القد من قُبل قرينة وإن لم تكن قاطعة بحد ذاتها، والعلماء أخذوا من هذا أنه يجوز العمل بالقرائن إذا تعذرت البينة، وإلا فيمكن أن تكون قد جذبت قميصه من الأمام فانشق من الوراء، والعكس أيضاً يعني في مجاري العادات هذا غير ممتنع، ولكن الغالب إذا كان الجذب من الخلف يكون القد من الخلف، والعكس بالعكس، ولكن هذا ليس بقاطع مائة بالمائة؛ فدل على جواز العمل بالقرائن، وهذا مثال على استنباط الأحكام من القصص، يعني الآيات التي أُوردت بقصد تقرير حكم شرعي هي التي يسميها العلماء - رحمهم الله - بالخمسمائة آية - آيات الأحكام -، وألف فيها كثيرون، وأكثرُ من أَلّف في أحكام القرآن هي في الخمسمائة آية، وأول كتاب وصلنا في هذا؛ كتاب مقاتل بن سليمان المتوفى سنة مائة وخمسين للهجرة، اسمه "تفسير الخمسمائة آية"، ولا يقصدون أن آيات الأحكام هي خمسمائة آية فقط، وإنما يقصدون الآيات الصريحة التي سيقت لتقرير الحكم مثل: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43]، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ [سورة البقرة:228] وما أشبه هذا، لكن هناك أشياء أخرى من الأحكام تستنبط من القصص مثل هذه يستنبط منها جواز العمل بالقرائن، ويستنبط من قول الله: وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ [سورة يوسف:72] مسألة الكفالة، والجعالة، ومسألة شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا ما يوافق ذلك فلا إشكال قطعاً في العمل به، أما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، ولم يرد فيه ما يوافقه؛ فهذا الذي قال بعض أهل العلم: إنه لا يعمل به، وأكثر أهل العلم على أن ذلك يشرع العمل به، والقرطبي - رحمه الله - في تفسيره - وهو من أجلِّ التفاسير - لم يقتصر على الخمسمائة آية فقط بل فسر جميع القرآن، واستنبط من كل ما يمكن الاستنباط منه، وهكذا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
"وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغير أو كبير؟
فروى عبد الرزاق عن ابن عباس - ا -: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا قال: "ذو لحية"، وقال الثوري: عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - ا -: "كان من خاصة الملك"، وكذا قال مجاهد وعكرمة، والحسن وقتادة، والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم: "إنه كان رجلاً"".
يعني أنه كان رجلاً من خاصة الملك، بعض أهل العلم يقول: هذا رجل كان يستشيره الملك، وبعضهم يقول: كان ابن عمها، وبعضهم يقول: ابن خالها، وبعضهم يقول غير ذلك؛ أقاويل كثيرة، وعامة هذه الأقوال إن لم يكن كل هذه الأقوال لا دليل عليها، إلا قول من قال: إنه كان صغيراً في المهد؛ لما أخرجه الإمام أحمد وغيره في الذين تكلموا في المهد[1]، والحديث أقل أحواله - إن شاء الله - أنه حسن، وفي الصحيحين ذكر أنهم ثلاثة[2]، والأحاديث التي جاءت في الذين تكلموا في المهد يمكن أن يجمع منها أكثر من أربعة، لكنّ عدداً من هذه الأحاديث لا يصح، والحديث الذي رواه أحمد ذكر أربعة وهم: ابن ماشطة بنت فرعون، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وصح أيضاً في بعض الأحاديث في قصة الأخدود المرأة التي كانت تحمل صبياً فترددت حينما قدمت على الأخدود تلقي بنفسها أو لا، فقال: يا أمه إنك على الحق[3]، وصح خبر المرأة التي كانت تحمل صبياً، فمر بها فارس، فقالت: "اللهم اجعل ابني مثل هذا"، وكان قد التقم الثدي يعني يرضع، فترك الثدي، وقال: "اللهم لا تجعلني مثله"، ثم مرت بجارية يضربها أهلها، وقالت: "اللهم لا تجعل ابني مثل هذه"، فترك الثدي، وقال: "اللهم اجعلني مثلها"[4]، وجاء في بعض الروايات الضعيفة غير هذا، فإذا صحت هذه الرواية أن من هؤلاء شاهد يوسف؛ فإنه يوقف عنده، وباقي الأقوال لا دليل عليها، قد يكون كذا أو كذا أو غير ذلك، إلا أن من هذه الأقوال قولاً يمكن الجزم ببطلانه، وهذا من غرائب التفسير، وإن قال به أحد من التابعين يقول: إنه ليس بإنسي، ولا جني، أو ولا ملَك، كيف يكون هذا والله يقول: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وأهل هذه المرأة من الإنس قطعاً؟
الصبي الذي كان في الدار قد لا يكون في المهد، قد يكون طفلاً؛ لكنها لم تكترث به، ولم تلتفت إليه، ربما ظنت أنه لا يميز، أو لا يؤبه له، فتكلم بمثل هذا، وإذا صحت هذه الرواية فإنه يقال: إنه كان في المهد، والعلم عند الله .
- رواه الإمام أحمد في المسند (5/30)، برقم (2821)، وفيه قال ابن عباس - ا -: " تكلم أربعة صغار: عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون"، وقال محققوه: إسناده حسن.
- - رواه البخاري من حديث أبي هريرة برقم (3253)، كتاب الأنبياء، باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا [سورة مريم:16]، وذكر ثلاثة، عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج، وولد المرأة التي مر بها فارس فقالت: اللهم اجعل ولدي مثل هذا، فقال: اللهم لا تجعلني مثله...، ومسلم برقم (2550) كتاب البر والصلة والآداب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .
- رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى عن صهيب برقم (3005)، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام.
- رواه البخاري برقم (3253)، كتاب الأنبياء، باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا، ومسلم برقم (2550)، كتاب البر والصلة والآداب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها، من حديث أبي هريرة .