وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَلَا صَاحِبَةٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يَعْنِي لَا صَاحِبَةَ لَهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَنْعَامِ:101] أَيْ هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نَظِيرٌ يُسَامِيهِ، أَوْ قَرِيبٌ يُدَانِيهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مَرْيَمَ:88- 95].
وَقَالَ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الْأَنْبِيَاءِ:26- 27]، وَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات:158- 159] وفي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ[1].
وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد[2].
آخر تفسير سورة الإخلاص، ولله الحمد والمنة.
هنا قوله - تبارك وتعالى -: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ قدم يلد على يولد، وقد يقول قائل: إن المتبادر تقديم يولد ثم بعد ذلك يقال: يلد، وأهل العلم أجابوا عن هذا قالوا: لأنه لم يدع أحد أنه - تبارك وتعالى - وتقدس أنه له والد ما ادعى هذا أحد من الطوائف، ولكن الذي ادعي أن له الولد، كما قال المشركون: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فهذه الدعوى كما قال الله - تبارك وتعالى -: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا [مريم:88] والحديث: ويجعلون له ولدا[3]، فنسبة الولد إلى الله - تبارك وتعالى - قال بها هؤلاء الطوائف من المشركين من مشركي العرب ومن مشركي أهل الكتاب، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فقدم يلد على يولد وعبر بالماضي يلد، وهذا يمكن أن يكون في سياق الرد عليهم؛ لأنهم ادعوا الولد في الماضي وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، فهذه دعاوى أن لله ولدا وأنه كان وحصل، فهنا قال: لَمْ يَلِدْ يرد عليهم هذه الدعوى التي ادعوها نسبة الولد إليه ما قالوا: إنه سيكون له ولد ولكنهم نسبوا إليه ولدا كائنا وحاصلا في زمن مضى، قالوا: ولد الله فجاء هذا الرد عليهم.
هنا ابن جرير رحمه الله يقول: لم يلد، ليس بفان هكذا فسرها لم يلد ليس بفان هذا الذي قاله في تفسيرها لم يلد يعني ليس بفان: لأنه لا شيء يلد إلا وهو فان بائد، ولم يولد ليس بمحدث لم يكن فكان؛ لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن، معنى كلام ابن جرير - رحمه الله - أنه تفسير باللازم هذا تفسير صحيح تفسير باللازم، هو لا ينكر المعنى الظاهر ويقول به، ولكن لظهوره وجلائه لا يحتاج إلى بيان معروف معنى لم يلد ولم يولد، لكن بين لازمه إذا كان لم يلد فمعنى ذلك أنه الباقي، الآخر الذي ليس بعده شيء، أما الذي يلد فإنه ولده يكون وارثا له، والذي ولد يكون وجد بعد أن لم يكن.
إذن هو ليس بمحدث، هذا اسمه تفسير باللازم، وهذا من أوضح تفسير صور التفسير باللازم، ولابن جرير أشياء من هذا يعني مثالاً ما سبق من قوله - تبارك وتعالى -: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255] ابن جرير يقول: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ يعني لا تغيره الحوادث وذكر كلاما نحو هذا لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ معروفة السنة ومعروف النوم على خلاف في الفرق بينهما السنة بعضهم يقول: هي مقدمة النوم، وهذا صحيح، والنوم هو النوم المعروف، ولهذا قالوا: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب، فهنا لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ فالذي تأخذه سنة ونوم معناها أنه يعتريه ما يعتريه من التغير والتحول من حال إلى حال، فيكون في حال من القوة والنشاط، ويكون في حال من الضعف، وما إلى ذلك، فابن جرير يقول: لا تعتريه ولا ترد عليه النقائص والعوارض والحوادث وما إلى ذلك، يعني لا يحول ولا يزول، هذا كلام ابن جرير هذا تفسير له بلازمه.
يقول: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ الكفء هو النظير ليس له كفؤ يكافئه، ليس له نظير ولا مثيل ولا عديل ولا شبيه، ولهذا ابن جرير - رحمه الله - يفسر الكفء بالمثل والشبه، ليس له عديل الله - تبارك وتعالى - منفرد بالكمال من كل وجه ولهذا في قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كما سبق هو واحد في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
وذكرنا من قبل في قوله - تبارك وتعالى -: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، بعضهم قال: الوتر هو الله وتر والخلق هم الشفع، هذا أحد الأقوال في الآية، وسبق كلام ابن جرير في أنها تشمل ذلك جميعاً كل ما يصدق عليه أنه شفع أو وتر.
فالخلق شفع والله - تبارك وتعالى - وتر، وهكذا أيضا آدم وتر، والذرية شفع، إلى غير ذلك.
- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ [الذاريات: 58]، برقم (7378)، عن أبي موسى الأشعري بلفظ: ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم.
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: اللَّهُ الصَّمَدُ، برقم (4975).
- أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الصبر على الأذى، برقم (6099)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لا أحد أصبر على أذى من الله ، برقم (2804).