الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلََكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة يوسف:111].

يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف نجينا المؤمنين، وأهلكنا الكافرين.

عِبْرَةٌ لأولي الألْبَابِ: وهي العقول".

يعني أنهم يعتبرون بذلك، وما جرى لهم، وما وقع من نصر الرسل - عليهم الصلاة والسلام - على المكذبين، وما أشبه ذلك، والعبرة مأخوذة من العبور، فينتقل فيها الإنسان من النظر في أمر إلى غيره، فيحصل له مقصوده بذلك، فلا يقع في المحظور، والمكروه، ينظر فيما وقع مثلاً لغيره فينتقل من ذلك إلى نفسه، فيقول: لو كنت مكانه لحصل لي مثل ما حصل له، فيعتبر، ولهذا يقال: العاقل من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، وأنه إذا نظر الإنسان إلى ما حصل للمكذبين من العقوبات، والعذاب، والمثُلات؛ فإنه ينتقل من ذلك إلى نفسه، وأنه لو كان بهذه المثابة لحل به ما حل بهم، فيعرف قدر نعمة الله عليه، فيتجنب أسباب الهلاك وما أشبه هذا، والأصوليون يذكرون مثل هذه المواضع محتجين بها على إثبات القياس؛ لأنه فيه نوع اعتبار، والله يقول: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [سورة الحشر:2]، فالقياس: هو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما، ويقولون: العَبرَة أصلها بهذا المعنى، يعني تنتقل من الخد إلى العين، أو العكس.

"مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ أي: وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله أي يُكذب ويُختلق، وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي: من الكتب المنزلة من السماء وهو يُصدّق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف، وتبديل، وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ، أو التقرير، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ من تحليل، وتحريم، ومحبوب، ومكروه، وغير ذلك من الأمر بالطاعات، والواجبات، والمستحبات، والنهي عن المحرمات، وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الأمور الجلية، وعن الغيوب المستقبلة المجملة، والتفصيلية، والإخبار عن الرب - تبارك وتعالى - بالأسماء، والصفات، وتنزهه عن مماثلة المخلوقات؛ فلهذا كان هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد، ومن الضلال إلى السداد، ويبتغون به الرحمة من رب العباد في هذه الحياة الدنيا، ويوم المعاد، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم في الدنيا، والآخرة، يوم يفوز بالربح المُبْيضةُ وجوههم الناضرة، ويرجع المسودّة وجوههم بالصفقة الخاسرة.

آخر تفسير سورة يوسف ، ولله الحمد والمنة، وبه المستعان".