فيقال: يا أهل الجنة إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً[2]".

من أسماء الله الأول والآخر، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، بقاء الجنة وأهلها بإبقاء الله - تعالى -، والله هو قائم بنفسه.

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (4/1760)، برقم (4453) ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2188)، برقم (2849).
  2. رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (4 / 2182)، برقم (2837).