الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ أي: مكذوب مفترى، وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة".

قال بعض أهل العلم في قوله: "كَذِب": إن "فَعِل" هنا بمعنى مفعول، "دمٍ كذب" أي دمٍ مكذوب، ولكن لو أخذنا ظاهر اللفظ بِدَمٍ كَذِبٍ هنا وصف اسم العين باسم المعنى، فالدم عين، والكذب معنى، فهنا وصف اسم العين الذي هو الدم باسم معنى بأنه كذب، يعني من الممكن أن يقال: بدمٍ طري مثلاً، ولهذا جاء في قراءة غير متواترة "كَدِب" بالدال، ومعنى "كدب" يعني طري، دم جديد رطب، بدمٍ كدب، فهنا يكون وصْفُه على هذه القراءة وصفَ اسم العين باسم عينٍ، لكن "كذب" هذا اسم معنى، فإذا حصل ذلك في كلام العرب فإنه يكون من المبالغة في تأكيد الشيء، وشدة ارتباطه بهذه الصفة، يعني كأن هذا الدم هو عين الكذب.

"وهو أنهم عمدوا إلى سخلة - فيما ذكره مجاهد والسدي وغير واحد - فذبحوها، ولطخوا ثوب يوسف بدمها موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، وقد أصابه من دمه، ولكنهم نسوا أن يخرقوه؛ فلهذا لم يَرُج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب، بل قال لهم معرضاً عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي: فسأصبر صبراً جميلاً على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه، ولطفه، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ أي: على ما تذكرون من الكذب، والمحال".

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا سولت بمعنى سهلت، وزينت، وأصل ذلك يقال: التسويل هو تقرير معنىً في النفس، يطمع صاحبه بإتمامه، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يحتمل أن يكون المبتدأ محذوفاً أي فشأني صبرٌ جميل، أو صبري صبرٌ جميل، أو الذي أنا عليه صبرٌ جميل، ويحتمل أن يكون الخبر هو المحذوف أي صبرٌ جميل صبري، والصبر الجميل هو الذي لا جزع معه، ولا شكاية، والهجر الجميل هو الهجر الذي لا يكون معه أذى - والله أعلم -.