الإثنين 21 / ذو القعدة / 1446 - 19 / مايو 2025
ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"بل قال: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي: يأتيكم الخصب، والمطر؛ سبع سنين متواليات، ففسر البقر بالسنين؛ لأنها تثير الأرض".

تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً يحتمل أن يكون المراد بـ دَأَباً أي: كما هو دأبكم، وعادتكم التي كنتم عليها، وهذا المعنى الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - وقال بعضهم: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي: دائبين، وقال بعضهم: إن قوله: دَأَباً يرجع إلى السنين السبع.

"ففسر البقر بالسنين؛ لأنها تثير الأرض التي تستغل منها الثمرات، والزروع، وهن السنبلات الخضر".

البقرات السمان ترمز للسبع السنين المخصبة، والسبع السنبلات الخضر ترمز للسبع السنين المخصبة، والعجاف والسنبلات الصفراء التي قد التوت، ترمز للسنين العجاف.

"ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال: فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ أي: مهما استغللتم في هذه السبع السنين الخصب فادخروه في سنبله ليكون أبقى له، وأبعد عن إسراع الفساد إليه".

يتركوه في سنبله حتى لا تأتيه الآفات التي تتلفه كالسوس وغيرها قال: إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ عبّر بالأكل؛ لأنه هو المقصود.

"إلا المقدار الذي تأكلونه وليكن قليلاً قليلاً، لا تسرفوا فيه لتنتفعوا في السبع الشداد، وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع المتواليات وهن البقرات العجاف اللاتي تأكل السمان؛ لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب وهن السنبلات اليابسات، وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئاً، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء، ولهذا قال: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ أي: يأتيهم الغيث: وهو المطر، وتغل البلاد، ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم من زيت ونحوه، وسكر ونحوه".

معنى قوله: يَعْصِرُونَ، أي: ما يعصرون على عادتهم من الزيت، وهذا هو الظاهر المتبادر، وقال بعضهم: إن معنى يَعْصِرُونَ أي: يحلبون، وهذا وإن كان يقال في لغة العرب إلا أنه قليل، وليس ذلك بالظاهر المتبادر، وتحمل معاني القرآن على المتبادر الأكثر والأغلب في الاستعمال، وقال بعضهم: يَعْصِرُونَ أي: ينجون ويحصل لهم النجاة، وهذا قليل في الاستعمال فلا يفسر به مثل هذا الموضع - والله تعالى أعلم -.

وقوله: ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [سورة يوسف:49] هذا القدر الذي ذكره يوسف ﷺ ليس في نفس الرؤيا - والله تعالى أعلم -، وكأن الله أوحى إليه بذلك، فأخبرهم به زيادة على مضمون الرؤيا التي عبّرها لهم.