الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَجَآءُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ۝ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ۝ وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [سورة يوسف:16-18].

يقول تعالى مخبراً عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب أنهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون، ويظهرون الأسف، والجزع على يوسف، ويتغممون لأبيهم، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ أي: نترامى.

نستبق بمعني نترامى يعني نَنْتضِل يعني نرمي بالسهام، وبالنبال، وهذا يدل عليه قراءة ابن مسعود وهي ليست من القراءات المتواترة بطبيعة الحال "نَنْتضِل"، وكما سبق أن القراءة الأحادية تفسر القراءة المتواترة، "ننتضل"، والانتضال هو الرمي بالسهام، كما أن الرهان يقال للمسابقة في الخيل، والسباق يشمل ذلك جميعاً كما قال بعض أئمة اللغة كالأزهري، ويحتمل أن يكون ذهبنا نستبق: يعني نعدو على الأقدام، لكن الأول أولى؛ لدلالة القراءة التي أشرت إليها - والله تعالى أعلم - نَسْتَبِقُ  يعني ننتضل، وهو بمعنى قوله هنا: أي نترامى.

"وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا أي: ثيابنا، وأمتعتنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وهو الذي كان قد جزع منه، وحذر عليه، وقوله: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ تلطفٌ عظيم في تقرير ما يحاولونه، يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا - والحالة هذه - لو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟؛ لأنك خشيت أن يأكله الذئب فأكله الذئب، فأنت معذور في تكذيبك لنا لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا.

يعني أنه حذرهم وقال: إني أخاف أن يأكله الذئب، فقالوا له: نحن عصبة، وكيف يأكله الذئب من بيننا؟ ثم يأتون إليه، ويقولون له: أكله الذئب، فهذا أمرٌ كيف يصدق، وكيف يقبل، وهم قد ذكروا له ما يدل على بُعده، ونفيه، ثم يحتجون به، لكنهم تلقوا هذه الحجة منه، عندما قال لهم: أخاف أن يأكله الذئب، وكأن ذلك من الشيء الذي لهم به عهد، يعني ربما كانوا يحدثونه عن ذئبٍ إذا خرجوا يعرض لهم أو نحو ذلك، فقال: أخاف أن يأكله الذئب، وتكون "ال" عهدية الذئب المعهود، وربما يكون المكان الذي يذهبون إليه أصلاً كثير الذئاب، لكن لو كان كذلك لقال: أخاف أن يأكله ذئبٌ، لكن حينما يقول: أخاف أن يأكله الذئب فهو ذئب معهود، كأنهم حدثوه عنه، والذئب معروف حتى إنه قيل له ذلك لأنه يأتي من كل وجه، يأتي وهو كثير الحركة، والانتقال، وخفيف في هذا جداً، فيأتي من هنا، ويأتي من هنا، ويذهب من هنا، ويرجع من هنا، فتارةً يأتي من الجنب، وتارة من الناحية الأخرى، وتارةً من الخلف، وتارة ... لا يفْتُر، إذا دفعته من جهة لا تشعر إلا بمجيئه من جهة أخرى، فقيل له ذلك - والله أعلم -.