السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ أي: الذين وصفهم أولاً بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا، والآخرة، لا يهتدي إلى خير، ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج، فلا يسمع ما ينتفع به وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ [سورة الأنفال:23] الآية، وأما المؤمن ففطِنٌ ذكي، لبيب بصير بالحق، يميّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير، ويترك الشر، سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة، فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا أفلا تذكرون؟، أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء؟ كما قال في الآية الأخرى: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [سورة الحشر:20]، وكقوله: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ۝ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ۝ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ۝ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ۝ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ۝ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [سورة فاطر:19-24]".

ذكر الله أربع أوصاف كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وهذه الأوصاف ترجع إلى طائفتين لا إلى أربع طوائف، وذلك أن الواو عاطفة عطفت صفة على صفة لموصوف واحد، فالفريق الأول وهم الكفار كالأعمى، والأصم، والصفات قد تتابع إما بالعطف بالواو، أو بإسقاطها، ويكون الموصوف واحداً كقوله - تبارك وتعالى -: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [سورة الأعلى:1-2]، ولم يذكر الواو وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [سورة الأعلى:3] جاء بالواو فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:3-4]، وقول الشاعر:

هو الملك القرن وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

كل هذا يرجع إلى موصوف واحد، والأمثلة على هذا كثيرة جداً في كلام الله ، وفي كلام العرب.

كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ هذا مثل لطائفة واحدة، وإذا كان موصوفاً بالصمم فمعنى ذلك أنه موصوف بأنه أبكم؛ لأن الإنسان إذا كان لا يسمع منذ نشأته وولادته فإنه لا يمكن أن يتكلم، فالصُّم هؤلاء ليس بألسنتهم علة وإنما العلة في أسماعهم، ولذلك إذا كان الصغير فيه بطءٌ في الكلام فإن أول ما يلتفت إليه هو السمع، فقد يكون سمعه ضعيفاً فلا يصل إليه كثير من الكلام الذي يقوله المتكلمون عنده، فيتأخر في الكلام، وإذا كان لا يسمع بالكلية فعندئذ لا يمكن أن يتكلم، فهذا الإنسان الذي لا يبصر، ولا يتكلم، ولا يسمع شيئاً؛ كيف يكون تعلمه؟ والله امتن على عباده بأن جعل لهم السمع، والأبصار، والأفئدة، فالسمع، والبصر؛ ميزابان يصبان في القلب، هذا في عالم المشاهدات، وهذا في عالم الأصوات والمسموعات، إنما المعارف ترجع إلى هذا وهذا، يعني الإنسان إما أن يقرأ شيئاً، أو يراه، أو يشاهده، أو يسمعه - وإن كان السمع أكثر من البصر - لكن إما يكون تحصيله من جهة السمع، وإما من جهة البصر، فهذا لا سمع، ولا بصر، فكيف يرى دلائل عظمة الله ، وكيف يسمع آياته؟، لا يمكن أن يحصل له شيء من ذلك، فهؤلاء بهذه المنزلة الذين لا يفقهون عن الله ، ويعرضون عن آياته، هذا هو الصمم، والعمى الحقيقي، وهو أعظم وأشد ممن ابتلاه الله بحاسته، وقد يكون مؤمناً تقياً أعظم إيماناً وتُقىً من كثير من المبصرين الذي أعطاهم الله آلة السمع، وآلة البصر؛ كما هو مشاهد، فهنا هذه الوصفان الأولان لفريق الكفار كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ، أعمى عن رؤية الحق ودلائله، وبراهينه، وآياته المشهودة الدالة على وحدانية الله ، وأصم لا يسمع الآيات، ولا ينتفع بها، والفريق الآخر البصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً، والمقصود بالمثل الصفة؛ لأن المثل يأتي لمعانٍ متعددة منها الصفة كما في هذا الآية، وكما في قوله تعالى: مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [سورة الرعد:35] أي: صفة الجنة، وهو أحد الأقوال أيضاً في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً [سورة البقرة:17] أي: صفتهم - والله أعلم -.