"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [سورة هود:25-27].
يخبر تعالى عن نوح ، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله؛ فلهذا قال: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ".
"وقوله: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ أي: إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذاباً أليماً، موجعاً شاقاً في الدار الآخرة".قول الله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ الإرسال مضمن معنى القول أي: أنه أرسله إليهم فقال لهم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، ومعلوم أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - جاءوا بالبشارة، والنذارة، فهو يبشر المؤمنين، وينذر الكافرين، وهذا كثير في القرآن، واقتصر على الإنذار لأنه يمكن أن يكون من باب الاكتفاء، اكتفى بذكر أحد القبيلين أو الطرفين؛ ليدل بذلك على الآخر كقوله - تبارك وتعالى -: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [سورة النحل:81] أي: والبرد، وكقوله - تبارك وتعالى - في أحد الأقوال في تفسير الآية: فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [سورة الأعلى:9] أي: وإن لم تنفع، فذكر أشرف الاحتمالين إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، ويمكن أن يكون ذكر الإنذار هنا باعتبار أن هؤلاء في غاية المكابرة، والإعراض، والجحود فهو ينذرهم كما قال النبي ﷺ: أنا النذير العريان[1] فاقتصر على هذا، فتارة يحسن الإنذار، وتارة التبشير، وتارة الجمع بين هذا وهذا إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ فهذا بدل من قوله: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ وقيل غير ذلك، وأما قوله: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فـ(إن) هنا تفيد التعليل، فهو يأمرهم، وينهاهم؛ خوفاً عليهم، وشفقة من أن يمسهم عذاب الله - تبارك وتعالى -.
- رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري برقم (6117)، كتاب الرقائق، باب الانتهاء عن المعاصي، ومسلم برقم (2283)، كتاب الفضائل، باب شفقته ﷺ على أمته.