الثلاثاء 13 / ذو الحجة / 1446 - 10 / يونيو 2025
وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قوله: وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ۝ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ۝ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ ۝ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ۝ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة يوسف:58-62].

ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر أن يوسف لما باشر الوزارة بمصر ومضت السبع السنين المخصبة، ثم تلتها السبع السنين المجدبة، وعم القحط بلاد مصر بكمالها، ووصل إلى بلاد كنعان وهي التي فيها يعقوب وأولاده، وحينئذ احتاط يوسف للناس في غلاتهم، وجمعها أحسن جمع؛ فحصَلَ من ذلك مبلغ عظيم، وهدايا متعددة هائلة، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم، والمعاملات، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة، وكان لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار، حتى يتكفى الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين، وكان رحمة من الله على أهل مصر.

فكان من جملة من ورد للميرة إخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك، فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً، وركبوا عشرة نفر، واحتبس يعقوبُ عنده ابنه بنيامين شقيق يوسف ، وكان أحب ولده إليه بعد يوسف، فلما دخلوا على يوسف وهو جالس في أبهته، ورياسته، وسيادته؛ عرفهم حين نظر إليهم، وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أي: لا يعرفونه؛ لأنهم فارقوه وهو صغير حدث، وباعوه للسيارة، ولم يدروا أين يذهبون به، ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه، فلهذا لم يعرفوه، وأما هو فعرفهم، فذكر السدي وغيره أنه شرع يخاطبهم فقال لهم كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا: أيها العزيز إنا قدمنا للميرة، قال: فلعلكم عيون؟ قالوا: معاذ الله".

لا يدل دليل لا في الكتاب، ولا في السنة على حصول هذه المحاورة بين يوسف وبين إخوته، ويحتمل أنه تحدث معهم؛ سألهم سؤالاً فعرف من خلاله أن لهم أخاً من أبيهم فقال: ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ [سورة يوسف:59].

"قال: فمن أين أنتم؟ قالوا من بلاد كنعان، وأبونا يعقوب نبي الله، قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر، فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه، وبقي شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه، فأمر بإنزالهم، وإكرامهم، وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ أي: أوفى لهم كيلهم، وحمل لهم أحمالهم؛ قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ يرغبهم في الرجوع إليه.

قوله: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ، والجَهاز والجِهاز بالكسر يقال لما يزود به الإنسان، وما يأخذه معه أو يحمله من بضاعة، أو متاع، أو طعام، أو ما تقتضيه حاله، جهزهم بهذه الأطعمة التي جاءوا يشترونها، وقال لهم: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ، أي: هو ذكر لهم أوصافه الكاملة أنه يوفي الكيل، وأنه خير المنزلين أي: خير من يضيّف الناس في هذه الأرض، أو في بلاد مصر.