السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَخْبَتُوٓا۟ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ [سورة هود:23-24].

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنّى بذكر السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فآمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولاً، وفعلاً؛ من الإتيان بالطاعات، وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض، والسماوات، وهم في ذلك خالدون لا يموتون، ولا يهرمون، ولا يمرضون، ولا ينامون، ولا يتغوطون، ولا يبصقون، ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسكٍ يعرقون".

فقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ذكر الإخبات مع الإيمان والعمل الصالح، والإخبات من جملة الأعمال الصالحة؛ لأنه لا يخلو من أن يكون عملاً يتصل بالقلب، أو يتصل بالجوارح، وفُسر الإخبات بالإنابة، وفسر بالخضوع، وفسره كثيرون بالخشوع، وفُسر بالسكون، وهي معانٍ متقاربة، وبعضهم قال: هو بمعنى الخشوع والطمأنينة جمعاً بين الأقوال، وكبير المفسرين أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - يفسره بالخشوع، والتواضع، وهو قريب من الذي قبله، ومن أهل العلم من يرجع معانيه إلى التواضع والسكون كالحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وهذه المعاني لا منافاة بينها، فالمُخبِت يكون خاشعاً، متواضعاً، مطمئناً، ساكناً، وعُدَّي بـ"إلى"؛ لأن قوله: وَأَخْبَتُوا فعل ضُمن معنى فعل آخر يصح تعديته بهذا الحرف وهو "إلى"، وتضمين الفعل معنى الفعل أبلغ من القول بتضمين الحرف معنى الحرف، فـوَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ يكون قد ضمن معنى التواضع، والطمأنينة، وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ يعني سكنوا إلى ربهم، أنابوا إلى ربهم، تواضعوا إلى ربهم - والله أعلم -.