الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجْمَعُوٓا۟ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ [سورة يوسف:15].

يقول تعالى: فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه - فيما يظهرونه له - إكراماً له، وبسطاً، وشرحاً لصدره، وإدخالاً للسرور عليه، فيقال: إن يعقوب لما بعثه معهم ضمه إليه، وقبله، ودعا له".

قوله: فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ هذا شرط فأين جوابه؟ بعض أهل العلم يقول: الجواب مقدر، وتفاوتت عباراتهم في هذا المقدر، فمن ذلك قول من قال بأنه فعلوا ما فعلوا فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ فعلوا ما فعلوا يعني ألقوه في الجب، وبعضهم يقول غير ذلك في التقدير، ومن أهل العلم من قال بأن الجواب مذكور، وهذا الجواب هو قوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، وقالوا: إن الواو هنا صلة، ويقصدون بـ صلة أنها زائدة، وهذا يقع في كلام العرب، بمعنى أنهم لما ذهبوا به وهم مجمعون على أن يجعلوه في غيابة الجب؛ أوحى الله إليه في هذه الأثناء بهذا الوحي لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا، وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ.

"فذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له، وبين إظهار الأذى له؛ إلا أن غابوا عن عين أبيه، وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل، ودلوه فيه؛ فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه، وشتمه، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه يقال لها الراغوفة فقام فوقها".

هذا لا يعتمد عليه؛ لأنه من الإسرائيليات.

"وقوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يقول تعالى ذاكراً لطفه، ورحمته، وعائدته، وإنزاله اليسر في حال العسر؛ إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطييباً لقلبه، وتثبيتاً له: إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجاً، ومخرجاً حسناً، وسينصرك الله عليهم، ويعليك، ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع، وقوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ وقال ابن عباس - ا -: ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك وهم لا يعرفونك، ولا يستشعرون بك".

هذا هو المشهور، وهو المتبادر من السياق أن الله أخبره بما سيجري في العاقبة في المستقبل، بمعنى أن هذا الإلقاء في البئر، أو أن هذه المؤامرة؛ لن تودي به إلى التلف، وإنما سيكون له من ذلك فرجٌ، ومخرج لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فهذا وعدٌ من الله له بما سيكون في المآل بينه وبين إخوته، وهذا هو الذي حصل، وهو ما ذكره الله بعد ذلك في آخر هذه القصة لما قال لهم يوسف ﷺ: هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ [سورة يوسف:89]، فقالوا له: أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا [سورة يوسف:90]، فالشاهد أنه أخبرهم بهذا، ثم قالوا له: تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا [سورة يوسف:91]، ثم قال لهم: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [سورة يوسف:92]، فالشاهد أنه أخبرهم بهذا كما وعده الله - تبارك وتعالى -، والمقصود بقوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني حينما قال لهم ذلك، ودخلوا عليه؛ حينما كان هو العزيز في مصر ما كانوا يعرفون أنه يوسف، فلما سألهم، وقال لهم هذا الكلام؛ عرفوا بعد ذلك وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ نبأهم بهذا وهم لم يشعروا أنه يوسف.

ومن أهل العلم من يقول: إن قوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعود إلى الوحي، يعني وأوحينا إليه وهم لا يشعرون يعني بإيحائنا في هذه الأثناء ما علموا أن الله أوحى إليه، لكن هذا فيه بعد، والأقرب هو الأول كما يدل عليه ظاهر القرآن.