قوله: يَا صَاحِبَيِ السّجْنِ نسبهما إلى السجن باعتبار أنهما يقيمان فيه، ولا إشكال في هذا يقال: أصحاب النار، أصحاب الجنة، وما أشبه ذلك، فقوله: أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ أرباب متفرقون في الذوات، في الصفات، في العدد، في كل ذلك أرباب متفرقون، خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ، و"خير" أفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأن "خير" تأتي بمعنى التفضيل كما هو معلوم كما قال ابن مالك:
وغالباً أغناهم خير وشر | عن قولهم أخير منه وأشر |
لكن هنا ليست على بابها، وإنما المقصود بها مطلق الاتصاف؛ لأن أفعل التفضيل تكون بين اثنين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها، فهذه المعبودات من الأحجار، والأشجار؛ لا يمكن أن تقارن، أو أن يوجد بينها اشتراك في معنىً مع الله - تبارك وتعالى - أبداً، ففي الخيرية لا وجه للمقارنة حتى يقال: هي خير أم الله الواحد القهار؟
ألم ترَ أنّ السيفَ يَنقصُ قدرُه | إذا قيل إنّ السيفَ أمضى من العصا |
ثم قال لهم: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ أَسْمَآءً سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مّآ أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ، إِلاّ أَسْمَآءً يعني هي ليس لها حظ من الإلهية، والربوبية؛ سوى أنكم سميتموها بهذه الأسماء التي لا تغير من الحقائق شيئاً، أنتم أضفيتم عليها أسماء الآلهة، وذلك لا يصيرها آلهة، فهي أسماء لا حقيقة لها، ولا نصيب لها من هذه المعاني التي تضمنتها كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: "إذا سُمى قشر البصل لحماً؛ فإنه لا يتحول إلى لحم، وإذا سُمى التراب خبزاً فأكله فإنه لا يكون خبزاً بهذه التسمية"، وهكذا أيضاً في سائر الأشياء، فالتسمية لا تغير من الحقائق، فهذه عبارة عن أحجار، وأشجار، فإذا سموها بأسماء الآلهة، وعدّوها آلهة؛ فهي مجرد أسماء سموها هم، وآباؤهم، مّآ أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ أي: حجة.