على قول ابن عباس - ا - الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم يكون صمد على وزن فعل بمعنى مفعول، يعني مصمود إليه فعل يراد به مفعول صمد يصمد إليه الناس إذاً هو بمعنى مفعول يعني مصمود إليه، تصمد إليه الخلائق؛ لرغبتها وحاجتها وفقرها ومسألتها.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارٍ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: الصَّمَدُ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ.
وبهذا أيضا قال الزجاج في كتابه "معاني القرآن وإعرابه" الصمد ذكر فيه بعضهم كصاحب "التفسير الكبير" ثمانية عشر قولا في معنى الصمد وهذه الأقاويل كثير منها يرجع إلى بعض من جهة المعنى، وبعض هذه الأقاويل فيها بعد بعضهم يقول: اللَّهُ الصَّمَدُ يعني الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزول.
وبعضهم يقول: فسره ما بعده قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ قالوا هذا معنى الصمد ولاحظ الآن حينما يقال للباقي الدائم، أو حينما يقال: لم يلد ولم يولد هذا يدل على أنه كمل في غناه كمل في سؤدده أنه ليس بمفتقر؛ لأن الذي ولد هذا ليس بدائم، وهو مفتقر لمن يوجده، فهو كائن بعد أن لم يكن حادث لاحظ ارتباط هذه الأقوال، والذي له ولد فهذا الافتقار إلى الولد أن يعاونه أو أن يبقى ذكره بعده، هذا نوع افتقار، الناس مفتقرون إلى الولد والله هو الغني الغنى المطلق يحتاج إلى الولد ليعاونه أو يحتاج إلى الولد ليتكثر به ونحو هذا، لهذا بعضهم يقول: المستغني عن كل أحد، ويحتاج إليه كل أحد، وبعضهم يقول: هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، بعضهم يقول: الكامل الذي لا عيب فيه، وبعضهم كالحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير وابن المسيب ومجاهد وابن بريدة وعطاء والسدي يقول: المصمت الذي لا جوف له، معناها أنه ليس بمفتقر لغيره؛ لأن الذي له جوف يكون مفتقرا للطعام للشراب إلى آخره، من هنا قال بعضهم: الذي لا جوف له، لكن ابن جرير رحمه الله فسره بما عرف عند العرب معنى هذه اللفظة؛ لأن ألفاظ الشارع تفسر بالمعنى الشرعي إن وجد فإن لم ويجد رجع إلى المعنى العرفي في عرف المخاطبين الذين خاطبهم القرآن إن وجد لهم معنى خاص، يعني أخص من مطلق المعنى اللغوي فإن لم يوجد معنى عرفي خاص يرجع إلى المعنى اللغوي، فهنا كلمة الصمد ليس لها معنى شرعي خاص، وليس لها معنى عرفي خاص، وإنما يرجع فيها إلى كلام العرب، فابن جرير يقول هو عند العرب: السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، يعني بمعنى السيد الذي قد كمل في سؤدده، وكمل في غناه، وتصمد إليه الخلائق لحاجاتها وفقرها وما إلى ذلك من هذه المعاني التي سبقت، فكثير من هذه الأقوال إلى هذا المعنى اللَّهُ الصَّمَدُ تدل على غناه الكامل وعلى كماله المطلق وعلى فقر الخلق إليه من كل وجه فهم يصمدون إليه في حاجاتهم وهو غني عن كل أحد، ومن غناه أنه لم يلد ولم يولد، لم يكن مفتقرا إلى موجد أو إلى سبب للوجود فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وكذلك أيضاً ليس بمفتقر إلى الولد فالذي وجد وولد هذا حادث كائن بعد أن لم يكن وتعالى الله وتقدس عن ذلك، والذي يلد فهذا يكون مفتقرا، ويكون أيضا منقضيا زائلا ذاهبا والله تعالى منزه عن ذلك كله.
وابن عاشور أيضا أرجع هذه الأقوال إلى معنى واحد مفتقر إليه كل ما عداه، فهذا قريب من قول ابن جرير اللَّهُ الصَّمَدُ.